السؤال السادس والعشرون:
يقول الشيخ الشعراني قدس الله سره وسألوني هل وصل أحد إلى التنزيه المطلق الذي لا يشوبه تقييد؟.
لايمكن لأحد أن يصل الى التنزيه المطلق،لأنه تابع للمعرفة المطلقة، ومعرفة الله مستحيلة بل مجرد التفكر في ذات الله نهانا الشارع عنه،كما أننا لكي ننزه شخصا عديا مثلنا حق التنزيه،يجب أن نعرفه حق المعرفة،وحتى هذا من الصعب،لأننا لا نعرف باطن هذا الشخص ولانحكم إلاعلى ظاهره، فيمكن أن نرى عليه الصلاح ،وهم في باطن الأمر غير ذلك .
فالصفات ما هي إلا نسب،تتعلق بمرتبة الألوهية،أما الذات الالهية فهي”وراء” ذلك لا مشهودة ولامعبودة،لأن كل من عبدها تعلق بها،وقيدها وهي منزهة عن التقييد وغنية عن عبادتنا .
يقول الشيخ ابن مكزون السنجاري:من عرف موقع الصفة ،بلغ قرارالمعرفة اهـ .
أي من عرف وأدرك أن الصفات، لاتقع على الذات الإلهية،وإنما هي مستفادة منها،ومفادة الى دائرة الألوهية،والذي هو ديوان الحضرة الإلهية،وراجعة عليها،من عرف ذلك بلغ قرار المعرفة.لهذا نبينا صلى الله عليه وسلم استعاذ بأسماء وصفات إلهية من أخرى :أعوذ برضاك من سخطك.أعوذ بمعافاتك من عقوبتك.ثم في النهاية سلم الأمورللهوية الإلهية :أعوذ بك منك.ولم يقل صلى الله عليه وسلم، أعوذ بذاتك من كذا،وكذا.
حتى الملائكة كانوا في غاية الأدب حين قالوا(ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)وما قالوا، ونقدس ذاتك.لأنهم لا معرفة لهم بها ،وابليس اللعين ما اقسم بالذات إنما اقسم بالعزة (وعزتك لأغوينهم اجمعين).
فالأسماء الإلهية هي المتجلية في ذرات الوجود،وسارية فيها، كسريان الماء في الأشجار، والواحد في الأعداد،لاغنى للأشجارعن الماء،ولاغنى للأعداد على الواحد،وللحروف عن الألف. التجلي هو مدد الكون وغذاؤه، والله بكل شئ محيط.
يقول ابن عربي في ج1: (مسألة: معرفة المُقيّد والمُطلق): أنّى للمقيّد بمعرفة المطلق، وذاتُه لا تقتضيه؟ وكيف يُمكن أن يصل الممكن إلى معرفة الواجب بالذات؟،وما من وجه للممكن إلاويَجوز عليه العَدم والدّثور والإفتقار،فلَو جَمع،بين الواجب بذاته وبين الممكن، وَجه لجازَعلى الواجب ما جازَ على الممكن من ذلك الوجه: من الدّثور والإفتقار، وهذا في حقّ الواجب مُحال.. وأيضاً،لو جَمَع بين الواجب لذاته وبين الممكن وَجه،لثَبت للممكن ما ثَبت للواجب بالذات،من ذلك الوجه الجامع،وما ثَمّ شيء ثَبت للممكن من حيث ما هو ثابت للواجب بالذات.فوجود وجه جامع،بين الممكن والواجب بالذات،مُحال.انتهى
فالذات الإلهية متعالية عن الأسماء والصفات،والأسماء والصفات مفادة منها،ولكنها هي ذاتها فوق حدود التسمي، وفوق تقييد الصفات،فمن لطف الله بنا أنه تعالى تقرب إلينا بأوصافنا، وذلك على سبيل الإيناس المألوف، بدلاً من أن يواجهنا بجلاله فيسحقنا.
اسم الجلالة،له وجهة الى الذات، ووجهة الى المخلوقات، ومن هذه الوجهة تعرف إلينا بأوصافنا، فوصف نفسه بالهرولة، والضحك، والسخرية، والإستهزاء،والمكر، والغضب ،إلى غيرذلك من الصفات البشرية،والذات منزهة عن الوصف،والكيف،لاتحل في كيان، ولا تظهر للعيان.
فالصفات الإلهية تقع على الإسم “الله”ولاتقع على الذات،ومن هنا قال تعالى”سبح اسـم ربك الاعلى”.” فسبح باسم ربك العظيم” .”واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا”.” واذكر اسم ربك بكرة واصيلا”.”تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام”.”اقرأ باسم ربك”.فأعاد ذكرنا الى دائرة الربوبية التي لها علاقة بنا، فالألوهية تطلب المألوه ،والربوبية تطلب المربوب،أما ذاته تعالى فمنزهة عن كل وصف يشبهها بالمخلوقات. فهو سبحانه أظهر لنا وجهة خلقية،ليستأنسوا بها وحتى لا يسحقنا الجلال.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله وعلى أله وصحبه