المـهـشــد الثـاني

الشـــرح الــثاني

ثم قال لي:ما أخذ إلّا من قلت،وما أفلت إلّامملوك،وما ملك إلامقهور،وما قهر إلا محصور وما حصر إلا محدث،وما حدث إلا عدم .ثم قال لي :أخذت المفترق فجمعته، وأخذته من الجمع فجمعته،ثم فرقته ثم جمعته،ثم فرقته،ثم جمعته ،ثم لا تفريق ولاجمع . ثم أشهدني ما فوق الأخذ ،فرأيت اليد الإلهية،ثم أرسل البحر الأخضر بيني وبينها،فغرقت فيه فرأيت لوحا، فركبت عليه فنجوت،ولولاه لهلكت ثم برزت اليد ،فإذا هي ساحل لذلك البحر. فالمراكب تجري فيه حتى تنتهي للساحل، فيبرزها الساحل ويرمي بها في القفر، ويخرجون أصحاب المراكب،معهم در،وجوهر،ومرجان .فإذا حصل في البر عادت أحجارا؟ .

 (ثم قال لي:ما أخذ إلا من قلت)

هم الأصناف الثلاثة :النور المحمدي،أخذ الميثاق من الأنبياء،وأخذ الذرية،وإشهادهم على ربوبية الحق تعالى.قال أهل الله الأنبياء يصرفون الأحوال، والأولياء تصرفهم الأحوال، فالأنبياء مالكون أحوالهم والأولياء مملوكون لأحوالهم.انتهى .

فما أفلت إلا مملوك لأحواله، أحواله ذاتية له،أخذ بها.والمالك مملوك بلا شك،فإن مُلكه يملكه بما يحتاج إليه منه،والمُلك فقير إلى أشياء لابد له منها،لاتحصل له إلا من مالكه فيُــقَيَّد به مالكه، فيكون مملوكا له،لهذا قال(وما ملك الا مقهور).الإنسان خليفة الله،والله تعالى جعل هذا العالم مقهورا تحت تسخيرخليفته،قال تعالى (وسَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ)محصور بتجليات الأسماء الالهية،وبما قدره الله تعالى، ومقتضياتها محدثة،أخرجها الله تعالى من العدم.

يقول ابن عربي في الجزء 1 الصفحة 172″…أن علوم ماسوى الله ،لابد أن تكون مُرَتَّبة محصورة سواء كانت علوم وهب،أو علوم كسب،فإنها لا تخلو من هذا الترتيب الذي نذكره ” .

(ثم قال لي :أخذت المفترق فجمعته،وأخذته من الجمع فجمعته،ثم فرقته ثم جمعته،ثم فرقته .ثم جمعته ،ثم لا تفريق ولا جمع اهــ)

 فهو المجتمع المفترق،والمفترق المجتمع،والواحد الكثير،صورة الحضرة الإلهية،وتجليات الأسماء الإلهية.الجمع في الواحدية، والفرق في الألوهية، والظهور في الرحمانية. التفريق والجمع راجعان على الأسماء الالهية. صاحب هذا المقام يرى الكثرة في الواحد، والتفرقة في الجمع.

 (ثم لا تفريق ولا جمع)الكل راجع على اسم الجلالة الله،والاشياء كانت متأحدة في عين الكثرة (الجمع)متكثرة في عين الوحدة (التفريق).اختلفت أحكام الأسماء الإلهية من حيث هي أسماء فمقتضى المنتقم،وشديد العقاب، والقاهر ،مخالف لمقتضى الرحيم،والغافر، واللطيف وكل اسم يطلب ظهور مقتضياته.قال صلى الله عليه وسلم:”لو لم تذنبوا لذهب الله بكم،وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.وكل اسم يجر لدائرته، فالمنتقم يطلب وقوع الانتقام من المنتقم منه،والرحيم يطلب رفع الانتقام عنه،وكل اسم ينظر في الشي‏ء بحسب حكم حقيقته فلا بد من التشجار لظهور سلطان الاسم ،والى هذا يشير قوله التفريق والجمع والجمع والتفريق.

علم الجمع والتفرقة،علم يخص الاولياء اصحاب المقامات الكبرى(انظر الفتوحات ص 40 ج 2)

(ثم أشهدني ما فوق الأخذ ،فرأيت اليد الإلهية)

الفوقية فوقية الحكم،لا فوقية مكانية.اليد الإلهية التي فوق الأخذ هي القضاء،والقضاء هوحكم الله الأزلي،في أعيان الموجودات. والقضاء يمرعبر تجليات الأسماء الالهية، والوساطة المحمدية(فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَايَجِدُواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)”مما قضيت“أنت يا محمد،فهو واسطة في قضاء الله،وهوالحق الأول كما ورد في الصلاة المشيشية.

 وفي بساط جمع الجمع،الحقيقة المحمدية هي عين القضاء والقدر،وهو الذي عبر عنه ابن عربي ب”البحر الأخضر”.

ثم أرسل البحر الأخضر بيني وبينها : بحر الحقيقة المحمدية، وهو البحر الذي يستمد منه الصديقون. يقول ابن عربي في ص91 ج 2 : ما الصديقية.؟ الجواب نور أخضر بين نورين يحصل بذلك النور شهود عين ما جاء به المخبر من خلف حجاب الغيب بنور الكرم‏…”

واللون الاخضر هو لباس اهل الجنة(عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) وهو لون الاسلام .وهذا البحر وهو الذي اشار إليه البسطامي بقوله:“خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله“بحر الحقيقة المحمدية، الحاجز بينه وبين القضاء، فلا يعرف شيئا عنه ولا يصله شيء منه إلا على يد النبوة المحمدية ،والوساطة البزرخية الاحمدية.وغرقه فيه هو استهلاكه في حقيقة النبوة المحمدية.

يقول ابن عربي في معرض جوابه على السؤال 3″من اسئلة الحكيم الترمذي (بالتصرف) قد يُعلَم سِرّ القدر وتَحكّمه في الخلائق.وقد أعْلِمنا به،فعَلمنا بحمد الله.فإن مظاهر الحق في أعيان الممكنات، المُعبّرعنها بالعالَم،هي آثار القدر، وهي علامة على وجود الحق،ولا دليل أدَلّ على الشيء من نفسه: فلَم يُعلَم الحق بغيره،بل عُلم بنفسه.انتهى .

 فالعارف كل علومه يتلقاها عبر الوساطة المحمدية،منهم من يعرف ذلك،ومنهم من لا يعرفه ،لأن التجلي يكون في قلبه،ولا تظهر لهم الوساطة المحمدية.

فرأيت لوحا،فركبت عليه فنجوت،ولولاه لهلكت: هو لوح الشريعة،والشريعة من جملة الحقائق.فبحر المحمدية بحر لاساحل له.يقول الشيخ الأكبر:…أنها بحور ليس لها سواحل، يستمد منها المخصب والماحل ،وتستصحب القاطن والراحل.انتهى.

فأي عارف يستمد علومه من مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،و يقتفي أثره.

ثم برزت اليد ،فإذا هي ساحل لذلك البحر.لأن هذا البحر جامع لليدين :القضاء والقدر،قال تعالى(ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي)لكل بحر ساحل ،ولكل ساحل حد، فكانت اليد ساحل للبحر ،فقيدته لأن تجليات الحقيقة المحمدية،مقيدة بما يريد الحق تعالى إظهاره (انا انزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله) “بما اراك الله” لا برأيك.

فالمراكب تجري فيه حتى تنتهي للساحل:مراكب العارفين اصحاب المقامات القعساء، بحر تموج فيه مراكب الأسماء والصفات،بحر غير مقيد لا بمد ولابجزر. بحرعجزت الرسل والأنبياء والأولياء والملائكة عن معرفته. قال تعالى في سورة الصافات(وما منا إلا له مقام معلوم وأنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون وإن كانوا ليقولون لوأن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين) فأقروا بأن ليس لهم ذكرا من الأولين أي النبوة القديمة (فأنا أول العابدين)”ماعرفني حقيقة غير ربي”.بحر أمواجه العلوم اللدنية المتعلقة بالنبوة المحمدية أطلع الله تعالى الورثة المحمديين على شئ منها بطريق التبعية والإقتداء به صلى الله عليه وسلم ،والأخذ عنه،حتى سبحوا في بحرها ،وجالوا في برها ،ونالوا منها النصيب الأوفر، والحظ الأكبر،واستخرجوا منه اللولؤا والمرجان.بحر لاتركب أمواجه إلابه صلى الله عليه وسلم.

 فيبرزها الساحل ويرمي بها في القفر،ويخرجون أصحاب المراكب ،معهم در ،وجوهر ،ومرجان . فإذا حصل في البر عادت أحجارا .

يرمي بها الى القفر، لأن معرفة الحقيقة المحمدية مستحيلة ،فيخرجون معهم حقائق. عرفانية واسرارا ربانية: الدر، والجواهر، والمرجان.

فإذا حصل في البر،عادت أحجارا:لأن أكثر الناس لامعرفة لهم بها،فينكرونها ،ولا يصل إليها إدراكهم،وتضيق بها حويصلتهم، فيكفرون أصحابها، ومنهم من يتطفل عليها برأيه، فيجردها عن أسرارها.ويفقدها حقائقها ،يراوغ،ويضرب أخماسا بأسداس،لايشرح شيئا لأنه لم يفهم شيئا،يمر مر الكرام،ويقنع نفسه والقارئ بأن ما أورده هو الصواب،و بأنه أجاد وأفاد ،وأنه بلغ باطن حقيقة المشاهد القدسية الأكبرية ،وأنه من المختصين في كلام الشيخ الاكبر

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد