الشيخ عبد الله بن عزوز
هوعبد الله بن عزوز أبو محمد عبد الله بن عزوز القرشي الشاذلي المراكشي،المعروف أيضا بسيدي بَلّة المصادر لم تذكرسنة ولادته.هو طبيب صوفي وفقيه مغربي.كان ذا نفس موسوعي، حيث جمعت مؤلّفاته بين الفقه والطب والفلك وغيرها. سلك سيدي بلّة طريق التصوف على يد أبي العباس أحمد الحبيب اللمطي،مُريد عبد السلام بن الطيب،الذي تتلمذ بدوره على يد الشيخ سيدي قاسم الخصاصي.
تجلّت ميادين التأليف عند سيدي بلّة في التصوف والطب والفلك ،وأسرار الحروف،ومعظم مؤلفاته لازالت مخطوطة،منها في علم التصوف: رسالة الصوفي للصوفي في التعريف بالاسم الأعظم المفرد الجامع الكافي؛وإثمد البصائر،في معرفة حكمة المزاهر. وألّف في الطب ذهاب الكسوف،ونفي الظلمات في علم الطب، والطبائع والحكمة،وهو كتاب اشتهر بين الطلبة في عصر المؤلف،وعُدّ من الكتب الأساسية في المعرفة الطبية خلال العصر السعدي الأول،وهو الكتاب الذي أثنى عليه الباحث الفرنسي هنري بول جوزيف رينو(عاش ما بين 1881 و1945)في دراسته لتاريخ الطب بالمغرب. وقد ألّف ابن عزوز المراكشي كتابا آخر سماه كشف الرموز،يتعلق بفوائد النباتات الطبية.
اهتم بعلم الحرف وأسراره،فألّف لباب الحكمة في علم الحروف وعلم الأسماء الإلهية،وبحر الوقوف على سر الحروف،ذكرهما ابن المؤقت في (كتاب السعادة الأبدية)والسر الوافي، والترتيب الكافي؛ ذكره عبد السلام ابن سودة ،في دليل مؤرخ المغرب الأقصى؛ وحل المعقود،وعقد المحلول.
وقد ذهب الناس مذاهب شتى في الحديث عن مواهب سيدي بلّة حتى نسبوا إليه خوارق؛ منها أنه رد إناء إلى حالته الطبيعية،بعد أن حوله كيمائي آخر إلى ذهب.
كان ابن عزوزالمراكشي عارفا بدقائق اللغة والفقه. أما كتب إثمد البصائر فهو رسالة محتوية على مقدمة،وثلاثة كتب وفصول كثيرة،ومختصة بعلم الحكمة الذي يقول المؤلف في تعريفه: “أعظم العلوم مقاما،وأقدمها أصلا وفرعا، وأقواها حجة ودليلا، وأجلاها سبيلا،هو علم الحكمة الكافل بأسرار اللاهوت، والكاشف لأستار الجبروت،ومنه مشاهدة الملك،ومغيب الملكوت، والكاشف عن أحوال السعداء والأشقياء،في دار الفناء ودار البقاء. . أعلم بها الناظ،أرشدك الله،أن الحكمة هي أصل المواهب، وأفضل المكاسب،إذ الحكمة علم الأسباب البعيدة التي بها وجود الموجودات،وعلم الأسباب القريبة التي تبرز أفعال هذه الذوات.
ثم يشرح المؤلف دور الحكمة ويبين خصائصها بقوله: “والحكمة خصائص،وذلك أنها تنمو ولا تندثر،وتنور لب عارفها حتى يستصبر،ولايقبل على الجاهل ولامن هو عنها يدبر،والحكمة لها علوم وفنون،والحكيم هو الجامع لفنون الحكمة،المطلع على أسرارها الإلهية، فينزل من الواحد إلى ما لانهاية له، ويترقى مما لانهاية له إلى الواحد.. “.
أما رسالة لباب الحكمة في علم الحرف،فيقول سيدي بلّة فيها: “اعلم أيها الناظر،أن الله تعالى خلق الحروف في العالم اللوحى أشكالا مستديرة، كهيئة الثمانية وعشرين حرفا وجعل في باطن استدارتها مشكلة على هيئة الحروف باللسان،وأنزل بها كتابه، وبعث بها رسوله إلى كافة خلقه،وذلك السر الخفي،هو أن العالم العلوي جمع محض،والعالم السفلي تفرقة محض،فإذا كان الإنسان في عالم التفرقة، برز له الشكل الحرفي من باطن الدائرة فيرى العالم السفلي،وإن هو ارتقى إلى الحقيقة الجمع شاهد الحروف مستديرة،فيرى الباطن والظاهر.
أما كتاب ذهاب الكسوف الذي ألفه ابن عزوز المراكشي في علم الطب فكتاب ضخم في الوصفات الطبية،منتشر بالمغرب انتشارا كبيرا.ويبدو من مدخله أن ابن عزوز كان يروم التنظير في علم الطب،وليس مجرد إعطاء وصفات طبية؛ يبدو ذلك من قوله: “وبعد: فقد اختلج صدري لما نحن بسبيل كشفه، من معاني الطب والطبائع والحكمة” وقد درسه كل من العالم رينو في تأريخه للطب المغربي،والعالم لوسيان لوكلير مترجم وناشر كتاب جامع المفردات لابن البيطار.
لقد كان ابن عزوز صوفيا بالمعنى العميق لكلمة تصوف، إذ رغم تفوقه في العلوم كان يعيش متقشفا،ولا يأكل إلا من كسب كده في أعمال الخرازة..والغريب أن هذا العالم المتقشف الذي كان يأكل من عمل يده لم يكن بعيدا عن دوائر السلطة،فقد أخبرنا ابن المؤقت المراكشي في السعادة الأبدية (ج: 1) أن ابن عزوز المراكشي استطاع أن يخمد ثائرة السلطان سيدي محمد بن عبد الله، عندما أغضبه الشيخ التاودي ابن سودة برفضه توقيع حقوق الديوانة التي فرضها السلطان.. لم يشتهر ابن عزوز المراكشي ضمن سلاسل انتقال العلم الشهيرة ببلاد المغرب كتلك التي يتوسطها اليوسي، أوعبد القادر الفاسي،أو المرغيثي أو ابن ناصر الدرعي؛ لكن مؤلفاته تدل على أنه نابغ من نوابغ عصره آثر الزهد،والتقشف،والابتعاد عن الأضواء..
توفي ابن عزوز المراكشي سنة 1204 هـ – 1789م كما في دليل مؤرخ المغرب الأقصى لعبد السلام بن سودة،ودفن سيدي بلّة في دار سكناه بباب ايلان بمحروسة مراكش، ليس بعيد عن قبر القاضي عياض السبتي،وقبره اليوم مشهور.. رحمه الله تعالى.