وقفات مع الامير ابن مكزون

يقول الشيخ ابن مكزون السنجاري(عاش في أوائل القرن السابع الهجري في سنجار بالعراق) : من عرف موقع الصفة ،بلغ قرارالمعرفة اهـ .  أي من عرف وأدرك أن الصفات ،لاتقع على الذات الإلهية ،وإنما هي مستفادة منها،ومفادة الى بساط الألوهية،والذي هو ديوان الحضرة الإلهية،وراجعة عليها،من عرف ذلك بلغ قرار المعرفة.لهذا نبينا صلى الله عليه وسلم استعاذ بأسماء وصفات  إلهية من أخرى :أعوذ برضاك من سخطك.أعوذ بمعافاتك من عقوبتك … ثم في النهاية سلم الأمورللهوية الإلهية :أعوذ بك منك.ولم يقل  صلى الله عليه وسلم، أعوذ بذاتك من كذا، وكذا. حتى الملائكة كانوا في غاية الأدب حين قالوا”ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك”وما قالوا،ونقدس ذاتك. فالأسماء الألهية هي المتجلية في ذرات الوجود،وسارية فيها، كسريان الماء في الأشجار، و الواحد في الأعداد،لاغنى للأشجارعن الماء،ولاغنى للأعداد على الواحد، وللحروف عن الألف. التجلي هو مدد الكون وغذاؤه، والله بكل شئ محيط ،فتأمل ولسان حالك يقول (شعر ابن مكزون):

نظري في الزجاج أشهدني نفسي ♣ وغيري على خلاف الحال

مثل مافي المرآة أشهد مَنْ خلفي♣ أمامي وعن يميني شمالي

وستقول لنفسك في  المرآة : أنا لا أنا،هو لاهو.

 وسوف تقول للزجاج: 

                  أراني فيك موجودا♣ وعني أنت منفرد (ابن مكزون)

قال ابن عربي :هو الظاهر في المظاهر،أي ظاهر بأسمائه التي لا حصر لها، بلا حلول ولا وحدة ولا إتحاد. الرب رب والعبد عبد وان اشتركا في العهد” واوفوا بعهدي اوفي بعهدكم”اهــ.

يقول الشيخ الأكبر في الباب الخامس ومائتين :هو عين كل شئ في الظهور،ماهو عين الأشياء في ذواتها سبحانه، بل هو،هو ،والأشياء أشياء. العبد عبد، والرب رب ،فلا تغالط ولا تخاط ، لأن ماهية الحق،غير ماهية العبد،ماهية الحق،واجبة وماهية العبد ممكنة.اهـ..  لقد اخطأ من إتهم ابن عربي بالقول بوحدة الوجود.

وما الوجه إلا واحد غيرأنه  ♣ إذا أنت عددت المرايا تعددا

تجليات الأسماء الإلهية متعددة ،بتعدد صور الممكنات، فكما تظهر صورتك متعددة في مرايا متعددة ،فتبدو في كل مرآة بزاوية خاصة،ووجه مختلف، متكثر، وأنت أنت لم تتعدد، ولم تحل في المرايا، ولم تتحد معها. ولكل زمان تجليات تخصه ،بل ولكل دقيقة تجل يخصها” كل يوم هو في شان “. فالتجليات الإلهية هي غذاء الكون ومدده،وهي التي تحفظ له بقاءه .فلا تكرار في الوجود وإن ظهر في الشهود، للوسع الإلهي،ومن أسماء الله الواسع.والكون الإلهي هو محل إنفعال المقتضيات الأسمائية ،فالرزاق يطلب المرزوق ،والمرزوق يطلب الرزاق والغفار يطلب المذنب ….وقس على هذا باقي الأسماء.  قال العارف الكبير الامير ابن مكزون:

إذا وصف العشاق معنى جمالكم ♣ فتجريده من كل وصف وصفي

   وإن عبروا باللطف عنه فإنني ♣ أقول مفيد اللطف جل عن اللطف

 فالذات الالهية بالنسبة له متعالية عن الأسماء والصفات ،فالأسماء والصفات مفادة منها،ولكنها هي ذاتها فوق حدود التسمي وفوق تقييد الصفات:

يفنى الكلام ولايحيط بوصفه ♣ أيحيط مايفنى بما لاينفد؟

يقول ابن مكزون :وتعدد الصفات لاينفي وحدة الموصوف… ومن لطف الله أنه يتقرب إلينا،ويتعرف علينا، بأوصافنا، وذلك على سبيل الإيناس المألوف، بدلا من أن يواجهنا بذاته ،التي ليس كمثلها شئ فيسحقنا الجلال(انتهى).اسم الجلالة “الله “له وجهة الى الذات الإلهية،ووجهة الى المخلوقات،ومن هذه الوجهة تعرف إلينا بأوصافنا،فوصف نفسه بالهرولة والضحك،والسخرية، والإستهزاء،والمكر،والغضب …إلى غيرذلك من الصفات البشرية. و الألوهية،هي التي وهبت الأسماء خصائصها، وصفاتها،والذات منزهة عن الوصف،والكيف ،لاتحل في كيان،ولا تظهر للعيان.فالصفات الإلهية تقع على الإسم “الله” ولاتقع على الذات،ومن هنا قال تعالى”  سبح اسـم ربك الاعلى”  ..” فسبح باسم ربك العظيم” …” واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا”…” واذكر اسم ربك بكرة واصيلا” …” تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام” ..” اقرأ باسم ربك”.

أيات متشابهات واخر محكمات

والمعرفة عند ابن مكزون نوع من الجهل ،المستمرلاينتهي إلا ليبدأ ،فهو يحاول أن يعرف الذات بواسطة الأسماء، ثم يفاجَأ، أنه إنما عرف أن الذات هي التي وهبت الأسماء خصائصها ،وصفاتها المميزة، واحتفظت ببطونها في غيب سر،غيب السر منزهة عن الوصف والكيف ..

عباراتنا شتى وحسنك واحد ♣وكل إلى الجمال يشير

فالله بإفادته القدرة للقادرين سمي قادرا ،وبإفادته الكرم للكرماء سمي كريما، وكذلك كل ما وصف به إنما جرى عليه من قبيل أنه هبة وإفادة،لا من قبيل أن هذا الوصف كمال لذاته ،فصفات الحق بهذا الإعتبار موهوبات من الألوهية ،ومفادة لأسمائه الحسنى،أما ذاته فمنزهة عن كل وصف يشبهها بالمخلوقات. فهو سبحانه أظهر لهم وجهة خلقية،ليستأنسوا بها وحتى لا يسحقهم الجلال.

وعدم فهم هذه الرقائق هو من اوحال التوحيد الذي اشار اليها المشيشي رحمه الله تعالى. ” من عرف موقع الصفة ،بلغ قرارالمعرفة”.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد صاحب الشرائع الاحمدية والشريعة المحمدية وعلى اله وصحبه

محمد بن المبارك.

حصل المقال على : 1٬665 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد