اقوال بعض الشيوخ في التصوف

منقـول

قال إبن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين  وأما قوله – أي الامام الهروي – (إذا أراد الله بالمريد خيرا أوقعه على الصوفية و منعه صحبة القراء) فالقراء في لسانهم : هم أهل التنسك و التعبد سواء كانوا يقرؤون القران أم لا فالقارئ عندهم هو الكثير التعبد و التنسك الذي قصر همته على ظاهر العبادة دون أرواح المعارف و دون حقائق الإيمان وروح المحبة وأعمال القلوب وأهل المعارف ،فسير هؤلاء بالقلوب والأرواح وسير أولئك بمرد الأشباح والقوالب و بين أرواح هؤلاء وقلوبهم وأرواح هؤلاء و قلوبهم نوع تناكر و تنافر.

قال ذا النون المصري:الصوفي إذا نطق أبان منطقه عن الحقائق،وإذا سكت نطقت عنه الجوارح بقطعق العلائق،أي أن الصوفي بين حالتين إما أن يتكلم أويلزم الصمت فإن تكلم لم يقل إلا حقا، وإن سكت عن الكلام نطقت جوارحه، فهو مشغول بالله في الحالتين،حالة نطقه وحالة سكونه.
الشيخ بشر بن الحارث: الصوفي من صفا قلبه لله.
قال الشيخ الرفاعي قدس الله سره: الصوفي هو الصادق في جميع الحركات، المتقلل من المباحات، والصمم عن كثير من المسموعات،وأن لا يطلب المعدوم حتى يبذل المجهول والموجود،ويقطع الحيلة، حتى لا يرى في أحواله وشدته ورخائه وتقلبه غير خالقه ومكونه. وإن الفقير متى نظر إلى ما يلبس التبس عليه أمره، ومتى رأى الخلق من دونه ظهرت عيوبه. الفقير ابن وقته يرى كل نفس من أنفاسه أعز من الكبريت الأحمر،يودع لكل ساعة ما يصلح لها، ولا يضيع شيئاً

قال السهروردي رحمه الله تعالى: الصوفي هو الذي يكون دائم التصفية، ولايزال يصفي الأوقات من شوب الأكدار بتصفية القلب عن شوب النفس ويعينه على كل هذا دوام افتقاره إلى مولاه، فبدوام الافتقار ينقي الكدر، وكلما تحركت النفس وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها لربه، فهو قائم بربه على قلبه وقائم بقلبه على نفسه قال الله تعالى:” كونو قوامين بالقسط”،وهذه القوامية لله على النفس هي التحقق بالتصوف.
الشيخ سهل بن عبد الله التستري: الصوفي من صفا من الكدر،وامتلأ من الفكر،وانقطع إلى الله من البشر واستوى عنده الذهب والحجر
أبو تراب النخشبي: الصوفي لا يكدره شيء ويصفو به كل شيء.
الإمام الشبلي: الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق
أبو علي الروذباري: الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وأذاق الهوى طعم الجفا، ولزم طريق المصطفى، وكانت الدنيا منه على القفا
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله : الصوفي هو الذي يتقرب إلى الله، بفروض الله، ثم يزيدها بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام من جنس ما فرض الله وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة فيكون صافيا لله، والصفا هو كونك تصافي الله
ويكفي في بيان فضل الصوفية ما ذكر عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي حمزة الصوفي: “ماذا تقول يا صوفي ” ا.هـ.،فالصوفي عند من يعرفه هو العامل بالكتاب والسنة يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات ويترك التنعم في المأكل والملبس ونحو ذلك، فهذه الصفة في الحقيقة صفة الخلفاء الأربعة، فلذلك صنف الحافظ أبو نُعيم كتابه الضخم المسمى “حلية الأولياء” أراد به أن يميز الصوفية المحققين من غيرهم لمّا كثر في زمانه الطعن من بعض الناس في الصوفية، ودعوى التصوف من طائفة أخرى هم خلاف الصوفية في المعنى، فبدأ بذكر الخلفاء الأربعة، وقد صنف خلق كثير من العلماء كتبًا في هذا الشأن منها طبقات الصوفية للمحدث الحافظ أبي عبد الرحمن محمد السُلَميّ النيسابوري، وطبقات الصوفية للحافظ البارع أبي سعيد النقّاش الحنبلي، وطبقات الصوفية للحكيم الترمذي، وطبقات الصوفية للحافظ ابن الملقّن الشافعي وكل هؤلاء من أهل الحديث.

 قال الشيخ منصور البُهوتي الحنبلي في كتابه كشاف القناع  ما نصه: “ونقل إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن الإمام أحمد قال عن الصوفية- أي الصادقين-: لا أعلم أقوامًا أفضل منهم، قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة، قيل: فمنهم من يموت ومنهم من يُغشى عليه فقال: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾(سورة الزمر/٤٧ ولعل مُراده سماع القرآن، وعذرهم لقوة الوارد، قاله في الفروع”، اهـ. وصاحب الفروع هو شمس الدين بن مفلح الحنبلي.

ليعلم أن التصوف جليل القدر، عظيم النفع، أنواره لامعة، وثماره يانعة، فهو يزكي النفس من الدنس، ويطهر الأنفاس من الأرجاس، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن، وخلاصته اتباع شرع الله، وتسليم الأمور كلها لله، والالتجاء في كل الشئون إليه مع الرضى بالمقدّر، من غير إهمال في واجب ولا مقاربة لمحظور.
وقد اختلف في تعريفه فقيل: ” التصوف الجِدُّ في السلوك إلى ملك الملوك”، وقيل: “التصوف الموافقة للحق”، وقيل:”إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء ءاثارها”، وقال بشر بن الحارث: “الصوفي من صفا قلبه لله “.
وقد سئل الإمام أبو علي الرَوْذباري عن الصوفي فقال: “من لبس الصوف على الصفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم)”، وسئل الإمام سهل بن عبد الله التُّستَري عن الصوفي فأجاب: “من صفا عن الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والمدر”، وقال الشيغ محمّد ميارة المالكي في شرح المرشد المعين: “في اشتقاق التصوف أقوال إذ حاصله اتصاف بالمحامد، وترك للأوصاف المذمومة، وقيل من الصفاء” اهـ.
وقيل غير ذلك من الأقوال التي هي مسطورة في كتب القوم.

التصوف مبني على الكتاب والسنة كما قال سيد الطائفة الصوفية الجنيد البغدادي رضي الله عنه: “طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة،إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه إلاعلى المقتفين ءاثار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم”اهـ،                                                                            وقال الشيخ تاج الدين السبكي:”ونرى أن طريق الشيخ الجنيد وصحبه مقوَّم” اهـ،                    وقال سهل التُّستَري رضي الله عنه: “أصول مذهبنا- يعني الصوفية- ثلاثة: الاقتداء بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في الأخلاق والأفعال، والاكل من الحلال،وإخلاص النيّة في جميع الأفعال” اهـ،                وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه:”ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخَالة”، وانما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ ( سـورة السجدة/٢٤ اهـ.
وقال الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه للقطب أبي اسحاق ابراهيم الأعزب رضي الله عنه:”ما أخذ جدك طريقًا لله إلا اتباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإن من صحت صحبته مع سرِّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اتبع ءادابه وأخلاقه وشريعته وسنته، ومن سقط من هذه الوجوه فقد سلك سبيل الهالكين” اهـ، وقال أيضًا: “واعلم أن كل طريقة تخالف الشريعة فهي زندقة” اهـ، وقال رضي الله عنه أيضا: “الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه ” اهـ.

وقد حكى العارف بالله الشعراني في مقدمة كتابه الطبقات إجماع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الصوفية إلا من تبحر في علم الشريعة وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها وناسخها ومنسوخها، وتبحر في لغة العرب حتى عرف مَجازاتها واستِعاراتِها وغير ذلك.

والحكمة في هذا الإجماع الذي حكاه الشعراني ظاهرةٌ لأن الشخص إذا تصدَّرَ للمشيخة والإرشاد اتخذه المريدون قدوةً لهم ومرجعًا يرجعون إليه في مسائل دينهم، فإذا لم يكن متقنًا لعلم الشرع متبحرًا فيه قد يضل المريدين بفتواه فيحل لهم الحرام ويحرم عليهم الحلال وهو لا يشعر، أيضا فإن أغلب البدع القبيحة والخرافات إنما دخلت في الطريق بسبب كثير من المشايخ الذين تصدروا بغير علم ونصبوا أنفسهم للإرشاد من غير أن يكونوا مستحقين لهذا المنصب الجليل، ولذلك تجد الكثير من المنتسبين إلى التصوف اليوم والى طرق أهله قد أعماهم الجهل فيظنون أنهم بمجرد أخذهم لطريقة صوفية معيّنة يرتقون إلى أعالي الدرجات، وبمجرد قراءتهم للأوراد يصلون إلى مقام الإرشاد، وفي نفس الوقت يهملون تعلم العلوم الشرعية الضرورية وتطبيقها، فيتخبطون في الجهل والفساد وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ويدخلون في طريق القوم البدع الفاسدة والفتاوى الشاذة والأقوال الضالّة التي ما أنزل الله بها من سلطان ويزعمون أن هذا من الأسرار التي لا يطلع عليها إلا أهل الباطن ولا يفهمها أهل الشريعة الذين هم أهل الظاهر، وإذا قدّم لهم شخص نصيحة يقولون: أنتم أهل الظاهر ونحن أهل الباطن لا تفهمون هذا، فلذلك سمّاهم أهل العلم والصوفية الصادقون بالمتصوفة أي أدعياء التصوف، ويكفي في الرد عليهم قول الإمام الرفاعي: “كل طريقة تخالف الشريعة فهي زندقة”، وقال رضي الله عنه: “شيّدوا أركان هذه الطريقة المحمدية بإحياء السنة وإماتة البدعة” ا.هـ.، وقال: “كلّ الآداب منحصرة في متابعة النبي صلّى الله عليه وسلّم قولا وفعلا وحالا وخلقًا، فالصوفي ءادابه تدل على مقامه، زِنوا أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه بميزان الشرع” ا.هـ.، وقال: “أيها الصوفي لم هذه البطالة؟ صِرّ صوفيا حتى نقول لك: أيها الصوفي ” ا.هـ. وقال: “لا تقولوا كما يقول بعض المتصوفة: نحن أهل الباطن وهم أهل الظاهر، هذا الدين الجامع باطنه لبّ ظاهره، وظاهره ظرف باطنه لولا الظاهر لما بَطُن، لولا الظاهر لما كان الباطن ولما صح، القلب لا يقوم بلا جسد بل لولا الجسد لفسد، والقلب نور الجسد. هذا العلم الذي سمّاه بعضهم بعلم الباطن هو إصلاح القلب ” ثم قال: “فإذا تعين لك أن الباطن لب الظاهر والظاهر ظرف الباطن ولا فرق بينهما ولا غنى لكليهما عن الآخر، فقل: نحن من أهل الظاهر وكأنك قلت ومن أهل الباطن. أيُّ حالة باطنة للقوم لم يأمر ظاهر الشرع بعملها؟ أيُّ حالة ظاهرة لم يأمر ظاهر الشرع بإصلاح الباطن لها” ا.هـ.

فعلى ما ذكر يتبين أن كل بدعة تراها في الطرق السائرة فلك أن تعرض ما تراه وتسمعه فيها من البدع القولية أو الفعلية على قواعد الشرع فإن لم توافقه فانبذها، قال السيد أحمد الرفاعي: “كل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة، إذا رأيتم شخصًا تربع في الهواء فلا تلتفتوا إليه حتى تنظروا حاله عند الأمر والنهي ” ا.هـ. ، أي يوزن أفعاله وأقواله بميزان الشرع فإن لم يوافقها فيترك، وقال رضي الله عنه: “سلّم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشرع، فإن خالفوا الشرع فكن مع الشرع ” اهـ.

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد