رشَحاتٌ منْ أسْرار الرّسْم القُرآني الحلقة 2
(بِسْم اللّه الرّحْمَن الرّحيم﴾ ﴿الحَمْدُ للّه ربّ العٰلمين ﴾ حمد العارفين،و﴿لا إله إلاالله﴾توحيد المُقرّبين،والصّلاةُ والسّلامُ على نَبيّ الله صلاة الأحاديين ونبرأ إليه تعالى من الحول والقوة ،فلا علم إلا ما علّمَنا،ولا عطاء إلا ما أعطانا،ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن هَمُّه الصدق،وبُغيته الحقّ،وغرضه الصواب،ممن لا يلتفِت إلى نفسه،ولا يبحث عن الثناء،ولاعن التّطاول والإطراء،فإن أصاب فمن اللّه،وإن اخطأ فمن نفسه ورحم الله امرؤا عرف قدره فوقف عنده﴿وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب(،
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد مدينة العلوم الإلهية،وعلى اله وصحبه أبواب الأسرار الربانية،وعلى العارفين ذوي الهمم العالية والمعارف اللدنية والفتوحات الكشفية،صلاة نلج بها دوائر الأولياء،وننال بها المقامات القعساء.
أما بعد فهاته الحلقة كانت حصيلة مذاكرة عرفانية مع أصحابنا حول حذف حرف الألف من كلمة أَسۡمَـٰۤىِٕهِۦ الواردة في الآية الكريمة ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُوا۟ ٱلَّذِینَ یُلۡحِدُونَ فِیۤ أَسۡمَـٰۤىِٕهِۦۚ سَیُجۡزَوۡنَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [الأعراف ١8٠]:
-أولا- (وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَى)..نَسبَها إليه سبحانه وتعالى لأنها ميازيب للذات،وبها تكون التجليات حتى يَصلُ كُلُّ مقتضىً لِمُستَحِقِّه ،فأرشَدَنا للتعلُّق بها لا بذاته تعالى ،والأسماء الالهية لا تحصى (أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أوْ علَّمْتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو أنزلته في كتابِك أو استأثرتَ به في علمِ الغ يبِ عندَك..) الحديث.
-ثانيا-نحن مُتَعبَّدون بالدعاء بها… (فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ)، الفاء تفيد الترتيب و السرعة : إشارةً لِحال العبد الدّاعي لمولاه (وعجلتُ إليك رب لترضى) .
ثالثا -حذف الألف لغنى الله تعالى عن أسمائه وصفاته ، فالذات الإلهية العلية غنية عن العالمين ،وغنية عن الأسماء والصفات لأن الكمال ذاتي لها . والمحققون من الصوفية يسمونها نِسَبا وإضافات .
يقول ابن مكزون رحمه الله : مَن عرف موقع الصفة بلغ قرار المعرفة .أي من عرف وأدرك أنّ الصفات لا تقع على الذات الإلهية وإنما هي مستفادة منها ومفادة إلى صفة الالوهية وواقعة عليها .من عرف ذلك بلغ قرار المعرفة.
قال أهل التحقيق من الصوفية: إنها نسب ثابتة الأحكام معدومة الأعيان .ويقول صاحب كتاب المواقف الأحمدية:.. وطريق السلامة هو أن الصفات لا يشك أحد أنها ثابتة الأحكام وأما أعيانها فلا نتعرض لها لا بالنفي ولا بالإثبات…فالذّاتُ الإلهية لا يصْلُحُ في حقِّها سوى صفات السلب،أما الأوصاف الثبوتية ،فإنها تُشبِّهُها بالمخلوقات. الصفات الثّبوتية تتعلَّق بمرتبة الألوهية،حيث المصطحب معه: الحقيقة النبوية . فالعلم بالذات الإلهية لا يصح أصلا،لأنه لا يوصلك إليها لعزتها”رب العزة ” فالتنزيه مطلوب من كل موجود ،ونهانا الشارع أن نتفكر في ذات الله.الذات هي التي وهبت الأسماء خصائصها،وصفاتها المميزة واحتفظت بغناها عن الوصف، والكيف،فالإسم لا يوصل إلى الذات،وإن كان يدل عليها وهونفسه ستر وحجاب.
كالشمس يجلوها عن العين نورها ** وهو لنا عن كنهها ساتر
فنورالشمس يحجب عن العين تفاصيلها،وإن كان يظهرها متلألئة ،فالصفات الإلهية تقع على بساط الالوهية”ولا تقع على الذات الإلهية.ومن هنا قال تعالى “سبح اسم ربك الأعلى”.”فسبح باسم ربك العظيم”.فالحق تعالى بإفادته القدرة للقادرين سمي قادرا،وبإفادته الكرم للكرماء سمي كريما،وكذلك كل ما وصف به إنما جرى عليه من قبيل أنه هبة وإفادة ،لا من قبيل أن هذا الوصف كمال لذاته، فصفات الحق بهذا الاعتبار موهوبات من الهوية الإلهية ،ومفادة لأسمائه الحسنى أما ذاته فمُنَزَّهَةٌ عن كل وصف، يُشبِّهُها بالمخلوقات. فافهم .اهــ.
-رابعا-حُذِف الألف لأنّ الأسماء تنوّعت تجلياتها بين الجمالية والجلالية،وبالتالي تنوعت المقتضيات.
وهناك اسماء إلهية سار مقتضاها في باقي الاسماء الإلهية كإسمه تعالى اللطيف
-خامسا-نحن مُطالَبُون بِوَذْرِ أي ترك مَن يُلْحِد في هاته الأسماء، المفسرون جزاهم الله خيرا،قالوا عن معنى يلحدون أنهم يميلون عن القصد وهم المشركون عدلوا بأسماء الله عمّا هي عليه فسمُّوا بها أوثانهم وزادوا فيها ونفصوا واشتقوا اللاَّت من الله والعُزَّى من العزيز ومناة من المنَّان
استطراد لغوي: في قواميس اللغة ، أَلْحَدَ السَّهمُ عن الهدف : عَدَلَ عنه
أَلْحَدَ فلانٌ : عَدَلَ عن الحقّ وأَدخل فيه ما ليس منه
أَلْحَدَ إِليه : مال
أَلْحَدَ في الحرَمِ : استحلَّ حُرمتَه وانتهكَها
أَلْحَدَ في الدِّين : طَعَنَ
( ٱلَّذِینَ یُلۡحِدُونَ فِیۤ أَسۡمَـٰۤىِٕهِۦ) ربما هم صنفان كبيران ، لأن فعل (يلۡحِدُونَ) له قراءتان :
-1یَلۡحَدُونَ : بفتح الياء والحاء، وهى قراءة حمزة..
-2یُلۡحِدُونَ : بضم الياء وكسر الحاء، قراءة باقى السبعة …
والله اعلم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه
الفقير الى عفو ربه ابن الفاطمي