البحر الذي لا يسمع له انين، ولا لموجه اطيط.
بحر التجليات الإلهية المسيرة للوجود بأياد خفية
اعلم أن للحق تعالى له 99 اسما،هي الأسماء الحسنى،وله تعالى اسماء اخرى لاتدخل تحت هذا الاحصاء، كالحنان، والمنان والقدير والشافي…. الأسماء الإلهية تطلب الظهور،والانفعال في الكون ،فكما هي لا تحصى ،كذالك تجلياتها لاحصر لها،قال تعالى(كلّ يوم هو في شأن)(ويوم الشأنية هو هنيهة التجلي). في الوجود ما يرضي الله،وفيه ما يغضبه،لهذا افترقت الأسماء الإلهية،الى اجمالية وجلالية ،فكل مايرضي الله، يتعلّق باللّطف فهو من الجمال،وما لا يرضيه يتعلّق فهو من الجلال. وتفرقت الخلائق الى (فريق في الجنة وفريق في السعير)ولكل جمال جلال،كالمال لو كثر لأصبح جلالا مضرا بمالكه(لوبسط الله الرزق لعباده لبغوا في الاض ولكن ينزل بقدر مايشاء)ولكل جلال جمال،وهو اللّطف المستور في الجلال الإلهي،كما في قوله تعالى(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب). فاسمه تعالى اللطيف يسقي جميع الأسماء الالهية،اي كل التجليات يصاحبها اللطف،ومن هنا يعلم سرّ قوله صلى الله عليه وسلم: حُفّت الجنّة بالمكاره،وحُفّت النار بالشهوات .
اما أمّهات الصفات المسمّاة بالأئمّة السبعة فهي:الحياة،والعلم،والإرادة ،والقدرة والسمع،والبصر،والكلام. والأسماء الالهية لها أولية واخرية،ولها ظهور وبطون(هو الأول والآخر والظاهر والباطن)والرئيس هوالاسم الجامع “الله“أما الاسم “الرحمن” فهو نقيب الاسماء الالهية(قل ادعوا الله اوادعوا الحمن أيما تدعوا فله الأسماء الحسنى) فكل اسم يكون مظهره أزلياً وأبدياً،فأزليّته من الاسم الأول،وأبديّته من الاسم الآخر،وظهوره من الاسم الظاهر،وبطونه من الاسم الباطن.فالاشياء لا تخلو من هذه الأربعة: ظاهرة او باطنة، لها الأوليّة أو لبعض مقتضياتها الاخرية ينتظر ابان ظهوره. ومن الاسماء ما يتعلق بوجود الغير(المخلوق)كالرزاق،والخالق،والغفار فتسمى اسماء الافعال،ومنها من لا تعلق له بالمخلوقات كالغنى لأنه تعالى غني عن المخلوقات،والقدوس والحي،وتسمى اسماء الذات(الالوهية ذات) ومنها اسماء الصفات التي يجب أن يكون من يعرفها ولاتتوقف على وجوده، كالعالم والقادر،فهي اسماء الصفات والصفة ملازمة للموصوف اي لمرتبة الألوهية ،ولا تَوَقُّف لهذه الأسماء على المألوهين. والأوليّة والباطنيّة ثابتة للوجود العلميّ،والآخرية والظاهرية للوجود العينيّ.
والأسماء الإلهية كلها ميازيب الذات.
.وقد ذكر الشيخ الأكبر الأسماء في كتابه “إنشاء الدوائر يقول :
أسماء الذات:
هي الله الربّ الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر العليّ العظيم الظاهر الباطن الأول الآخر الكبير الجليل المجيد الحقّ المبين الواجد الماجد الصمد المتعالي الغنيّ النور الوارث ذو الجلال الرّقيب.
وأسماء الصفات: هي الحيّ الشكور القهار القاهر المقتدر القويّ القادر الرحمن الرحيم الكريم الغفّار الغفور الودود الرؤوف الحليم الصبور البرّ العليم الخبير المُحصي الحكيم الشهيد السميع البصير .
وأسماء الأفعال :
هي المُبدئ الوكيل الباعث المجيب الواسع الحسيب المقيت الحفيظ الخالق البارئ المصوّر الوهّاب الرزّاق الفتاح القابض الباسط الخافض الرافع المعزّ الحَكم العدل اللّطيف المعيد المحيي المميت الوالي التوابّ المنتقم المقسط الجامع المغني المانع الضارّ النافع الهادي البديع الرشيد. اهـ.
ويقول الشيخ داوود القصيري(ولا ادري ،هل قالها احد قبله)(1): أن بين كل اسمين متقابلين اسماً ذا وجهين، متولّداً منهما،برزخاً بينهما.مثلا بين الاسم الضار والنافع اسم برزخ بينهما له وجهة الى الضرر ووجهة الى النفع .كما أن بين كلّ صفتين متقابلين صفة ذات وجهين،متولّدة منهما انتهى (ولاذوق لي في هذه الحقائق).
والحق تعالى ظهوره هوعين بطونه،وأوليته عين اخريته من حيثية واحدة انه “واحد” لا تعدد.
كما أن الأعيان الثابتة في العلم من حيث الباطن أسماؤه تعالى،(ومن هنا قال ابن عربي ان العلم تابع للمعلوم) والموجودات الخارجية مظاهرها .فكل حقيقة في الوجود ترجع الى اسم إلهي هو ربها ،والقائم على شؤونها، سواء كانت ظاهرة اوباطنة ملكية او ملكوتية .
فالأعيان لها جهة القابلية فقط،والأسماء لها جهة الفاعلية .
فالوجود مرتبط بالاسماء الالهية،هي علة ظهوره وسر استمراريته أما الذات الالهية ففي غيب لا تصله الصفة ولا النعت ولا العبارة ولا الاشارة،حضرة بهت وخرس. يقول ابن عربي: (ف ح 1/163)…. ولو كانت الصفات أعياناً زائدة وما هو إله إلابها،لكانت الألوهية معلولة بها،فلايخلوأن تكون هي عين الإله، فالشيءلايكون علة لنفسه أولا تكون،فالله لايكون معلولاً لعلة ليست عينه،فإن العلة متقدّمة على المعلول،بالرتبة فيلزم من ذلك افتقارالإله من كونه معلولاً لهذه الأعيان الزائدة،التي هي علة له وهو محال ثم إنّ الشيء المعلول،لايكون له علتان،وهذه كثيرة ولايكون إلهاً إلابها فبطل أن تكون الأسماء والصفات أعياناً زائدة على ذاته تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا…انتهى.
ويرى ابن عربي ان هناك صفة ثبوتية واحدة للذات الالهية،هي الاستغناء الذاتي في مقابلة الافتقارالذاتي للمخلوقين.
فالموجودات كلها أولها وآخرها،ظاهرها وباطنها،في علم الله لايخفى عنه شئ منها،وان كانت في العدم،ويسميها ابن عربي الأعيان المعدومة.يقول في الفتوحات ج1 ص168 “….ولم يكن للأعيان في حال عدمها شيء من النسب،إلا السمع ،فكانت الأعيان مستعدة في ذواتها في حال عدمها ،لقبول الأمر الإلهيّ إذا ورد عليها بالوجود، فلما أراد بها الوجود قال لها كن، فتكوّنت وظهرت في أعيانها فكان الكلام الإلهيّ أوّل شيء أدركته من الله تعالى بالكلام الذي يليق به سبحانه فأوّل كلمة تركبت كلمة كن ….”انتهى.
فالحق تعالى اعطى للاشياء وجود نسبيا من ألوهيته لتظهر بهذا اسرار الالوهية في الكون،فالوجود الحقيقي لا ينسب الا لله تعالى وحده،أما ما عداه فموجود بهذه الصفة الإضافية وظاهر بتلك العارية الوجودية( كما سماها الجيلي).
فأبحرتجليات الأسماء الالهية،هي المسيرة للكون بأياد خفية،والكل يسير وفق الإرادة الالهية،ووفق التقديرات الازلية(لله الامر من قبل ومن بعد).
سبحانك ربي ما قدرناك حق قدرك ،وماعرفناك كما ينبغي ان تعرف به، فارحم يا رب ضعفنا ،واجبر كسرنا ،وتولى بعظيم حكمتك جميع امورنا، وشفع فينا نبينا وحبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم. وهذا الموضوع هو خريطة السير،لكل سالك طريق التصوف العرفاني.
(1) من اطلع عليها عند أحد العارفين فليخبرنا جزاه الله خيرا..ربما ذكرها صاحب الفتوحات ؟