الفتاوي الحديثة لابن حجر الهيثمي
ما حُكم مطالعة كتب الشيخ محيي الدين بن عربي؟.
الجواب: الذي أثرناه عن أكابر مشايخنا،العلماء الحكماء الذي يُستسقى بهم الغيب وعليهم المُعوّل،وإليهم المرجع في تحرير الأحكام وبيان الأحوال والمعارف والمقامات والإشارات: أن الشيخ محيي الدين بن عربي من أولياء الله تعالى العارفين ومن العلماء العاملين،وقد اتفقوا على أنه كان أعلم أهل زمانه بحيث أنه كان في كل فنّ متبوعاً لا تابعاً،وأنه في التحقيق والكشف والكلام على الفرق والجمع بحر لا يُجارى،وإمام لا يُغالَط ولا يُمارى،وأنه أورع أهل زمانه وألزمهم للسنة وأعظمهم مجاهدة.. ووقع له أنه لمّا صنّف كتابه “الفتوحات المكية” وضعه على ظهر الكعبة ورقاً من غير وقاية عليه، فمكث على ظهرها سنة لم يمُسّه مطر ولا اخذ منه الريح ورقة واحدة،مع كثرة الرياح والأمطار بمكة. فحفظ الله كتابه هذا من هذين الضدّين دليل أيّ دليل وعلامة أيّ علامة على أنه تعالى قبل منه ذلك الكتاب وأثابه عليه وحَمد تصنيفه له،فلا ينبغي التعرّض للإنكار عليه فإنه السمّ القاتل لوقته كما شاهدناه وجربناه في أناس حقّ عليهم المقت وسوء العقاب ما أوجب لهم التعرض لهذا الإمام العارف بالإنكار،حتى استأصل شأفتهم وقطع دابرهم،فأصبحوا لاترى إلا مساكنهم،فمعاذاً بالله من أحوالهم وتضرّعاً إليه بالسلامة من أقوالهم.وأما مطالعة كتبه فينبغي للإنسان أن يعرض عنها بكل وجه أمكَنه،فإنها مشتملة على حقائق يعسُر فَهمها إلا على العارفين المتضلّعين من الكتاب والسنة،المطّلعين على حقائق المعارف وعوارف الحقائق.فمن لم يصل لهذه المرتبة يخشى عليه منها مزلّة القدم والوقوع في مهامه الحيرة والنّدم،كما شاهدناه في أناس جهّال أدمنوا مطالعتها فخلعوا ربقة الإسلام والتكليفات الشرعية من أعناقهم،وأفضى بهم الحال إلى الوقوع في شرك الشرك الأكبر…فمُجانبة مطالعتها رأساً أولى،فإن العارف لا يحتاج إليها إلا ليُطابق بما فيها ما عنده،وغيره إن لم تضرّه ما نفعته. نعم له كتب في التربية الصّرفة،والحمْل على الأخلاق والأحوال وغيرهما،ممّا يناسب السلوك،فهذه لا بأس بمطالعتها فإنها ككتب الغزالي وأبي طالب المكي ونحوها من الكتب النافعة في الدنيا والآخرة.. الفتاوى الحديثية المؤلف: شيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر الهيثمي