قس بن ساعدة

كان قس بن ساعدة الإيادى أشهر خطباء الجاهلية وأول مَن قال: «أما بعد» و«البيِّنة على مَن ادَّعَى واليمينُ على مَن أنكر» و«اسْمَعُوا وَعُوا، ومَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات»

كان قس بن ساعدة الإيادى من حكماء العرب قبل الإسلام، وقد تُوفى حوالى عام 600م، ويعده «الشهرستانى» فى كتاب «المِلَل والنحل» بين مَن يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب، «وكان زاهِداً فى الدنيا، خاصة بعد أنْ مات له أخوان ودفنَهُما بيده، وكان يَحضُرُ سوقَ عُكاظ ويَسيرُ بَين الناس ويُنذِرهُم.. ولقد ضُرِبَ بِه المَثلُ فى الخطابة والبلاغة والحكمة».

وتُنسب إلى قس بن ساعدة حِكَم كثيرة، منها: «إذا خاصمتَ فاعدل، وإذا قلتَ فاصدق، ولا تستودعنَّ سرك أحداً، فإنك إن فعلتَ لم تزل وجِلاً»، و«مَن عيَّرك شيئا ففيه مثله، ومَن ظلمك وجد مَن يظلمه، وإذا نهيتَ عن الشىء فابدأ بنفسك، ولا تشاور مشغولاً وإن كان حازماً، ولا جائعاً وإن كان فهِماً، ولا مذعوراً وإن كان ناصحاً».

كان «قس» خطيب العرب قاطبة، وإذا كان الخطباء كثيرين، والشعراء أكثر، فإن مَن يجمع الشعر والخطابة قليل، وكان مضرب أمثال العرب فى البلاغة إذا ما عبروا عن خطيب أو شاعر بليغ، فيقولون: «أبلغ من قس».

ومما يُذكر عنه أنه أول مَن خطب متكئاً على عصا، وأول مَن قال: «أما بعد»، وأول مَن كتب: «من فلان إلى فلان»، وأول مَن قال: «البيِّنة على مَن ادَّعَى واليمينُ على مَن أنكر»،

ومما ذُكر عنه أنه كان يُنكِر المُنكر، الذى شاع فى الجاهلية والغفلات التى كانت تسيطر على الناس، فتُنسيهم الموت والبعثَ والجزاء، وكان الرسول، «صلى الله عليه وسلم»، قد أدركه قبل مهبط الوحى بعشر سنين، وقال فيه: «يرحم الله قساً، إنى لأرجو يوم القيامة أن يُبعث أمة وحده»، وهذه الخُطبة قالها «قس» فى سوق عُكاظ قبل ظُهور الإسلام، ومما قاله فيها:

«أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت.. مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات، لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاْج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ومهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تَمور، وبحار لا تغور، وَنُجُومٌ تَزْهَر، وَبِحَارٌ تَزْخَر.. إِنَّ فِى السَّمَاءِ لَخَبَراً، وإِنَّ فِى الأرضِ لَعِبَراً، مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون؟!، أرَضُوا فَأَقَامُوا، أمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟، تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية. يا معشر إياد.. يا مَعْشَرَ إيَاد: أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ؟، وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟، أَلَمْ يَكُوْنُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالاً وأطولَ آجالاً؟، طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلِهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه.. يقسم (قس) بالله قَسَماً لا إثم فيه إن لله ديناً هو أرضَى لكم وأفضل من دينكم الذى أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً».

ويُروى أنه أنشد بعدها، فقال:

فى الذاهبينَ الأولينَ مِن القرونِ لنا بَصائر

ورأيتُ قومى نَحوها تَمضى الأكابر والأصاغِرُ

لا يَرجعُ الماضى إلىَّ ولا مِن الباقين غابر

أيقنتُ أنى لا محالةَ حيثُ صارَ القومُ صائر

حصل المقال على : 1٬406 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد