- السؤال الخامس:وسألوني عن ادراك الحق تعالى،لمَ لا يُدرك بإقامة الأدلّة ؟.
الجواب : لأن أدلّة المحدثات كلّها جاهلة بخالقها فأحرى بالجهل من يستدلّ بها،ولكن الله تعالى إذا أراد أن يُظهر لقلب عبد يُعيره علماً من عِلمه فيُدركه بهِ إدراكاً لائقاً بذلك العبد لا بالله تعالى.
قــلت : الله تعالى له الغنى المطلق،ومن كان له الغنى المطلق،لايحتاج الى دليل، لواحتاج الى دليل على وجوده لافتقر الى الدليل،ولانتفى عنه الغنى المطلق،فكيف يستدل عليه بمخلوقاته،وهو خالقها وكان ولم تكن،والكون كله نسبي،الزمان نسبي والمكان كذلك،والحق تعالى (كل يوم هو في شأن).فكيف يستدل بما هو نسبي على من هو كل يوم في شأن…مستحيل.
قال المتنبي : وليس يصح في الافهام شئ = اذا احتاج النهار الى دليل
فالليل والنهار،والشمس والقمرمخلوقات الله،لا تحتاج الى دليل لإثبات كينونتها، فكيف بخالقها.وكيف يستدل على الحق بالاشياء،وهو تعالى خالقها،وهو مطلق ؟؟ لو كان الوصول إليه بالدليل لكان مقيدا بالدليل.
كيف تطلب الدليل على من هو أقرب اليك من حبل الوريد؟؟ فأنت حجاب نفسك. كيف تطلب الدليل على من هو معك أينما كنت ؟؟ (هو معنا ونحن لسنا معه)ومن اسمائه الظاهر والباطن، فظهوره عين بطونه،وبطونه عين ظهوره من حيثية واحدة أنه واحد.فما بطن عنك إلا بك،فأنت عين حجابك، “ومن عرف نفسه عرف ربه).ومن عجب أن الظهور تستر. قال تعالى(فأينما تولوا فثم وجه الله) وجه الله هو الإسم أو الاسماء الإلهية القائمة عليك والحضرة المحمدية المدبرة لشؤونك ،إذا غاب وجه الله عنك أدركك الموت.
قال ابن عطاء الله رحمه الله :كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ اَلظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ اَلْمُظْهِرَ لَكَ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ اَلْآثَارُ هِيَ اَلَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ وَ لاَتَزَالُ عَلَيْهَا رَقِيباً وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً وَ قَالَ أَيْضاً تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَيْءٌ – وَ قَالَ تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَرَأَيْتُكَ ظَاهِراً فِي كُلِّ شَيْءٍ فَأَنْتَ اَلظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ.
فالانبياء والرسل لم يرسلهم الله تعالى للدليل على وجوده،بل للتعريف بوحدانيته،وأنه واحد لا شريك له فالحق تعالى أشهد الأنفس في عالم الذر،على ربوبيته لاعلى ذاته(وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)وهذه هي الفطرة التي فطرالناس عليها، تربط الصنعة بالصانع ،فكما يكتب على سلعة ما ؟ صنعت بالصين،فمكتوب في باطن الخلائق(صنع الله الذي اتقن كل شئ).فالرسول هو الذي يطالب بالدليل هل هورسول من عند الله حقا ام لا؟ويؤيده الله تعالى بالمعجزات لاثبات صدق ادعائه .
انظر الى سحرة فرعون بمجرد ما رأوا الاية ،اسلموا ،ولم يطالبوا موسى عليه السلام بالدليل على وجود الله. يقول الشهرستاني في الملل والنحل: أما تعطيل العالم عن الصانع العليم القدير، فلست أراه مقالة لأحد الا ما نقل عن شرذمة من الدهرية.انتهى.
فحتى الذي يقول عن نفسه أنه ملحد، عندما يقع في مأزق،يلتجيء الى قوة ما،يتضرع لها ويتوجه لها بالدعاء في الشدائد،حتى ولو كانت اسبابا،أ و أشخاصا،أو قوانين ،فهو في الحقيقة يتشبت بتجل من تجليلت الله في كونه، وأنكر الرسالة التي جاء بها الرسل ،يعتقد في شئ الربوبية عن جهل .
تأمل حال سيدنا اباهيم(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَاأُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
أراه الله الملكوت ،ولم يكن عنده تحقيق بما يرى،ولكن كان موحدا خالصا ،فأرجع الأمورإلى الله(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)وعرف أن الله لا يعبد في تجل من تجلياته،فنفى الربوبية على كل من نسبها إليهم: الكوكب، والقمر،والشمس….
قال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك يا محمد لعلنا نؤمن بك ..فأنزل الله تعالى سوة الاخلاص وأرجع العلم به الى صفته الأحدية
قال (ألم ير الذين كفروا أن السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما)والخطاب موجه للذين كفروا ،لأنهم هم السباقين في كل مجالات العلم،ولقد راى الكفار أن السموات والارض كانت رتقا،والفتق هو ما سموه (BIG BANG).
قال تعالى(سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)فمنهم راى ايات الله وءامن ،ومهم من رآها وأعرض وعاند .فعالم البحار كوستو وصل الى الايمان بالله ،بعلمه وبما راى من عجائب خلق الله ،وأسلم كذالك أطباء أعاجم ،وعلماء الفيزياء الكونية توصلوا من حيث تنظيم الكون أن هناك خالقا مدبرا له، اقرأ كتاب(LE VISAGE DE DIEU )فالثوابت الكونية الفيزيائية هي،هي،في الكون كله ،وبرهان على وجود خالق لهذا الكون، فسرعة الضوء حيثما كنت في الكون هي 300000 كلم في الثانية.فالثوابت الكونية الفزيائية هي التي تمكن من استمرارية الحياة فوق الارض ،وهي من قدرة الخالق ،فمثلا حجم الكرة الأرضية، لوكان أكبر مماهوعليه ،أو أصغر،ولو كانت سرعتها مختلفة عما هي عليه،أوكانت أبعد أوأقرب من الشمس مماهي، لكانت هذه الحالة ذات اثرخطير على حياة الأحياء،بما فيهم الإنسان.فالكرة الأرضية تدورحول محورها مرة في كل 24 ساعة،وبمعدل نحو ألف ميل في الساعة،ولو افترضنا أنها تدور بمعدل مائة ميل فقط في الساعة،لكان نهارنا وليلنا أطول،مما هو الآن عشر مرات. وفي هذه الحالة قد تحرق شمس الصيف الحارة النبات في كل نهار،وفي الليل قد يتجمد كل نبت في الأرض…
ثم أن الكرة الأرضية مائلة بزاوية قدرها 23 درجة.ولهذا دواع دعت إليه:فلو أن الكرة الأرضية لم تكن مائلة لكان القطبان في حالة غسق دائم،ولصاربخار الماء المنبعث من المحيطات، يتحرك شمالا وجنوبا،مُكَدِّسا في طريقه قارات من الجليد.
فالأرض تدور بسرعة فائقة حول الشمس، وحول نفسها،ولولا الجاذبية لرمت بنا إلى الخارج.
فلهذا الكون خالق عالم مبدع قائم على شؤون الكون
أينشتاين قطب زمانه في علوم الفيزياء الكونية،كان موحدا لله والكثير،من أقواله تبين ذلك: في عام 1936 وفي مدينة برنستون إلتقى أينشتاين بطفل ،وسأله هذا الاخير سيدي هل تؤمن بالله؟ قال له اينشتاين لا أستطيع الرد عليك في الحال لكن أعطيني عنوانك ،وسأرسل إليك الاجابة.وبعد أسبوع تلقى الطفل الرد التالي :أي شخص يشارك بجدية في العلم يفهم أن هناك روحا تتجلى في قوانين الكون ،روح أعلى بكثير من روح الانسان.
وسألته احدى طالباته بعد المحاضرة أستاذ عن ماذا تبحثون في معادلاتكم ،فأجاب أنا لست مهتما بتفاصيل المادة ،أريد أن أعرف كيف أبدع الله الكون،وأضاف اريد معرفة فكرالله ،او تفكير الله (je veux connaitre la
pensée de Dieu)
في الوجود ،ما من حقيقة،الا وتوجد حقيقة أرقى منا،الى ان نصل الى حقيقة هي سماء الجميع يستمد منها
الوجود كينونته وسر استمراريته،فإن شئت قل هي مرتبة الالوهية، اذ لا كلام للعارفين الا عليها ،أما مرتبة الأحدية فلا تعلق للخلائق بها،ولاتجل بها،أما الذات الالهية فنهانا المشرع عن التفكر فيها.
الدليل الوحيد الذي يوصل الى معرفة الله(أي معرفة اسمائه وصفاته)هو كلامه تعالى،ونبيه صلى الله عليه وسلم .قال له تعالى(واذا سالك عبادي عني فإني قريب) اذا سألك أنت يا محمد ،عبادي عني فإني قريب… منك،لا من السائل الذي قد لا تتوفر فيه شروط القرب. فسيدنا محمد نور إلهي من الاحدية،أي عنده مناسبة مع الالوهية(لامع الذات الالهية)ومجانسة مع الاسماء الالهية ،ففي الاصطحاب اتصف بها صلى الله عليه وسلم وظهر المستخلف بصورة من استخلفه ” من رأني فقد راى الحق“.
فالأسماء الإلهية هي الفاعلة في الوجود ،فالدليل يقع عليها ،لاعلى الذات، فعندما ترى مثلا هذا التنوع في الوجود لاسمه تعالى الخالق ،ولإسمه تعالى المبدع ،ولاسمه تعالى المصور، يرجع بك هذا الابداع وهذا التصويرالى أن هناك خالقا وراء هذا. الدليل هوالعالم ،وما سمي العالم عالما الا لأنه علامة على وجود خالقه،من يبحث عن الدليل يصل الى الاسم الإلهي (ووراءه حضرة محمدية)لا الى الذات،وإن كنت من أصحاب وحدة الشهود رأيت
التجلي القائم عليه والحضرة المحمدية المدبرة لشؤونه
فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ = أَم كَيفَ يَـجـحَدُهُ الجاحِـدُ
وَفي كُلِّ شَـيءٍ لَهُ آيَةٌ = تَـدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ = وَتَـسكينَـةٍ أَبَـداً شاهِـدُ