السؤال (29): ما فَضل النبيين بعضهم على بعض،وكذلك الأولياء؟
الجواب: اختلف أصحابنا في مثل هذا: فذهب ابن قسيّ إلى أن كل واحد منهم فاضل ومفضول،فَفَضَل هذا،هذا بأمر ما، وفَضله المفضول من ذلك الأمر بأمر آخر،فأدّى إلى التّساوي في الفَضليّة. فصاحب هذا القول ما حرّر الأمر على ما يقتضيه وجه الحق فيه،وذلك أن تنظر المراتب،فإن كانت تقتضي الفضليّة فتنظُر أيّة مرتبة هي أعمّ من الأخرى وأعظم،فالمُتّصف بها أفضل. ففَضل أرباب المراتب بفضل المراتب..وهي أن يزيد كل واحد على صاحبه برُتبة تقتضي المَجد والشّرف،فهذا معنى قوله: (فضّلنا بعض النبيين على بعض)بما يقتضيه الشّرف،أي: جَعلنا عند كل واحد من صفات المجد والشرف ما لم نجعل عند الآخر.. ف(منهم من كَلّم الله)،(وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس).فمنهم من فُضّل بأن خلقه بيديه وأسجد له الملائكة،ومنهم من فُضّل بالكلام القديم الإلهي بارتفاع الوسائط،ومنهم من فُضّل بالخُلّة.. فهذه كُلّها صفات شَرف ومَجد،لا يُقال: إن خُلّته أشرف من كلامه،ولا أن كلامه أفضل من خَلقه بيديه. بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا العدد. لا تصحّ المُفاضلة بين الأسماء الإلهية لوَجهين: الواحد إن الأسماء نِسبتها إلى الذات نسبة واحدة،فلا مفاضلة فيها.والوجه الآخر أن الأسماء الإلهية راجعة إلى ذاته،والذات واحدة،والمفاضلة تطلب الكثرة،والشيء لا يفضُل نفسه.
من جهة الحقائق لا مُفاضلة ولا أفضل،لارتباط الأشخاص بالمراتب وارتباط المراتب بالأسماء الإلهية. والأسماء الإلهية وإن كان لها الابتهاج بذاتها وكَمالها،فابتهاجها بظهور آثارها في أعيان المَظاهر أتمّ ابتهاجاً لظهور سُلطانها.
حصل المقال على : 110 مشاهدة