الفتاوى الحديثية: حُكم أصحاب التصوف العرفاني
مُلخّص ما نعتقده في ابن عربي وابن الفارض وتبعيهم بحقّ، الجارين على طريقتهما: من غاية إتقان علوم المعاملات والمكاشفات،ومن غاية الزهد والورع والتجرّد والانقطاع إلى الله تعالى في الخلوات،والدّأب على العبادات،ونسيان الخلق جملة واحدة،ومعاملة الحقّ ومراقبته في كل نفَس،كما تواتر كل ذلك عن هذين الرجلين العظيمين ، أنهم طائفة أخيار أولياء أبرار،بل مُقرّبون،ومن رقّ السّوى أحرار،لا مِرية في ذلك ولا شكّ إلا عند من لا بصيرة له. وكفاك حجّة على ولايتهما تصريح كثيرين من الأكابر بها،وبأنهما من الأخيار المقرّبين: كالشيخ العارف الإمام الفقيه المُتقنعبد اللهليافعي،وكالشيخ الإمام التاج بن عطاء الله (صاحب الحِكَم)،وكالشيخ الإمام العلامة المحقق الشافعي التاج السبكي،وكشيخنا خاتمة المتأخرين وواسطة عقد المحققين زكريا الأنصاري،وكالشيخ العلامة البرهان بن أبي شريف..
فيكفيك ما قالَه هؤلاء الأئمة العارفون بالله،العالمون، العاملون الفقهاء الأولياء،وما صرّحوا به من أن كِلا الإمامين المذكورين وطائفتهما أولياء أخيار أتقياء أبرار.فكيف يمتري عاقل أم متديّن ،بعد ما صرّحوا به أئمّة الدين الذين أماطوا عن وجهه شبهة المُبطلين وأبطلوا حجج المتمردين،ممّا ذكر من ولاية هؤلاء الأئمّة المذكورين. وياعجباً كيف نأخذ بقولهم في الأحكام، ونعمل بها فيما بيننا وبين الله،ونعتمد عليها في التحريم والتحليل،وقتل الأنفُس وقطع الأيدي وغير ذلك من العظائم.. ولانأخذ بقولهم في أئمة مسلمين تضلّعوا من الكتاب والسنة،وضمّوا إلى ذلك الفروع الاجتهادية،ثمّ بعد إتقان ذلك كلّه اشتغلوا بصفاء قلوبهم حتى أشرقت وتنوّرت وصارت شفافة تحكي ما قابلته،فكوشفوا بإبراز العلوم وأحكامها الباطنة،بل وبحُكم الموجودات كالعبادات وغيرها، فدَوّنوها قصداً لأن ينتفع بها من سلَك طريقتهم،وليعلموا بها المُحقّ من غيره.
وممّا يدلّ على إتقانهم لتلك العلوم المذكورة،ما حكاه الذهبي وكان من المنكرين على الشيخ محيي الدين بن عربي: أن سلطان الغرب أمَر أن لا يُقيم ببلاده إلا رجل يبلغ درجة الاجتهاد بحيث لا يتقيّد بمذهب أحد،فأجمع رأي علماء بلاده على ستّة منهم،وكان من الستّة الشيخ محيي الدين.
وما قاله البقّاعي،وكان من المنكرين أو أكبرهم،في كتاب للشيخ محيي الدين صنّفه في أسرار المعاملات: “هذا أجلّ من تصنيف الغزالي”.
فتأمّل كيف هذا الرجل بهذه المرتبة العظيمة العديمة النظير، ويُظنّ به سفاسف الرّذائل التي لا يرضى بها أقلّ متديّن. ليس ذلك إلا محض تعصّب،وسَعياً في تَبوّء مَفاوز المَقْت،أعاذنا الله من ذلك. فإن قُلت: قد أنكر عليهم أئمة أجلاّء أيضاً كالبلقيني وغيره، وآخرهم البقاعي وتلامذته.فلم رجّحت تلك الطريقة دون هذه الطريقة؟ قُلت: إنما رجحتها لأمور،منها: ما ذكره شيخنا في “شرح الروض” نَقلاً عن السعد التفتازاني،
وحاصله: ردّاً على ابن المقري حيث قال: “من شكّ في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر”: [ إن الحقّ أنهم أخيار أئمة،وأن اليافعي وابن عطاء الله وغيرهما صرّحوا بولاية ابن عربي..
وأن العارف إذا استغرق في بحارالتوحيد ربّما صدرت عنه عبارات توهِم الحلول والاتحاد،ولا حلول ولا اتحاد.. ]. ومنها: ما صرّح به أئمّتنا،كالرافعي في “العزيز” والنّووي في “الروضة” و”المجموع” وغيرهما: من أنّ المُفتي إذا سُئل عن لفظ يحتمل الكفر وغيره لا يقول: هو مُهدَر الدم أو مُباحه أو يُقتل أونحو ذلك،بل يقول: يُسأل عن مُراده،فإن فسّره بشيء عمل به. اهـ.
فانظُر وفّقك الله إلى هذه العبارات،تجد المنكرين الذين يتهجّمون على هذا الرجل العظيم ويجزمون بكفره،قد ارتكبوا متن عمياء وخبطوا خبط عشواء،وإن الله أعمى بصائرهم وأصمّ آذانهم عن ذلك حتى وقعوا فيما وقعوا فيه،وكان سبباً لمقتهم وعدم الانتفاع بعلمهم. ومنها: أن علمهم وزُهدهم ورفضهم الدنيا والسّوى جملة واحدة،قاضٍ بنزاهتهم عن هذه المقالات الشنيعة. فترجّح بذلك عدم الإنكار عليهم،لأن عبارتهم حقيقة فيما اصطلحوا فيه، فلا يجوز الإنكار عليهم إلا بعد معرفة مدلول كلامهم،ثمّ معرفة اصطلاحهم،ثمّ تطبّق ذلك الاصطلاح على ذلك المدلول وينظر هل يُطابقه أم لا؟. وبحمد الله المُنكرون عليهم كلهم جاهلون بذلك،إذ ليس منهم أحد أتقن علوم المكاشفات،بل ولا شمّ لها رائحة،ولا أحد منهم مَلّكَ زِمامه لأحد منهم حتى أحاط باصطلاحهم. ولقد تواتر وشاع وذاعَ: أنّ من أنكر على هذه الطائفة لا ينفع الله بعلمه ويُبتلى بأفحش الأمراض وأقبحها. ولقد جربنا ذلك في كثير من المنكرين،حتى أن البقاعي كان من أكابر أهل العلم،وكان له عبادات كثيرة،وذكاء مُفرط وحفظ بارع في سائر العلوم،لا سيما علم التفسير والحديث،ولقد صنّف كتباً كثيرة،أبى الله أن ينفع أحداً منها بشيء. وله كتاب في مناسبات القرآن نحواً من عشرة أجزاء،لا يعرفه إلا الخواص بالسماع،وأما غيرهم فلا يعرفونه أصلاً. ولو كان هذا الكتاب لشيخنا زكريا أو غيره ممّن يعتقد،لكان يُكتب بالذهب لأنه في الحقيقة لم يوضع مثله،لكن (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً) ولقد بالغ البقاعي في الإنكار،وصنّف فيه مصنفات كلها صريحة في غاية التعصب والميْل عن سبيل الاستقامة،ومن ثَمّ جوزي بما مرّ وبأقبح منه،وهو أنه ضبط عليه في مناسباته فحُكم بتكفيره وإهدار دمه،ولم يبق من ذلك إلا إزهاق روحه،لولا استغاث ببعض الأكابر حتى خلّصه من تلك الورطة،واستُتيب في الصالحية بمصر وجدّد إسلامه.. فإن قُلت: من المنكرين من نَفع الله بعلمه؟قُلت: المنكرون على قسمين:
قسم منهم لم يقصدوا بإنكارهم محض النصيحة للمسلمين، بل محض تعصّب،وأرادوا ذلك وغلب عليهم نوع من الحسد وحبّ إبداء خلاف أهل العصر، قصداً لتميّزه عليهم بالأشياء الغريبة والاشتهار عنهم أنهم يُنكرون المنكر ولا يخافون أحداً،ونحو ذلك من الأغراض الفاسدة التي لم يصحبها نوع إخلاص. ومنهم الشيخ البقاعي وعلاء الدين البخاري ومن ضاهاهُما.
والقسم الثاني:قوم قصدوا بإنكارهم محض النصيحة للمسلمين وذبّ هؤلاء الجهلة المتصوفة الذين يشتغلون بمطالعة كتب ابن عربي وأتباعه مع خُلوّهم عن العلوم الرسمية والأحوال الكشفية واتّصافهم بالجهل المحض ،وهؤلاء الكفر أقرب إليهم من الإسلام. ولقد قال ابن عربي:“نحن قوم تحرُم المطالعة في كتبنا إلا لعارف باصطلاحنا”، فانظر كيف هذا نص صريح من الشيخ بتحريم المطالعة على هؤلاء الجهلة المغرورين،المستهزئين بالدين. فالمنكرون إن قصدوا بالإنكار المبالغة في زجر مثل هؤلاء فلا حرج عليهم.. ومن انتشر علمه من المنكرين عَلمنا أنه لم يكن من القسم الأول،بل من القسم الثاني.. وينبغي للإنسان حيث أمكنه عدم الانتقاد على السادة الصوفية نفعنا الله بمعارفهم وأفاض علينا بواسطة محبّتنا لهم ما أفاض على خواصهم،ونظمنا في سلك أتباعهم،ومنّ علينا بسوابغ عوارفهم أن يسلّم لهم أحوالهم ما وجد لهم محملاً صحيحاً يُخرجهم عن ارتكاب المحرّم. وقد شاهدنا من بالغ في الانتقاد عليهم،مع نوع تعصّب،فابتلاه الله بالانحطاط عن مرتبته،وأزال عنه عوائد لُطفه وأسرار حضرته،ثمّ أذاقه الهوان والذلّة،وردّه إلى أسفل سافلين،وابتلاه بكل علّة ومحنة.
الفتاوى الحديثية المؤلف: شيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر الهيثمي (909_974هـ).
هذه الفتوى لها تقريبا اربعة قرون ففي زمن الشيخ ابن حجر الهيثمي كان التصوف العرفاني : تصوف الحلاج ،وابو يزيد البسطامي ،والنفري،وابن عربي والجيلي …وغيرهم محل نقاش،وهذا دليل أن العامة لم تكن تعرفه ،أو ربما ،عندها نظرة خاطئة عليه، فما بال أهل زماننا ،وتصوف زماننا، وشيوخ زمننا ،ومريدي زمننا
من خلال سلوك صوفي الذي استغرق اكثر من اربعة عقود، لاحظت ان المريدين لا يبحثون عن التصوف العرفاني، لأنهم يجهلونه ،فهم يبحثون عن طريقة وعن شيخ يعجبهم منظره “منور”، يقال عنه انه مول الوقت،وختم زمانه، ولايهمهم صحة هذا من عدمه ،وللولي المحمدي الكامل علامات كما سبق ان ذكرناها في موضوع شيق للامام الرواس . التصوف حقيقة باطنة وليست ظاهرة:ليست لحية وعكازة وثياب فاخرة،واتباع يهللون كلما خرج الشيخ ويتواجدون
التصوف هو مقام الاحسان :أن تعبد الله كأنك تراه.فهو رؤيا ومشاهدة لا تتأتى الا بالمجاهدة ،جاهد تشاهد
فالتصوف ان لم يؤدي الى معرفة الله ورسوله فليس تصوفا حقيقيا
كما ان ابليس اللعين يتعرض لهذا التصوف أكثر من غيره فيهاجم طريقته ويحاول التلبيس عليهم
كل طريقة ترى المال في واجهتها،والتمتع ظاهر على شيخها، والمخالفات للسنة النبوية واضحة على مريديها ،وسؤال الشيخ واستفساره ومجالسته مستحيلة فابتعد عنها
في التصوف الحق الشيخ في خدمة المريد وقدوة للمريد
يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري في حكمه العرفانية: [وليس شيخك من سمعت منه،وإنما شيخك من أخذت عنه.وليس شيخك من واجهتك عباراته،وإنما شيخك الذي سَرَت فيك إشاراته.وليس شيخك من دعاك إلى الباب،إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب.وليس شيخك من واجهك مقاله،إنما شيخك الذي نهض بك حاله.شيخك الذي أخرجك من سجن الهَوى،ودخل بك على المولى.شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك حتى تجلّت فيه أنوار ربك، نهض بك إلى الله فنهضت إليه،وسار بك حتى وصلت إليه،ولا زال مُحاذياً لك حتى ألْقاك بين يديه،فزَجّ بك في نور الحضرة، وقال: ها أنت وربّك..]..
موضوع بالمدونة يطنب في هذه المسألة اسمه الشيخ والمشيخة والتمشيخ