بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد،وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى أم المؤمنين،وعلى آله وصحبه أجمعين. نستأنف شرح القواعد المباركة من خريطة السلوك العرفاني لأستاذنا سيدي محمد بن المبارك حفظه الله،ومع القاعدة الأربعون والأخيرة التي تقول: [ إذا أردت سلوك طريق القوم فكُن ناظراً بعينين (القرآن والسنة النبوية)،شارباً بكأسين (كأس الشريعة وكأس الحقيقة)، مستمداً من برزخين (المحمدية والأحمدية)،تنالُ عِزّ الدارين (الدنيا والآخرة): (لهم البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ]. قاعدتنا اليوم هي القاعدة الأخيرة،واسطة العقد،الجامعة لمتفرقات المعارف والأنفاس المنثورة في القواعد التسعة والثلاثين.. فكان ختامها مسك،ونهايتها خلاص فتح (رَوْح وريحان وجنة نعيم). _ ناظراً بعينين: الكتاب والسنة : أجمع أهل الله أن التصوف،على اختلاف تعريفاتهم التي تبلُغ ألفين،هو صدق التوجّه إلى الله تعالى.. وأجمعوا على أن الصوفي هو عالِم عَمل بعلمه على وجه الإخلاص لا غير.. والتصوف ركن من أركان الدين،بل أشرف أركانه،وهو ركن ومقام الإحسان “أن تعبد الله كأنك تراه،وإن لم تكن تراه فإنه يراك”.. فالتصوف بذلك زبدة الشريعة المطهرة.. فعندما نستعرض حديث جبريل عليه السلام ــ وهو عمدة في طريق التصوف،كما قال الإمام الهروي في منازل السائرين: [ هذا الحديث إشارة جامعة لمذهب هذه الطائفة ] ــ نجد أن الإحسان هو الغاية من الدين وثمرته،لأنه لا يتحقّق إلا بعد تصحيح وتحقيق الإسلام والإيمان،فيُحرز الصوفي بذلك مقامات الدين الثلاثة،الضامنة للسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء” الحديث، فالأمر بالإحسان عام في كل شيء،وهو عين الأشياء،حتى إنها إذا انفكت عنه صارت سيّئة قبيحة.. ومرّ معنا في شرح القاعدة السابقة أرقى تعريف للتصوف في عصرنا،وهو من فتوحات مشربنا المبارك،الذي يلخص استمداد التصوف من الكتاب والسنة،قولاً وعملاً وحالاً،وهو: [ التصوف هو معرفة القرآن الكريم بمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم ].. ودعك من مشاغبات الجهول والحقود والحسود،الذي لا يتوانى يُثير الإشكالات والاعتراضات،ديدن المنافقين ومن في قلبه مرض،فلو جئته بألف دليل لما اقتنع ولا صدق لأنه من المحرومين.. فما فعله الكافرون والمنافقون مع رسالة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،يتكرّر مع الأولياء والأصفياء من خفافيش الظلام الذين يؤذيهم النور ويستسيغون الظلمة.. ومن أبلغ تعاريف التصوف المختلفة للتصوف،والتي تشير إلى الالتزام بتعاليم الدين الحنيف،كتاباً وسنة،ما ورد عن إمام الطائفة الجنيد: [ التصوف: تصفية القلب عن موافقة البرية،ومفارقة الأخلاق الطبيعية،وإخماد صفات البشرية،ومجانبة الدواعي النفسانية، ومنازلة الصفات الروحانية،والتعلّق بالعلوم الحقيقية،واستعمال ما هو أولى على الأبدية،والنصح لجميع الأمة،والوفاء لله على الحقيقة، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة ].. وقد دأب الصوفية في تدليلهم على اتباعهم للكتاب والسنة،الاستدلال بالقولة المشهورة للإمام الجنيد التي يقول فيها: [ عِلمنا هذا مشيّد بالكتاب والسنة ]،وقوله: [ الطريق إلى الله تعالى مسدود إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. وقال سهل التستري: [ أصولنا سبعة أشياء: التمسّك بكتاب الله،والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وأكل الحلال، وكفّ الأذى،واجتناب المعاصي ، والتوبة،وأداء الحقوق ].. قال الله تعالى: (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله على بصيرة الرسالة الكاملة وبالأصالة،والأولياء يدعون على حسب بصائرهم،أي مقاماتهم،وراثة محمدية.. وقد أجمع العارفون أن الدعاة إلى الله تعالى على بصيرة هم أهل الله الصوفية المحققون،العلماء بالله.. وإليهم الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء” ، وقوله: “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل”.. فلفظة “البصيرة” تُشير إلى الباطن وفقه القلوب،الذي اختص به الصوفية ومن سار على نهجهم وتتلمذ على يديهم.. ولا جرم أن ينعت العارفون علماء الظاهر ــ العلم الخالي من آثاره في القلب ــ بعلماء الرسوم، ويكفي اعتراف بعض أكابرهم بأن غرضهم من تعلّم العلم الحصول على المناصب والوظائف التي قُرّرت للفقهاء،خصوصاً على المذاهب الأربعة كما ورد في (جمع الجوامع) لابن السبكي.. وقد خطر ببالي،والله أعلم،أن قوله صلى الله عليه وسلم: “نحن معاشر الأنبياء لم نورّث ديناراً ولا درهماً” الحديث،فيه إشارة إلى أصحاب الوراثة النبوية الحقيقة لا يرتزقون من علمهم وصلاحهم.. وقد أشار الإمام الغزالي في باب بيان العلم إلى هذا المعنى بقوله: [ أما الإسلام فيتكلّم الفقيه فيما يصحّ منه وفيما يفسُد، وفي شروطه، وليس يلتفت فيه إلا إلى اللسان،وأما القلب فخارج عن ولاية الفقيه.. مثلاً الصلاة: فالفقيه يُفتي بالصحة إذا أتى بصورة الأعمال مع ظاهر الشروط،وإن كان غافلاً في جميع صلاته من أولها إلى آخرها.. فالخشوع وإحضار القلب هو عمل الآخرة وبهِ ينفع العمل الظاهر،فلا يتعرّض له الفقيه،ولو تعرّض له لكان خارجاً عن فنّه.. ]. وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: [ إذا لم يكن للفقيه علم بأحوال القوم واصطلاحاتهم،فهو فقيه جاف ].. فنتساءل: من يحقّ لنا وصفه بالاتباع للشريعة المطهرة،كتاباً وسنة،هل من تحقّق بمقامات الدين الثلاثة كاملة (كما هو الحال عند الصوفية المحققون)،أم من اقتصر على مقام منه (فقهاء وعلماء كلام وغيرهم)؟.. والعجيب أن تجد الناقص يتهمّ الكامل بالابتداع والخروج عن الجادّة، فهل يصحّ هذا في مقاييس الأدلّة العلمية والمعرفية والعرفانية،أم هو مرض قلبي ونفسي (حسداً من عند أنفسهم).. وقد ذكر الشيخ ابن الصديق الغماري بأنه: لما كان التصوف مَبنياً على الكتاب والسنة،دخل فيه عظماء العلماء وانضمّ إلى زُمرة أهله فُحول من الكبراء: كالحافظ أبي نعيم،والإمام عز الدين ابن عبد السلام،والحافظ ابن الصلاح،والإمام النووي،وتقي الدين السبكي وابنه تاج الدين السبكي،والحافظ السيوطي،وغيرهم كثير.. اهـ. فالفتح في العلم الظاهر،الذي يناله الفقيه المخالط للصوفية،لا يُقارن بغيره من المنكرين أو غير المخالطين. قال العلامة ابن الحاج: [ وغالب من يُشار إليه من علماء الظاهر،ممّن له تميّز وشفوف ونُبوغ في الحفظ والإتقان،إنما ناله بمخالطة بعض العارفين،كابن سريج بمخالطة الجنيد،والعز بن عبد السلام بمخالطة أبي الحسن الشاذلي،والتقيّ ابن دقيق العيد بمخالطة أبي العباس المرسي ].. وقد أجمل الشيخ عبد الله بن علوي في كتابه (الفصول العلمية والأصول الحِكمية) كُنه ما يعتني به العارفون والمحققون،ممّا يدلّ على تحصيل الصوفية للبّ الدين وزبدته،يقول: [ ومعظم اهتمامهم ومَطمح نظرهم في تصحيح الإيمان واليقين،وتقويّتهما،وفي إخلاص التوحيد من شوائب الشّرك الخفيّ. ثمّ في تصحيح الأخلاق المحمودة،كالزهد والإخلاص وسلامة الصدر للمسلمين. وفي نفي الأخلاق المذمومة،كالحرص والريّاء والكِبر،وفي الاحتراز من الأعمال السيّئة. ثمّ في تصحيح أمور المعاش والنظر فيها،وحُسن التدبير لها على طريق الورَع والنّصح،والأخذ بالقناعة والتقلّل منها..اهـ ]. فإن لم تكن هذه الصفات والخصال هي الاتباع للكتاب والسنة،فكيف يكون الاتباع؟.. وقد صدق أهل الله حيث قالوا بأنه منذ القرن العاشر الهجري صارت مراقبة الناس ومحاذرتهم تعباً مجرداً ليس تحته فائدة،لاشتغال الناس بنفوسهم واستغراق بواطنهم وظواهرهم بأمور دنياهم،وعدم التمييز بين الأمور فيهم عموماً (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً).. وقد كان في مراقبتهم بعض فائدة في الأزمنة السابقة،حيث كان الناس يميّزون بين الأمور،وكان فيهم تفرّغ للنظر في أحوال غيرهم.. والعاقل لا ينبغي له أن يُعوّل إلا على طلب مرضاة ربّه وما فيه نجاة نفسه وفلاحها في الدار الآخرة،وعلى ما فيه راحة قلبه وأنس نفسه،في غير إثم ولا دَناءة.. فالإحسان في الأعمال ــ عند العارفين المحققين ــ أهمّ من الأعمال،وذلك أن إقامة صورة الأعمال من صلاة وصيام وتلاوة،من غير إحسان لها وإتقان وإحكام لمعانيها الباطنة،وما يجب لله تعالى فيها من تعظيم وخشوع وحضور معه تعالى،تعب وعناء محض لا طائل تحته.. وهو ما يُشير إليه صلى الله عليه وسلم في قوله: “كم من قائم ليس له من قيامه إلا السّهر والتّعب، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش. وكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه”. وعندما نستعرض مصادر التصوف (قوت القلوب،والرسالة القشيرية،واللمع،والرعاية،وعوارف المعارف،والتعرف لمذهب أهل التصوف ،وكشف المحجوب،ونفحات الأنس)،في سبب تأليفها،نجد أنها كلها تؤكّد على المصدر الإسلامي الخالص لتعاليمها،واتباعها للكتاب والسنة،وأن سبب التأليف هو تصحيح الانحراف الواقع في دائرة التصوف الصحيح المحقق المتّبع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. ويقول الشيخ الشعراني في كتابه (لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية): [ واعلم يا أخي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمّا كان هو الشيخ الحقيقي لأمّة الإجابة كلّها،ساغ لنا أن نقول في تراجم عُهود الكتاب كلّها: “أخِذَ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.. ]،وقال في العهد الثاني من الكتاب: [ أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نتّبع السنّة المحمدية في جميع أقوالنا وأفعالنا وعقائدنا.. ]. ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي: [ لا تكمُل عبادة فقير حتى يصير يُشاهد المُشرّع في كل عبادةٍ عَملها ] يعني: يعملها بحضرته على الكشف والمشاهدة،لا على الإيمان والحجاب.. ويكفي أن تنظر إلى الشروط التي وضعها العارفون لمجالسة سيد الوجود والأخذ عنه يقظة،لتعلم من أي نبع يستقي القوم وأيّ درجة في الاتباع حصّلوا. _ شارباً بكأسين: الشريعة والحقيقة : الشريعة في كُليّتها تُرادف مفهوم الدين،وبذلك تجمع مقامات الدين الثلاثة وهي: الإسلام والإيمان والإحسان،أو الشريعة والطريقة والحقيقة.. الشريعة: اسم موضوع للسّبل الإلهية، مشتمل على أصولها وفروعها،ورُخصها وعزائمها،وحَسنها وأحسنها. والطريقة: هي الأخذ بأحوطها وأحسنها وأقومها،قولاً وفعلاً وصفة وحالاً. والحقيقة: هي إثبات الشيء كشفاً أو عياناً أو حالة ووجداناً. الشريعة أن تُقيم أمره،والطريقة أن تقوم بأمره،والحقيقة أن تقوم به. الشريعة: عبارة عن تصديق أفعال الأنبياء قلباً،والعمل بموجبها، والطريقة: عبارة عن تحقيق أفعالهم وأخلاقهم فعلاً،والقيام بحقوقها. والحقيقة: عبارة عن مشاهدة أحوالهم ذوقاً والاتّصاف بها. يقول الشيخ عبد الحميد التبريزي: [ من قَبل أقواله صلى الله عليه وسلم فهو من أهل الشريعة،ومن عَمل بها فهو من أهل الطريقة، ومن شرّفه الله سبحانه بتجليات أنواره ولقائه فهو من أهل الحقيقة ]. ويقول الشيخ نجم الدين الكبرى: [ التصوف ثلاث مراتب: شريعة وطريقة وحقيقة. الشريعة كالسفينة،والطريقة كالبحر،والحقيقة كالدرّ. فمن أراد الدرّ رَكب السفينة،ثمّ شرع في البحر ليصل إلى الدرّ ].. لقي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة فقال له: “كيف أصبحت يا حارثة”،قال: أصبحت مؤمناً حقاً. فقال له صلى الله عليه وسلم: “إن لكل إيمان حقيقة،فما حقيقة إيمانك؟ “، قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأظمأت نهاري وأسهرت ليلي،وكأنّي بعرش ربّي بارزاً،وكأني بأهل الجنة في الجنة يتنعمون فيها،وكأني بأهل النار في النار يعذبون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا حارثة عرفت فالزم”. يشرح الآملي هذا الحديث بقوله: [ فإيمانه بالغيب: حقّ وشريعة. وكشفه ووجدانه الجنة والنار والعرش: حقيقة. وزُهده في الدنيا وسَهره وظمؤه: طريقة. والشرع شامل للكلّ،لأن الشرع كاللوزة الكاملة المشتملة على اللبّ والدّهن والقشر: فاللوزة بأسرها كالشريعة،واللبّ كالطريقة،والدهن كالحقيقة..]. ويقول العارف محمد وفا في كتابه (الأزل): [ حقيقة الشيء: ما منه مصدر بدايته وإليه نهاية غايته،وبهِ قيومية قِيام بَقائه وحياته. وحَقّه: مرتبته التي عِلّته بها.. ]. ويروى عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الشريعة أقوالي،والطريقة أفعالي،والحقيقة حالي”،ذكره العجلوني في (كشف الخفاء). وقال بعض العارفين: [ التصوف: أوله علم،ووسطه تجربة،وآخره موهبة،وكلّه أخلاق ].هذا التقسيم الثلاثي منشؤه مراتب الناس،فهي لا تخلو من وجوه ثلاثة: الابتداء والوسط والانتهاء. فالشريعة ابتداءً،وهي للعامة،والطريقة وسطاً، وهي للخاصة،والحقيقة انتهاءً،وهي لخاصة الخاصة.. وقِس على ذلك ربط العلماء هذا التقسيم بمقامات: الرسالة والنبوة والولاية،والإسلام والإيمان والإيقان،والوحي والإلهام والكشف،والأقوال والأفعال والأحوال.. يقُصّ ابن عطاء الله في كتابه(لطائف المِنَن) قصة صلته بأبي العباس المرسي،فيقول: [ كنت لأمره (أي الشيخ أبي العباس) من المنكرين وعليه من المعترضين،لا لشيء سمعته منه ولا لشيء صحّ نقلُه عنه،ولكن جرت المُخاصمة بيني وبين أصحابه،فقلت فيهم قولاً عظيماً.ثمّ قلت في نفسي: دعني أذهب أنظر هذا الرجل،فصاحب الحق له أمارات،لا يخفى شأنه.فأتيتُ إلى مجلسه فوجدته يتكلّم في الأنفاس،ومسألة درجة السالكين إلى الله،ومدى معرفتهم به وقُربهم منه،فقال: الأول الإسلام،وهو درجة الانقياد والطاعة والقيام بمراسم الشريعة.وثانيها الإيمان،وهو مقام معرفة حقيقة الشرع بمعرفة لوازم العبودية.وثالثها الإحسان،وهو مقام شهود الحق تعالى في القلب.وإن شئت قُلت: الأول عبادة،والثاني عبودية،والثالث عبودة.وإن شئت قُلت: الأول شريعة،والثاني حقيقة،والثالث تحقّق.. فما زال يقول: وإن شئت قُلت،إلى أن أبْهَر عقلي وسَلَب لُبّي،فعلمتُ أن الرجل يغترف من فيض بحر إلهي ومَدَد رباني،فأذهب الله ما كان عندي.. ]. ويقول الشيخ القشيري في رسالته: [ الشريعة: أمر بالتزام العبودية. والحقيقة: مشاهدة الربوبية.. الشريعة جاءت بتكليف الخلق، والحقيقة إنباء عن تصريف الحق.. الشريعة قيام بما أمر،والحقيقة شُهود لما قضى وقدّر وأخفى وأظهر.. الشريعة حقيقة من حيث إنها وَجبت بأمره،والحقيقة شريعة من حيث إن المعارف به سبحانه وَجبت بأمره.. ]. ويقول الشيخ ابن عجيبة في كتابه (معراج التشوف إلى حقائق التصوف)،وهو كتاب موضوع لتعريف مصطلحات القوم من الصوفية: [ الشريعة: تكليف الظواهر.. والطريقة: إصلاح الضمائر لتتهيّأ لإشراق أنوار الحقائق عليها.. والحقيقة: شُهود الحقّ في تجليات المظاهر.. فالشريعة أن تعبُده،والطريقة أن تَقصده،والحقيقة أن تَشهده.. الشريعة لإصلاح الظواهر،والطريقة لإصلاح الضمائر،والحقيقة لتزيين السرائر.. الأسباب كلّها شَرائع،والمقاصد كلها حقائق.. ]. ذكر العارف سيدي أبو الفيض الكتاني في كتابه(سلّم الارتقاء) بأن: الشريعة (في كليّتها،بمعنى الدين) جَمعها قولنا: الشريعة والطريقة والحقيقة،وقولنا: التخلّي والتحلّي والتجلّي،وقولنا: العلم والعمل والإخلاص،وقولنا: الإيمان والإسلام والإحسان. وهو ما ذكره حديث جبريل عليه السلام،المعروف بحديث شرح الإسلام والإيمان والإحسان.. وهذا الحديث هو من معجزات كلماته صلى الله عليه وسلم،حتى إنه لو لم يرد إلا هذا الحديث لاستخرج العلماء منه الأحكام المُصلحة لقوابل الثقلين حتى يُردّوا إلى الله رداً جميلاً. فالإسلام اختص به الفقهاء،والإيمان اختص به علماء الكلام والحكماء،والإحسان اختص به الصوفية أهل الله وخاصته. وقد ذكر الإمام السيوطي في كتابه (تأييد الحقيقة العلية) بأن: نسبة علم التصوف والحقيقة إلى علم الشريعة،كنسبة علم المعاني والبيان إلى علم النحو،فهو سرّه ومبنيّ عليه. فمن أراد الخوض في علم الحقيقة من غير أن يعلَم الشريعة،فهو من الجاهلين ولا يحصل على شيء.. والحقيقة سرّ الشريعة ولَبَنُها الخالص،كما أن المعاني والبيان سِرّ النحو ولطائفُه. وهذا ما دفع المؤرخ ابن خلدون إلى اعتبار المجاهدة عند الصوفية على ثلاثة أنواع ومراتب: مجاهدة التقوى،وهي مرتبة بالشريعة. ومجاهدة الاستقامة،وهي مرتبطة بالطريقة. ومجاهدة الكشف،وهي مرتبطة بالحقيقة. كما أن هذا التقسيم استند إليه العارف عبد الغني النابلسي في مراتب أهل الشريعة،يقول: [ مراتب أهل الشريعة في الرجال من أهل الكمال ثلاث مراتب: مرتبة علماء الشريعة النبوية،ومرتبة علماء الطريقة المحمدية،ومرتبة علماء الحقيقة الربانية. أما المرتبة الأولى: فأهلها المجتهدون والفقهاء.. والمرتبة الثانية: فأهلها الصوفية،وأبحاثهم في كتب التصوف لتحصيل شريف كل حال ومقام.. والمرتبة الثالثة: فأهلها علماء الحقيقة الربانية،وأبحاثهم في كتب الحقائق لتحصيل التحقّق بالأمر الإلهي على ما هو عليه في ظهور الخلق عنه ].. والصوفي الحقيقي يتحقّق بكل مستويات الدين،وهو ما أكّده أهل الله،فمثلاً الصلاة،يقول جعفر الصادق: [ الصلاة خدمة وقُربة وصِلة. الخدمة هي الشريعة،والقُربة هي الطريقة،والوصلة هي الحقيقة ]،وكذلك الأمر بالنسبة لكل الأحكام الشرعية. ذكرت قاعدتنا المباركة: الشريعة والحقيقة،دون ذكر الطريقة،وذلك لاعتبارات عرفانية نذكر منها: أن الشريعة هي كل ما جاء به سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،من أحكام وشرائع وسنن.. وقد أجمع أهل الله أن العلم الذي لا يقتضي العمل لا يعوّل عليه.. فالعلم بالشريعة دون العمل بها،مجاهدة ورياضة،تخلية وتحلية،لا فائدة منه،ولا يؤدّي إلى الخلاص والسعادة الأبدية. ولهذا قال العارفون: [ رأس العلم: الخشية ].. فالشريعة هنا متضمنة للطريقة،تضمّن العلم للعمل في حقيقته الدينية.. كما أن الظاهر الذي لا يصدّقه ويشهد له الباطن فهو نفاق أو رياء،وكلاهما مُهلك ولا يُثمر المقصود.. وأيضاً شهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” تتضمن الشريعة والحقيقة،فكل الأنبياء جاءوا بلا إله إلا الله فقط دون ذكر الرسالة،لأنهم عليهم السلام نواب سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم. فجاءوا بلا إله إلا الله فقط،لأن الرسالة والنبوة بالنسبة إليهم أمانة أدّوها وانتهت،وأما بالنسبة لمولانا رسول الله فهما صفتان له،لهذا فهو الوحيد الذي جاء بالشهادة مقرونة بالرسالة.. وهو ما أشار إليه قوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً)،أي شرائع الأنبياء ومناهج الأولياء،فالنبوة والرسالة والولاية: من مظاهر خلافته الكبرى صلى الله عليه وسلم،وصورة من حقيقته المحمدية الأحمدية.. وهو أيضاً ما أشارت إليه الصلاة المباركة: “صاحب الشرائع الأحمدية والشريعة المحمدية”.. فلا إله إلا الله شريعة،ومحمد رسول الله حقيقة. وكذلك الاعتبار المشير إلى الظاهر والباطن،ويكفي في ذلك قصة سيدنا موسى والخضر،وقد ورد عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخضر قال لموسى: “يا موسى إنّي على علم من علم الله علّمنيه لا ينبغي لك أن تعلمه،وأنت على علم علّمك الله لا ينبغي لي أن أعلمه” أي جميعه.. وفي هذا الحديث إثبات علم الباطن الذي يقول به الصوفية،وهو مرتبط بالحقيقة.. كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أنزل القرآن على سبعة أحرُف،لكل آية منها ظهر وبطن” الحديث،وقال أيضاً: “إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم بالله،فإذا نطقوا به لم يُنكره إلا أهل الغرّة بالله”.. يقول الشيخ البيطار في مقدمة تفسيره (الواردات الإلهية)،بعد توصيفه للأنفاس التي يتضمّنها هذا التفسير: [ وأعيذها بالله من كل فاجر زنديق،نار همّته في طاعة الله خامدة عن الضرم. يُمنّي نفسه بتخيّل المعرفة،وهو ذو ورم. يُهمل الشريعة المطهرة الغرّاء، ويتشدّق بالحقيقة. ويَحيد عن المحجة البيضاء النقيّة،ويزعُم سلوك الطريقة. وهل يكون إسراء بلا ركوب البُراق؟ أو معراج لحضرة النور الذاتي مع الخوض في الظلمة والنفاق؟ هيهات هيهات،والله لولا الجدّ في طاعة الله ما سبق السباق،ولولا تحمّل المشاقّ ما حظي بالوصل العشّاق.. ومن طالع هذه الصحائف وشاهد ما أودع فيها من الأسرار واللطائف فليكن محمدي المشرب،لا موسوي المذهب. لأن سيدنا موسى عليه السلام عامَل الخضر بالإنكار،وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعلن بالاعتراف والإقرار فقال: “يرحم الله أخي موسى لو صبر لقصّ علينا من أمرهما”،وفي ذلك عبرة لمن اعتبر.. ]. وهذا يُحيلنا على الحقيقة المحمدية الأحمدية. _ مستمداً من برزخين: الأحمدية والمحمدية : أما مسألة الحقيقة المحمدية الأحمدية فهي غائصة ودقيقة ورقيقة،أشرنا إليها في الشروحات السابقة،وسنجمل القول فيها حسب سياق القاعدة المباركة وموضوعها. البرزخ هو الحاجز،ومن خصوصية الحاجز أنه لا دخول إلا من بابه ولا شهود إلا فيه ولا تجلّ إلا منه. أبرز الله تعالى من نوره حقيقة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،البرزخ العظيم الجامع،فكان حاجزاً بين المخلوقات وصدمات التجليات الإلهية.. وترتيب الممكلة الإلهية اقتضى أن الحقيقة المحمدية برزخ بين الله تعالى وبين سائر الخلائق بقوة ما أوتيت من السّراح والإطلاق في العوالم العلوية والسفلية. يقول شيخ أستاذنا قدس الله سره في استمداداته: أن أصل الكون الإلهي نقطة،وتلك النقطة النورانية برقت من الأحدية الصّرفة في الهوية،ثم إلى بساط الألوهية حيث وقع الاصطحاب بينها وبين الفيضة القرآنية.ثمّ انقسمت قسمين: قسم عُنون عنه ب”أحمد”،وقسم عُنون عليه ب”محمد”. فقام أحمد بكل المقتضيات القرآنية (ما فرطنا في الكتاب من شيء)،ونابَ عن المُلك كلّه،فصارصفة،والصفة تُسمع أوامرها وتُطاع. وجُعل محمد قالباً للآدميين،ورُصّع في أصلابهم وأرحامهم حتى انتهى الدّور وظهر للوجود الهيكلي.. وإليه أشار أبو الفيض الكتاني بقوله: [ اللوح لوحان: لوح التعيّنات الإجمالية،ولوح التعيّنات التفصيلية ].. فمعاملات الخلق كلها مع الوسيط البرزخي،وله على كل ذرّة من ذرّات الوجود نعمة الاستمداد من برزخيته،فليس في الوجود من له خاصية الحلّ والربط والنقض والإبرام إلا مولانا رسول الله. الأحمدية هي الرسالة،وقد تكفّلت بتفاصيل الأقوال،وإليه الإشارة بقوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم وما هو يقول شاعر) الآية.. والمحمدية هي النبوة،وقد تكفّلت بتفاصيل الأفعال،وإليه الإشارة بقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). فسيدنا محمد هو النائب القولي والفعلي عن الألوهية،وسرّ الألوهية ظهر فيه وبه،إذ الاصطحاب مع أسماء الله تعالى ومع الفيضة القرآنية خوّل له ذلك.. الرسالة أحكام وحِكَم،إيمان وإحسان. والنبوة أسرار وأنوار. الرسالة كمُلت بانتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى (اليوم أكملت لكم دينكم)،أما النبوة فعلى الكون شاهدة وله ناظرة،لها القيومية والخلافة والمراقبة،وهي المُعرّفة بالله والقائمة على إيصال نور الإيمان إلى كل قلب مؤمن. والسّقي حاصل للكل من الحقيقتين،الأحمدية والمحمدية،يقول العارف أبو الفيض الكتاني في الخبيئة: [ في مدّة غيبة الجسم المحمدي عن هذا العالم،كان المُفيض على دوائر الأنبياء والرسل والعوالم جداول هذه الحقيقة الأحمدية.. فيلزم أن الحقيقة الأحمدية وقع السّقي منها،ويلزم أن السُقاة منها أكمل من غيرهم..ولما فات الأنبياء والرسل السّقي من المحمدية في عالم الشهادة،أعني في الحياة المتعارفة تمنّوا الكون من هذه الأمّة،أي من عصر الصحابة،ليتمّ كرعُهم من بحر الحقيقتين الأحمدية والمحمدية. ولأن قوابل الخلائق واستعداداتهم لم يظهر إلا ببعث الحقيقة المحمدية،وهي مظهر التفصيل،ولذلك أوثرت بالإرسال العام للجمهور. وكانت الأحمدية، مظهرالإجمال،بمثابة مبادئ الوحي وأوائله،لأن أول صدمات الوحي تأتي مُجملة على عادة التجليات العظمى،ثمّ بعد الوعي يكون البيان والتفصيل،وهو قوله تعالى: (فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه ثم إن علينا بيانه).. ولما برزت الحقيقة المحمدية لهذا العالم،أول من سُقي منها في عالم البرزخ دوائر الأنبياء والرسل،فلم يأت الصحابة الكرام على رأس الأربعين سنة حتى حصل الريّ الأكبر والأكمل لجانب الأنبياء والرسل،ولكن محطّ التمنّي من الأنبياء والرسل هو السّقي من الجسمانية المحمدية في عالم التعارف،فلذلك وقع الأسف،فاعقل.. ]. والسّقي من الأحمدية أقوى وأرقى،ومشرب الأحمدية من المشارب المفضّلة الصافية،ومقام البدَل من أصحابها يعدِل مقام القطب من غيرها،كما قال شيخ أستاذنا قدّس الله سرّه.. وهذا من خصوصية مشربنا المبارك. وبالإجمال كما يقول شيخ أستاذنا رضي الله عنها: [ ليس هناك إلا الصفة والموصوف بها،أي ليس إلا “أحمد محمد”.. وهذا ما هو مقرّر عند العارفين بالله في كلمة التوحيد،وهو على ثلاثة: توحيد علماء النقل: يرون أن الرزّاق هو الله،والمُعطي والمعزّ والمذلّ هو الله. توحيد أهل الخواص: يرون أن الكون كان ظُلمة فاستضاء بنوره صلى الله عليه وسلم. وتوحيد المقرّبين: لا يرون في الكون إلا “أحد أحمد”،واكتفوا بالصّفة حيث إنها هي الخالدة بين الناس والمُمَثّل فيها الأمر والنهي إجمالاً وتفصيلاً.. ]. والمساواة بين الصفة والموصوف (أي بين الأحمدية والمحمدية،او بين الروح الكليّة والجسم الكلّي) حاصلة في الاصطحاب،قبل القبل،وهو قولهم: [ لون الماء لون إنائه ].وبسبب الاصطحاب حصلت التخفيفات والتسهيلات وتضاعُف الأجر.. فاعرف قدر نبيّك،ولا تكن من الجاهلين. _ لهم البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة : سياق الآية الكريمة يربط البُشرى بأولياء الله تعالى،يقول الحق عز وجل في سورة يونس: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتّقون لهم البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة).. والوليّ هو: شخص عارف بالله تعالى وبمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن،تابعاً لسيدنا محمد في الأقوال والأفعال والأحوال،مُلازماً للعبادة الصورية والمعنوية،مُجتنباً للمعاصي ظاهرها وباطنها،مُحترزاً عن اللذات والشهوات. ولا يشترط في الولاية الكرامات والخوارق،بل يُعتبر فيها الاستقامة في الدّين.. وهذا التعريف المُجمل هو ما ذكرته القاعدة من أركان وصفات،بحيث من تحقّق بها كان من أهل الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون،وأثمرت له السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.. وهو ما أشار إليه الحق عز وجل في سورة الواقعة بقوله: (فأما إن كان من المقربين فرَوْحُ وريحان وجنة نعيم).وهو ما نجده في تفاسير العارفين،الجامعين بين الظاهر والباطن،بين الشريعة والحقيقة،فمثلاً يقول الشيخ نجم الدين الكبرى في تفسيره القيّم (التأويلات النجمية) في معنى قوله تعالى: (لهم البُشرى في الحياة الدنيا): أي المُبشرات من الوقائع التي تُرى بين النوم واليقظة،والإلهامات والكُشوف،وما يرد عليهم من المواهب والمشاهدات،كما قال صلى الله عليه وسلم: “لم يبق من النبوة إلا المبشرات”.. (وفي الآخرة) بكَشْف القِناع عن جمال العزّة عن سَطَوات تجلّي نور القِدَم وزُهوق ظُلمة الحدَث، وليبقوا بإبقاء الحق رحمة منه كما قال الله تعالى: (ويُبشّرهم ربّهم برحمة منه).. اهـ. وكذلك نجد نفس المعنى عند الشيخ إسماعيل حقّي في تفسيره المشهور (روح البيان)،وقد نقل من تفسير التأويلات الكثير.. ويقول الشيخ إسماعيل حقّي: [.. يحصُل لهم جنات القُربة مُعجّلة من بَذْر الإيمان الحقيقي،وأعمالهم القلبية الصالحة والروحية والسرية بالتوحيد والتجريد والتفريد من أشجار التوكل واليقين والزهد والورع والتقوى والصدق والإخلاص والهُدى والقناعة والعفّة والمروءة والفتوة والمجاهدة والمكابدة والشوق والذوق والرغبة والرهبة والخوف والخشية والرجاء والصفاء والوفاء والطلب والإرادة والمحبة والحياء والكرم والسخاوة والشجاعة والعلم والمعرفة والعزّة والرّفعة والقدرة والحِلم والعفو والرحمة والهمّة العالية،وغيرها من المقامات والأخلاق تجري من تحتها مياه العناية والتوفيق والرأفة والعطفة والفضل. ]. إلى هنا تنتهي بنا الرحلة في شرح القواعد المباركة من خريطة السلوك العرفاني لأستاذنا سيدي محمد بن المبارك حفظه الله.. وهذه القواعد من سنخ أنفاس العارفين وحكم الصالحين،كل واحد وضع خريطته التربوية بحسب قامته ومقامه وتجليات عصره،ولا يأتي الزمان إلا بالأرقى والأنفس،فالتجليات في ترقّ دائم بلا تكرار،كرماً وجوداً ووُسعاً إلهياً من ربّ رحيم ورسول كريم.. لهذا كان يكثر شيخ أستاذنا قدس الله سره عبارة: “والمنّة للبرزخين،والمنّة للبرازخ الثلاث” أي: الألوهية والحقيقة الأحمدية المحمدية.. ولو عاد بنا الزمان إلى الوراء لكان شرحنا مختلفاً،كماً ونوعاً، فالمادة المعرفية والعرفانية متوفرّة بلا حصر،والشارح قارئ عاشق، خصوصاً والإذن من أستاذنا حفظه الله محقّق،ما يسمح بمواصلة البحث بالساعات بلا ملل ولا كسل،بل بمحبة وشغف.. فمثلاً نجد الشيخ أحمد زروق: كتب ستة عشر تعليقاً على الحكم العطائية،الكامل منها إحدى عشر.. ونجد العماد الأصفهاني يقول: [ إنّي رأيت أنه لا يكتُب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غَده: لو غُيّر هذا لكان أحسن،ولو زيدَ كذا لكان يُستحسن،ولو قُدّم هذا لكان أفضل،ولو تُرك هذا لكان أجمل.. وهذا من أعظم العِبَر،وهو دليل على استيلاء النقص على جُملة البشر.. ]. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد نبي الله،وعلى الزهراء بضعة رسول الله. العارف بحقائق التصوف العرفاني استاذ رشيد موعشي
حصل المقال على : 304 مشاهدة