قال تعالى(مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَالْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً)(الكهف)اعكسها تعطيك معنى،أن من يهدي الله فسَيتجد وَليّاً مُرشداً.ابحث عنه تجده، واسلك طريق القوم على يده، وترب بتربيته،وتهذب بأخلاقه، ولاتقل ضالة لا توجد،سمعنا بها “عنقاء مُغرب” اسم على غير مسمى؟. قال تعالى(أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ)إذا كان مأموراً بالإقتداء بهَدْي من هَدى الله، وهو في حقيقة الأمر هداه،وقد غفر الله له ما تَقدّم من ذنبه وما تأخّر،فنحن أولى بالاقتداء بمن هدى الله،لكثرة ذنوبنا وقِلّة زادنا،ومربي المهتدين،هوسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فالشخص الذي يُقتدى به يُسمّى في العرف الصوفي الشيخ المُرَبّي،وأوراده وأذكاره تُعطي صبغة،وفكرة على كفية سَيْره،وهذاما يُسمّى الطريق، وحتى هو اقتدى بمن سبقه،وهذا هوالمشرب .
يقول ابن عربي في إحدى رسائله: إن لم تَجْرأفعالُك على مُراد غيرك،لم يَصحّ لك الانتقال عن هَواك، ولوجاهدت نفسك عُمْرَك بما تُرَتّبه عليها،وإن صَعُب، ولم تَزَل على هواها، فإنها المرتبة على نفسها.اهـ.
يقول ابن السبعين:” أن الشيخ العارف على الحقيقة،هوالذي قامت به الكمالات كلها، وجودية وعرفانية”.
فالإمام الغزالي مع كونه حجة الإسلام،طلب لنفسه شيخا يدله على الطريق،وطلب الشيخ عزالدين بن عبد السلام شيخا مع أنه كان يلقب بسلطان العارفين. قال الجنيد القواريري”من أراد الله به خيرا،أوقعه في صحبة الصوفية”.
فلا يخلو قطر من شيوخ التربية،صحح طلبك،تجده أقرب إليك مما كنت تتوقع .فإذا صفا لك الزمان بواحد،فعض عليه بالنواجد،وانسى كل المواعيد.ولا شك أن من صاحبهم، وحفته عنايتهم،وذاق حلاوتهم لا يقدرعلى مفارقتهم.فلابد للطريق من الرفيق.ولا تَرٌمْ سلوكها وأنت ضعيف الهمة،فإنه لا محالة تنفد نفقتك،ويفنى زادك،ويبطئ سيرك. وكما أن هناك تفضيل بين الرسل(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)(البقرة)هناك تفضيل بين الأولياء فهم ورثة الأنبياء،فكل ومشربه وكل ومقامه.ومن لا إذن له لا وصول له. وشتّان ما بين من له شيخ يقود راحلته،ومن يقوده أعمى أو من يقوده هواه(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) فلو صاحبت شيخا،يطير في الهواء،أو يمشي على الماء،أو يسمعك دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء أو يريك الطائر الحمليق الذي له ستمائة جناح وألف شوالة صحاح ،الحرام لديه مباح، واسمه السفاح ابن السفاح (كلام للجيلي)..فلا تعطيه اهتماما،حتى ياتي بفتوحات من كتاب الله،وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.فالطيران في الهواءأوالمشي على الماء،من نصيب أولياء الشيطان كذالك، والكهنة،وأصحاب المجاهدات كالهندوس…فلا تغتر به..فلا صفة للعارف غير المعرفة.العارف بالله،هو الذي يعرف القرءان بسيدنا محمد ،ويعرف سيدنا محمد بالقرءان.العارف هوالذي يعرف أن التجليات الإلهية،هي المُتَصرّفة في الكون،والماسكة لزمامه،والكون تحت سلطانها،ماقَبلته طِباعنا رضينا به،وما لم يوافقها رفضناه،سواء أدركنا حقيقته،أم خفيت علينا،وقد قيل:العارف هومن عَرف الاستقامة في الإعوجاج. فانظُر ياوليّ في الأمور بعقلك، ولاتكُن أسيرتقليد أحد،ولا يَغُرنَّك إدعاء المُدّعين،اللهم مَن ظَهَرت عليه علامات الفتح،وجاء بحقائق محمدية أحمدية،وأتى بفتوحات جديدة،لم يتطرّق لها من سبقه، وكان على أثر مولانا رسول الله،حالاًومقالاً،علماً وعملاً.
وقد أشارالشريشي إلى شروط الشيخ(المباحث الأصلية(: وللشيخ آيات إذا لم تكن له ♣فما هوإلا في ليالي الهَوى يَسْري. إذا لم يكن علم لديه بظاهر♣ولاباطن،فاضْرِب به لُجَج البحر.
والشيخ الحقيقي هوالذي يطوي لك مسافة أعمال الجوارح،وبالتالي فمن اللاّزم أن تكون بأوراده صلاة بها نُعوت مُقتبسة من القرءان،تتغزّل في النبوة القديمة،وتُسايرالتجليات الإلهية الحالية،وأن تكون له أحزاب تُساير التجليات الإلهية الحالية.وأن يكون له اِستغفار رَتْقي،يمحي ذنوبك الماضية واليومية،ويجعل الغلبة لروحك على نفسك.
قال ابن عربي في بعض حكمه : من لم يأخذ الطريق من الرجال فهو ينتقل من مُحال إلى محال. لاتصحب الرجال إلا من له حال يترجم دون المقال.الشيخ من حمل عنك المشقات، وأشهدك منازل القربات.لايصلح أن يربى الخلق إلامن كانت صفته من صفةالحق.
وخلاصة القول: العارف الحقيقي دائما عنده كلام جديد العهد بالنبوة(وَعَلَّمْنَٰهُ مِن لَّدُنَّاعِلْمًا).لحم طَرِيّ لا القديد،كما قال أبومدين التلمساني لأصحابه:” أطعمونا لَحماً طريّاً لاقديداً “. والقديد هو اجترار كلام من سبقنا من العارفين.وما اتّخذ الله ولياً جاهلاً إلاعلّمه. الصُمّ والبُكْم،لايصلحون للمشيخة.نحن لانعرف صاحب الإذن المحمدي والمدد المصطفوي،حتى نرى ثمرة الاتباع ونتائج الصحبة،وآثارالبصيرة،وبُذورالمعرفة في حركاته وسكناته، وكلامه، وأذواقه،وإشاراته،وخَوْضه في علوم القوم،شيخ مملوء بالطاقة النورانية والعرفانية.هذا هو الوارث المحمدي،والوارث لابدّ أن يَرِث كل شيء:الأقوال، والأحوال، والعلوم،ومن اللاّزم أن يتحدّث بها عنها(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، وإلا فليس بوارث ،فأكبر نعمة هي معرفة الله ونبيه،. وكما يقال:”الكتاب يُقْرأ من عنوانه”. قال بعضهم :
ومن ليس له أذواق وحقائق،غالباً ما تجد المُقَرّبين منه يُلَقّبونه بالعارف بالله،ويَنسبون إليه مقامات: كصاحب الوقت،والغوث الأكبر،ويَتستّرون على جهله بقولهم:ليس له إذن في الكلام. هذا”عارف” خُلّب،كما سبق وأن سمّيته،ومن يتربّى على يديه، أسَمّيهم”العِهْنيّون” ليسوا صوفية.
لقد كَثُرفي زمننا المُدّعون والمُتطفّلون على التصوف،فعلى العاقل أن لا يتّبع كل من قَصُر ثوبه،وطالت لحيته،وكَثُرت هَمْهَمته،وتحريكه لسُبحته، وعكازته بيده،وسيارة رباعية الدفع ببابه. فالقطبانية،والغوثية،والختمية،مقامات عالية،ولها شروط ،ويجب أن يكون سلوكه الصوفي معروفاً عند الجميع،أي شيخه معروفا،وطريقته معروفة،ملتزم بالكتاب والسنة ظاهراً وباطناً.أضف إلى هذا:أن يكون عارفاً بعِلَل النفوس وأمراضها،وله أدويّته وترياقاته الخاصة،شيخ مأذون له.
ولنَضَع نُصْب أعيننا(قانون السببيّة)الذي عبّر عنه الأعرابي بسداجته،حين سألوه عن الله،فقال: ” البَعْرة تدُلّ على البعير،وخطّ السّيريدل على المَسير.فكيف بسماء ذات أبراج،وأرض ذات فجاج،وبحار ذات أمواج،أفلا يدُلّ ذلك على العليّ الكبير”.
صدق الأعرابي:فالبعرة تدل على البعير،فكيف بمَن يدّعي المقامات، وتُقَبّل يده ورجله، وربما يُرْكَع له،ألا تكون عنده أدلّة تُثبت إدّعاءه ؟. فالتصوف ليس تجويع نفسك،ولبس دِربالة،وركوب دابة بدون رأس،بل هو معرفة النبي بالقرءان ومعرفة القرءان بالنبي. وكن كيف شئت،المجاهدات النفسية،والجسدية،والمالية ضرورية، ليترقى مقامك،ولكن ما تفعل بالمقام،اذا ليس معه معرفة ؟. العارف الخُلّب يُشبه الزنبور، والعارف الحقيقي يُشبه النّحل.الزنبوريُشَكّل تجمّعات كالنحل ، يَصنع خلايا،له ملكة، ولكن لا ينتج العسل،والعسل بالنّسبة للعارف الحقيقي هوالسِّرّ،سرّ طريقته.ومن لا إذن له،لاوصول له.فابحث عن الشيخ الحقيقي،واقصده في أي مكان، واتّبع إرشاده،واقتفي أثره،وانْكَسر لكل من تتوهّم فيه لَمْعة من مقام الإحسان،فالكون معمور بهم ولا يخلو منهم. لا تَقُل دارُها بشَرْقي نَجْد♣ كل رَبْعِ العامريّة دار.
ولها منزل على كل ماء♣وعلى كل دمنةٍ لها أثار.
ولذلك قيل:” إن الله خَبّأ ثلاثة مَواضع: خَبّأ رِضاه في طاعته، وخبّأ غضبه في معصيته، وخبّأ ولايته في قلوب عباده فلا تستحقر أحداً”.
عدد المشاهدات :8
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة
احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.