بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. بعض السنوات يكون اختلافٌ بين السعودية،وبلدان إسلامية أخرى خصوصا المغرب،فيكون دخول شهر ذي الحجة بالسعودية،قبل المغرب، وبالتالي يكونُ يوم عرفة بالنسبة للسعودية هو اليوم الثامن بالنسبة للمغرب ،فهل المسلم يصوم اليوم الثامن بالنسبة لبلده ؟أم يصوم اليوم التاسع التابع للتقويم شهر بلده ،والذي هو يوم العيد بالنسبة للسعودية؟. أما إذا سبَقَ بلدٌ السعوديةَ في دخول ذي الحجة ،فإنَّ يوم العيد بالنسبة لها يكون هو يوم الوقوف بعرفة بالسعودية.فإذا كان صيام عرفة مرتبطٌ بالمكان،فكم من مسلم سيفوته أجر ذلك اليوم؟. الصيام عموما مرتبط بالزمان لا بالمكان،فنصوم شهر رمضان (دخوله كذلك يختلف بين البلدان)والشهر زمان،ونصوم الأيام البيض، والأيام نسبة زمانية،ونصوم يوميْ الإثنين والخميس، ونصوم النذر،ونصوم الكفارة، ونصوم القضاء. قال تعالى في سورة البقرة(فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلٰثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).(إِذَا رَجَعْتُمْ) ولم يُقيِّدْهُ بالمكان،فلا وجودَ لصيامٍ متعلقٍ بالمكان ،فصيام يوم عرفة مكروهٌ للحاجّ،ولو كان الصيام مرتبطا بالمكان لكان الحاجُّ أحقّ به. كما أنَّ يومَ عاشوراء،هو اليوم العاشر مِن مُحرم سواء كان هو التاسع أو الحادي عشر بالنسبة للسعودية،وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم التسع من ذي الحجة،ولم يَرِدْذِكرُ يوم عرفة إنما التسع ، فالمراد الزمان وهو التاسع من ذي الحجة بأي بلد . ما ذكرناه هو من حيث الشريعة،أما من حيث الحقيقة ،فالكونُ كله يسير تحت مقتضيات التجليات الأسمائية،فلا شيء في الوجود إلا وهو تحت سلطان التجلي الالهي ،والتجلي الإلهي غير مقيدٍ بالمكان. قال تعالى(وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّة فِی ظُلُمَـٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡب وَلَایَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰب مُّبِین )لأن الورقة لم تسقط مِن تلقاء نفسها ، فيوم عرفة متعلق بتجلٍ إلَهي، وهذا التجلي الإلهي كما يَعُمُّ الشرق يَعُمُّ الغرب(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَاتُوَلُّوا فَثَمَّ وَ جْهُ اللَّهِ) فَصُمْ يوم عرفة الذي يتبع تقويم بلدك لأنَّ وجه الله لا يخلو منه مكان وهذا كذلك ينطبق على ليلة القدر . قد عاش أجدادنا في زمانٍ لا يوجد فيه إذاعة،ولا تلفاز،ولا إنترنيت. وسائل الإتصال منعدمة،فلم يكن لهم خَبر ولا خُبر بيوم وقوف الحُجّاج بعرفة، فكانوا يصومون التاسع التابع لتقويم بلدهم .فهل الحق تعالى لايقبل منهم صيامهم لأنهم لم يُوافِقوا الوقوف الزماني والمكاني ؟؟وهوسبحانه وتعالى القائل في الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه».الصوم له سبحانه وتعالى. فلنَصُمْ يوم عرفة التابع لبلدنا ،أو التِّسع كلها،او الثامن والتاسع.فهو صيام لله،والنية أبلغ من العمل.ونسأل الله أنْ يتقبّل مِنّا وأنْ يُكفِّرَعنا ذنوب السنة الماضية والقادمة.وإنْ لم نُدْرِك السنة القادمة فستُكْتب لناحسنات،وتُرْفع لنابهادرجات،ونحن في قبورنا، فالله كريم، وخزائنه لا تنفد قال تعالى(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلۡكَرِیمِ)غَرَّني كرمُك يا رب. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.
حصل المقال على : 639 مشاهدة