التعجّب والضّحك والفَرح والغضب: التعجّب إنما يقع من موجود لا يَعلم ذلك المُتعجَّب منه،ثم يَعلمه فيتعجب منه. ويَلحق به الضحك.وهذا مُحال على الله تعالى،فإنه ما خَرج شيء عن علمه. فمتى وقع في الوجود شيء يُمكن التعجّب منه عندنا، حُمل ذلك التعجب والضحك على من لايجوزعليه التعجب ولا الضحك.وقد يخرُج الضحك والفَرح إلى القبول والرضا .فإن من فَعلت له فعلاً أظهَر لك من أجله الضحك والفرح،فقد قَبل ذلك الفعل ورَضي به. فضَحكه وفَرحه تعالى قبولُه ورضاه عنّا. كما أن غضبه تعالى مُنزّه عن غَليان دمّ القلب طلباً للإنتصار،لأنه سبحانه يتقدّس عن الجسمية والعرض.فغضبه تعالى إنتقامه من الجبارين والمخالفين لأمره، والمُعتدين حُدوده.
والتبشّش من باب الفرح،ورد في الخبر: “إن الله يتَبَشْبَشْ للرجل يوطئ المساجد للصلاة والذكر” .لمّا حَجَب العالَم بالأكوان، واشتغلوا بغير الله،فصاروا بهذا الفعل في حال غيبة عن الله. فلما ردّوا عليه سبحانه بنوع من أنواع الحضور،أسْدَل إليهم تعالى في قلوبهم،من لَذّة نَعيم محاضرته ومناجاته ومشاهداته،ما تَحبّب بها إلى قلوبهم..فكَنّى بالتبشبش عن هذا الفعل منه،لأنه إظهار سُرور بقدومهم عليه. فلما ظهرت هذه الأشياء من الله إلى العبيدالنازلين به،سماه تَبشبُشاً.
النسيان:قال الله تعالى (فنَسيَهم).الباري تعالى لايجوزعليه النسيان،ولكنه تعالى لما عذّبهم عذاب الأبد،ولم تَنلهم رحمته تعالى،صاروا كأنهم مَنسيون عنده،وهو كأنه ناسٍ لهم.هذا فعل النّاسي،ومن لايتذكّر ما هم فيه من ألَيم العذاب.وقد يكون المعنى أخّرهم،لما(نَسوا الله)أي أخّروا أمر الله،فلم يعملوا به.ويقرُب من هذا الأمر إتّصاف الحق
بالمَكروالإستهزاء والسّخرية.قال تعالى (سَخر الله منهم)،(ومَكر الله)،(الله يستهزئ بهم).
النّفَس: قال صلى الله عليه وسلم “لا تسبّوا الريح فإنها من نَفَس الرحمن”،وقوله “إنّي لأجد نَفَس الرحمن يأتيني من قِبَل اليمن”. وهذا كله من التّنْفيس،كأنه يقول: (لا تَسبّوا الريح فإنها مما يُنَفّس بها الرحمن عن عباده)..فكانت الأنصار ممن نَفّس الله بهم عن نبيه صلى الله عليه وسلم ما كان أكْرَبه من المكذّبين. فإن الله تعالى مُنزّه عن النّفَس الذي هو الهواء الخارج من المتنفّس.
الصورة:قال صلى الله عليه وسلم”رأيت ربّي في صورة شاب”،وقال “إن الله خلق آدم على صورته”.. اعلم أن المِثْليّة الواردة في القرآن لغوية لا عقلية، لأن المثليّة العقليةتستحيل على الله تعالى.
الذراع: ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم “إن ضرس الكافر في النار مثل أحُد،وكثافة جلده أربعون ذراعاً بذراع الجبار”. هذه إضافة تَشريف،مقدار جعله الله تعالى وأضافه إليه.فليس هو ذراعه على الحقيقة،وإنما هو مقدار نَصبه، ثمّ أضيف إلى جاعله.. والجبارفي اللسان هو المَلك العظيم.
وهكذا القدَم: “يَضع الجبّار فيها ــ أي في النار ــ قَدَمه”. والقدم الجارحة،ويُقال: لفلان في هذا الأمر قَدَم،أي ثُبوت.فتكون القدم إضافة.وقد يكون الجبّار معناه هنا مَلَكاً،وتكون هذه القَدم لهذا المَلَك،اما الجارحة فتستحيل على الله تعالى.
الإستواء: ينطلق على الإستقرار والقصود والإستيلاء. والإستقرار من صفات الأجسام،فلا يجوز على الله تعالى إلا إذا كان على وجه الثّبوت. والقصد هو الإرادة،وهي من صفات الكمال. والأخبار والآيات كثيرة،منها صحيح ومنها سقيم. وما منها خَبر إلا وله وجه من وجوه التّنزيه. وإن أردت أن يَقْرُب فَهْم ذلك عليك،فاعْمَد إلى اللفظة التي توهم التشبيه،وخُذ فائدتها أو روحها أو ما يكون عنها،فاجعله في حق الحق،تَفُزْ بدرجة التنزيه،حين حاز غيرك دَرْك التشبيه. فهكذا فافعل،وطهّر ثوبك.
(نَفْث الرّوح الأقدَس في الرّوع الأنْفَس) بما تقدّم من الألفاظ:
لَمّا تَعجّب المُتعجّب وهو المَلِك ممّن خَرَج على صورته وهو آدم وخالَفه في سَريرته،ففَرح بوجوده،وضحك من شهوده، وغضب لتولّيه،وتبشبش لتدَلّيه،ونَسيَ ظاهره،وتنفّس فأطلق مواخره،وثَبت على مُلكه،وتحكّم بالتقدير على مِلكه،فكان ما أراد،وإلى الله المعاد.
ابن عربي الفتوحات – الجزء الأول
عدد المشاهدات :37
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة
احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.