مشهد نور الأخذ بطلوع نجم الإقرار
المشهد الاول :أشهدني الحق بمشهد نورالوجود،وطلوع نجم العيان: نور الوجود،هو النور المحمدي ،ونجم العيان هو اسم الجلالة “الله”.
المشهد الثاني: مشهد نور الأخذ بطلوع نجم الإقرار: نور الأخد هو اسم الجلالة “الله” ونجم الإقرار هو النبوة المحمدية.وختم المشهد الاول ب”الأخذ”و بدأ به المشهد الثاني، فالرابط بينهما هو دائرة الالوهية والحقيقة المحمدية . النص الذي سيشرح بإذن الله:
أشهدني الحق بمشهد نور الأخذ، وطلوع نجم الإقرار،وقال لي : الأخذ عين الترك،وليس كل متروك مأخوذا .ثم قال لي : تجدني ولا تأخذني،وآخذك ولا أجدك .ثم قال لي : أجدك ولا آخذك .ثم قال لي :إنما كان الأخذ من ورائك ، ولو كان من أمامك ما ضل أحد. ثم قال لي:ظهرت في الأخذ، وخفيت في الترك.ثم قال لي :الأخذ ثلاثة، وكل عدد يفترق فلا أخذ .ثم قال لي :نفسي أخذت.ثم قال لي : انظر الجماد وخذ تسبيحه،فذلك جوابهم ببلى.ثم قال لي :إن حجبتك بالأخذ تعذبت عذاب الآباد في النعيم المقيم.
ثم قال لي : الأخذ ثلاثة :
لقد ذكر ابن عربي مسالة الأخذ في المشهد الأول قال :. “فلو اطلعت على الأخذ لوقفت على الوجود الحقيقي”.
الأخذ الاول :هو النورالمحمدي الأحمدي ،وهوالوجود الحقيقي .ورد في الحديث “أخذ الله قبضة من نورة وقل لها كوني محمدا”. فهذا وجود حقيقي،لأن له مناسبة مع نور الأحدية، ومجانسة مع الأسماء الإلهية.
والأخذ الثاني الحقيقي،هوقوله تعالى(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا )فهو وجود حقيقي لأن في عالم الذر،الكل أقر بوحدانية الخالق.تجلى عليهم الحق تعالى بربوبيته،فأقروا بها.
الأخذ الثالث هو أخذ الميثاق على النبيئين قال تعالى(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَامَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) وهذا الأخذ كذلك يوقف على الوجود الحقيقي ،لأن الله تعالى معهم من الشاهدين.
والأخذ في هذه البسائط الأزلية ،لايمكن الا أن يكون نورا:أخذ الله قبضة من نور أحديته، وقال لها كوني محمدا فكانت.وفي عالم الذر الكل أقر بوحدانية الله،وفي اخذ الميثاق من الأنبياء قالوا أقررنا.ولا شك أن هذا البساط الأزلي هو حضرة العما.ورد في الحديث الصحيح: أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء،ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش ثم استوى عليه.
وهذا بساط الأزلي خارج عن المكان والزمان،وعن الكم ، والكيف،ولا يوجد فيه أمر ولا نهي،لهذا فالأخذ عين الترك،وليس كل متروك مأخوذ،لأن الكل راجع الى الله،لذا سمى هذا المشهد مشهد نورالأخذ ونجم الاقرار، فنور الأخذ هو الالوهية(هي الآخذة وهي المعطية)ونجم الإقرار هو النبوة المحمدية (هي المقر بها،وهي أول مقرٍ بوحدانية الله)وفي عالم الذر الحق تعالى لم يشهدهم على وحدانيته إنما أشهدهم على ربوبيته(ألست بربكم)قالوا (بلى)فأقروا بالربوبية،ولو ظهر هذا التجلي يوم القيامة ما أنكره أحد،ولا ضل أحد،فالتجلي يوم القيامة يكون في صور المعتقدات،وهذا الأخذ كان في عالم لا خُبر،ولا خَبر لأحد به.ولا يتذكره أحد. لو كان في عالم الظهور،أي أمامه ما ضل أحد ،ولم يشهدهم الحق تعالى على وحدانيته،بل على ربوبيته،أي لم يقل لهم تعالى” ألست أنا الله لا إله غيري”.
قال تعالى(إناعرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) فالأمانة التي عرضت عليهم، امامهم، في عالم الظهور،وهذه الأمانة هي الخلافة المحمدية (كلمة أمانة كتبت في هذه الاية بالألف الثابتة،في باقي القرءان كتبت بالحذف).(وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا) فالخلافة كانت من حق الإنسان الكامل، فكان ظالما لقدرها،جهولا بحقيقتها لأنه رام معرفتها، ومعرفتها مستحيلة ،لأنها من عالم لاعلاقة له به.أما الجماد فتسبيحه ذاتي له(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فتسبيحهم إقرار منهم بربوبية خالقهم،والتسبيح تعظيم للخالق ،وتنزيه له،وهذا لايكون إلامن عارف حي،وما صدر التسبيح من الـمُسَبِّح إلابعد معرفة حقيقة التسبيح،وإلا فلما ولمن هو يسبح ؟إن لم يعرف؟.
وقد قلت أن هذه المشاهد تخص الصفة الختمية لابن عربي،وهو مقام “كنت سمعه الذي يسمع به ونظره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به…”فهذا الختم بسمع الله يسمع تسبيح الجماد.ومن هذا الباب كان تبادل الأدوار،وظهر المستخلِف بصورة من استخلفه، :”ثم قال لي :تجدني ولاتأخذني وآخذك ولا أجدك،ثم قال لي :أجدك ولا آخذك“.فهو خليفة رسول الله،ورسول الله خليفة الله،فظهر في هذه المشاهد بصورة المستخلف،فيجده ولا يأخذه لأنه عينه،وآخذك ولا اجدك…ثم قال لي أجدك ولا آخذك…كل هذه الخطابات من مقام الختمية. هو فانٍ ومستهلك في ربه،خطاب من نفسه لنفسه. وتجل داخل قلبه.فجمعت الأضداد في ذاته،”ولون الماء لون انائه”.فيجده في التجلي ولا يأخذه في المقتضى،وآخذك في الفناء ولا أجدك في البقاء،وأجدك في التقييد ولاآخذك في الاطلاق ،وتجدني في الايات القرءانية،ولا تأخذني في المراتب المحمدية، وتجدني في المظاهر ولاتأخذني في الظاهر….هكذا مطلقة غير مقيدة بمرتبة ما….
قال ابن عربي رضي الله عنه: فصل :فإذا وقفت،وفقك الله تعالى على مطالع هذا الكتاب ومشاهده وتسمع فيه “قال لي الحق”و “قلت له”وترى فيه من المعارضة ماتقف عليها عند مطالعتك إياه ،فاطلب المعنى في تلك المعارضة ،وحقق النظر، فإنها ليست بمعارضة ،لكن الألفاظ تشكل ،فلكل لفظة معنى، ولكل مسألة دليل،ولكل طريق سالك ،ولكل مقام مقال،ولكل علم رجال.
ويقول في مكان اخر،فتدبر هذه المقدمة يسهل عليك ما ياتي بعد من”قال لي الحق”و “قلت له”إنما هي أسرار يجدها أهل هذه الطريقة في أنفسهم،يتردد الخطاب بها على وجودهم، فالخطاب منك إليك،على قدر ما يفتح لك…انتهى.
يقول ابن عربي أن سبب تأليفه لكتاب إنشاء الدوائر الاحاطية “…فإن الله سبحانه لما عرّفني حقائق الأشياء على ما هي عليه في ذواتها،وأطلعني كَشفاً على حقائق نِسَبها وإضافاتها…” فما في الوجود كلّه حقيقة،ولا دقيقة إلا ومنك إليها ومنها إليك… .انتهى”.
يقول في كتاب انشاء الدوائر: “…. إذا نُفخ في الإنسان روح القدس،إلتحَق بالموجود المطلق إلتحاقاً معنوياً مقدّساً،وهوحَظّه من الألوهية.فلهذا تقرّر عندنا أن الإنسان نُسختان: نسخة ظاهرة ونسخة باطنة. فالنسخة الظاهرة مُضاهية للعالَم بأسره، فيما قدّرنا من الأقسام،والنسخة الباطنة مُضاهية للحضرة الإلهية.فالإنسان هو الكُلّي على الإطلاق والحقيقة ،إذ هو القابل لجميع الموجودات، قديمها وحديثها،وما سواه من الموجودات لا تقبل ذلك. فإن كل جزء من العالَم لا يقبل الألوهية ،والإله لا يقبل العبودية. انتهى..
يقصد الانسان الكامل.الذي كان الحق سمعه الذي يسمع به ولسانه الذي ينطق به… ويضيف… “فيُقال فيه عبد من حيث إنه مُكلّف،ولم يكُن، ثُمّ كان كالعالَم. ويُقال فيه ربّ من حيث إنه خليفة،ومن حيث الصورة، ومن حيث أحسن تقويم. فكأنه برزخ بين العالَم والحقّ،وجامع لخلق وحَقّ.وهو الخطّ الفاصل بين الحضرة الإلهية والكونية،فله الكمال المطلق في الحدوث والقِدَم.والحقّ له الكمال في القِدم وليس له في الحدوث مَدْخل، يتعالى عن ذلك.والعالَم له الكمال المطلق في الحدوث وليس له في القدم مدخل،يَخْسأ عن ذلك.. انتهى.
فهذه المشاهد من هذه الحضرة، وهي حضرة محمدية أحمدية بالأصالة،ولنوابه الكمل من الأولياء بالتبعية.”تجدني وتأخذني…” حيثما صرفته تجد له مقتضى، لإطلاقية الألوهية، واطلاقية النور المحمدي، واطلاقية هذه المشاهد، واطلاقية الشاهد…لا تحصرها في معنى واحد وتقيدها وتقيد المشهد، والمشهود والشاهد،احذر.
. “وان كان الأخذ ثلاثة،وكل عدد يفترق“: الثلاثة واحد كرر ثلاثة مرات،وكل واحد وإن كانت صورته صورة الواحد الاخر، فحقيقته والدائرة التي يرجع إليها حكمه تختلف:كما اختلفت دوائر الأخد الثلاث. فلا أخذ.لأن الأمور ترجع لله تعالى، بدء وعودة، أولا وآخرا لهذا قال:نفسي أخذت.
سبق وأن أوردت كلاما لابن عربي يقول( ص 101 – ج1)أن كل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها،وأن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه،فكل اسم فهو حي قادر، سميع، بصير،متكلم في أفقه…اخ،ومن هذا الباب فالأخذ عين الترك من حيث الحقيقة، لأن الحكم للتجلي الإلهي والمعطي عين المانع .
يقول ابن عربي …وذلك أنك تعلم قطعا في حبوب البر،وأمثاله إن كل برة فيها من الحقائق ما في أختها،كما تعلم أيضا أن هذه الحبة ليست عين هذه الحبة الأخرى، وإن كانتا تحويان على حقائق متماثلة فإنهما مثلان فابحث عن هذه الحقيقة التي تجعلك تفرق بين هاتين الحبتين،وتقول إن هذه ليست عين هذه وهذا سار في جميع المتماثلات من حيث ما تماثلوا به كذلك الأسماء كل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق،ثم تعلم على القطع أن هذا الاسم ليس هو هذا الآخر بتلك اللطيفة التي بها فرقت بين حبوب البروكل متماثل،فابحث عن هذا المعنى حتى تعرفه بالذكر لابالفكر.انتهى.
فقوله :(آخذك ولا أجدك)كيف يأخذه ولا يجده؟ إذا أخذه وجده. لا يجده لأنه في حالة فناء، استهلكت هوية الشاهد في المشهود.انتفت الاثنينية الشهودية .وكذلك (تجدني ولا تأخذني ).وقوله:(ثم قال لي : أجدك ولا آخذك)لأن الشاهد ،لم يضف للمشهود،صفة أخرجته عن وحدانيته وعن كينونته“كان الله ولا شيء معه”وهوعلى ما عليه كان ،ففناؤه عين بقائه، وبقاؤه عين عبوديته،والرب رب، لهذا قال له:(ظهرت في الأخذ وخفيت في الترك).فالأخذ مني،والترك ليس لك”أنا الفعال لما أريد”.
وقوله:(ثم قال لي:نفسي أخذت) .لأن الموجود الحقيقي هو الله، والحق تعالى ليس كمثله شيء،فلا روح له ،ولانفس له،والحق تعالى من حيث ذاته،منزه عنهما،لو كانت له روح ونفس ،لكان يشبهنا ،فهي نفس الأسماء الالهية والحقيقة المحمدية، فالروح راجعة على الروح الكلية،والنفس على النفس الكلية،أي على مرتبة الالوهية والاصطحاب.
قال تعالى (تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك)أي ما اقتضت ألوهيتك ومن جملتها علمك الذاتي لك،و المعبر عنه بالنفس.
يقول ابن عربي في هذا المقام :اعلم أنّ الممكنات هي كلمات الله التي لاتنفد،وبها يظهر سلطانها الذي لايبعد،وهي مركبات، لأنّها أتت للإفادة فصدرت عن تركيب يعبّر عنه باللسان العربي بلفظة (كن)فلا يتكون منها إلا مركب من روح وصورة،فتلتحم الصور بعضها ببعض لمابينها من المناسبات…والمادة التي ظهرت فيها الكلمات هي نفس الرحمن ولهذا عبّر عنه بالكلمات.انتهى.
فابن عربي يرى أن الوجود قد نشأ حروفا في(النفس الإلهي).أرادت الألوهية أن ترى نفسها في صورة غيرذاتها،فتكونت مراتب الوجود الأساسية،كما تنتظم اللغة في النفس الإنساني،فإذا استوت الحروف، أمكن تكوين الكلمات، واذا استوت بالمثل مراتب الوجود الأساسية،امكن ظهور الموجودات انتهى (الفتوحات).
أليست الموجودات في النهاية هي كلمات الله ؟(قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)ولهذا رتب الوجود على حسب الحروف الأبْجدية الثمانية والعشرين،توازي كل مرتبة منها حرفا من حروف اللغة.فوازى بين الحروف العربية والوجود، ووازى بين مراتب الوجود والأسماء الإلهية،فلكل دائرة اسم الإلهي مدبر،والرابط بين مراتب الوجود وحروف اللغة،عند ابن عربي نابع من تصوره للعماء على أساس أنه النفس الرحماني،فكما تتشكل حروف اللغة،وكلماتها في النفس الانساني، كذلك تتشكل الموجودات في العماء.لذا قلت أن “الأخذ” تم في حضرة العما.
فظهرت الوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة ففرقاً، وجمعاً ،الكل راجع على دائرة الالوهية،ولا شئ خارج عن دائرة تجليات أسمائه.ومن هذا الباب (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)أي ارادته(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
وما سمي الجماد جمادا،إلا لجمود التجلي عليه،ولعل في البسائط الاولى، اي تجلي(ألست بربكم)لم يتغير التجلي(كان جامدا) حتى عالم الظهور وقولهم (بلى)في عالم الذر،تسبيح لهم كتسبيح الجماد في عالم الظهور. ولو حجب بالأخذ لبقي التجلي جامدا عليه وبقي مقرا بالربوبية، وهذا نعيم مقيم، تغير التجلي وتغير الاقرار بالربوبية،تبعا للإرادة الإلهية ولقوله تعالى (فريق في الجنة وفريق في السعير) والعذاب المذكور من العذوبة وقد سماه “نور الأخذ” فالحجاب نور.
وما زلت اكرر أن هذه المشاهد صعبة ،ومستعصية الفهم، والشرح، والإدراك