بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِينَ
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ. هَيُولَى الإِفَاضَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَمَادَّةِ الحَقِيقَةِ الحَقَّانِيَّةِ، البَارِزَةِ مِنْ بُطْنَانِ الأَزَلِ، وَالنُّورِ الأَبْهَى الأَكْمَلِ، المُتَجَلِّي فِي ذَرَّاتِ المَوْجُودَاتِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
الَحمْدُ للهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا وَأَسْعَدَنَا بِمَوْلِدِ خَيْرِ الأَنَامِ، وَزَيَّنَ الكَوْنَ بِطَلْعَتِهِ، وَرَتَّقَهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَفَتَقَهُ بِرِسَالَتِهِ، وَجَعَلَ أُمِّيَّتَةُ حَدًّا مَحْدُودًا لِأَهْلِ عِنَايَتِهِ. فَهُوَ الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَالبَرْزَخُ النُّورَانِيُّ الَّذِي عَمَّ نُورُهُ سَائِرَ الأَقْطَارِ وَالجِهَاتِ. فَكَانَ الوَاسِطَةَ العُظْمَى لِكُلِّ الْمِنَحِ وَالعَطَاءَاتِ، وَبَابُ اللهِ الأَعْظَمِ لِكُلِّ الفُتُوحَاتِ. فَلاَ دُخُولَ إِلَّا مِنْ بَابِهِ، وَلاَ شُهُودَ إِلَّا فِيهِ، وَلاَ تَجَلٍّ إِلَّا مِنْهُ. فَطُوبَى لِمَنْ تَعَلَّقَ بِشَخْصِهِ وَفَنَى فِي مَحَبَّتِهِ، وَتَيَقَّنَ بِحَقِيقَتِهِ. فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّوحُ الكُلِّيَّةُ الَّتِي اِسْتَمَدَّ مِنْهَا الأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ شَرَائِعَهُمْ وَعُلُومَهُمْ فِي زَمَانِهِمْ فَلَمْ يَكُونُوا إِلَّا نُوَّابَهُ.
فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلاَّ شَرْعُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَالَ أَعْلَى مَقَامٍ فِي الْوُجُودِ، وَأَكْرَمَ مَنْزِلَةٍ لَذَى الخَالِقِ الْمَعْبُودِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَمَوْلَاَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَمُصْطَفَاهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، أَفَضْلُ خَلْقِهِ عَلَى الإِطْلَاقِ.
أَمَّا بَعْدُ.
لَمَّا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُوجِدَ الْمَوْجُودَاتِ، وَيُظْهِرَ مَا كَانَ مَكْنُونًا فِي طَيِّ الْمَعْدُومَاتِ، أَبْرَزَ الْحَقِيقَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ وَالدُّرَّةَ السَّنِيَّةَ وَالْقَبْضَةَ الْأَصْلِيَّةَ مِنْ نُورِ الأَحَدِيَّةِ.
فَكَانَ نُورُ نُبُوَّةِ مَوْلَانَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوَّلَ وَأَبْدَعَ وَأَسْمَى مَا خَلَقَ اللهُ فِي كَوْنِهِ “أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورَ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ” ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ أَي أَشْرَقَ نُورُ نُبُوَّةِ مَوْلاَنَا رَسُولِ اللهِ، فَأَضَاءَ الْكَوْنَ بَعْدَمَا كَانَ الْعَمَا وَالعَدَمُ.
طَيِّبِ اللَّهُمَّ مَجَالِسَنَا وَنَوِّرْ بَصَائِرَنَا بِنُورِ الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى وَالرَّسُولِ الْمُجْتَبَى، خَيْرِ مَنْ طَابَ بِهِ الإِفْتِتَاحُ، وَحَسُنَ بِهِ الإِخْتِتَامُ، سَيِّدُنَا وَمَوْلَاَنَا مُحَمَّدٌ أَكْمَلُ مَوْلُودٍ وَأفْضَلُ مَوْجُودٍ، وَاجْعَلْنَا يَا مَوْلَانَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحِبِّينَ فِيهِ وَالْمَحْبُوبِينَ لَدَيْهِ.
اللَّهُمُّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى الذَّاتِ الْمُحَمَّدِيَّةِ صَفْوَةِ الْبَارِي وَنُورِ الأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ.
وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَنَّ الخَلْقَ مَحَلُّ ضُعْفٍ وَفَزَعٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَلَقِّي وَتَحَمُّلِ التَّجَلِّيَّاتِ الإِلَهِيَّةِ، وَمُكَافَحَتِهَا، لاسِيَّمَا الجَلاَلِيَّةِ مِنْهَا لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَبُعْدِ الْمَسَافَةِ، فَاصْطَفَى مِنْ بَيْنِ خَلْقِهِ حَبِيبًا خَلِيلًا قَادِرًا عَلَى تَحَمُّلِ الأمَانَةِ الْعُظْمَى وَالخِلاَفَةِ الكُبْرَى عَلَى الكَوْنِ وَأَهْلِهِ بَعْدَمَا أَبَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالجِبَالُ العَجْزَ عَنْ حَمْلِهَا
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ هَذِهِ الأَمَانَةُ هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي كَانَتْ تَبْحَثُ عَنِ الْمَوْصُوفِ بِهَا فِي عَالَمِ الحُكْمِ، فَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهَا عَرَفَتْ نَفْسَهَا وَاِطْمَأَنَّتْ، لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِهَا لَيْسَ إِلَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ﴾ فَهُوَ الْإِنْسَانُ الكَامِلُ الْمُكَمِّلُ القَادِرُ عَلَى حَمْلِ هَذِهِ الأَمَانَةِ.
هَذَا وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقًا أَكَرَمَ وَأَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَإِنْ كَانَ تَعَالَى اِتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، فَقَدِ اِتَّخَذَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا حَبِيبًا مُقَرَّبًا وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ الأُمَمِ وَأَشْرَفِهَا ﴿كُنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ فَمَا خَلَقَ الْعَوَالِمَ وَمَنْ فِيهَا إِلَّا لِيُعَرِّفَهُمْ كَرَامَةَ وَمَنْزِلَةَ حَبِيبِهِ عِنْدَهُ.
لَوْلَاكَ يَا أَحْمَدُ مَا طَلَعَتْ=شَمْسٌ وَلَمْ تَخْرُجِ الدُّنْيَا مِنَ العَدَمِ.
مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأَعْرَابِ وَالعَجَمِ=مُحَمَّدٌ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمٍ.
مُحَمَّدٌ يَوْمَ بَعْثِ النَّاسِ شَافِعُنَا=مُحَمَّدٌ نُورُهُ الهَادِي مِنَ الظُّلَمِ،
فَبُشْرَى لَنَا مَعَاشِرَ أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بِظُهُورِ طَلْعَةِ هَذَا النَّبِيِّ الكَرِيمِ، الرَّؤُوفِ العَطُوفِ الرَّحِيمِ، عَيْنِ الرَّحْمَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَكَنْزِ الشُّؤُونِ الْمُتَدَفِّقَةِ. النُّورِ القَدِيمِ الهَادِي إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. بَدِيعِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ. تُرْجُمَانِ أَسْرَارِ مَا وَرَاءَ الْحُجُبِ وَالْخَبَايَا. مَنْ خَاطَبَهُ الْمَوْلَى ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾. وَفَتَحَ بِهِ بَابَ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمُ إِذْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَّوَّابًا رَّحِيمًا﴾ وَمَلَّكَهُ مَفَاتِحَ غَيْبِهِ وَوَلَّاهُ خَزَائِنَ مُلْكِهِ وَقَالَ لَهُ ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ. مَادَّةِ الإِمْدَادَاتِ السُّبْحَانِيَّةِ، وَكَنْزِ الأَسْرَارِ البَاطِنَةِ فِي الآيَاتِ القُرْءَانِيَّةِ. جَنَّةِ العَارِفِينَ وَعَيْنِ العِنَايَةِ لِأَهْلِ السَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ، وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
فَصَارَ ذَلِكَ النُّورُ، نُورُ نُبُوَّةِ مَوْلَانَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسَبِّحُ اللهَ قَبْلَ وُجُودِ الأَرْوَاحِ، حَيْثُ لَازَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ، خَارِجًا عَنِ الْكَمِّ وَالْكَيْفِ كَمَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَمِنِ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ لَيْلُ النُّبُوَّةِ. وَاِسْتَقَرَّ فِي خَبَايَا الهُوِيَّةِ يَتَقَلَّبُ فِي حُجُبِهَا. فَقَامَ بِكُلِّ أَنْوَاعِ العِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ نَائِباً عَنِ الكَوْنِ وَأَهْلِهِ ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلْرَّحْمَنِ وَلُدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ﴾ فَهُوَ لِوَاءٌ جَامِعٌ، إِجْتَمَعَتْ فِيهِ كُلُّ الْمَحَامِدِ الإِلَهِيَّةِ. وَاِرْتَقَتْ فِيهِ كُلُّ العُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ وَهُوَ عَيْنُ الرَّحْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، فَمِنْهُ وَبِهِ إِسْتَمَدَّ الْمُومِنُونَ الْمَحَامِدَ. وَبِذَلِكَ جَعَلَهُ اللهُ أَصْلًا لِكُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَدَدُهَا الَّذِي مِنْهُ إِسْتِمْدَادُهَا، وَعَلَيْهِ اِعْتِمَادُهَا. فَهُوَ الأَوَّلُ فِي الْمَقَادِيرِ وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَفِي الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَنِ النَبِيئِينَ فِي عَالَمِ الأَرْوَاحِ وَكَذَلِكَ فِي الشَّفَاعَةِ وَدُخُولِ الجَنَّةِ.
إِلَيْكَ وَإِلاَّ لاَ تُشَدُّ الرَّكَائِبُ=وَعَنْكَ وَإِلاَّ فَالْمُحدِّثُ كَاذِبُ
وَفِيكَ وَإِلاَّ فَالغَرَامُ مُضَيَّعٌ=وَمِنْكَ وَإِلاَّ لاَ تُنَالُ الرَّغَائِبُ
ثُمَّ اِنْتَقَلَ ذَلِكَ النُّورُ إِلَى بِسَاطِ الأُلُوهِيَّةِ، وبَقِيَ يَنْتَظِرُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ الفَيْضَةَ القُرْآنِيَّةَ، فَدُكَّتْ فِي النُّقْطَةِ النُّورَانِيَّةِ، فَوَقَعَ الاِصْطِحَابُ إِجْمَالاً ثُمَّ تَفْصِيلاً. وَظَهَرَتْ بِذَلِكَ عَنَاوِينُ المُقْتَضَيَاتِ القُرْءَآنِيَّةِ. فَأَظْهَرَ الإِصْطِحَابُ مَا كَانَ غَيْبِيٌ وَمُطَمْطَمٌ فِي حَضْرَةِ العَمَا. فَتُرْجِمَ القُرْءَآنُ فَصَارَ كِتَابًا ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ﴾ فَلَوْلَا نُورُ نُبُوَّةِ مَوْلَانَا رَسُولِ اللهِ الَّذِي تَرْجَمَ القُرْءَآنَ لَمَا صَحَّ الوُجُودُ لِلوُجُودِ، وَلَمَا صَمَدَ تَحْتَ تَجَلِّيَّاتِ الرَّبِّ الْمَعْبُودِ وَلَصَارَ إِلَى مَحْضِ عَدَمٍ، وَلَمَا صَحَّتِ العِبَادَاتُ وَلَمَا عَرَفْنَا مُقْتَضَيَاتِ هَذَا القُرْءَانِ، وَمَا يُرِيدُهُ اللهُ فِي كَوْنِهِ.
اللَّهُمُّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى الذَّاتِ الْمُحَمَّدِيَّةِ صَفْوَةِ الْبَارِي وَنُورِ الْأَنْوَارِ الْقُدْسِيَّةِ.
وَلَمَّا أَرَادَ اللهُ إِبْرَازَ عَالَمِ المَوْجُودَاتِ وَإِظْهَارَ جَمِيعِ المُقْتَضَيَاتِ القُرْءَآنِيَّةِ. أَوْجَدَ بِحُكْمِ تَدْبِيرِهِ هَيْكَلَ سَيِّدِنَا آَدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى صُورَةِ حَقِيقَةِ الأَنْمُوذُجِ أَوِ القَالَبِ الشَّرِيفِ الَّذِي سَيَظْهَرُ عَلَيْهِ مَوْلَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾. وَانْتَقَلَ ذَلِكَ النُّورُ إِلَى سَيِّدِنَا آَدَمَ، فَكَانَ آَدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَشْهُودُ، وَنُورُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمَقْصُودُ مِنْ السُّجُودِ. وَتَقَلَّبَ ذَلِكَ النُّورُ فِي خِيرَةِ الأَصْلَابِ الطَيِّبَةِ الْمُنْتَخَبَةِ، وَالأَرْحَامِ الزَّكِيَّةِ ﴿وَتَوكَّل عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾.
تَنَقَّلَ مُحَمَّدٌ نُوراً عَظِيمًا=تَلَأْلَأَ فِي جِبَاهِ السَّاجِدِينَ.
تَنَقَّلَ فِيهِمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ=إِلَى أَنْ جَاءَ خَيْرُ المُرْسَلِينَ.
إِلَى أَنْ وَصَلَ ذَلِكَ النُّورُ إِلَى صُلْبِ سَيِّدِنَا عَبْدِ اللهِ بِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الَّذِي بَنَى بِمَولَاتِنَا آَمِنَةَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. فَحَمِلَتْ بِهِ وَلَمْ تَحَمِلْ بِسِوَاهُ مِنْ الأَنَامِ.
المُصْطَفَى خَيْرُ مَوْلُودٍ وَأَكْرَمُهُ=وَلَيْسَ يُشْبِهُهُ فِي النَّاسِ مَوْلُودٌ.
المُصْطَفَى قِبْلَةُ الدُّنْيَا وَكَعْبَتُهَا=وَبَابُهُ مَلْجَأٌ لِلْخَلْقِ مَشْهُودُ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ. صَلَاةً تُنَوِّرُ بَصَائِرَنَا بِنُورِ مِشْكَاةِ الزُّجَاجَةِ الأَحْمَدِيَّةِ وَتَجْعَلُنَا مِنْ أَهْلِ النُّفُوسِ الطَّاهِرَةِ، وَالقُلُوبِ الشَّاكِرَةِ، وَالوُجُوهِ النَّاضِرَةِ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَأَفْضِ عَلَيْنَا مِنْ بِحَارِ العِنَايَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وَاِجْعَلْنَا اللَّهُمَّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ خَاصَّةِ المَحْبُوبِينَ لَدَيْكَ، وَأَحْسِنْ وُقُوفَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَظِلَّنَا يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّكَ، وَاُرْزُقْنَا طِيبَ الْمَقَامِ وَحُسْنَ الخِتَامِ وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ قُلْتَ فِيهِمْ ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ وَصَحْبِهِ وَسِلِّمْ.
فَظَهَرْتْ لِمَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوَارِقٌ وَآيَاتٌ، وَدَلَائِلٌ وَعَلَمَاتٌ، إِعْلَانًا لِعُلُوِّ رِفْعَتِهِ وَشَرَفِ قَدْرِهِ. فَزِيدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا نُورًا أَضَاءَتْ لِمَوْلِدِهِ جَمِيعُ العَوَالِمُ وَالأَقْطَارُ.
أَبَانَ مَوْلِدُهُ عَنْ طِيبِ عُنْصُرِهِ=يَا طِيبَ مُبْتَدَإٍ مِنْهُ وَمُخْتَتَمٍ.
وَأُخْتُلِفَ فِي يَوْمِ وِلَادَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالرَّاجِحُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الكَشْفِ أَنَّهُ وُلِدَ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ مِنْ رَبِيعِ الأَوَّلِ مِنْ عَامِ الفِيلِ. فَنُبُوَّتُهُ وَرِسَالَتُهُ لَمْ تَنْسَلِخَا عَنْهُ قَبْلَ القَبْلِ وَلاَ بَعْدَ البَعْدِ إِلَى أَنْ أَذِنَ اللهُ بِالظُّهُورِ الِجسْمَانِي الْمُحَمَّدِي. فَظَهَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَظْهَراً ثَانِياً مُتَرَبِّعاً عَلَى كُرْسِيِّ الخِلَافَةِ مُبَلِّغاً وَهَادِيّاً وَدَاعِيّاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيرًا.
لَيْلَةُ المُوْلِدِ الَّذِي كَانَ لِلدِّينِ =سُرُورٌ بِيَوْمِهِ وَاِزْدِهَاءُ.
وَتَوَالَتْ بُشْرَى الهَوَاتِفِ أَنْ قَدْ=وُلِدَ الْمُصْطَفَى وَحَقَّ الهَنَاءُ.
فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ مَوْلِدَهُ لِلقُلُوبِ رَبِيعاً، وَحُسْنَهُ بَدِيعاً، وَحِرْزَهُ مَنِيعاً، وَمَقَامَهُ جَلِيلًا رَفِيعاً.
يَا نَبِيَّ اللهِ إِنِّي مُحِبٌّ =لَكَ وَاللهِ عَاشِقٌ مُسْتَهَامٌ.
يَا نَبِيَّ اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ =لَكَ مِنِّي تَحِيَّةٌ وَسَلَامٌ.
يَا نَبِيَّ اللهِ شَوْقِي عَظِيمٌ=زَائِدٌ وَالغَرَامُ فِيكَ غَرَامٌ.
يَا نَبِيَّ اللهِ إِنِّي نَزِيلٌ =وَنَزِيلُ الكِرَامِ لَيْسَ يُضَامُ.
فَلَيْلَةُ مَوْلِدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ الأَعْيَادِ وَأَجَلِّهَا لِأَنَّهَا اِحْتِفَالٌ بِنُبُوَّتِهِ وَإِكْرَامٌ لِقَدْرِهِ وَشَأْنِهِ العَظِيمِ عِنْدَ السَّمِيعِ العَلِيمِ. فَهَذِهِ اللَّيْلَةُ الفَضِيلَةُ هِيَ حَقِيقَةً بِالنِّسْبَةِ لِلْعَارِفِينَ أَهْلِ الأَذْوَاقِ وَالحَقَائِقِ وَالرَّقَائِقِ لَيْلَةُ القَدْرِ الَّتِي يُعَوَّلُ عَلَيْهَا.
فَطُوبَى لِمَنْ حَمِلَ بِذَلِكَ النُّورِ الأَقْدَسِ المُقَدَّسِ الَّذِي لَا تُدْرِكُ العُقُولُ عَظَمَتَهُ إِحَاطَةً وَتَقْدِيراً. فَكَانَتْ مُدَّةُ حَمْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَامِلَةٍ بِدُونِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ عَلَى المَشْهُورِ مِنْ الأَقْوَالِ المَرْوِيَّةِ. فَوَضَعَتْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَامِلًا مُكَمَّلًا طَاهِرًا مُطَهَّرًا كَاليَاقُوتَةِ النُّورَانِيَّةِ يَفُوحُ رِيحُهِ كَالمَسْكِ الأَذْفَرِ. وَعَمَّتِ البُشْرَى مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا بِمَوْلِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وُقُوفًاعَلَى الأَقْدَامِ فِي حَقِّ سَيِّدِي= تُعَظِّمُهُ الأَكْوَانُ وَالأَمْلَاكُ والأُنْسُ
(3 مَرَّاتٍ)
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا طَلْعَةَ الأَنْوَارِ، وَكَعْبَةَ الأَسْرَارِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا البَرْزَخُ الأَعْظَمُ، وَالكَنْزُ المُطَلْسَمُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الرُّوحُ الكُلِّيُّ وَالنُّورُ الأَكْمَلُ الْمُتَمَّمُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا اليَاقُوتَةُ المُتَحَقِّقَةُ بِجَمِيعِ الحَقَائِقِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَرْزَخَ التَّجَلِّيَّاتِ وَبَذْرَةَ الأَكْوَانِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ يَسَّرَ اللهُ بِلِسَانِكَ تِلاَوَةَ القُرْءَآنِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مِفْتاَحَ خَزَائِنِ آلْمَنَّانِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا قَهْرَمَانَ العُرُوجِ، وَسِدْرَةَ مُنْتَهَى الْمَقَامَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا قَاسِمَ كُلِّ الإِمْدَادَاتِ وَالعَطَاءَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ خَصَّكَ اللهُ بِكُلِّ الْمَحَامِدِ وَالكَرَامَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ قَبْلَ إِيجَادِ المَوْجُودَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْكَ تُنَالُ الكُشُوفَاتُ وَالفُتُوحَاتُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامن جَعَلَكَ اللهُ مُسْتَتِرًا فِي حُرُوفِ القُرْءَانِ وَضَمَائِرِ الآيَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ مَنَحَ اللهُ المُصَلِّينَ عَلَيْكَ بِنُعُوتِ القُرْءَآنِ ثَوَابَ عِدَّةِ خَتَمَاتٍ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَنِيسَ أَرْبَابِ التَّغَزُّلاَتِ الْمُحَمَّدِيَّاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا قُدْوَةَ السَّالِكِينَ وَمُـمِدَّ كُلِّ الحَضَرَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ جَعَلَكَ اللهُ الوَسِيلَةَ العُظْمَى لِكُلِّ القُرُبَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ مَحَبَّتُكَ تُوَّرِثُ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا قُرَّةَ الأَعْيَانِ وَسَلْوَةَ العَاشِقِينَ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ بَصَائِرِ العَارِفِينَ وَتَاجَ الصِّدِّيقِينَ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ بِلِسَانِ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، أَيُّهَا النَّبِيُّ الكَرِيمُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ بَيْتِكِ وَأَزْوَاجِكَ وَذَرِّيَّتِكِ وَأَصْحَابِكِ أَجْمَعِينَ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِكَ وَسَلَّمْ.
هذا المولد المبارك هو لصديقي وأخي الفاضل عبد الوهاب بن عبد القادر بنشقرون غفر الله له ولوالديه ،وللمسلمين والمسلمات ،والمومنين والمومنات الاحياء منهم والاموات. ( رمضان الأبرك 1432 )