الشيخ أحمد ابن القاسم الصومعي

الشيخ أحمد ابن القاسم الصومعي
” الزاوية الصومعية”

مقدمة :
تعرف هذه الزاوية منذ عهد الشيخ أحمد ابن القاسم الصومعي (ت1013هـ/ 1904م) إلى اليوم باسم الصومعة، والاسم ينطق بحسب المصادر القديمة مثل دوحة الناشر[1] بالصُّومعة بضم الصاد المشددة بعدها واو فميم ساكنة وعين وهاء، وهو النطق المعروف عنها في مدينة بني ملال : الصُّمعة وينسبون إليها بقولهم : الصُّمعي. وتشير الصّومعة المذكورة إلى آثار متبقية من صومعة المسجد بحي أسردون التي تعود إلى عهد الموحدين، كما وضح المستشرقGautier [2] بالنظر إلى تشابه هندستها بهندسة صومعة الكتبيين وصومعة حسان.

تقع زاوية الصومعة بدير جبل الأطلس المتوسط، في المرتفعات الأولى المشرفة على سهول بني معدان، على مقربة من عين أسردون الشهيرة. ومن الأهمية بمكان أن نثير الانتباه إلى أهمية هذا الموقع الذي كان له أثره الفعال في تقوية النفوذ الروحي والاجتماعي لهذه الزاوية؛ فموقع الدير كما هو معلوم يتوفر على إمكانيات طبيعية مهمة، تتجلى في كثرة العيون والمجاري المائية والأراضي ذات التربة الغنية، ثم الغطاء النباتي الكثيف. كما أنه ذو أبعاد إستراتيجية واجتماعية؛ فمنطقة الدير تمثل نقطة اتصال بين سكان الجبال الأمازيغ وسكان السهول العرب، وبالتالي فهي مجال لاتصال وتفاعل نمطين اقتصاديين مختلفين : نمط سهلي ونمط جبلي. ومن هنا تكتسي هذه الزاوية وباقي زوايا الدير المجاورة لها، أهميتها على المستوى الاجتماعي، وخصوصا في تهدئة الأوضاع، وإقامة نوع من التوازن الاجتماعي بين الرحل والمستقرين[3].

كما أن قربها من بني ملال أهم مركز تجاري بين مراكش وفاس أعطى للزاوية موقعا متميزا عن باقي زوايا تادلا الأخرى، بالإضافة إلى سهولة الوصول إليها بخلاف الزوايا الأخرى التي تأسس معظمها داخل الجبال مثل زاوية أكرض، وفشتالة، وتامدجت، وزاوية الدلاء، باستثناء زاوية الشرقاويين التي تأسست في السهل.

يعود تاريخ تأسيس هذه الزاوية إلى النصف الأول من القرن 10هـ/16م، إذ إن مؤسسها سعيد أمسنا والصومعي توفي في سنة940هـ/1533م[4]. إلا أن شهرتها ومكانتها بين الزوايا لم تترسخ إلا مع تلميذه وخلفه أحمد بن أبي القاسم الصومعي، ويرتبط ذلك بعدة أسباب نذكر منها : تأليف الشيخ للعديد من المؤلفات واتساع شهرته بسبب ذلك. فأصبحت الزاوية قِبلة للأنظار يؤمها عامَة الناس من أجل التلمذة والتلقين، ويقصدها المتصوفة للاستزادة من المدد الصوفي، ومن جهة أخرى كان الصومعي يسعى إلى الهيمنة الروحية على المنطقة بالعلم والتصوف والدعوة إلى التعلم وآعتماد العقل منطلقا للتحليل الصوفي. فكان بذلك داعيا إصلاحيا، ولم تكن دعوته بالكلام أو القلم فقط، بل تجسد ذلك في مواقف حيّة من حياته.

بعد الصومعي لا نجد إسما واضحا من أسرة آل أمسنا والصومعيين، سوى عبد الرحمان بن إسماعيل (ت بعد 1090هـ)، وهو مؤلف كتاب التشوف في رجال السادات أهل التصوف أو ما يعرف بالتشوف الصغير[5]. بعد ذلك ظهر سيدي محمد بن عبد الرحمان الصومعي (ت1123هـ/1711م) ظهورا كبيرا. وكان قد قضى وقتا طويلا من حياته بالزاوية الدلائية، حيث كان يدرس إلى جانب أحمد الولالي-صاحب مباحث الأنوار- وسيدي محمد العكاري وعلي العكاري على يد الشيخ الحسن اليوسي. ثم ذهب إلى مراكش حيث التقى بشيخه محمد بن عبد الله السوسي، وفي مدينة فاس صحب الشيخين أحمد اليمني وأحمد بن عبد الله معن[6]. ثم عاد إلى مسقط رأسه ليشتغل بنشر العلم وتعليمه. وبذلك أعطى بشخصيته استمرارا لشهرة زاوية الصومعة على المستوى المحلي والوطني. وبعده لم تنجب الزاوية إلى اليوم شخصية يمكنها أن تحتل المكانة المرموقة التي احتلها الجد أحمد الصومعي أو أحد أحفاده، أمثال عبد الرحمان بن إسماعيل أو محمد بن إسماعيل، أو محمد بن عبد الرحمان.

أما عن طريقة هذه الزاوية، فهي جزولية-تباعية، فقد ورد في كل من ممتع الأسماع ودوحة الناشر، والبدور الضاوية، أن سعيد أمسنا وأخذ مباشرة عن الشيخ عبد العزيز التباع أشهر تلامذة الشيخ الجزولي[7]. وتبنى بعض شيوخها خلال القرن 11هـ/17م الطريقة الناصرية التي عرفت آنذاك انتشارا منقطع النظير بتادلا[8]، ونذكر منهم الشيخ محمد بن عبد الرحمان الصومعي، أخذها عن الشيخ إبراهيم التاملي المراكشي والحسن اليوسي[9].

هذه، إذن، لمحة موجزة للتعريف بهذه الزاوية، وقد ارتأينا تقديمها كنموذج على النشاط العلمي والتعليمي بزوايا تادلا وهي الأقل شهرة بينهن مثل الزاوية الشرقاوية أو الزاوية الدلائية، لاعتبار وحيد وأساسي وهو أن أدوارها الصوفية والعلمية كانت هي الباعث الوحيد على شهرتها.

حصل المقال على : 1٬595 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد