ذات الدين قرة العين
قبَسَاتٌ من أنوار الحديث النبوي الشريف
﴿بِسْم اللّه الرّحْمَن الرّحيم﴾﴿الحَمْدُ للّه ربّ العٰلمين ﴾حَمْدَ العارفين،و﴿لا إله إلا الله﴾ توحيد المُقرّبين،والصّلاةُ والسّلامُ على نَبيّ الله صلاة الأحاديين. ونبرأ إليه تعالى من الحول والقوة ،فلا علم إلا ما علّمَنا،ولا عطاء إلا ما أعطانا،ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن هَمُّه الصدق،وبُغيته الحقّ،وغرضه الصواب،ممن لايلتفِت إلى نفسه،ولايبحث عن الثناء،ولاعن التّطاول والإطراء،فإن أصاب فمن اللّه،وإن اخطأ فمن نفسه ورحم الله امرؤا عرف قدره فوقف عنده﴿ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد مدينة العلوم الإلهية، وعلى اله وصحبه أبواب الأسرار الربانية،وعلى العارفين ذوي الهمم العالية والمعارف اللدنية والفتوحات الكشفية،صلاة نلج بها دوائر الأولياء،وننال بها المقامات القعساء .
قال المولى سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( تُنْكَحُ المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).صدق المولى سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم
سأل سائل : لماذا لم تُذكر الأخلاق في هذا الحديث النبوي الشريف مع أن الكل يبحث عنه في شروط الزواج.
الدين متضمن للأخلاق ،فلا دين بلا أخلاق ،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )وممن اشتهر مِن حِكم أهل الله قولهُم (التصوف خلق،فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف) .
قال صلى الله عليه وسلم (لدينها) وهو وصف دقيق إذ نَسب الدين لها وهو معنى حامل لأوصاف : الخُلق الحسن،والطبع المتوازن،والعقل الراجح،والنفس المهذبة..
(بذات الدين) في اللغة (ذي، ذو ،ذات) تفيد صاحب الشيء و المالك له ،فهي من الأسماء الخمسة،و في القرآن نجد الآيات التالية :
(والقران ذي الذكر)..اي القرءان الموصوف بالذكر.و(فرعون ذي الأوتاد) اي صاحب الأوتاد..(ذو الجلال والإكرام ) اي من صفاته الجلال والإكرام…(ذات ألواح و دسر)…اي الألواح والدسر صفة ذاتية لها تميزها.
فقوله صلى الله عليه وسلم (ذات الدين)اي تلك المرأة التي أصبح الدين صفة ذاتية لها ، ليس فقط مجرد خمس صلوات تؤديها في اليوم ، بل صارت كل حركاتها سكناتها لله رب العٰلمين، فصار الدين صفتَها وصار قيامُها اليل وصيامها النهارغيرَ مانعٍ لها عن القيام بواجباتها.. و الحقُّ أنّ هذه ضالة عزَّ وُجودها وصارت كأنها عنقاء مغرب،خصوصا في زمننا حيث طغت الماديات ودخل التلفاز البيوت وغزى الواتساب الجيوب وصرنا نقلد الأعمى والأصم والأبكم و هنا لا بد من التمييز بين المتدينة و بين ذات الذين…فاذا وجدتها .تربت يداك….وأخبرني اطلب منها الدعاء، فمجتمعاتنا أصبحت طافحة بنماذج من مثل :امرأة تصلي ومتحجبة وووو..اصاب زوجها اضطراب نفسي فطردته من البيت …نموذج امرأة أخرى تظهر للناس على انها ذات دين،على ظاهرها كل الخصال الحميدة وتعطي دروسا في الاجتماعات..المشكل :مكسب زوجها مشكوك فيه وتعرف ذلك وتغمض عينيها عنه..لا تريد أن ينزل مستواها المعيشي تحريا للحلال و إلا فقدت سيارة الدفع الرباعية التي بحوزتها..وامرأة لو رأيتها لاقسمت أنها ذات دين هوايتها المفضلة الخصومات مع زوجها..وغير ذلك الكثير
..
أنْ يعزّ وُجود الزوجة ذات الدين ،هذا لا يعنى محق الصلاح و نفيه عن نساء الأمة المحمدية ،فهذا من تحجير قدرة الله تعالى لا نقصده حشاه سبحانه ، فالنساء الصالحات و الرجال الصالحون لن يخلو منهم عصر ومصر، ووصف (ذات الدين) الوارد في الحديث هو معنى من جوامع الكلم المرادف لمعنى (المرأة الصالحة) التي وردت عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث شريفة كثيرة ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) و أيضا حديث( ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته،وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)،وقد جعلها صلى الله عليه وسلم من أسباب السعادة (أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ،وَالْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ)، ومن معاني المرأة الصالحة وجود الطاعة في مرضاة الله و حفظ الرجل في غيبته و ماله (قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ).
إن اختلاف الطبع بين الأزواج وارد أكيد وهذا ما يجعل صبر الزوجين على بعضهما لا محيد عنه، فحتى مع توفر شرط التدين فهذا لايعنى وصول الزوجة حال الكمال ،فيغلّب الزوج ما يرتضيه منها من خُلق رفيع و يعذرها ويصبر عن غيره حتى تستقيم الأمور بالتي هي أحسن، مصداقا لما جاء في الحديث الشريف( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر) ، وقد جاء عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (العلم بالتعلم والحلم بالتّحلّم) بمعنى أن الأخلاق تُكتَسَبُ بالمُمارسة والمُجاهدة.. ومراتب المتدينين تختلف تبعا لدرجة تهذيب الطباع (وإن لم يصبها وابل فطل )،ومن فوائد فترة الخطبة ان بعضا من مظاهر الخُلُق العامة قد تتبيّن للمخطوبين معا،وإن كانت المعاشرة و الحياة المشتركة في الزواج و بمرور الوقت هي القمينة بإظهار معدن الزوجين كلاهما…
على أن صلاح المرأة أو عدمه يؤثران في الزوج،ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﻱ :ﻭﻗﻔﺖُ ﻋﻠﻰ ﺑﺰّﺍﺯ (بائع الثياب) ﺑﻤﻜﺔ ﺃﺷﺘﺮﻱ ﻣﻨﻪ ﺛﻮﺑﺎً ، ﻓﺠﻌﻞ ﻳﻤﺪﺡ ﻭﻳﺤﻠﻒ، ﻓﺘﺮﻛﺘﻪ ﻭﻗﻠﺖُ :ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺍﻟﺸﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﻣﺜﻠﻪ ، ﻭﺍﺷﺘﺮﻳﺖُ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ .ﺛﻢ ﺣﺠﺠﺖُ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﺴﻨﺘﻴﻦ ، ﻓﻮﻗﻔﺖُ ﻋﻠﻴﻪ ، ﻓﻠﻢ ﺃﺳﻤﻌﻪ ﻳﻤﺪﺡ ﻭﻻﻳﺤﻠﻒ ، ﻓﻘﻠﺖُ ﻟﻪ : ﺃﻟﺴﺖَ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻗﻔﺖُ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻨﺬ ﺳﻨﻮﺍﺕ ؟
ﻗﺎﻝ : ﻧﻌﻢ .
ﻗﻠﺖُ ﻟﻪ : ﻭﺃﻱّ ﺷﻲﺀٍ ﺃﺧﺮﺟﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺃﺭﻯ ؟ ﻣﺎ ﺃﺭﺍﻙ ﺗﻤﺪﺡ ﻭﻻ ﺗﺤﻠﻒ !
ﻗﺎﻝ : ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺍﻣﺮﺃﺓ ؛ ﺇﻥ ﺟﺌﺘﻬﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞ ﻧَﺰَﺭَﺗﻪ (احتقرته) ، ﻭﺇﻥ ﺟﺌﺘﻬﺎ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻗﻠّﻠﺘﻪ ،ﺛﻢ ﺃﻣﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ،ﻓﺘﺰﻭّﺟﺖُ ﺍﻣﺮﺃﺓً ﺑﻌﺪﻫﺎ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕُ ﺍﻟﻐُﺪُﻭَّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻮﻕ ،ﺃﺧﺬﺕ ﺑﻤﺠﺎﻣﻊ ﺛﻴﺎﺑﻲ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﺖ : ﻳﺎ ﻓﻼﻥ ! ﺍﺗَّﻖِ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻻﺗﻄﻌﻤﻨﺎ ﺇﻻّ ﻃﻴّﺒﺎً ،ﺇﻥ ﺟﺌﺘﻨﺎ ﺑﻘﻠﻴﻞٍ ﻛﺜّﺮﻧﺎﻩ ،ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺄﺗﻨﺎ ﺑﺸﻲﺀٍ ﺃﻋﻨّﺎﻙ ﺑﻤﻐﺰﻟﻨﺎ) .
وثمة سؤال بخُصوص سرّ التّرتيب في سلم الاختيارات الواردة في الحديث الشريف..لم كان الترتيب في المواصفات: المال، الحسب، الجمال، ثم الدين ؟
الترتيب هنا في سلم الأولويات هو ترتيب تصاعدي : يرتقي بالباحث عن مواصفات الزوج من الصفات الدنيا لما هي أعلى منها : ففي هرم الإختيار و قمته: المطلوب هو الدين ثم الجمال ثم الحسب ثم المال..فمن قبسات وأسباب تأخير ذات الدين أنه مطلب راقٍ : فإذا كان معيار الجمال ظاهرا ومعيار امتلاك المال لا يخفى على ذي بصر فإن معيار الدين مسألة باطنية تعرف بالمعاشرة ..وهذا من بلاغة الخطاب النبوي العظيم ..ومن تحققت له المواصفات الأربع في ما قسمه الله من زيجة ،فقد عظمت منة الله عليه لانه حصّل اسباب السعادة في الدنيا الموصلة لسعادة الآخرة ،فحق عليه حمد الله و شكر هاته النعمة .
أما بخصوص اختيار الرجل زوجا ،فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)..ربَط المولى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بين الدين و الخُلُق: لأن المتدين قد تجده محافظا على ظاهر الشريعة والعبادات . لكن أخلاقه و تعاملاته صِفر..بصاد مكسورة ..ومن ضمن أشباه هؤلاء نجد الخوارج و المتنطعون الوارد وصفهم في الحديث عن أبي سعيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وأعمالكم مع أعمالهم ، يقرءون القرآن ولا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا ترى شيئا ، وتنظر في القدح فلا ترى شيئا ، وتنظر في الريش فلا ترى شيئا ، وتتمارى في الفوق ).
فنسأل الله تعالى أن يجعل وتر العُزّاب شفعا بحق قوله تعالى والفجر وليالي عشر والشفع والوتر. فالحياة تسير بالشفعية و سيدنا و مولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم رغب في الزواج و بركاته في أحاديث عدة (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم.).. ( تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)..و الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه
ابو ملاك