للشّرْط حُكم،وللعِلّة حُكم. فهَل العالَم في افتقاره إلى السّبب الموجب لوجوده هو افتقار المَعلول إلى العلّة،أوافتقار المَشروط للشّرط؟وأيّهما كان لم يكن الآخر. فإن العلّة تَطلُب المَعلول لذاتها،والشّرط لا يطلُب المَشروط لذاته.فالعلم مَشروط بالحياة،ولا يَلزَم من وجود الحياة وجود العلم. وليس كَون العالِم عالِماً كذلك،فإن العلم عِلّة في كَون العالِم عالِماً. فلو إرتفع العلم،إرتفع كونُه عالِماً.فكَون العالِم عالِماً،من هذا الوجه، يُشبه الشّرط. إذ لو ارتفعت الحياة لارتفع العلم. ولكن لو إرتفع كون العالِم عالِماً، إرتفع العلم. فتَميّز عن الشّرط.إذ لو إرتفع العلم لم يَلزم إرتفاع الحياة. فهاتان مرتبتان معقولتان قد تَميّزَتا:تُسمّى الواحدة عِلّة،وتُسمّى الأخرى شَرطاً.فهَل نسبة العالَم،في وجوده،إلى الحق هي نسبة المَعلول أو نسبة المَشروط؟.فلا فَرق بين المُتكلّم الأشعري والحَكيم،في وجوب وجود العالَم بالغَيْر. فلنُسَمّ تَعلّق العلم بكَون العالَم أزلاً عِلّة،كما يُسمّي الحكيم الذات عِلّة،ولا فرق.ولايَلزم مُساوَقة المعلول عِلّته في جميع المراتب.فالعلّة مُتقدّمة على مَعلولها بالمرتبة بلا شَكّ، سواء كان ذلك سَبق علم أو ذات الحق. ولا يُعقَل،بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن، بَوْن زماني ولا تَقدير زماني. لأن كلامنا في أول ممكن،والزمان من جملة الممكنات. فإن كان الزمان أمراُ وجودياً، فالحُكم فيه كسائر الحكم في الممكنات.وإن لم يكن الزمان أمراً وجودياً، وكان نِسْبة،فحَدَثت النّسبة بحُدوث الموجود المَعلول،حُدوثاً عقلياً لا حدوثاً وجودياً. وإذا لم يُعقل، بين الحق والخلق،بون زماني، فلم يَبق إلا الرّتبة. فلا يَصحّ أن يكون، أبداً،الخلق في رُتبة الحق. كما لا يصحّ أن يكون المَعلول في رُتبة العِلّة،من حيث ما هو مَعلول عنها. فالذي هَرَب منه المُتكلّم،في زَعمه،وشَنّع به على الحكيم القائل بالعِلّة،يَلزمُه في سَبْق العلم بكَوْن المعلول: لأن سَبق العلم يَطلُب كون المعلول لذاته ولا بُدّ،ولا يُعقل بينهما بَوْن مُقَدّر.فالعالَم لم يَبْرَح في رُتبة إمكانه، سواء كان معدوماً أو موجوداً.والحق تعالى لم يَبرح في مرتبة وجوده لنفسه،سواء كان العالَم أو لم يكن. فلو دَخل العالَم في الوجوب النّفسي،لَزم قِدَم العالَم،ومُساوَقته، في هذه الرّتبة،لواجب الوجود لنفسه وهو الله.ولم يدخُل،بل بَقي على إمكانه وإفتقاره إلى موجده وسَببه وهو الله تعالى. فلم يَبق معقول البَيْنيّة،بين الحق والخلق،إلا التميّز بالصّفة النّفسيّة. فبهذا يُفَرّق بين الحق والخلق،فافهم. ولا يَلزم أن تكون الصّفة النفسية عِلّة للشّيء تفسه، فإنها صفة نفسية،والشيء لا يكون علّة لنفسه،فإنه يؤدّي إلى أن تكون العلّة عَين المَعلول،فيكون الشيء مُتقدّماً على نفسه بالرّتبة،وهذا مُحال.. وأما في الوَضعيّات، فقد يعتبر الشّرع أموراً تكون بالمجموع سَبباً في ترتيب الحُكم،وهذا لا يُمْنَع. فإذ قد عَلمتَ هذا،فهو أدَلّ دليل على توحيد الله تعالى،أي كَونُه عِلّة في وجود العالَم. غير أن إطلاق هذا اللفظ عليه لم يَرد به الشرع،فلا نُطلقه عليه ولا نَدعوه به. فهذا توحيد ذاتي ينتفي معه الشّريك بلا شكّ،قال الله تعالى (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) ومعنى هذا لم يوجَدا في العالَم العُلوي السماء والسّفلي الأرض. فالعالَم مَعلول عِلْم الله،لا مَعلول عَين الله. إنما إنقسم العالَم إلى شَقيّ وسَعيد،للأسماء الإلهية. فإن الرّتبة الإلهية تَطلُب لذاتها أن يكون في العالَم بَلاء وعافية،ولا يَلزم من ذلك دَوام شيء من ذلك،إلا أن يشاء الله.فالأمر في هذا مثل: الشّرط والمَشروط،ما هو مثل العِلّة والمَعلول. فلا يصحّ المَشروط ما لَم يصح وجود الشّرط. وقد يكون الشرط، وإن لم يَقع المَشروط. فلمّا رأينا البَلاء والعافيّة،قُلنا: لا بُدّ لهما من شَرط، وهو كَوْن الحق إلهاً يُسمّى ب(المُبْلي والمُعذّب والمُنْعم)..وكما أن كل مُمكن قابل لأحد الحُكمين الضدّين هو قابل أيضاً لإنتفاء أحد الضدّين.. فكما إرتفع حُكم العَذاب عن مُمكن ما (وهم أهل الجنّة) كذلك يجوز أن يرتفع عن أهل النار وجود العذاب،مع كونهم في النار،لقوله تعالى (وما هم بخارجين من النار)،وقال (سبقت رحمتي غضبي)..انتهى
قلت :وعلى العموم السبب الموجب وجود العالم هو الاسماء الالهية التي تطلب الظهور،فالغفار يطلب المذنب،وقس على هذا باقي الاسماء الالهية،فالوجود معلول لمرتبة الألوهية لا للذات الإلهية،التي تتصف بالغنى المطلق,ورد في الحديث المروي كشفا: كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق.
فالكنز المخفي هو الأسماء الإلهية،والفيضة القرءانية،ونور النبوة المحمدية الاحمدية . فالمراد من العالم الظهور،وما سمي العالم عالما الا لأنه علامة على وجود خالقه. فالأسماء الإلهية هي علة الوجود،والمعلول تابع لعلته.أما المشروط:فلا يصحّ المَشروط ما لَم يصح وجود الشّرط. وقد يكون الشرط، وإن لم يَقع المَشروط.علة الوجود من عالم البطون ،أما الشرط والمشروط فمن عالم الظهور.