فاطمة الزهراء رضي الله عنها
ولدت عليها السّلام في 20 / جمادى الثانية لخمس سنين قبل البعثة النّبويةّ المباركة، إبّان بناء قريش للكعبة، وتحكيم سيد الورى صلى الله عليه وسلم في وضع الحجر الاسعد، وفي ذلك إشارة إلى أنه في الوقت الذي بني فيه البيت، وتمت لبناته بوضع الحجر الاسعد، تمّ كذلك وضع لبنة التمام لبيت النبوّة، بميلاد السيّدة البتول عليها السّلام وعليه فقد كان عُمر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حين ولادتها خمسة وثلاثين عاماً ولدت بمكة المكرمة من امها السيدة خديجة الكبرى بنت خويلد.
ولقد عاشت سبعة وعشرين ربيعا، ولم تلبث بعد الحبيب صلى الله عليه وسلم سوى ستة أشهر، وانتقلت الى الرّفيق العلى يوم إلاثنين،وتوارت في ضريحها الشّريف ليلّة الثلاثاء، لثلاث خلون من شهر رمضان سنة احدى عشرة، و قام بتغسيلها وتكفينها ودفنها عليها السلام : زوجها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام .
ومقامها في البقيع المبارك، ومنذ ذلك العهد لا زال يزار.
وهي اصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد في ترتيب بنات النبيّ أنّ الأولى كانت زينب، ثمّ رقيّة، ثمّ أمّ كلثوم، ثمّ فاطمة -رضي الله عنهنّ
من ألقابها (عليها السلام ) : الصديقة الكبرى ، المباركة ، الطاهرة ، الزكية ، الرضية ، المرضية ، المحدثة ، الزهراء ، البتول ، و التبتُّل في اللغة يأتي بمعنى: الانقطاع، ويُطلَق هذا اللقب في الغالب على المرأة التي تتفرّغ لعبادة الله -تعالى-؛ ، الحوراء ، الحرة ، السيدة .
الكنية :
أم أبيها ، أم الحسنين ، أم الحسن ، أم الحسين ، أم المحسن ، أم الأئمة.
أولادها عليها السلام : الحسن ، الحسين ، زينب ، أم كلثوم ، محسن السقط .
وعن عائشة أنها قالت: ( ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (صلى الله عليه وآله ) من فاطمة ، كانت إذا دخلت عليه رحب بها ، وقبّل يديها ، وأجلسها في مجلسه ، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به وقبّلت يديه ) .
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) : « لو كان الحُسن هيئة لكانت فاطمة ، بل هي أعظم، إن فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً » .
وقد استدل الفقهاء بهذه الأحاديث على أفضلية فاطمة الزهراء (عليها السلام) على جميع الخلق من الأنبياء والأولياء وغيرهم ، عدا أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله .
عبادتها ( عليها السلام ) : عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) أنه قال :- « رأيت أمي فاطمة (عليها السلام ) قائمة في محرابها ليلة الجمعة ، فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفلق عمود الصبح ، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء ، فقلت :- يا أماه لم تدعي لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ ، قالت :- يا بني الجار ثم الدار » .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لسلمان : « يا سلمان ، ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله » .
وقال الحسن البصري : إنه ما كان في الدنيا أعبد من فاطمة ( عليها السلام ) كانت تقوم حتى تتورم قدماها .
مَحبّة النبيّ لفاطمة الزهراء كانت السيّدة فاطمة -رضي الله عنها- من أحبّ الناس إلى قلب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أهل بيته، ومن مظاهر حبّه لها: موقفه -صلّى الله عليه وسلّم- عندما كان يقوم لفاطمة -رضي الله عنها- إذا دخلت عليه، ويُقبّلها على رأسها، ويُجلسها في مَجْلِسه؛ تكريماً لها، ولمنزلتها عنده،
كانت السيدة فاطمة -رضي الله عنها- من أحبّ بنات النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إليه، وأكثرهنّ اهتماماً به، ورعاية له، إلى الحدّ الذي جعله يُلقّبها ويناديها بأمِّ أبيها؛ وذلك لما كان -صلّى الله عليه وسلّم- يرى من شدّة عطفها، وحنانها عليه،
روى الإمام البخاريّ في صحيحه عن الصحابيّ المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي
كما أنّه -صلّى الله عليه وسلّم- كان يكره ما تكرهُه ابنته فاطمة
كان -صلّى الله عليه وسلّم- يبدأ بالدخول والسلام على فاطمة الزهراء إن رجع من سفرٍ أو غزوٍ، فيدخل المدينة بعد أن اشتاقت نفسه إليها، ويدخل المسجد فيصلّي فيه ركعتين، كما روى كعب بن مالك في الحديث الطويل في قصة تخلّفه عن غزوة تبوك، إذ قال -رضي الله عنه-: (كان إذا قدِم مِن سفرٍ فعَل ذلك: دخَل المسجدَ فصلَّى فيه ركعتينِ)، ثمّ كان النبي -عليه السلام- يذهب إلى بيت ابنته فاطمة -رضي الله عنها-، ممّا يدلّ على شدّة حبّه ومودّته لها، وإكرامه إيّاها، وعلى مكانتها ومنزلتها -رضي الله عنها
روى الإمام البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَرْحَبًا بابْنَتي ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ، أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أسَرَّ إلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلتُ: ما رَأَيْتُ كَاليَومِ فَرَحًا أقْرَبَ مِن حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قالَ: فَقالَتْ: ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى قُبِضَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَسَأَلْتُهَا. فَقالَتْ: أسَرَّ إلَيَّ: إنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أُرَاهُ إلَّا حَضَرَ أجَلِي، وإنَّكِ أوَّلُ أهْلِ بَيْتي لَحَاقًا بي. فَبَكَيْتُ، فَقالَ: أما تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ، أوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لذلكَ)
كانت للسيّدة فاطمة -رضي الله عنها- العديد من الصفات التي تميّزت بها عن غيرها، وفيما يأتي بيان البعض منها: كانت فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- أشبه الناس سمتاً وهدياً ودَلّاً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، كما أخبرت بذلك عائشة -رضي الله عنها-، فقالت: (ما رأَيْتُ أحدًا كان أشبهَ سمتًا وهَدْيًا ودَلًّا، والهدى والدال، برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من فاطمةَ كرَّمَ اللهُ وجَهْهَا؛ كانت إذا دخَلَتْ عليه قام إليها، فأخَذَ بيدِها وقبَّلَها وأَجْلَسَها في مجلسِه، وكان إذا دخَلَ عليها قامت إليه، فأَخَذَتْ بيدِه فقَبَّلَتْه وأَجَلَسَتْه في مجلسِها)، ويُراد بالسَّمت: الخشوع، والتواضع، أمّا الهدي، فهو: الوقار، والسكينة، والدَلّ: حُسن الخُلق، وطِيب الكلام.
كانت فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- من أكثر الناس صبراً، على الرغم من عِظَم المصائب التي مرّت بها في حياتها، ومن ذلك وفاة أمّها في حياتها عندما كانت صغيرةً، وذلك في مكّة المُكرَّمة قبل الهجرة إلى المدينة
فَقْدها لأخواتها: رقيّة، فأمّ كلثوم، فزينب.
وفاة أبيها محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- في حياتها، وفي تلك المصيبة يقول أنس بن مالك – رضي الله عنه-: (لَمَّا ثَقُلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ، فَقالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: وا كَرْبَ أبَاهُ، فَقالَ لَهَا: ليسَ علَى أبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَومِ، فَلَمَّا مَاتَ قالَتْ: يا أبَتَاهُ، أجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يا أبَتَاهْ، مَن جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ، يا أبَتَاهْ إلى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ، فَلَمَّا دُفِنَ، قالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: يا أنَسُ أطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التُّرَابَ).
شقاء الحياة التي كانت تعاني منه ومُرّ عَيشها، وفي ذلك قال عامر الشعبي: “قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: لقد تزوّجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل،ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها وكان قد أرشدهما الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلى ما يغنيهما عن مُرّ الحياة ومشقّتها، فقال لهما: (ألَا أدُلُّكُما علَى خَيْرٍ ممَّا سَأَلْتُمَا؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما -أوْ أوَيْتُما إلى فِرَاشِكُما- فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ).
تمتلك مولاتنا فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- منزلةً رفيعةً في الإسلام، ويظهر ذلك جليّاً في العديد من الأمور، والتي منها أنّها: كانت -رضي الله عنها- خير نساء العالَمين، وما ورد في فضل عائشة -رضي الله عنه- أنّها أفضل النساء فمَردُّه إلى فَضلها في العِلم، وقد عدّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فاطمة من أفضل نساء الأرض، كما ورد في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبيّ قال: (حُسْبُكَ من نساءِ العالمينَ مَرْيَمُ ابنةُ عِمْرانَ وخديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ وفاطمةُ بنتُ مُحَمَّدٍ وآسِيَةُ امرأةُ فِرْعَوْنَ).
في حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ هذا مَلَكٌ لم ينزِلْ الأرضَ قطُّ قبلَ اللَّيلةِ، استأذَنَ ربَّه أن يُسلِّمَ عليَّ ويُبشِّرَني بأنَّ فاطمةَ سيِّدَةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ، وأنَّ الحسنَ والحُسَينَ سَيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ)،
وكذلك في حديث عائشة حين أسرَّ النبيّ -صلّى الله عيه وسلّم- إلى فاطمة قبل وفاته؛ فقد ورد في إحدى الروايات أنّه قال لها: (أنتِ سَيِّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ).