المفكر والشاعر الفرنسى «لامارتين» كتب عن رسولنا الكريم فى مقدمة كتابه الضخم «تاريخ تركيا – الجزء الثانى»، الصادر عام 1854، يقول: «إذا كانت الضوابط التى نقيس بها عبقرية الإنسان هى سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذى يجرؤ أن يقارن أيًا من عظماء التاريخ الحديث بالنبى محمد فى عبقريته، فهؤلاء المشاهير صنعوا الأسلحة، وسنوا القوانين، وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلا أمجادًا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانيهم».
ويتابع «لامارتين» فى المقدمة التى أصبحت كتابًا مستقلًا فيما بعد حمل عنوان «حياة محمد»، قائلاً: «لكن هذا الرجل «محمد» لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، إنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ، ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة».
وأضاف: «لقد صبر النبى وتجلد حتى نال النصر.. كان طموح النبى موجهًا تمامًا إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك، حتى صلاة النبى الدائمة ومناجاته لربه ووفاته وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع، بل يدل على اليقين الصادق الذى أعطى النبى الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث».
وقال «لامارتين» أيضًا: «ما من إنسان البتة رسم لنفسه إدراك هدف أسمى مما نوى محمد أن يبلغ، إذ كان هدفًا يفوق طاقة البشر، يتمثل فى نسف المعتقدات الزائفة التى تقف بين المخلوق والخالق، وإرجاع الله للإنسان، وإرجاع الإنسان لله، وبعث الفكرة الألوهية المجردة المقدسة فى خضم فوضى الآلهة المادية المشوهة، آلهة الوثنية، وما من إنسان البتة، فى نهاية المطاف استطاع أن ينجز فى وقت أوجز ثورة على الأرض أعظم أو أبقى مما أنجز هو».
حصل المقال على : 1٬066 مشاهدة