صلاة نون،السر المكنون
والجوهر المصون
اللهم صل على سرك المكنون،وجوهرك المصون،الممدوح في ن.البرزخ الفرد الجامع لمكنونات احاطة علمك في عرش اسمائك وصفاتك،ونورك البرق اللامع،الذي حجبت به اعين المحبين عن ادراك مثال حقيقته وسلم
هذه الصلاة ارسلت الي من طرف احد الاخوان المصريين، وطلب مني شرحها،ويقول انها صلاة اعطاه إياها مولانا الحسين بن علي رضي الله عنهما
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله الذي خلق حبيبه سيدنا محمدا،نورا من صفة الأحدية،وألبسه حلل الأسماء الإلهية،وتوجه بتاج الإصطحاب في بساط الألوهية،مع الفيضة القرءانية،وسَطَّر الحُكم في بساط الرحمانية، وأرسله خليفة له،وقائدا لكل الدوائر الملكية والملكوتية،مراقبا لكل الخبايا والخفايا الوجودية،وأخرج الوجود من العدم ،وأناط ظهوره بالتجليات الإلهية،وبمراتب وحضرات الحقيقة المحمدية ،وصلى عليه وملائكته، وأمرالمؤمنين بالصلاة عليه والتسليم. وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،لايحده المكان،ولايقله الزمان، لاتدركه البصائر ولا الأبصار،ولا يصله كشف وإلهام النظار. وأصلي وأسلم على سيدنا ومولانا محمد،أحدي الذات،واحدي الصفات، المخصوص بالمحبوبية الكبرى،والخلافة العظمى، وبقاب قوسين أوأدنى، العبد الحقاني الدائم ،والوسيط البرزخي الحاكم، والنبي النورني الخاتم، وعلى اله صحبه وسلم
اللــهــم صــل
نحن نطلب من الله،ان يصلي على النبوة المحمدية،لأننا عاجزون عن معرفتها،فالحق تعالى أخبرنا أنه رفع ذكرها،ومن رفع الحق تعالى ذكره كيف يُدرك كنهه،وكيف تعرف حقيقته”ماعرفني حقيقة غير ربي”. فلا شك ان صلاة الله على النبوة خير للعباد،والقرءان احاط بكل شيء، قال تعالى ﴿مَّافَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾والشيء أنكر النكرات،فصلاة الله على النبي هي ذكره ومدحه،والتنويه به واخباره،ورفع الحرج عنه، وتنزيهه كي لا يعبد من دون الله. صفات وردت بالقراءن إما تصريحا أو تلميحا، بالإشارة أو بالعبارة. هي صلاة على المحمدية بالأحمدية،وهو ثناء عليها، وهي صلاة بالنعوت والصلاة بالنعوت تفوق غيرها،وتطوي المسافات، والنعوت كلها أوصاف باطنية من القرءان.
على سرك المكنون
هو سرمكنون،لأنه برز من الصفة الاحدية،التي لاتجل بها،ولامقتضى لها في الكون الالهي. هو سرمكنون لأنه لبس حلل الاسماء الالهية. هو سر مكنون لأنه طرف فعال في التجليات الالهية ،فلا خروج من للأشياء من الوجود العلمي الى الوجود العيني إلا بوساطته،ولله الغنى المطلق. وهو سرمكنون لأن حضراته سارية في ذرات الوجود،سريان الماء في الأشجار،وسريان الألف في الحروف،وسريان الواحد في الأعداد،ولو فقد سريانه ذرة من ذرات الوجود ،لصارت محض عدم. هو سر مكنون لأنه حقيقة الحقائق الكلية،التي تستمد منها كل الثوابت الكونية،واليقينيات الملكية والملكوتية. فأول من استمد منه البضعة الزهراوية ،بَضْعة، أي قطعة لحم.بَضعة مني أي جزء مني.وهوصلى الله عليه وسلم نور،ومولاتنا فاطمة جزء منه، فهي جزء من نور،وبالتالي فهي نور،ونورها جزئي، وذاتي لهارضي الله عنها.فالنبوة سر مكنون،والزهراء سر مكنون،لأنها جزء من هذا سر النبوي،وأعظم كنية لها هي:”أم أبيها” التي كان يناديها بها صلى الله عليه وسلم،ويقول: مرحباً بأُم أبيها.فكان يحبها لأنها ابنته، وأمه،وبَضعة منه، فهي أم ابيها،وأم ولديها.فالحسن والحسين بضعة منها، وسر مكنون من اسرار النبوة. قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الحسن والحسين: “هُما رَيْحانتايَ مِن الدُّنيا”.وقال فيهما “هذان ابناي فمن احبهما احبني ومن بغضهما بغضني”،وقال في الحسن رضي الله عنه” إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به فئتين من المسلمين”،وقال في حق الحسين “حسين مني وأنا من حسين احب الله من احب حسينا”. وورد في حق ال البيت اية التطهير(انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا). وحديث الكساء:واصحاب الكساء هم النبي صلى الله عليه وسلم ،وفاطمة الزهراء رضي الله عنها،وعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه،والحسن والحسين رضي الله عنهما.وهذا الكساء هو دائرة الفردانية،ومقام الخصوصية،والقرب والمعية،وهو اعلى مقام في البشرية.
وجوهرك المصون
الجواهر تستخرج من البحر،وهو صلى الله عليه وسلم،مَحْتِدُّه من بحر الاحدية،فكان مصونا عن الادراك،فمراتب المحمدية لاتعد وحضراتها لاتحصى،والاحاطة بها مستحيلة(وتراهم ينظرون اليك ولا يبصرون) استتر عن الابصار بنوره،واحتجب عن البصائر بظهوره،فحقيقته جوهرة وجوهرية في الكون الإلهي. ولله در ابي العباس المرسي الذي يقول: ومن وجه ليلى طلعة الشمس تستضى=وفي الشمس ابصار الورى تتحير وما احتجبت الا برفع حجابها=ومن عجب ان الظهور تستر فهو سرالكون ومبدأه، ودليله،وقائده، وشهيده، وشفيعه. فظاهره ناسوتي،وباطنه لاهوتي، وفي حقيقة الامر(صدِّقني)،ان الظاهر كذالك لاهوتي. قال بلبل الحضرة ابن الفارض رضي الله عنه اشارة الى هذا المعنى: ولطف الأواني في الحقيقة تابع●للطف المعاني والمعاني بها تسمو الاواني هي ظاهره الناسوتي وهو تابع للباطن اللاهوتي.
قال الراوي“من رآه بديهة هابه”،أي أجله وعظمه وخافه، لِمَا ألبسه الحق سبحانه من جلال هيبته،وتوجه بتاج خلافته.لم يكن له ظل، لأن الظلال تابعة للأنوار،وهو نور،فلم يكن له ظل حتى لايكون تابعا لشمس،أوقمر، فهومتبوع،لاتابع،وهونورالأنوار.ولم يكن له ظل حتى لاتطأه الأقدام، وحتى لايرتسم على الأماكن الممكن أن تكون بها نجاسة.ولم يكن له ظل لأنه هو ظل الله في الأرض،والكون ظله.كان صلى الله عليه وسلم يرى من خلف كما من أمام،ويرى بالضوء كما بالظلام” إني لست كهيئتكم ” فالذات المحمدية محيطة بكل كمال حقي وخلقي،مستوعبة لكل فضيلة في الوجود صورة ومعنى،حُكما وعينا،غيبا وشهادة،ظاهرا وباطنا.
الممدوح في ن .
نون هو القرءان الكريم .نون=106(بحساب الجمل) أي أحمد 53 مكرر، فالقرءان الكريم كله مدح له إماتصريحا(وإنك لعلى خلق عظيم) فمن عظمه الله العظيم،لا شك انه عظيم.(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)أو تلميحا،أو تنزيها كي لا يعبد من دون الله(لإن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) وسترجلاله بين﴿نٓۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا يَسۡطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ﴾وبطن جماله فِي﴿وَتَرَىٰهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ وَهُمۡ لَايُبۡصِرُونَ﴾وأظهر كَمَالُهُ فِي﴿مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُوَمَا طَغَى﴾حيث لا زمان زلا مكان ولا اين ولا آن.مازاغ البصر وماطغى ،لأن الامورعادية بالنسبة له.
البرزخ الفرد
هو صلى الله عليه وسلم برزخ نوراني حقاني بين حضرة الربوبية والمربوبين،وهو فرد أي نظيرله،والفردية فلا تكون إلا بعد وجود الثاني،وفي حق رسول الله، الثاني هو الكون وأهله. انفرادعليهم بصفات ليست فيهم ولا لهم،ويكفي أن من رآه فقد رآى الحق، وأنه الوحيد في الكون الإلهي الذي يصلي عليه الله وملائكته وجميع العوالم الملكية والملكوتية.وهوقريب من رب العزة.فلا يوجد في القرءان خطاب بينه وبين ربه.وهوخاتم النبيئين فلانبي بعده.
الجامع لمكنونان احاطة علمك في عرش اسمائك وصفاتك
هذا العبد النوراني الذي سماه الحق تعالى في أزليته ”محمد”يعرف كل شيء،هو المعرِّف والمعَرَّف،أوتي علوم الاولين والاخرين،وحدث اصحابه بما يكون الى قيام الساعة،قال له تعالى(وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَايء إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً)ويجب الاشارة الى أنه عندما لاتستطيع اللغة العربية حمل معاني القرءان،فالقرءان يتركها ولا يلتفت لها،فالأشياء معروفة عند حقيقته، وتخرج تدريجيا من وجود علمي الى وجود عيني،لذا خالفت كتابة [لشايء] اللغة العربية،كما كتبت فاعل ثابتة الألف،لأنه هو الفاعل. فما ظنك بمن الصلاة عليه تظهرالمقتضيات،وفي مقدمتها العلوم اللدنية، وتقدم التكنولوجية،والابداعات والاختراعات،أيكون جاهلا بصلاة الله عليه ؟ وهل قائد الكون يكون جاهلا بما يجري في الكون؟،وكل العلوم تظهرها تجليات الاسماء الالهية،وهو صلى الله عليه وسلم ملتحف بأردية الاسماء، ومصطحب معها في كل تجل،ولا يوجد علم بدون معلوم. ولا تكرار في الجود وان ظهر في الشهود( كل يوم هو في شأن).
ونورك البرق اللامع
البرق من أسماء الحقيقة المحمدية عند العارفين. البرق هو ذالك الضوء المبهر الذي له خاصية الظهور والإختفاء بسرعة فائقة.ومن معاني البرق التلغراف،وتعني باليونانية الكتابة عن بعد،وهو نظام لنقل الرسائل من نقطة معينة لمسافات طويلة،وذلك باستخدام رموز.وهذا التشبيه في غاية الدقة،فحقيقته ظاهرة وباطنة،كما أنه صلى الله عليه حتى في ظهوره يُرى بحسب ما يريد أن يُرى هو،لا بحسب نظر الرائي، ومن هنا جاء اختلاف الصحابة في وصفه﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَيُبْصِرُونَ﴾لايبصرون حقيقتك،وجاء اختلاف العارفين فيما بعد،وهي الناقلة(أي حقيقته)لرسائل ربانية أي التجليات الإلهية،التي بُرمج الكون وفق مقتضياتها،فهوالواسطة في كل شئ. هو نورلامع،كان قبل القبل،قال تعالى﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُم رَسُول مُّصَدِّق لِّمَامَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُۥقَالَ ءَأَقرَرتُم وَأَخَذتُم عَلَىٰ ذَٰلِكُم إِصرِي قَالُواْأَقرَرنَا﴾أخذ الله تعالى له الميثاق،من الانبياء عليهم السلام،للإيمان به ونصرته،والإقرار برسالته،والحق تعالى معهم من الشاهدين،وهو موجود بحقيقته. وهونوربعد البعد،لأنه نورالله،ونورالله لايأفل.كان في الأمم السابقة، يظهرويختفي،أما في الأمة المحمدية فدائم الظهور،يراه من فتح الله بصيرته ومن هنا قال المرسي رحمه الله “لوغاب عني رسول الله طرفة عين ماعددت نفسي من المسلمين”. فهو نورلامع،أرسل الى الخلائق كلها﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا﴾.قال تعالى﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاًغَلِيظاً﴾وذكره قبل أولي العزم من الرسل،وهذا يعنون عن أقدميته.فهو أول الخلائق. أورد ابن سعد في طبقاته قوله صلى الله عليه وسلم ”كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث ”وقوله “أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر” (أورده العجلوني)”. فالكون مُضيىء بهذا النورالذي هو حقيقته والكل ارتشف من نورالنبوة، والتي هي مبدأ للظهورالكوني،فصارت الكائنات عارفة بربها عابدة له﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾فهو صلى الله عليه به،مركز الوجود، فلولا سريان نوره في دوائرالوجود ما صح لها وجود. ولا سجود،ولا معرفة الرب المعبود[لولاك لولاك ماخلقت الأفلاك].
الذي حجبت به اعين المحبين عن ادراك
مثال حقيقته وسلم
المحبون له،المقربون منه،من ال بيته الكرام،ومن الصحابة الافاضل،ومن أولياء أمته العارفين،المصدقين بحقيقته والموقنين ببرزخيته،لم يدركوا الا النزر القليل من مراتبه،فكيف بمن غيرهم . حتى الملأ الاعلى أقروا بالجهل بمراتب النبوة (لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًامِنَ الأوَّلِينَ لَكُنَّاعِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ). قال الصديق الاكبررضي الله عنه “العجز عن الإدراك إدراك”. قال ابن مشيش قدس الله سره :لم يدركه منا سابق ولا لاحق (سابق من الأنبياء ولا اللاحق من الأولياء). قال أحمد التجاني رحمه الله: أنه صلى الله عليه وسلم سارٍ في جميع الموجودات،سريان الماء في الأشجار،لاقيام لها بدونه،كما أن هذا السريان لامطمع للعقل فيه،فما أدركتها أكابر الملائكة،ولا أكابر الأنبياء والمرسلين، ولوفقد سريانه صلى الله عليه وسلم في ذات من ذوات الأكوان ،لصارت محض عدم.اهـ. اصطفاه الله تعالى برزخا عظيما، حاجزا بين الربوبية والمربوبين. فالخلائق موجة في بحره،وقطرة في يـَمِّه،وليس هناك من يوازيه لا أصلا ولافصلا. وصدق البوصيري رحمه الله :
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى●للقرب والبعد فيه غيرمنفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد●صغيرة وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته●قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فـيه أنه بشـر●وأنه خـيرالخـلق كلهم
فمبلغ العلم انه عبد من عباد الله،والعبودية أعظم مقام للنبوة المحمدية. تم شرح هذه الصلاة وسميتها(صلاة نون،السر المكنون والجوهر المصون) وصلى الله على سيدنا محمد نبي الله ،وعلى الزهراء بَضعة رسول الله،وعلى اله وصحبه. محمد بن المبارك 22غشت 2023 الموافق 7 صفر 1445.