تنبيه المُغترين

التعريف بكتب الشيخ الشعراني

تنبيه المُغترين أوائل القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر:

يقول الإمام الشعراني:وبعد: فهذا كتاب نفيس، صغيرالحجم،كبير القدر. ضمّنته جملة صالحة ممّا كان عليه السلف الصالح من صفات معاملتهم مع الله تعالى ومع خَلقه،وحرّرته على الكتاب والسنة تحرير الذهب والجوهر، وذلك بحسب فهمي حال التأليف.فهو كالكتاب المُسمّى المنهاج للإمام النووي في الفقه، فكما أن علماء العصر يُفتون الناس بما فيه وما حوى من الترجيحات،كذلك علماء الصوفية يفتون بما في هذا الكتاب من النقول المُحرّرات الجيّدات،فإنّي شيّدت أخلاقه بأفعال السلف الصالح من الصحابة والتابعين والعلماء العاملين،وبما مَنّ الله تعالى عليّ بالتخلّق به أوائل دخولي في طريق محبّة القوم خوفاً أن يقول بعض المتعنّتين: كيف يأمُرنا فلان بالتخلّق بأخلاق القوم وهو نفسه لم يقدر على هذه الأخلاق.فلذلك صرّحت بكثير من الأخلاق التي مَنّ الله تعالى بها عليّ دون أقراني بقولي: وهذا خُلُق غريب لم أجد من تخلّق به في هذا الزمان غيري (إشارة لقلّة من تخلّق به من الأقران،لا ازدراءً للإخوان)تنبيهاً للسامعين على تخلّقي به،وأنّي ما دعوتهم إلى التخلّق به إلا بعد تخلّقي به.. إذ لا فائدة في إظهار الأعمال إلا لأحد شيئين: إما ليقتدي الناس بالعبد فيها،وإما ليُظهرها من باب الشكر لله تعالى،لا غير..وكان من الباعث الأعظم لي على تأليف هذا الكتاب ما رأيته من تفتيش جماعة مولانا السلطان سُليمان بن عثمان، في النصف الثاني من القرن العاشر، على ما اختلسه العُمّال وغيرهم من مالِه نُصرة له،وما رأيت أحداً من علماء الشرع يُفتّش على ما انْدَرس من معالم أخلاق الشريعة المحمدية نُصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهو نافع لكل فقيه وصوفي في هذا الزمان،لا يكاد أحد منهم يستغني عن النظر فيه.. وهو كالسيف القاطع لعُنق كل مُدّعٍ للمشيخة في هذا الزمان، لأنه يُفلسُه حتى يرى نفسه مُنسلخة من أخلاق القوم كما تنسلخ الحيّة من ثوبها. وإنّي أعرف بعض جماعة بلغهم أمر هذا الكتاب فتكدّروا،ولو أمكنهم سرقته وغسله لفعلوا خوفاً أن ينظر فيه أحد ممّن يعتقدهم، فيتغيّر اعتقاده فيهم حين يراهُم بمعزل عن التخلّق بأخلاق القوم الذين يزعمون أنهم خلفاؤهم..

وكان تأليفي لهذا الكتاب بحسب الوقائع التي تقع مِنّي ومن أصحابي،وما من خُلق ذكرته فيه إلا وهو وارد على سبب أعرفه.. وأرجو من فضل الله أن يكون هذا الكتاب كالمُبين لما اندرَس من أخلاق القوم،بعد الفترة التي حصلت بعد موت الأشياخ الذين أدركناهم في النصف الأول من القرن العاشر،فقدأدركنا بحمد الله نحواً من مائة شيخ كان كل واحد منهم يُستسقى به الغيث،ممّن ذكرناهم في كتاب طبقات العلماء والصوفية.وكان أحدهم لا يقبل شيئاً من أموال الوُلاة ولو كان في غاية الضّيق،بل يَطوي ويجوع حتى يجد شيئاً من الحلال.. فأين حال هؤلاء المشايخ من مشايخ هذا الزمان الذين يُسافرون من مصر أو الحجاز أو الشام إلى الروم أو العراق ليسألوا أن يُرتّب لهم السلطان جوالي أو مسموحاً أو مرتّباً،مع أن أحدهم يجد في بلده ما يكفيه.. وقد سافر مرّة من مشايخ مصر شخص إلى الروم، فاجتمع بالوزير إياس باشا،فقال له: ما صنعتُك؟ فقال: شيخ من أهل الطريق. فقال له إياس: فما حاجتُك التي جئت فيها؟ قال: ترتّبوا لي شيئاً من بيت المال. فقال له الوزير: هل تعلَم أن أحداً في مصر مثلك في الطريق؟ فقال: لا. فقال له إياس: أفّ لك من شيخ،إذا كان هذا حالُك وأنت تزعُم أنه ليس أحد في مصر أعلى منك مقاماً في الطريق،فكيف ببقيّة المشايخ؟ لقد أزْرَيْت بالفقراء وبَهدلت الطريق،فإن آحاد المريدين لو فعل مثل ذلك وسافر من بلده إلى غيرها في طلب الدنيا لخرج عن طريق الإرادة، فكيف تفعل أنت مثل ذلك في حال نهايتك؟ وزجره وأمر بإخراجه من عنده،فرجع خاسراً لما طلب.

وقال لي الأمير محمد دفتر ذار مصر مرّة: أنا لا أعتقد في مشايخ مصر الآن ولو مشى أحدهم في الهواء. فقُلت له: لماذا؟ فقال: لأنّي رأيتهم يجتهدون في طلب الدنيا أكثر ممّا نجتهد نحن فيه. فإياك يا أخي أن تظنّ بالمشايخ الذين أدركناهم أنهم كانوا مثل هؤلاء في قلّة الورع والقناعة فتُسيء الظنّ بهم. وإيّاك أن تتظاهر بالمشيخة في هذا الزمان،إلا إن كنت محفوظ الظاهر والباطن من التخليط..

فاعرض يا اخي ما فيه (أي الكتاب)من الأخلاق على كل من طلبت أن تصحبه من هؤلاء المشايخ الظاهرين في هذا الزمان،فإن وجدته مُتخلّقاً به فاصحبه واقتد به وقَبّل رجله،وإن وجدته غير متخلّق به فاضرب عنه صَفحاً من غير ازدراء له.. وسمّيته: تنبيه المغترين أواخر القرن العاشر على ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر،جعله الله تعالى خالصاً لوجهه الكريم،وأعيذه بكلمات الله التامات من شر كل عدو وحاسد يدُسّ فيه ما ليس من كلامي ممّا يُخالف ظاهر الكتاب والسنة اهـ.

يحتوي الكتاب على دراسة مائة وستين خُلقاً استخلصها الشعراني من أخلاقيات الصوفية ممّا سماهُم بالسّلف الصالح،وأوضح أن هذه الأخلاق تميّزهم عن غيرهم إذ هي صفات مُلازمة لهم وأوصاف لأشخاصهم انتهى. 

قلت : قيل التصوف خلق ومن فاتك في خلق فاتك في التصوف. فزنوا من تريدون الاقتداء به،بأخلاقه واتباعه للسنة ، وابتعدوا عن كل من رأيته يجتهد في طلب الدنيا ،وطلب القرب من المسؤولين، والرؤساء واصحاب القرار فبعض الشيوخ بهدلوا التصوف . 

 

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد