من قناة المدونة :الحلاج

بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين ،وعلى اله وصحبه اجمعين.

موضوعنا حول   الحلاج : هو أبو عبد الله الحسين بن منصور الحلاج  ( ولد  سنة 244  هـ   من أعلام التصوف، ومن أكثر الرجال الذين اختلف في أمرهم،هناك من اعتبره من الأولياء وهناك من اتهمه بالفسق والزندقة. نشأ في مدينة واسط  بالعراق في عهد الدولة العباسية، فهوعراقي المولد والمنشأ بالرغم من ادعاء البعض بفارسيته  صحب أبا القاسم الجنيد وغيره.، ومن مشايخه أيضا أبو الحسن النوري، وتتلمذ على يده  الشيخ  سهل بن عبد الله التستري ،وعمرو بن عثمان المكي.

.ترك ديوانا له و كتاب الطواسين وكلاما متفرقا هنا وهناك.

قال تعالى في الحديث القدسي : لايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به .ولسانه الذي ينطق به …الحديث .
والى هذا المعنى اشار من غلب عليه سكره فقال (سبحاني) ومن قال ( أنا الحق) وذلك لأنه متكلم لابلسانه ناظر لا بعيانه ،سامع لا بآذانه،
فبي يسمع وبي ينطق .

حسنما يصل السالك الى هذ المقام  تستقر الصفة المحمدية في وجدانه فيرى بها وينطق على لسانها  كقول ابن الفارض:

           فلا حي إلا مَن حياتي حياته●وطوع مرادي كل نفس مريدة

عندما وصل الحلاج الى مقام المشاهدة نظر ببصيرته في الوجود فراى ان الكون كله منطبع في مراة الحقيقة المحمدية”فاينما تولوا فثم وجه الله”
(لذا سماها الصوفية الوحدة ) واذا نظر الانسان في المرآة ،ولم يكن سبق له وأن راى مرآة قط في حياته، يظن و كأن صورته المتجلية في المرآة متحدة بها ،وهذا هو ماحصل للحلاج ،نظر في مراة الحقيقة المحمدية فرآها بها، فظنها هو ،وأنه هوالمنطبع فيها، الظاهر بها ، فأصابه سكر وفناء بمشاهدة هذه الخمرة الازلية الموجودة قبل خلق الكرم
فقال شهيد الصوفية:
انا من اهوى ومن اهوى انا == نحن روحان حللنا جسدا
جسد مراة المظاهر الكونية
ولكن لما ردُّ الى سلطان الشريعة وفاق من سكره عرف ان ذلك فناء بالله في الله ،ومشاهدة عرفانية كشفت له ،عن وجه من وجوه الحقيقة المحمدية
فقال :
عجبتُ منك و منـّـي==يا مُنـْيـَةَ المُتـَمَنّـِي
أدنيتـَني منك حتــى==ظننتُ أنـّك أنـّــي
وغبتُ في الوجد حتّـى==أفنيتنـَي بك عنـّــي
فهي حالة فناء تفقده التمييز : افنيتني بك عني حتى ظننت انك أني
حالة فناء تخرج  الحلاج من مقام التمكين

كالقائل مخاطبا الحق تعالى  من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك (حديث رواه مسلم ).

فالحلاج من الشطاحين والشطح عند اصحابه يأتي بصيغة المتكلم من غير شعور منه، فنى عن ذاته فنطق بلسان الحضرة ،وعندما يرجع الى صحوه يقول :ما انفصلت البشرية عنه ولا اتصلت به ( طبقات الصوفية للسلمي ص31)


فالحلاج لم يكن من اهل التمكين قال ( اخبار الحلاج ص 28): من ظن ان الالوهية تمتزج بالبشرية والبشرية بالالوهية فقد كفر فإن الله تعالى تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم، لا يشبههم بوجه من الوجوه ولا يشبهونه.
قال الحلاج رحمه الله :
طلعت شمس من أحب بليل == فاستنارت فما لها من غروب
إن شمس النهار تغرب بالليـــ== ــل وشمس القلوب ليس تغيب
من أحب الحبيب طار إليه== اشتياقا الى لقاء الحبيب


يقصد بالشمس، النبوة المحمدية والغير مقيدة لا بالليل ولا النهار،إذ زمن النبوة مطلق. اذا طلعت شمس حقيقته صلى الله عليه وسلم في قلبك واشرقت لا تأفل بعد ذلك ابدا ،أما شمس النهار، فإنها إذا طلعت ،لابد لها من غروب، ويحل الليل بظلامه الدامس.
والنبوة المحمدية وصفها الحق تعالى في كتابه بالسراج ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا “سراج دائم النور يستمد منه الكون استمراريته فشمس الحقيقة المحمدية لا تغيب لأنها أرسلت رحمة للعالمين .  افتح عين بصيرتك تراها قبل كل شيء وبعد كل شيء
والحلاج هو اول من اطلق عليها اسم النور المحمدي

 
يقول الحلاج بعد الصحو من السكر و الإفاقة من غلبة الحال

اقتلوني يا ثقاتي == ان في قتلي حياتي
ومماتي في حياتي == وحياتي في مماتي


كوشف الحلاج بأنه سيقتل فأصبح يطلب القتل : اقتلوني ففي موتي حياتي
قال الحلاج وهو مصلوب : هؤلاء عبادك اجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك ،وتقربا اليك فاغفر لهم، لو كشفت لهم ما كشفت لي ما فعلوا ( كتاب وفيات الاعيان)

فوهب الحلاج حياته ثمنا لفنائه في اسرار النبوة
قتل الحلاج بسيف الشريعة ولو أُسْند الحكم الى محمكة اصحاب الحقيقة ما قتلوه
وقتل الخضر الغلام بسيف الحقيقة ولو أُسند الحكم الى اصحاب الشريعة ما قتلوه
فافهم وتدبر فحقائق الالوهية غير مقيدة ،وقد جمع الحق تعالى بين الاضداد “هو الاول والاخر،والظاهروالباطن” فأوليته عين اخريته وظهوره عين بطونه .

ونقل الطوسي في اللمع ان الحلاج عندما أُخْرج من السجن للقتل كان اخر كلامه :” حسب الواجد افراد الواحد”وكلام العشاق يطوى ولايروى..                  

قتل  الحلاج  سنة 309 هـــ  ،ولم  يذكره القشيري في رسالته إثر الجدل الذي نشأ حوله وذكره السلمي في طبقاته، وصدق ابن عربي الذي يقول في شأنه: الحلاج لا يصح للإحتجاج لقد كان الحلاج شخصية جدلية جدّ محيّرة لدارسيه، وطِلَسْمًا من طلاسم التصوف

ومن أقواله التي تبين مقامه قوله “حجبهم بالاسم فعاشوا؛ ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا؛ ولو كشف لهم الحجاب عن الحقيقة لماتوا)).

والتي تبين احواله قوله: إن الأنبياء – عليهم السلام – سلطوا على الأحوال، فملكوها، فهم يصرفونها، لا الأحوال تصرفهم. وغيرهم سلطت عليهم الأحوال، فالأحوال تصرفهم، لاهم يصرفون الحوال  .

وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله ،وعلى اله وصحبه.

حصل المقال على : 852 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد