السلوك:عليك أيها المريد،طالب السير والسلوك إلى حضرة ملك الملوك، بالمراقبة لمولاك وكثرة ذكره آناء الليل وأطراف النهار.ولتكن معتمداً في وصولك إلى المراد على يد شيخ مرشد كامل مأذون له في التربية،إلى أن يفتح لك فترى مارآه الرجال وتقطع جميع المقامات،ويحصل لك علم اليقين ثم عين اليقين ثم حق اليقين.وقطع تلك المقامات إنما يحصُل لك بعد نزول الذكر من لسانك إلى قلبك،ثم إلى قالبك،ثم إلى سرّك،ثم إلى روحك،ثم إلى لطيفتك الخفية،ثم إلى لطيفتك الربانية.وجملتها سبعة،عدد النفوس المعروفة عند أرباب التربية من المشايخ العارفين بها وبأمراضها.والنفوس منقسمة عندهم باعتبار أوصافها إلى سبعة أيضاً وهي متحدة بالذات،متباينة بالصفات.والنفس الناطقة هي المسماة عندهم باللطيفة الربانية،وهي كلما اتّصفت بصفة أطلقت عليها،فتسمّى بـ:الأمارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة..فإذا رَاضَ الانسان نفسه وهذّبها إلى قطع المقامات سادَ سيادة لاسيادة بعدها.يقطعها المُريد السالك في طريق الله تعالى واحدة بعد واحدة،لا المُراد فإنه يقطعها في مدة يسيرة وهو لا يشعر لكونه صاحب جذبة…. وقد كان السائرون إلى الحق تعالى في الزمان المتقدّم كثيرين لكون أكثر القلوب كانت متوجهة إليه تعالى،جادّة في طلبه حَقاً وصدقاً،فكان الوصول إليه كثيراً.. فالسائرون اليوم إلى الحق تعالى لا يطلبونه إلا بألسنتهم،لا بقلوبهم ومجاهدتهم وكثرة عبادتهم.
فعليك أيها المريد المتعطّش بالصدق في طلب الحق وإدمان الطاعات والإحسان في العبادات،بحضور القلب فيها،والسّعي في زوال أمراض نفسك بالأدوية التي يستعملها العارفون.
قال بعضهم: مررت ببلاد المغرب على طبيب،والمرضى بين يديه وهو يصف لهم علاجهم،فتقدّمت إليه وقلت له: عالِج مرضي يرحمك الله. فتأمّل في وجهي ساعة،ثمّ قال لي:خُذْ الفقر ووَرق الصبر مع اهليلج التواضع،واجمع الكل في إناء اليقين،وصبّ عليه ماءَ الخشية،وأوقد تحته نار الحزن،ثمّ صَفّه بمصفاة المراقبة في جام الرضى،وامزجه بشراب التوكل،وتناوله بكف الصدق،واشربه بكأس الإستغفار،وتمضمض بعده بماء الورع،واحْتَم من الحرص والطمع،فإن الله يشفيك من الفزع اهـ.
كتاب: (نثْر الدّرّ وبَسطُه في بيان كون العلم نقطة)الشيخ أحمد الغريسي.