كل ميسر لما خلق له

قال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(البقرة)معناه: أن الحُكم أزلي سابق(فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ)(الشورى)فسواء أنذرتهم أم لا،سبق في علم الله أنهم أصحاب النار.قال تعالى(وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ)(المائدة).الدّاعي إلى الله ما يجب عليه إلا البلاغ،وما يلزمه خلق القبول والهداية في قلب السامع .

قال تعالى (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ)(ال عمران)،قال تعالى(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ)(الانفال)فنفى عنهم القتل ونسبه إليه،وهم في الواقع القاتلون بسيوفهم.فالأمور كلها بيد الله.فلا فاعل إلا الله،هوالهادي والعالم بالمهتدي،وبالضال قال تعالى(قُلِ إنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ).(بَلْ لِلهِ الأَمْر جَمِيعَا).(لله الأَمْرُ منْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ).قال تعالى(فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ)(اليل).فالعاطي ميسر للحسنى،والبخيل ميسر للعسرى.الكل ميسر لما خلق له.

جاء في صحيح مسلم: جَاءَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقْنَا الْآنَ فِيمَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ قَالَ لَابَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ قَالَ فَفِيمَ الْعَمَلُ قَالَ زُهَيْرٌثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُوالزُّبَيْرِ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ فَسَأَلْتُ مَا قَالَ فَقَالَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ(ابن ماجة).

فالله يُسيرك في عين اختيارك،بلا جبرولا إكراه،بل إرادة سابقة ومشيئة لاحقة،قضاء سابق وقدرلاحق. (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(التكوير)والمشيئة تابعة للإرادة.(وَلَوْشَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)(يونس)(وَلَوْشَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا)(يونس)(وَلَوْشَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَايَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)(هود)،ولم يفعل لأن الارادة اقتضت(فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ)،فلن يهدي الله جميع الخلائق،ولن يؤمن جميع الخلائق،وسيبقى الجميع في دائرة الاختلاف والخلاف. فللحقائق ظاهر وباطن ،وللباطن بواطن فلا فاعل إلا الله،بلا جبر ولا اختيار.

 الإرادة صفة ذاتية،أزلية،أبدية،ملازمة للألوهية،تشمل كل الخلائق المومن والكافر، والصالح،والطالح. أما المشيئة فهي تابعة للإرادة لاتسير إلا بما اقتضته الإرادة،ولا يظهر حكمها إلا بالاشياء أي تعلقها بعالم الظهور .

شاء /يشاء /مشيئة/شيء /اشياء :جدر واحد. الإرادة إخراج الأشياء من وجود علمي الى وجود عيني،وعندما يصبح وجوده عينيا دنيوي،تتبعه المشيئة لتُسيِّره بلطف حسب ما اقتضته الإرادة.

قال تعالى(إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)(النحل)* أَرَدْنَاهُ *الإرادة هي التي تعلقت به.فالأشياء في حال عدمها مشهودة لله لايخفى عليه شيء منها،وهذا الشئ سمع الأمرالإلهي” كن”،فامتثل وأصبح شيئا مذكورا(هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا)(الانسان).

ففي الوجود ما يرضاه الله وما لا يرضاه،ومن هنا افترقت الأسماء الإلهية،الى جمالية وجلالية،وافترقت الخلائق الى (فَرِيقٌ فِى ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى ٱلسَّعِيرِ). فمثلا فلان،الإرادة الأزلية اقتضت أنه من أهل الجنة … وهو يعيش في ذل المعصية،المشيئة تسيره حسب اسمه تعالى الهادي حتى يهتدي.قال تعالى في آخر سورة النور(وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) بمعنى أنه لم يكن مهتد،وهدايته متعلقة بالمشيئة .

الإرادة سابقة،والمشيئة لاحقة ،المشيئة تسير تبعا للإرادة الأزلية،فتَظْهر الأمور وفق مراد الله فلا مشيئة إلا مشيئة الله.قال تعالى(وَمَاتَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)(الكهف).

تأمل عندما نسب قوم شعيب المشيئة لهم (قَالُوا۟ یَـٰشُعَیۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَاۤ أَوۡأَن نَّفۡعَلَ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِنَا مَا نَشَـٰۤؤُا۟ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلۡحَلِیمُ ٱلرَّشِیدُ﴾(هود) كلمة *نَشَـٰۤؤُا۟*رسمت مخالفة للغة العربية وجاءت الهمزة فوق الواو وألف زائدة :تكتب ولا تقرأ،حتى اللغة العربية أنكرت قولهم.والأسماء الإلهية كذلك بحكم الإرادة متضادة،فيها الضار والنافع ، ومن مقتضاها الهداية والضلال،وكل اسم يجر لدائرته فتميزت مقتضياتهم بعضها عن البعض واختلفوا.

قال الله تعالى(إِنَّ رَبَّكَ هُوَأَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَأَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ).قال الله تعالى(إِنَّ رَبَّكَ هُوَأَعْلَمُ مَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَأَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ) فالعلم ثابت والإرادة أزلية،والحكم قديم والأسباب مخلوقة أيضاً فلا نملك إلا التمسّك بخيوطه المُنْجية وبحَبْله المتين لطلب الهداية. قال مولانا رسول الله :”تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ”.هذا هو سبيل النجاة.

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد