المختصون في كلام ابن عربي؟؟؟؟

راسلني بعض الاخوان عبر الوتساب،يريد التعرف علي(حسبما فهمت)،واثناء الحديث سألته عن طريقته الصوفية،فقال لي أنه من المختصين في كلام ابن عربي؟ استغربت لأن هذه الصفة،لا استوعبها كثيرا،فأنا لا أرى أن هناك من يمكنه أن يختص في كلام الشيخ الاكبرالمدقق،والصوفي المحقق،صاحب الموسوعة الكبرى: الفتوحات المكية،التي تعنون عن مدى تمكنه من كثير من العلوم،من فقه،وحديث،وفلك، وبلاغة، وشعر،والذي طرق الكثير من ابواب المعرفة،وفتح الكثير منها،وعَبَّد لنا الكثير من الطرق العرفانية،والذي ولد في عائلة صوفية واستنشق هواء صوفيا ،أبوه كان صوفيا ،وأمه كانت امراة صالحة اسمها نور،وعمه كذلك ،وأخواله منهم يحي بن كنِعان كان ملكا بتلمسان وتخلى عن عرشه وتصوف.
ابن عربي كان متمكنا من اللغة،وأخد النصيب الأوفر من فتح العبارة،فكان يجر اللغة الى الرمز الذي يريده، وتتبعه الى السر الذي يقصده، يخرج الكلمة من معناها ويسوغها في مغناها، فالرؤيا التي رأى في منامه كانت رؤيا حق : راى في المنام أن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاه للصعود لمنبره الشريف وأخلع عليه بردته البيضاء ،وألقى ابن عربي خطبة طويلة يقول أنها من وحي روح القدس.

يقول في ج1 ص 319 ……ولقد رأيت رؤيا لنفسي في هذا النوع وأخذتها بشرى من الله فإنها مطابقة لحديث نبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام “فقال مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة فكنت أنا تلك اللبنة فلا رسول بعدي ولا نبيّ”….. فكنت بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة أرى فيما يرى النائم الكعبة مبنية بلبن فضة وذهب، لبنة فضة ولبنة ذهب، وقد كملت بالنباء وما بقي فيها شيء وأنا أنظر إليها وإلى حسنها فألتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني والشامي هو إلى الركن الشامي أقرب فوجدت موضع لبنتين لبنة فضة ولبنة ذهب ينقص من الحائط في الصفين،في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب،وفي الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة، فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبنتين فكنت أنا عين تينك اللبنتين وكمل الحائط ولم يبق في الكعبة شيء ينقص وأنا واقف أنظر وأعلم أني واقف وأعلم أني عين تينك اللبنتين لاأشك في ذلك وأنهما عين ذاتي.واستيقظت فشكرت الله تعالى وقلت متأوّلا أني في الإتباع في صنفي كرسول الله في الأنبياء عليهم السلام وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي وما ذلك على الله بعزيز…اهــ

فالرؤيتان تبينان لك من اي مقام يستمد

فلا وجود لشخص مختص في كلامه،إن أردت أن تكون مختصا في كلامه، اقتدي بسلوكه،حتى تدرك مقامه ،وقف حيث وقف،فقد أخذ غيباعن الانبياء والرسل، وأخذ عن عارفين كبار،أحياء وأموات، وصاحب الفحول من رجال التصوف، وسافر من الأندلس الى مراكش لزيارة القطب ابو العباس السبتي،الذي داع صيته،وانتقل من المغرب الى المشرق يبحث عن المعرفة،وفي القاهرة سكن ببيت بزقاق القنادل،وإلتقى بشهاب الدين عمر السهروردي صاحب كتاب عوارف المعارف،ونظر كل منهما الى الاخر وقتا طويلا في صمت،وافترقا دون أن ينطقا بكلمة.أضف الى هذا مجاهداته لنفسه: الجوع ،والسهر،وكثرة الذكر،وكثرة النوافل وخدمة الصالحين والصالحات،والخلوة في المقابر… دخل الخلوة وخرج منها بعلوم وهبية يقول ..فكان قد تقدم فتحي على رياضتي وهو مقام خطر ..” ولم يحصِّل على التربية حتى إلتقى بالشيخ العُريبي.
هل يعلم “المختصون” في كلامه، أن ابن عربي بدأ كتابة الفتوحات المكية سنة 597 هــ وأتمه سنة 629 أي استغرق في كتابته 32 سنة،وصححه سنة 636 قبل وفاته سنة 638. كتاب استغرق في كتابته 32 سنة، كله علوم وهبية وفتوحات ربانية، كيف تفهمه من حينك،أنت الذي تتبع طريقة تبركية،(أو لاطريقة لك)ولم تصاحب الفحول من العارفين،ولم تتلمذ على يد الكبار من المحققين،ولم تكابد ما كابد ابن عربي من مشقة ومجاهدة للنفس،للحصول على هاته العلوم. كتاب الفتوحات موسوعة جمة،لم يعتمد فيها ابن عربي لاعلى عقل،ولاعلى نقل إنما على الكشف والإلهام،والنفحات،وبطبيعة الحال هذه الفتوحات لم تأتيه جملة ودفعة واحدة إنما جاءت تدريجيا على مدى  32 سنة.

لو طلبنا منك أن تكتب أربعة مجلدات ضخمة(الطبعة القديمة للفتوحات)اوالطبعة الجدية التي بها 10مجلدات ،وقل ما شئت،تكلم عن الطيور وعن الاسماك،والدراجة النارية،والهوائية،وتاريخ الفراعنة وحكم المرابطين، وكرة القدم….قل ما شئت، بشرط أن لا تتناقض ولاتكرر ما كتبت، عشرة مجلدات من الكلام من هنا وهناك ؟ لما استطعت؟...اقرأ الفتوحات لن تجد بها تناقضا،ولا تكرارا غير مفيدا. ….

فما أُعطي بالكشف والألهام،لايمكن فهمه،وتحقيقة إلا بالكشف،والفتح الرباني لا بالتفكير والمنطق العقلاني. ..وبعسى ولعل…. فمنهم من يحاول شرح كلام ابن عربي بابن عربي فتجد كتابه كله يعتمد فيه على”نقل” ولصق” نقل من الفتوحات المكية،ولصق بما سيسميه كتابا ويضع عليه اسمه.ولا يعرف أن تجليات الزمان الذي عاش فيه ابن عربي،غير تجليات زماننا، فعليه شرح كلامه بفتوحات زماننا إن كان فعلا يواكبها،ويتذوقها. ومنهم من فهم من كلامه انه يقول بوحدة الوجود،وآخرون فهموا أنه يقول بوحدة الأديان

ولا اظن أن أحدا من هؤلاء “الباحثين والمتخصصين” في علوم الشيخ،طلب منه الاذن،وأهداه ختمة من القرءان وصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم،لا اظن. شرحت أزيد من عشرين صلاة عرفانية،لعارفين كبار،وكنت أطلب منهم الاذن، وأهديهم ما استطعت من القرءان ومن الصلوات،ادبا معهم، فالتطفل على نفحاته كالدخول لبيته، يحتاج الاذن

أما كتاب الفصوص فهو كما يقول،أعطي له من الحضرة المحمدية. كتاب معقد ،ونيكلسون استاذ الشيخ أبو العلا عفيفي أراد ترجمته،ولكنه عدل عن فكرته قائلا : هذا الكتاب يتعذر فهمه في لغته الأصلية مع كثرة الشروح عليه،فكيف به اذا ترجم إلى لغة اخرى، فلم يترجمه لا نيكلسون ولاماسينون ،ولا الإسباني اسين بلاسيوس، مع أنهم ترجموا الفتوحات.

يقول ابن عربي: إنه مجرد أداة لظهور الكتاب يعني الفتوحات وفي الباب 48 : .. اعلم أن ترتيب أبواب الفتوحات لم يكن من اختياري،إنما الحق يملي لنا على لسان ملك الإلهام جميع ما نسطره… انتهى…فرتبت الفتوحات،ترتيبا ربانيا،فافهم.
وفي الباب 373 يقول : واعلم أن جميع ما أتكلم به في مجالسي وتصانيفي،إنما هو من حضرة القرءان وخزائنه،فإنني أعطيت مفاتيح الفهم والإمداد منه….انتهى.
وياتي شخص لم يصاحب العارفين،ولم ينتمي لطريقة عرفانية،ولم يجاهد،ولم يشاهد،ويقول انه يفهم كلام ابن عربي.؟؟ كلام رباني ،تريد فهمه بعقل بشري محدود دون فتح ؟؟ دون صحبة أهل الفتح ،دون مجاهدة،دون مجالسة أرباب القلوب؟؟.هيهات هيهات. فالعقل البشري في زماننا أصبح عقلا مركبا ،كما يقبل التناسق،يقبل التناقض ويقول به.

العبد الفقير،قضيت عشرين سنة،وأنا اقرا كتب ابن عربي والجيلي ولا افهم فيهما شيئا،ما تفتحت أقفال فهمي حتى التقيت مع شيخي مولاي عبد السلام الجبلي رحمه الله تعالى،.وفي العشرين سنة التي صاحبته تفتحت أقفال فهمي ،وربما تجاوز فهمي لكلامه رضي الله عنه سبعين أو ثمانين بالمئة ،وربما أقل،ورحم الله من عرف قدره فلزه، وحقق مقامه فوقف عنده،وعرف ما عنده فقنع به،ولم يتطاول على ما عند الاخرين،فأنا لا أدعي أنني مختص في كلام ابن عربي ،وإن كنت قد شرحت الكثير من كلامه.فهو عارف من العيار الثقيل.                                    أما الوصول الى فهم كلامه مئة في المئة، فيجب ان تنيخ راحلتك بمقامه :مقام الختمية الكبرى ،وأن تستمد من الحضرة المحمدية،ومن المحققين الأحياء والأموات (كما حكى عنه نفسه).
فحسب نظري(ومع كل احترامي للاخرين) لايوجد مختص في ثرات ابن عربي ،إنما هناك ناقل لأفكار ابن عربي،أو مهتم بكلام ابن عربي.واستثني من هذا، الشيخ محمود محمود الغراب،الذي حسب نظري كان عنده ذوق خاص في كلام ابن عربي ،وأظن ان هذا الشيخ الجليل أخذ الإذن من ابن عربي، في تحليل كلامه ،فهو يسكن بجوار ضريحه،ففي نظري هو الصوفي،والباحث الذي تذوق كلام ابن عربي اكثر من غيره ،فهو ازيد من خمسين سنة مهتم بالشرح،وبتحليل كلام ابن عربي،و أعطاه ابن عربي الاذن… والإذن يفتح الكثير من الأبواب. فنال من بركته وارتبط اسمه باسمه،وكان شغله الشاغل هو ابن عربي،فكان يقيم بمنزله سنين عديدة محاضرات حول أذواق الشيخ وعلومه،كما ألقى محاضراة في المجامع العلمية(كمؤتمر التصوف الذي أقيم في لوس أنجلوس عام 1996)وقد شهد له بذلك كبار العلماء والمهتمين بابن عربي،من الكثير من الأمصار والأقطار. والسبب الثاني (زيادة على جوار ابن عربي وأخذ الاذن)الذي اعطاه فتحا في فهم كلام ابن عربي ،هو صحبته للكثير من العارفين في مصر،وفي المدينة المنورة.وفي دمشق تعرف على شيوخ كبار في التصوف خصوصا العارف بالله الشيخ احمد الحارون،والشيخ يحيى الصباغ، الذي كانت له مطالعات كثيرة في كتب الشيخ ابن عربي،يحفظ عباراته، ويدرس مؤلفاته ….

وحتى وإن كنت  لا أتفق معه في نفيه نسبة كتاب التجليات لابن عربي.فهي مسألة عادية و كلنا يخطىء ويصيب. وكتبه كلها تدافع عن الشيخ الاكبر ،ككتاب الفقه عند الشيخ الأكبر، يوضح علو كعب الشيخ الأكبر في الفقه الإسلامي،ويثبت أنه إمام مجتهد من أئمة أهل السنة والجماعة، فلا يصح ما نسب إليه من كفر وإلحاد وزندقة، ففقهه يبين انه مؤمن كامل الإيمان.

وكتاب شرح كلمات الصوفية،والرد على ابن تيمية، الذي ناقش فيه كل التهم التي نسبها ابن تيمية إلى الشيخ الأكبر،وجمع شرح بعض كلمات الصوفية،التي يتوهمه القارئ أنها كفر،وألبسها الشيخ محمود الغراب ثوب الشريعة ،وأنه كلام في دقائق التوحيد من مقام الإحسان….الى غير ذلك من التحقيقات الثمينة التي أفادات دارسي ثرات الشيخ الأكبر.

والى كل من يدعي أنه من المختصين في كلام ابن عربي هذه الاسئلة:
1 لمَ لم يعتبر ابن عربي الذات الإلهية مرتبة وجودية ؟
2 لمَ لم يعتبر الأحدية مرتبة وجودية ؟
3 لم بدأ مراتب الوجود من العقل الأول؟
4 لم؟ هؤلاء المحققين لكلام الشيخ الاكبر نسوا حين أوردوا مراتبه ،نسوا اربعة مراتب صنفها ابن عربي في مستوى البرزخ الاعلى: الألوهية، العما، حقيقة الحقائق الكلية،الحقيقة المحمدية،.
5 لمَ حصر مراتب الوجود الخاصة به في 28 دائرة بينما الشيخ عبد الكريم الجيلي ومحمد الكتاني صعدا بها الى أربعين دائرة.
6 لم َ ربط كل مرتبة وجودية من مراتبه ،بحرف من الحروف الهجائية، وباسم مدبر للمرتبة؟
6 ما هو المخمس العرشي ؟وأي خاانة يحتلها ابن عربي فيه؟وما هو البيت الشعري الذي يشير به الى مكانه بالمخمس العرشي؟
والكثير من الاجوبة تجدها في الفتوحات ،او بقناتنا.
ولله در الشيخ ابن طفيل:

ما كل من شم، نال رائحة●للناس في ذا تباين عجيب
قوم لهم فكرة تجول بهم●بين المعاني اؤلئك النُّجب
وفرقة في القشور قد وقفوا●وليس يدرون لبَّ ما طلبوا
لاغاية تنجلي لطالبهم●منه ولاينقضي لهم أرب
لا يتعدى إمرؤ جبلته●قد قسمت في الطبيعة الرتب

حصل المقال على : 150 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (1)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد