العروش الإنسانية في معرفة التجليات الرحمانية وكشف أسرار المشارق اللاّهوتية
ملخص
المؤلف: سيدي محمد وفا. معنى العرش:خلق الله تعالى “العرش” أرباعاً،قدرة منه وإتّساعاً،وكل عرش بنفسه وحضرات مُلكه وأنسه مثلّث الكيّان،مربّع التركيب. _ العرش الأول: هو “عرش الطباع”،وبما فيه من أفلاك وإتّساع مربعه الماء والأرض والهواء والنار،ومُثلّثه المعدن والنبات والحيوان،وحاكمه الرباني ومُدبّره الكيواني هو “آدم” قد إجتمع له كل مُفترقه وتَحكّم في مظاهره وعُمقه. وبما فيه من بطانات أرضيات وأنفُس فَلكيات يُقال عنها المثليّة أو المُتشابهة الوَصفيّة،مَلَكية وجانيّة،وإنما هي ظلّ ما وراءها وإنبساط خَيال ما فوقها،كل ذلك من حكمة التداخُل والتوالُج،وليكون كذلك سنة الترقّي والمعارج. العرش الأول: له سبع أرضين أجسام،وسبع سماوات أجرام. وتُسمّى أرضه ب”السوداء”،وسماؤه ب”الزرقاء”. وحُكامه الحواسوالمشاعر. وأملاكُه (الألوان والأصوات والأذواق والأطعام والمَلاذّ والآلام والحركات والسكون)،وما وَسموه ب”الأعراض” علماء الرسوم (سبحان ربك رب العزة عما يصفون).
_ العرش الثاني: هو “مَلكوت الخيال” في الذهن والبال،وما جمع من أشباح لطيفة وأقويّة شديدة وضعيفة. ومربّعه: الفكر القوى المفكرة)،والذكر القوى الذاكرة،والحفظ القوى الحافظة،والخيال القوى المُتخيّلة. ومُثلّثه المَلَك والجان والشيطان. وهذا أي: العالم الخيالي هو الذي يتجلّى في مرآة التقديس،وطَوراً في مظاهر التّغليظ والتّلبيس. وكان حاكمه الأعظم ووجهُه الأنْزَه الأكرم الأمين جبريل صاحب التنزيل والتفصيل،وبما إنْفَهق عنه من ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل تَعرّف في تنزيله وتَنكّر في تأويله وصلصل في بُطونه وتَمثّل في تشكيله وظهوره. العرش الثاني: له سبع أرضين أشباح،وسبع سماوات أفلاك.وتُقال لأرضه “الخضراء”،ولسمائه “الحمراء”. وحكامه الأملاك الأربعة جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وأملاكه الفهم والهمّ والإلهام والذّوق والصدق والشوق والإختيار والشهوة،وكل ذلك أيضاً مما أطلقوا عليه “الأعراض” بتوهّم الأغراض (وسبحان الله وما أنا من المشركين).
_ (العرش الثالث): هو “عالم الأمر وموضع تَنزّل ليلة القدر”. وهو حضرة الشهيد وكنوز ذخائر التوحيد. ومربعه الأرواح الأربعة المجردة المطلعة،الباقيات الصالحات (سبحان الله،والحمد لله،ولا إله إلا الله،والله أكبر). ومثلثهم: الإرسال (الرسالة)،والإنباء (النبوة)،والولاء (الولاية). وخطه المستقيم وحاكمه السميع العليم (الإنسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم)،وهذا هو الواجب لغيره والموجب به سواه (لا إله إلا الله محمد رسول الله). العرش الثالث: له سبع أرضين أنوار،وسبع سماوات سُرادقات. وتُسمى أرضه “البيضاء”،وسماؤه “الصفراء”. وحُكامه (أولوا العزم من الرسل) والأرواح المقدّسة الأول وهم (الصدق والإخلاص واليقين والكشف). وأملاكه (الإيمان والتسليم والرضا والصبر والهمّة) وأمثال ذلك مما لا يعلمه إلا هو كما قال تعالى (وما يعلم جنود ربك إلا هو)،والحادس معتقد في الصادر والوارد إن طابَق فصحيح وإلا ففاسد (وإن من شيء إلا يسبح بجمده) (وما يعلم تأويله إلا هو) والحمد لله.
_ العرش الرابع: هو “عرش الإيجاب والوجوب وغاية كل مطلوب”. منارة الأنوار،ومرآة سريرة الأسرار،ومشكاة التقديس والتنزيه،ومظهر حق الترتيب،وغيب حقيقة التأليه. ومربعه (الأول والآخر والظاهر والباطن). ومثلثه (الأسماء والصفاتوالأفعال). وحاكمها ومالكُها والمحيط على دوائرها ونُقطها والمُتصرّف في غيوبها وظواهرها،مُفيض آزالها على آبادها: (الرحمن) عزّ إسمه وعظُمت قدرته وجَلّت عظمته. وبما كانت الخلفاء الذين تقدّم ذكرهم (في العروش الثلاثة السابقة) وطُويَ في حجاب الوَهْم نَشرُهم،وهم (آدم والمَلَك والإنسان) حُجُب لتجليات الرحمن (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)،في كل حجاب أبهى ومقام أعزّ وأسنى،ثمّ (إلى ربك المنتهى). العرش الرابع: به سبع أرضين حُجُب عزّة ومَنعة،وسماوات آفاق ذوات رفعة. وحُكامه (الفردوالواحد والأحد والوتر). وأنواره (البقاء والفناء والإحاطة والإستغراق والإستيلاء والإستواء والتجلّي والبَهاء والجمال والكمال والوجود) وغير ذلك مما لا يُحصى ولا يَنفد ولا يُحصَر ولا يتعدّد (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد).
_ وبما تَربّعت الأربعة في الوجود بالشيئيّة وفي الهو المطلق بالعَينيّة،تنزّلت الحياة القيّوميّة في أعماقها الكُلية والجزئية،وتجلّى العلم لتفصيل مراتبها وتمييز حُكمها ومَذاهبها وتَنْوير ظُلَمها وغَياهبها،وعَمّر الدّهر بالبقاء،وحَكم الزمان بالإنقضاء والإنتهاء،وتربّع الزمان بحُكم الكور وقَضى بسفرات ودور ووقت وقدر،وكَيّف العقل وصَوّر،وحَذّر الإلهام وأنْذَر.
==إعلم أن الجنة التي كان بها آدم قبل النول الجسماني هي الأرض الخضراء (أرض الخيال) بطانة الأرض السوداء،وهي أرض سائرة سابحة ونامية وطائرة،هي روحانية هذه الأرض وبطانتها ونورها وزكاتها وكراماتها،وفيها كان آدم قادراً على التشكّل والتمثّل. وبما كان صمداني الذات،رحماني الصفات،إنساني التجليات،مَلكي التخيّلات،آدمي التجسّمات والتعيّنات ــ كان مُستوياً على هذه العروش والأفلاك،مُتحكّماً في الأرواح والأشباح والأملاك..
واعلم أن الأسماء هي صور الأشياء،ومُسمياتها عين ذواتها،وهذه الذّوات المُسميات صفات لأسماء إنسانيات،وتلك الأسماء الإنسانيات صفات لذوات رحمانيات كذلك إلى حيث ينتهي الذكر وينطفئ سراج الفكر. ولما كان التجلّي الرحماني على المُستوى الإنساني،ثُمّ المستوى الإنساني على المهاد الروحاني في الإستعداد الآدمي والرضواني ــ إستغرقت الأعالي الأداني،وإنفقهت الأرواح على الأواني،وظهرت المُسميات في أسمائها،وتَجلّت جميع الحُجب بأربابها،فلم تَر إلا عَرشاً ومُستوياً ومُلكاً ومُستولياً. هذا وقد تجلّى الجبروت من خلف حجاب اللاّهوت في مهاد بساط الرّحموت،وتَقدّم الجلال في كَتيبته فدَهشت الناظر،وتجلّى الجمال في حضرته فتبهّجت أبصار البصائر،وتطلّع الكمال من تحت أعلام الأعلام في رؤساء مملكته وقادته فإتّحدت البواطن والظواهر وتبهّجت الإعلانات والسرائر. فلم تر إلا ربّاً قادراً،وعبداً ساجداً صاغراً.
==دقيقة شريفة وسريرة لطيفة: ما أعلن مُعلن بالسجود إلا وكان في باطن الأمر له مَسجود،فكل عابد معبود وكل قاصد مقصود وكل والد مولود.
==إعلم أن مبادئ التأثيرات من الأرضيات في البطانات الآدميات إلى السماوات (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه)،ثُمّ يَنفهق من السماويات إلى الأفُقيات إلى الظاهريات التعيّنيات،فيحسب الوهم أن الرب مربوب،والأمر أبداً على هذا الأسلوب،ومن هنا عُبدت الأصنام وتوجّهت الأجسام للأجسام وخضعت النفوس للنفوس،بحسب قوة التأثير في الدّبير والتّدبير في التّسخير. كان كل ذلك قبل أن ينزل العالم الروحاني إلى أفُق الشّبحي الجسماني.. ولا يزال الحق يأتي في ظُلَل من الغمام،وينزل في ظُلم من سدف الأجسام،ويتّضح بالزمان والأيام،ويرتفع بالكشف الحجاب (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله)..
==إعلم أن إبراهيم عليه السلام هو من أسماء الله تعالى،ووجه من وُجوه حُجُبه الكرام. كان أول من نزلت له الصحُف والكُتب، وإنجلى له الملكوت في صور الحُجب،فأصّل وفَرّع وأحكم وشرّع،لأنه أول كلمة من الكلمات التي ألقيت على آدم وأول نعمة نزلت من حضرة العالَم للعالم،ولها ظاهر وباطن: فباطنها الكلمة السريانية والرقيقة الإلهية العرفانية،وهو الإسم المُنفهق عن الإسماعيلية في الصحيفة العربية حتى إلى البرازيخ الأخروية يكون أول ظهورها وإشراق أسفار نورها. وظاهرها الكلمة الإسرائيلية ظهرت في الكتب الأعجمية حتى النفخة العيسوية والكلمة الختامية،وبما كانت هذه الكلمة الظاهرية هي المرادة في ذلك الوقت ولها الإشارة في ذلك الزمان هذا من حيث تعيين الأعيان ومطالع شموس الزمان لا من حيث بطون الأسرار وغيوب الأنوار خَلف غياهب الأستار،وتمّت هاجر وسارة أحكام هذه الإشارة وأخذ كل سالك على طريقه وإنتهى كل مُفارق إلى فريقه،وستجمعهم الحكمة الأزلية والحيطة الأحدية (ليوم لا ريب فيه) وهو الزمان الأحمدي والوقت المحمدي (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود).
==(فلما بلغ معه السّعي قال يا بنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك): وهذه غَيْرة على الولد حيث إنتقل إليه الأمر وسَرى فيه السرّ،لا على من خلا عنه وأستُخرج منه،وكان الذّبح إشارة إلى أحكام الطهارة. وبما كانت الصورة منامية لأن (الناس نيام فإذا ماتوا إنتبهوا)،وبما كان في إبراهيم من صورة الحيوان وتحصيل أقويّة الأكوان،خَشى على البيت الأحمدي والمقام المحمدي من فحاشة الشرك وخيانة الشكّ والإفك،ولذلك حرّم الدم والميت (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والرّكّع السجود).. فلما تمّت الطهارة القلبية ونفذت الحكمة الإلهية في الأبية والإبنيّة،ونزل الكبش لإتمام حكمة الظاهر وإحكام إمتثال الأوامر ولتكون هذه المنّة فرض وجوب وسنة. وبما كان نهاية الأكوان الآدمية مجتمعة في عين الحيوان،مُتناهية في ذلك الزمان في عين الإنسان، كانت هنا هي الصورة (النفس الحيوانية في الإنسان) المذبوحة والنفس الدموية المسفوحة. ومن هنا تفهم أسرار الحكم وتوالُج الأمم في الأمم،وبما بَقي في إسرائيل أثر من أثر هذا الحيوان قال في موسى بلسان الإنسان: (يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم).
واعلم أن العجل الحَنيذ الذي قرّبه إبراهيم الخليل للأضياف المُكرمين الطيّبين الطاهرين،هو عجل السامري بالتّبيين والتّعيين،والروح التي إنتقلت عن ذلك الجسد التي خارت في هذا الجسد. وبما تمنّعت الكرام عن الضمّ إليه والإلمام،ولذلك سُمي بالإله (فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي) وليس هو إياه،ولكن “الفكر إذا تاهَ إتّخذ إلهه هَواه”.
وبما كان الإعلان بالإذن،بعد طهارة البيت وإحكام البُنيان وإستجابة الأرواح من بواطن الأزمان،شيباً وشُبّاناً ورجالاً ورُكباناً،وكل أجاب المُنادي من غيب النادي وأتى إليه ساعي من أفُق الدّاعي. وبما كان العين (إبراهيم) الجامعة من كل روح سامعة مُطيعة خاشعة (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين). وكان هذا الأذان من سرّ النداء وفتح باب الدعاء في باطن الغيب الملكوتي وظاهر السرّ الجبروتي،وهو من سرّ صيحة الحشر ليوم النّشر. فما أعجب شهود الأنوار لمشاهدة الأبصار،وما أبطن خفايا الأسرار في قلوب الأحرار.
==(لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون): وبما وَحّد إبراهيم وأفرد ربّ الملكوت وما أشرك وما ألحد،لأنه كان حنيفاً مسلماً تَبرّأ من الشمس والكواكب بحيث إستشعر أن الحق فيهم إسْتَتر لا بهم ظهر،خرج عن الصور ونزّه الخواطر والفكر،حَمد له ربّه صنيعه وشَكر،وأسبغ عليه فضله فإستمرّ حتى إلى يوسف وهو من عروش مملكته وكَراسي عزّته وأسماء حُجب ربوبيته،أسجد له الكواكب والله على أمره غالب
==(قميص يوسف): إعلم أن القميص الذي جاء به البشير وردّ بصر البصير،كان من الثياب التي تجرّدت عند النزول (نزول آدم) وإنخلعت من الآكل على المأكول (شجرة آدم صارت محلاً جامعاً لهذه الأثواب). وهي من خِلَع الأمانة وبرد الصيانة،وما كان سرّ البُكا والحُزن والعَمى،وما لاقى الفقير من العَنا،إلا للسرّ المودَع في قميص يوسف والمُستخلف بالموافقة حيث خولف. وهذا أول قميص ذُكر وثوب من الدّنس طُهّر،وهو معنى قوله تعالى: (وثيابك فطهّر). وهذا هو القميص الموروث والنور الذي هو بالأمر مبعوث،وعليه حُزن يعقوب،وفيه رغبة زُليخا. وهو حُلّة الخليل ومنظره الأنزه الجميل،ولما تَخلّله الخليل إبراهيم عادت النار عليه برداً وسلاماً وتسليم.
==(ثياب آدم): اعلم أن الثياب (خلع الجنة) التي تجرّدت عن آدم عند الأكلة كانت مائة حُلّة،وهي أنوار المائة رحمة التي أنزلت منها واحدة إلى هذه الدار الأدنى،وهو القميص الأجلّ الأسنى. وباندراج الأسماء الحسنى في كل حلّة رحمة حسناً وحضرة جمال جلاله كمال أبهى وأعزّ وأعلى. وبما قال: (إن لله تسعة وتسعين إسماً) و(إن لله مائة رحمة) و(إن في الجنة مائة درجة)،وهذا من سرّ الإفتتاح والإنشراح وإندراج الأرواح في الأرواح.
==لكل أمّة فتنة،وفتنة هذه الأمة “الجمال”..
==بما كان يوسف “رب الجمال” ومرآة تجلّي الرحمن من الإنسان،وَجبت له السّجدة،ولم تكن لأحد بعده،وهي سجدة مُستمرة،الكرّة بعد الكرّة..
==ترقّي الهيئة الجسمانية إلى الماهية الروحانية لا يكون إلا بعد تمحيص وفتن وتجريبات ومحن،وليتخلّص اللطيف من الكثيف ويتميّز الوضيع من الشريف..
==سرّ الإنتقال في الأطوار وتوالُج الأعصار في الأعصار (ونُنشئكم في ما لا تعلمون)..
==(نار وشجرة موسى): واعلم أن هذه النار التي رآها موسى عليه السلام هي النار التي عادت على إبراهيم برداً وسلاماً. والهُدى الذي طلبه عليها هو إسم الله العظيم إبراهيم عليه السلام،ومنه كان النداء والتكليم،ولذلك لما جاءها (بورك من في النار ومن حولها). ومن حَلّ أقفال هذه الدقائق إستخرج ما فيها من الحقائق. وكذلك الشجرة التي سمع موسى منها الكلام هي التي أكل منها آدم (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)،وبما بطن فيها من سرّ الخلافة جرى النداء منها بإسم الجلالة. فكانت النار والشجرة من سرّ الطريقين المُعتبرين: الظاهرية الإسرائيلية (نظير النار في عالم المثال الخارجي)،والباطنية المحمدية (نظير الكلام من الشجرة الموسوية).
==(الكلام الإلهي): (وكلّم الله موسى تكليماً). والكلام له أسرار وأحكام،وينقسم بالبيان إلى أقسام.
إعلم أنه إذا كان السميع “هو” (الهوية) فالمتكلم “الله” (المتكلم ناطق والمستمع صامت)،وإذا كان المتكلم “الرحمن” كان السميع “الحق القائم بروح الإنسان”. فالخواطر الواردة على قلوب الخلق هم كلمات الحق،لأنها تصدُر عن غيب الجمع إلى عين الفرق في حجابي الوَهْم والصدق من حيث ما هو الفكر والعقل في صيغتي الأخبار والنقل لأن الكلمة التي هي أمّ الكلمات وروح العلم الذي هو جامع أسرار الصفات القائمة بغيب الذات المُتجلية في كرائم الأمهات (أمهات الصفات الإلهية) وبواطن الأسماء والمُسميات برقائق أرواح المعلومات المجردات عن صور الحروف المنطوقات والمرسومات والمسموعات والمُبصرات عبارة عن القوة القادرة الناظمة والناثرة والموجدة الجاعلة والمعدمة الفاصلة،لم تزل تبرُز من العدم بحقائق الكلم وكانت قوابلها المستعدة لقبول إلقائها وتَلقيها ومَرائيها المُتهيّئة لأنوار تجليها وصور تحليها:قوة القلب الذي كتب فيه الرب وسرّ الفهم المجرّد عن الوهم وصحّة الذّوق الخالي عن شائبة الشّوق والإلهام القدّوس الخالي عن وساوس النفوس.
اعلم أن حقيقة الكلام إبراز ما في الذات للقوة،وحقيقة القول إبراز ما في القوة للفعل،والقول قوة ذي الطول والحول الحي القيوم حافظ المسطور والمرسوم من الحروف والظروف والأعيان الظاهرة في لوح الإعلان الموضوع بإزاء المعاني المتضمنة في طرس الكتمان. وهي (أي هذه المرسومات والحروف والمنطوقات وظواهر الكلمات) على قسمين: منطوق في مسموع (الحواس الظاهرة)،وموضوع في مطبوع (القوى الباطنة). وتجريد هذين الكونين وخَلع هذين النعلين لا يكون إلا بعد عماء العينين ورفع حجاب البين والأين وصميم الأذنين عن مخاطبة الإثنين وبُكْم لسان الحال عن القيل والقال..
==(الوادي المقدّس): واعلم أن الوادي المخصوص بالتقديس والمنعوت بالطهارة من التنجيس والترجيس (إنك بالواد المقدس طوى)،هو الذي وضع إبراهيم فيه ذريته وإدّخر فيه سريرته،وهو البيت المطهر من الشرك والمُنزّه من الشكّ والإفك،وهو القلب السليم (إبراهيم عليه السلام). وبما قال (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) إلى قوله (فمن تبعني فإنه مني)،وكان حقيقة هذا الإجتباء والإجتناب يَفتح باباً بعد باب ويرفع حجاباً بعد حجاب إلى أن سمع من نقطة الإستوا (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى). ولكل حلول حال ولكل مقام مقال.
==الحيّة الخضراء المُطوقة بجبل قاف المُحيط بجميع الجبال والأحقاف (الأعضاء والقوى)..
==قال موسى عند إفاقته من غيب مشاهدته إلى عين مُكالمته في حجاب التلوين بلسان التمكين (قال سبحانك تُبت إليك وأنا أول المؤمنين)،فجمع بين توبة آدم وإيمان الخليل بأتَمّ تَجميل وأكمل تفصيل. وكان هذا أول “الإيمان الأخصّ”،لا الإيمان الأعمّ. وأكمل الله نعمته وأتمّ،وقال فيمن فسخ أوهامه بإلهامهم (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم). ولما ظهر الأصل موسى في الفرع قومه ،قال قوم موسى أرنا الله جهرة ،فجرت عليهم سنة الصّعق والإفاقة ووافَق الرفيق بحُكم الرّفاقة والسرّ المكنون في موضع (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون). ولا يجمُل بالعاقل سؤال تحصيل الحاصل،ولذلك قال سرّ الله بالله لمّا تَرفّع عن هذا المقام وخلاّه (أعبد الله كأنك تراه). ولما أبَت (نفوس قوم موسى) كل الإباء أن تَشهد في حضرة الإجتباء حقيقة الإرسال والإنباء،وُكّلت إلى نفسها وأسْبِل عليها حجاب عَمى طَمسها فناداه وَهمُها حين غلظ عليها حجابها وقَسى (هذا إلهكم وإله موسى فنسي). ولما عَميت منهم الأبصار أدهشهم الخُوار ونَسي الناكث عهد ربه،قال لهم هارون (يا قوم إنما فُتنتم به)،وترجم اللسان السرّي لمن عنه يَدري (وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري)..
==(إبليس): حجاب التّدليس والتّلبيس،جعله قعره سجّين في صورة التنين ومنبع الغسلين والشجرة التي (طلعها كأنه رؤوس الشياطين). وأعمى بصيرته وبَصره،وشوّه أشكاله وصوره..
==إعلم أن النفس التي يقتُلها “الدجال” وتَحيا هي التي تدارأ في قَتلها موسى والتي قتلها أحد وَلدي آدم وأصبح على فعله نادم،هي التي أطاعت المُقاسم (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) ونَسيت العهد اللاّزم (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنَسي ولم نجد له عزماً). وهذه النفس الإنسانية المتوسطة بين المَلكية والشيطانية: فهذه تدعوها إلى عليّين،وهذه ترُدّها إلى أسفل سافلين،فإما إلى الشيطان وفُضوله،وإما إلى المَلك وتفضيله و(المرء على دين خليله).
==وبما كانت قوى الإمكان حادثة بالأكوان،مُتلوّنة بالأعيان (صنوان وغير صنوان)،أخبر روح الإنسان (إن من البيان لسحراً) ومن السحر لتبيان،وكانت مظاهر الأوضاع في الأوزان مُتعيّن الأشكال في موضع قلب الأعيان في عين العيّان لتتعدّد الزوجان وتتكثّر الإثنان ويختلف الشيء بتلوين الأكوان،والأصل (كان الله ولا شيء معه) وهو الآن على ما عليه كان. ولما ظهر هذا المخيّل المرسوم من غيب الوهم المعلوم،إنقسم في عين الحق إلى إختلاق وخَلق،وهذا صادر عن كلمة إفك وهذا صادر عن كلمة صدق،ولا يزالان يظهران بالمُقابلة ويتقابلان بالمُماثلة. فلما ظهر أرواح الكليم بأفعال التّكليم،وقابله المُماثل بتخيّل الباطل،قال (فلنأتينك بسحر مثله) فوَلّى ثُمّ أقْبَل في خَيله ورجله. واعلم أنه قط ما يظهر حقّ الحقّ إلا ويَزهق باطل الخَلق.
واعلم أن هذين الحجابين والعيّانَين السَوائيين،هذا سريع زواله وهذا مُستمر خياله. وكلاهما حجاب على الباب (باب الحقيقة الواحدة)،والأصلح في أمّ الكتاب،السريع الذهاب. فإذا هَدّ الباني صور المباني،وأزال الإلهام خيال الأوهام،وصَوّب العقل نَظره في سراب الحوادث وحدّه (لم يجده شيئاً ووجد الله عنده). فلما أسْرَع بزوال الحجاب عن بصر بصائر الأحباب،نظروا في مرآة الممنوع ب(لَنْ) جمال السرّ المخطوب ب(أرِني). ومن طلب تحصيل الحاصل مُنع بمانع المُحال الحائل،قالوا بلسان السرّ المكنون عند رفع السّتر المَصون بنور الحق المخزون (قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون). ومن ألقى لمفهوم هذا الخطاب السمع عَلم سرّ العَطا في المنع،فنَطق السرّ من حجاب الكفر (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)،وبما إنتفى حُكم الغير (قالوا لا ضير). وبما كان المصلوب زمن يوسف إنتقل إلى حواصل الطير،تَكثّر واحده فلا غَير،ولا زال يطوف على ذلك الجمال ويتصفّح رؤيته في كل حق ومُحال ويتطلّع في أطوار النساء والرجال من المعدن والنبات والحيوان في كل شكل ومثال ويتوقّع في تحوّل الأحوال سرّ ذلك المقال (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله). فلما ظهر في هذا الحجاب (الحجاب الموسوي) إنشرحت الألباب وإجتمعت الأحباب وعاد الساجد إلى سَجدته وإستيقظ النائم من رَقدته. فأبى تَحكُم المُعاند حكم الساجد فكرّر الصلب وقارع الرب بالرب،فصلبهم في جذوع النخل وردّهم إلى النبات لتكرار الحشر والنّشر والحرث والنّسل،وأسْبَل الحق من السّتر جُنّة و(من قال سبحان الله والحمد لله غرست له نخلة في الجنة)،وليَظهر هذا السرّ في موضع (وهُزّي إليك بجذع النخلة) (أخلُق لكم من الطين كهيئة الطير) حيث يستقر قَدم هذا السّير ويتمّ سرّ النّفخ والتّكليم عند تعيين الكلمة،ويُتمّ الله على أهل سرّ خصوصيته إنعامه وكَرمه.
==إعلم أن “روح الأمر” المُتنزّل في “ليلة القدر”: عالَم أوجده الله تعالى على أكمل الصور،وأقْدَره على التمثّل فتَكثّر. فهو لا يُعدّ ولا يُحصى ولا يُحصَر،وعلى مثل صُوره صُوّرت صور البشر،وهم يأكلون ويشربون غير أنهم مُقدّسون،وكذلك يتجلّون ويتحجّبون،وهم حضرات تجلّي أنوار الرحيم الرحمن أعيان عيون غيوب غَيبه المَصون والمُصان. و(خلق الله آدم على صورته) وأسبغ عليه سوابق نِعمه ومنّته،خَلقه وأنشأه وصَوّره وسَوّاه،نفخ فيه هذا الروح بحقيقته ومعناه،وأسجد له أرواح الملكوت في حضرة الجبروت،وتميّز العبد من المعبود في حضرة هذا السجود. ولما مسح على صلب آدم وإستخرج ذريته كالذرّ أبرز الأرواح في مَلئه الكريم وقد تجلّت فيهم أنوار (بسم الله الرحمن الرحيم)،وشَهد الشاهد للمشهود بأنه الرب المعبود،وأخذ عليهم في حضرة هذا السياق صحيح العهد والميثاق،وإتّحدت كل صورة نورانية بصورة ذرية بشرية..
==(موسى والخضر): وبما ظهر وجع الكليم في جمال التعليم،قال بلسان فخر التّكليم: (أثَمّ أعْلَم منّي؟). قال المحيط العليم: ثَمّ بمجمع البحرين ومنبع السرّين ومَطلع النورين،عَيْن العينين (الحَقيّة والخَلقيّة) من تَكوّن الكونين (القدم والحدوث)،وبطانة الزوجين (حقيقة الروح والجسم) بالأمرين (قل الروح من أمر ربّي،إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)،كذلك إلى توحّد الربّين (رب الأشباح ورب الأرواح) بسقوط توهّم الزوجين (الإثنينية). فإستصحب فتاه في طلب لقاه،وظنّ أنه في مَرآه (نظره الحسّي) سوف يراه ولكن الفكر إذا تاه فلا حول ولا قوة إلا بالله،فقال: (إجعل لي علامة على هذه الكرامة)،فأمر بإستصحاب الحوت لتَظهر عجائب أسرار اللاّهوت في كَيفيات صُور الناسوت،وتَبين عند اللقاء حقيقة الإلقاء وتكتسب الفوائد في خرق العوائد. فذهب وما ألْوى وكان الأوْلى،فلما بلغ مجمع البحرين ونَسيَ ذكره من حيث آوى إلى الصخرة،ولقد كانت هذه الصخرة من أعيان الطور والجسم الذي ظَلّ من عظمة التجلّي مدكوكاً ومفطوراً إلى يوم النّشور،والذي ناداه من حجاب الشجرة والنار هو الذي تجلّى له في عين مجمع البحرية جِهاراً،ولكنه إذا فَجأت أشعة الأنوار غَشيت مَدارك الأبصار في عجائب الإستبصار. وكان إتّخاد الحوت في البحر سَبيله من سرّ الإخفاء في موضع (فاضرب لهم طريقاً في البحر يَبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى)،وسيظهر سرّ هذا السبيل المبين في يونس حتى إلى شجرة اليقطين. وكل هذا من أسرار التطوير في التكوير والتلوين في التمكين،وعندنزول المائدة تستقرّ هذه الفائدة،ويكون ظهور هذا السرّ المكنون أول طعام يَطعمونه أهل الجنة زيادة كَبد النون (رمز الحياة الروحية)..
==إعلم أن نجاة فرعون بالبدن لبَقاء الفتن ولتأصيل حكمة المِحَن..
== حمار العُزير : وبما كان حمار العُزَير حماراً جَرت عليه سنة البعث والنشور،وكان من أسرار إطّلاع الأنفُس الحيوانية والإحساسات البَهيميّة على ملكوت النون (الحوت رمز الحياة)،وبما ثَمّ من سِرّ مَصون. ثُمّ تُبعَث لتُخبَر وتُبَشّر وتُنذَر في آفاقها وأفلاكها وأنواعها وأجناسها،كل ذلك من حكمة النّشر والطيّ (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء). وليكون حمار الدجّال مَركب العُدوان،ويتقابل كل زمان بزمان من المعدن والنبات والحيوان والإنسان بأنواع الفجور والعرفان.
==لما كانت الأسماء الجوامع في شُموس أفلاكها (المظاهر الكونية) الطوالع وأقمارها الكُمّل اللّوامع،تسعة وتسعين للرحمانيات (للظهور) والإلهيات (للبطون)،عدد كعدد (عدد الرحمانيات كعدد الإلهيات)،وواحد (الرحمن) كأحد (الله). وما من إسم من هذه الأسماء إلا وله عرش وفرش وحول وقوة وبَطش،غير أن الجلالة باطنة بسرّ مَسرور والرحمانية مُعيّنة في إعلان وظهور،فهذا (الله) واحد في آحاد تَوحّداته. فالرحمن مُتبارك في تجلّيه مَشهود معبود،وذو الجلالة في غيوب أحدية وحدانيته موجود مفقود،فلا أعْلَن وأظهر وأبْيَن ولا أخفى وأسَرّ وأمْكَن..
==(سد يأجوج ومأجوج): إعلم أن السدّ المنصوب لذي القرنين،بالصورة والشكل والعين،كان طلسماً (طلسم الجسم) من طلاسم الحكمة وإحكام وضع لتمام النعمة،ولولاه لأفسد ما في البرزخيات (عالم البطون الإنساني) ما هو في أعيان هذه الدنيويات الظاهريات من المعديات والنباتيات والحيوانيات. ولأنه إذا أزالَ حُكمه المضروب وعلمه المنصوب،ورثه الموزون (وهم من كل حَدب ينسلون).
==إعلم أن آدم (رمز الأجسام) وإبراهيم (رمز الأرواح) أبداً في طَرفي الحلقة (حلقة الوجود) عند الدور والإنعقاد والنّشر والقيام والمَعاد. وآدم في السماء الدنيا،وإبراهيم في السابعة من الطباق العُلا،وكذلك في كل عَوْد وإبتداء وأوليّة وإنتهاء. فإلى الإبراهيميات تنتهي الغايات الآدميات،فهو ثمرة شجرته وقُصارى غاية نتيجته،وهو سابع سبعته (تمام الدورة السبعية) وجامع جمعته،كذلك في جمعة السبعة (أصحاب الكهف) بحُكم الرّجعة بعد الرجعة. وفي زمان ذي القرنين حُشرت النوحيات في الإبراهيميات (البرزخيات الخضرية) في الإبراهيميات (الروحانيات العامة)،كالآدميات (الأجسام والأرواح النارية) بالنوحيات في السليمانيات بما تَمّ من أسماء وأعلام مَلكيات عُلويات. فمُلك سليمان في بطانة الأرض السوداء (أرض الطبائع العنصرية)،وإلى الإبراهيميات ينتهي في بطانة السماء الزرقاء (الأرواح النارية والبسائط العنصرية) التي هي سماء الأرض السوداء. وذو القرنين مُلكه الأقوى وسلطانه الأشدّ الأحوى في بطانة الأرض الخضراء (أرض الخيال)،وهو آدم وقته (من حيث المشاهد الجنانية)،وينتهي إلى إبراهيم من حيث هذه الآدمية. كالسليمانيات في بطانة السماء الحمراء التي هي سماء الأرض الخضراء،سنة كسنة وحكمة كحكمة. ففي كل دور: آدم بنوح في إبراهيم (آدم الجسم بنوح البرزخ في إبراهيم الروح) بداية وتوسّط ونهاية.
ولما تمّت هاتان الدورتان وكمُلت هاتان الخلافتان البرزخيتان،تتنزّل روح الكلمة (عيسى) بنظام تتمّة الحكمة،وكان فتح هذا الختام والسلام. وما من زمان من هذه الأزمان وعين من هذه الأعيان إلا وله أسماؤه الحسنى وصفاته العلا،من كل وجه أنزه أضوى من أرسال وأنبياء وعلماء وأولياء،كلهم نجوم آفاقه وشموس مشارق إشراقه ومعاهد خلاقه بأخلاقه،فلكل علم أعلام ولكل يوم جمعة إعلام.
==وبما كان روح القدس الأحمدي آدم أرواح الروح المحمدي (آدم الأرواح هو الروح المحمدي)،فما من روح روحاني وكلمة إسم إلهي أو رباني إلا وهو في باطن هذا الروح الروحاني والكلمة القائمة بجميع المعاني،وما ظهر منها وتَعيّن في عين الغيب أو غيب العين بالواحد والإثنين فهو نَجْل لأبيّته أو نَسل من صلبيته أو ثمرة لشجرته أو نواة من ثمرته.
وبما إنتهت في هذا الزمان السادس ألف (عمر الدنيا ستة آلاف) تنزّلاته الروحانية (تنزّلات الروح المحمدي) في القوالب العَينية،من الأمية (حواء) عن الأبية (آدم) إلى الأبيّة (عيسى) عن الأميّة (مريم)،تنزّل في شاكلته السويّة وصورته الرحمانية وخطّته الألفيّة (ألف الآدمية) إلى كلمته البائية (الباء عن الألف،كحواء عن آدم) المُتنزّلة عن ضلعه الأقصريّة في السابقة الآدمية،وكانت الإستعاذة بالرحمانية تَنبيهاً على موضع الأسرار الخفيّة ولتتأنّس تلك الوحشيّة العارضة في التطويرات الثّقليّة. فلما كشف لها القناع في موضع حضرة سماع (إنما أنا رسول ربك)،وكان الرسول زيادة في إستئناس تحقّق البتول وتحقيق (إنّي أنا ربك فاخلع)،فخَلعت وخَلع (وصدّقت بكلمات ربها)،فإلتحم الأمر وإجتمع وحَنّ إلى الأصل ما منه تَفرّع،وهو ما قالوه: “إن مريم إبنة عمران تكون زوجاً لسيدنا محمد في دار القرار والأمان” فمن فَهم الخطاب كان من أولي الألباب. فلما حملت الكلمة بالروح وجدت أعباء الأثقال كما نطق التنزيل وقال (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله)،وبما إندكّ الجبل وتَقطّع بما ثَمّ من سرّ مودَع وأمر مُخترع مُبدع. وبما جاءها المخاض إلى جذع النخلة كانت شجرة الآكل وأعواد المحمول والحامل وتابوت النجاة وشجرة الإيوا وموضع سماع (إني أنا) وجذوع الصلب ومقعد مخاض أم الأب،وبحكم هذه المطابقة كان الجذع الحنين عند المفارقة،وكان السرّ السرياني في عين حياة الأعيان والمعاني،وهو مطلوب ذي القرنين لما طلب العين،وفيه إتّخذ حوت موسى ويوشع سبيله،وعند صخرته جعل الخضر مَقيله.
==وبما كان القلم (عيسى) واحد العدد وحامل كيفيات المَدد،كان ضلعه الموضوع وسَمع تصريفه المسموع (الحواريون) قابلاً في أقوية عشرة (صُحفاً مُنشرة) (بأيدي سفرة كرام بررة). وكان القلم فيّاضاً عليه (القابل) بالقوى والفعل،وهو قابل عنده بالمفعولية والطّوع. كانت حكمة هذا التنزيل وسنّة هذا التفصيل،مُحكمة بالتجميل،مُنفصلة بالتمثيل،مُتكثّرة بالتّخييل والتّعليل. وكانت سنة الصحابيات والكرائم الأمهات التبعيات ألواح الفرقان وصحائف قرآن الأعيان،وهي نهاية العدد وأصل تكثير المَدد في الأدوار بالتكرار. واعلم أن هذا القلم المذكور والعين النَيّر المشهور هو حجاب حضرة البَها ونور عين غيب حضرة العُلا،وهو الوتر والشفع بالنظر إلى التلقّي من أعلاه والإفاضة على أدناه،وهو الفجر الطالع والنور اللاّمع في لياليه العشر المتضمنة في أفُق قابلته السميع الطلائع والمُنشرح الواسع: فلا أخفى من تَلقّيه،ولا أجلى من إلقائه في دُنوّه وتَدلّيه. فكواكب يوسف وإخوته وأبواه وشمسه وقمره،وأسباط موسى وما تَفجّر به حَجره،والحواريون وأصحاب الشجرة ــ كلها من أسرار الشفع والوتر والليالي العشر. وبما تَمّ الوحي للحواريين في معرض هذا التبيين بالقرآن في التّعيين (أن آمنوا بي وبرسولي)،ولقد ذَمّ الله الذين فرّقوا بين الله ورُسله،ولن تفترق (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أبداً،وإنما تظهر في المَدد بالمدد بحُكم الواحد في مراتب العدد حتى يرجع الواحد إلى الأحد وينتظم سلك الفرق ويتّحد..
==(الكلمات التامات): “الوجود” ذات لا تجحد ولا تنفد،و”العدم” ذات لا تُدرك ولا تُقصد،و”الدّهر” زمان أزليّ أبديّ لا يفرغ ولا ينفد،و”الخلاء” هوية هواء لا يملأه مَلاء ولا بفرض تعيين الأعيان في أعماق فضائه..
هذه الحقائق (الوجود والعدم والدهر والخلاء) في التفصيل والتجميل قسمان: فاعلية ومفعولية في الوجوب والإمكان.
وكانت “الكلمات التامات”،بغير أول يُلحَظ إلا بوجه تَوهّم يُفرَض،أول مراتب وُجوبها وحضرات غُيوبها وأمّ كتاب إثباتها وسُلوبها،وهي كلمات تَكثّرت وما تعدّدت،وتوحّدت وما تحدّدت،سبقت الزمان والمكان والشخص والكيف والعيان.. كل كلمة على إنفرادها وتَحقّق أحكام أساس قواعد أوتادها،أربع كلمات تامات ذوات لأسماء وصفات وأرواح تجليات.
الكلمة الأولى: “جلالة غيب في روح علمي”،ظاهرها نور تجلّي صورة “علم كُلّي”،فهذه الكلمة وروحها وصورتها ذاتية ثابتة في نَفي محض لا يُكَثّره معلومه بالمعية ولا يُعدّده موجوده بالكميّة ولا يفقد ما وجده بإستيلاء العدمية.
الكلمة الثانية: “جلالة علم في روح حياة”،ظاهرها نور تجلّي صورة “حَيّ كُلّي”. وهذه الكلمة وروحها وتجليها ذات صفات مَنفية في إثبات محض لا زوال لما أوجدت ولا إنتقال لما أثبتت،موجودها نفس وجودها فلا يُغايرها غيرها ولا يَشهدها إلا عَينها ونورها.
الكلمة الثالثة: “جلالة أسماء في روح عالم”،نور تجلّيه صورة علم معلومه،مُتغاير في كل متميّز في أجزاء ماهيته لا هُويته،تفصيلاً معنوياً لا عَينياً.
الكلمة الرابعة: “جلالة أفعال في روح حيّ”،نور تجليه نور حياة خَلا عنه أمثالها بالمُغايرة في إتّحاد لا وحدة.
فلما تمّ تفصيل هذه الكلمات بالأسماء والأرواح والتجليات،وكانت الروح بيتاً لما بطن بالجلالة،عرشاً لما ظهر بالتجلّي حيث تعيّن الإله وهي منظومة بالأفعال والأسماء والصفات والذات. وكل كلمة في تفصيل تثليثها بسبع صفات ذاتيات،فهي للجلالة بالذات لا بزيادة،وللروح بالزيادة،وفي التجلي بزيادة مثلية معيّنة كنحو المُثل المعلّقة في حضرة ذات التجلي مُحقّقة،وهي في الأربع كلمات على نحو هذه الأحكام المحققات. فهذه الكلمات وصفاتها وأسماؤها وتجلياتها ألسنة أقلام وحروف،وهي كلام أم الكتاب المكنون في دقائق حقائق الألباب المجعول فوق العرش المحيط عند رب الأرباب. وهي مفاتيح غيب الغيب التي لا يعلمها إلا هو،وهي: (الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام)،وهذه مفاتيح غيب اللاّهوت وآلاء أسرار الجبروت ونظام عالم القدرة،وبه يحكم الحاكم أمره،وهي السبع المثاني تنثني بتكرار (بسم الله الرحمن الرحيم) في فواتح سور القرآن العظيم،وهي تتنوّع بالبطون والظهور في فاتحة كل دور يدور فتظهر تعييناً مع سور أمهات الآيات المحكمات وتبطُن تضمّناً في سور الآيات المتشابهات،فلا أنْوَر من ظهورها ولا أسَرّ من بطونها.
فلما كمل هذا النّظم المنظوم تنزّل السرّ المكتوم،وهو “الهُوية السارية بالموجود والمعدوم والمجهول والمعلوم والخفيّ والمفهوم”،فجمعت وإتّسعت ووسعت ووسّعت وأحاطت وأجمعت،وبرزت بأسرارها عالم القدرة بالقدرة في عمق الهواء في عين درّة كالدرة،فإجتمع إليها بالخاصية في دون الزمن الفرد من لطائف الهواء تلطيف نطفة الماء،فلما قامت به الدرة وإستوى عرشاً محيطاً على الماء وربّاً حياً قيّوم (كان ربنا في عما ما فوقه هواء وما تحته هواء). وقد إجتمعت له بأسرار القدرة أحكام مناط أسباب القوى فكتب مقادير الأشياء قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة (وكان عرشه على الماء). وهذا الكَتب والتقدير والخلق والتسطير في الزمن الواسع الكبير هو وضع في عالم الأمر والجعل،وهو تصحيح خلق الخلق الأول بالوضع والحمل،ففتق الأرض في التربيع إختراعاً عظمة منه وإتساعاً بقوة ترابية وقوة مائية وقوة نارية وقوة هوائية،وقدّر في التقدير بالإسم الخلاّق العليم القدير مَقادير الخلق والأخلاق والأعمار والأرزاق. فإستكمل في قوة الأركان إحكام أحكام المعدن والنبات والحيوان،وذلك في أربعة أيام كوامل تمام الأيام الستة،وهي الحواس الخمس والحسّ المشترك،وهذه أيام الرب المقدّرة بألف سنة من هذا العدد الجزئي،وهي الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض ذات الطول والعمق والعرض،وهي مفاتيح السماوات والأرض ومقاليدها وأسباب إمساكها وعوامدها.. ففتق السماوات في التّسبيع كما فتق الأرض في التربيع،وكان تربيع الأرض بالطبع وتسبيعها في جبلّة الوضع،وأما “الهواء” فهو عمود الإستوا وحامل مناطق القوى وتحقيق الإستوا من أرض وسَما ومن سما إلى سما،كما تنفلق الحبّة عن نَبتها وتستوي إلى أبّها ثمّ تقوم على ساقها ثمّ تُخرج شَطأها.. فلما إستوى إلى السماء وفتقها إلى سبع وقدّرها (وأوحى في كل سماء) وأودَع في أمرها سرّها. فكان التربيع من أسرار الكلمات والتسبيع من أسرار الصفات الذات. فلما أحكم هذا النظام بنحو ما مَشى من هذا الكلام،فكانت هذه الأيام الستة كل يوم بألف سنة وهي أيام الرب،وكان جامعها الحسّ المشترك وهو العرش المجيد بحكم ظاهره والكرسي العزيز بحكم باطنه،وهو موضع الفرق والتنويع والحفظ والترتيب والإنقسام في المعنى والعين،ولذلك جُعل محلّ القدمين. (ثم إستوى على العرش) وهو اليوم المقدر بحمسين ألف سنة،ففتقه فتقاً روحانياً وجعله مستوى رحمانياً،وهو في نفسه مُفصّل في أربع فيما هو أجمل وأبدع وأشرح وأوسع وأعلى وأنزه وأجمع. ثمّ فتق كل واحد من هذه الأربعة والعين النزيهة المبدعة إلى أرض وسما وأفُق وهوا وحول وقوى وخلا ومَلا،كل ذلك في الملكوت الملكي الروحاني والجبروت النوراني الرحماني،ثمّ خلع على كل روح من هذه الأرواح العرشية خلعة ربانية وصورة رحمانية وجعلهم خلفاء العليّ وأرباب آفاق المستوى. ثمّ أحاط بحيطته الجامعة ونظم الكل في حياته الواسعة،فهو صاحب الإرادة المحكمة والإحاطة الجامعة المعظمة.
واعلم أن هذه الخمسين ألف سنة،وهي أيام الله ذي المعارج،تنقسم أيضاً إلى ستة أيام تمام في أحكام النظام..
==كلموضوع لمحمول: إما مفصول عن عين تَجلّيه أو مخلوع عن عين تَنزّله وتَدلّيه. الأول بالقوة والثاني بالفعل،وهو عرش لإستواآته وفلك لوُسع حَمل صور موضوعاته بحيث جعله وكتاب مكنون كلمات قَلم نَثره ونَظمه،وحجاب لغَيب بطونه عن مشابهة مثله،وعين حق لتجلّي قوته بفعله،وكرسي لموضع قدمي مفصوله بتخصيص رحمته وعدله وحفظ ترتيبه في موضع تعاقُب موضوعاته في تَولّي بَعده وقَبله،ولوح لتعيين مولدات كون تكوين قلم تسطيره وتصويره. فالكرسي فصل عن وَصل،والعرش فَصل عن وَصل. فجبروت ملكوت،وملكوت مُلك. وكل مجعول في حضرة عرشية جنة فردوس لا يُقابلها جحيم ولا عذاب أليم ولا غير أليم،وكل مخلوق تحت كرسي: إما في مادة “قدم صِدق” فجنّة نعيم،وإما تحت حصر “قدم الجبار” فجحيم وعذاب أليم. وهذه من حقائق القدمين والقبضتين والحشر مع القرينين والحافظين الكاتبين،وهو بحسب ما تُعطي الأخلاق والتخلّقات من لباس وتلبيس الصور بالتصوّرات،وبها يكون تفاوت الدرجات والدركات،وهو الكتاب المرقوم في عليين والكتاب المرقوم في قعرة سجين.
واعلم أن حملة الموضوع أنوار المحمول،وهي السبع المثاني. وكيفية حَملها كحَمل المادة بالهيولى للصورة والحروف بالمنطوق للمفهوم. فهُم صفات عظام أزلاً وحملة كرام أبداً. فالمحمول حقيقة الموضوع وباطنه،والموضوع حق المحمول وظاهره. ف”العرشجبروتي” وهو كتاب للأسماء الإلهية مرآة للتجليات الرحمانية،و”الكرسي ملكوتي” وهو مرآة للتمثّلات الروحانية والتنزّلات بالأسماء الربانية،و”اللوح مُلكي” وهو محلّ التعيّنات الكونية والتشكّلات الخَلقيّة. فالعرض بموضوعه،ومحموله وحَملتهمحمول في اللوح على سنّته ونسبته. فالأول روح القدس أصل الأرواح المحمديات،والثاني روح القدس أصل الأرواح الملكيات،والثالث روح القدس أصل الأشباح البرزخيات. فمحمد وجبريل وميكائيل،بالأول والثاني والثالث في التفصيل والتجميل. ويُقال لهم في جمع جمع الفرق وعين نسخة موضوع الحق،وهو آدم القَدم الصّدق ومنارة الفصل في الوصل والفتق في الرّتق. قلب وروح وسرّ في المحمدية الجبروتية،وعقل ونفس وتصوّر في الملكوتية الجبريلية،وإدراك وحسّ وتَخيّل في مُلك الميكائلية. وبما كانت النقطة المائية المجتمعة بالقوة من اللطائف الهوائية الحاملة للدرّة التي هي قائمة بعالم القُدرة،قد فرضت من الدهر الزمان ومن الهواء المكان،وبقوة التجلّي الأشكال والأعيان،وكانت بأسرار السبعة الأنوار المثاني في أوضاع الأعيان والمعاني قامت كل صفة منها بمائة من الأسماء الحسنى وكل إسم بألف من التجليات العُلى وتمثّلات روح قدس الحياة. فكان منها سبعمائة ألف رقيقة،ولكل رقيقة زمان ومكان وشكل وإسم،وهي حكمة الدقائق والرقائق والحقائق. فالرقائق ملكية،والأسماء ربانية،والدقائق كُلية،أي كل دقيقة منها جامعة على إنفرادها لمجموع الدقائق والرقائق والحقائق بكمالها،وهي من نمط إنحصار الأنواع في الأشخاص،وهو ما قاله (إن لله تسعة وتسعين إسماً) و(إن لله مائة رحمة) و(إن في الجنة مائة درجة)،وهذا بالدقائق والرقائق والحقائق.
واعلم أن قيام هذه السبعمائة ألف،ب”الزمان والمكان والدقيقة والرقيقة والحقيقة”،كان في دفعة واحدة لا متعاقبة ولا متفاوتة،وهذه الكثرة في الوحدة. فإذا قدّرت بروز هذا المجموع بالتّعاقُب في الوضع والتلاحُق في النّسل بالبُعد والقيل،فقدّر بالحيثيّة الزمانية سبعمائة ألف سنة،وتكون دقائقها التي إئتلفت منها ساعاتها وأيامها وجُمعها وشهورها وسنينها في تقدير تكثيرها وتعدّدها نهاية في العدد وغاية في تكثير المَدد (لقد أحصاهم وعدّهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً). فإذا إنتهى هذا العدد ونفد هذا المدد عاد الأمر وتَجدّد حتى تكمُل أحكام أيام السبع المثاني والقرآن العظيم ويختم الأمر عند تجلّي إحاطة (بسم الله الرحمن الرحيم) يكون ذلك وقت الفراغ والإنصرام والقيام الأكبر في يوم الملك الحي القيوم العلاّم،وهذا من سرّ الوحدة في الكثرة،وقد تقدّم أن الأيام الستة التي كل يوم منها بألف سنة هي أعمار الأجسام ودور ما دار في ترتيب النظام،وأن الستة الحواس العقلية التي كل يوم منها بثمانية آلاف سنة،وهو نظم اليوم الكلي الذي هو خمسون ألف سنة،فتكون هذه العقلية برازخ لتلك الحسيّة وأعمار أشباحها كما تلك أعمار أجسامها.
واعلم أن الزمن الفرد كالنقطة الفرد لا يحتمل الفوق ولا التحت ولا القبل ولا البعد ولا ظرف زمان ولا ظرف مكان،وثمّ تتحقّق حقائق العارفين وترسخ أقدام الواصلين،وهو اليوم الرباني الإلهي ومرآة التجلي الرحماني العيّاني،وإنما التنزيل بالتبارك حيث تبارك ستر ما هنالك (تبارك إسم ربك ذي الجلال والإكرام).
==(العرش والكرسي): وبما كان “العرش” الأفُق الأعلى والمستوى الأسنى،كان “فطرة الله” التي فطرها وحَق حقيقته التي أوجدها وأمرها. وبما كان “الكرسي” العزيز الأفق المبين وموضع رسوخ القدم المَكين من الروح الأمين،كان “صبغة الله” التي أحسن بها كل شيء خَلَقه وأثبته وحَقّقه. فالفطرة باطنها،وحقيقتها الحيّ القيوم الواسع العليم الذي لا يُدركه نَظر ولا يتخيّله بصر ولا يَصدُق عليه أكياف الصور،وإنما هو إذا شاء جلّ جلاله وتقدّست صفاته تَجلّى من غيب هذه الفطرة إلى ظاهرها بتجلّي القُدرة فقَبلت ذلك التجلي حَقاً وأثبتته نوراً قيومياً صدقاً. فيخلع هذا النور الحق صورة تجليه في تنزّله وتدلّيه في الصبغة القابلة بالوضع لما يصدُر عليها من الحق بالخلع فتَقبله خَلقاً حقاً وموجوداً ثابتاً صدقاً،ثمّ ينخلع بعد ذلك إلى الأفق الأدنى فيعيّن المعنى ويَقسم الواحد المُثنّى،فهذا هو لوح المحو والإثبات ومنصّة المَحيا والممات والنّسخ والتبديل والشرط والتعليل.
فالفطرة إكسير حق فاعل دائم،والصبغةإكسير خلق مفعول ثابت،والكون إكسير تكوين معدوم زائل. ولأنه بالتركيب موجود وبالتحليل مفقود،فالصبغة عالم سدرة المنتهى وأفُق حضرة النّهى ومقام الروح الأمين وفلكه النيّر المُبين. وبما وصفها صلى الله عليه وسلم فوَصف أوراقها وطباقها وأفنانها وثَمرها وألوان فرشها،وعظّم في كل ذلك،أمرها وقدّرها وكان النور الذي غشّاها والأمر الذي نَشاها ووَشاها هو ما يخلع عليها من صور تجليات الأفق الأعلى وأنوار سُبحات وجهه الأبقى،وعندها رأى البصر الذي ما زاغ وما طغى بل فيها تجلى الآية الكبرى فأبصر نوراً نورانياً وعايَن عَيناً مثلياً وروحا محيطاً روحانياً،ف”كلّم كفاحاً وشاهد عيّاناً”،وكانت الرؤية في الأفق الأعلى بالحقيقة والمعنى،رؤية فطرة فؤادية وصير علمية وجدانية.
واعلم أن الفطرة والصبغة متى تجرّدا عن التصورات الخارجية وسَلِما من العوارض الكونية وتَخلّصا من الموانع الطبيعية وإنسلخا من الإنطباعات العادية،فلم يبق إلا التجليات الرحمانية والتنزلات الفرقانية والإتّصافات الربانية والتمثّلات الروحانية،ولذلك أمر الكليم بخلع النعلين والتخلّص من مُعارضات عوارض الكيف والأيْن.. فمن تحقّق بالتجريد والإنخلاع وَجب له التجديد عند رفع القناع.
==(الحضرة): إعلم أن الحضرة الجبروتية كلها على الصور الإنسانية والتمثّلات الروحانية بالتجليات الرحمانية. والحضرةالملكوتية كلها على صورة الرفرف (بُراق الحقائق وهو معنوي) الأخضر والنور الأنْزَه الأزهر،وهو نور بصبص تَلوّن الجناح وبرق بريقة اللاّمع الوضاح. والحضرة المُلكية كلها على صورة البُراق في إختلاف تشكلاته بالإجتماع والإفتراق. فما كان بُراقياً كان ميكائيلياً،وهو صورة المعراج المنصور في اليوم المقدّر بألف سنة. وما كان على صورة الرّفرف الأخضر كان جبرائيلياً ذي الأجنحة المَثنى والثلاث والرباع إلى الستمائة. فما أعطت حكمة الإبداع من الستة الأيام الملكوتية وهي المشاعر العقلية. وهذا الرفرف الأخضر والجناح هو روح المعراج المنصوب في اليوم المقدر بخمسين ألف سنة،سنة كسنة وحكمة كحكمة.
واعلم أن الحضرة الجبروتية في الغيب والعين هي الوسط المختار بين المُلك والملكوت عَيناً،وبين اللاّهوت والناسوت بالمعنى. فهي كالمصباح،مثلاً،إذا أشْعَل ونوّر وظهر وأظْهَر،فعنه ظهر نوره وملأ فوقه وتحته والحَذا والجنبات وسائر الوجوه والجهات،فهو مُفيض الأنوار في الأقطار على كل دار ومقام وقرار،وهو نقطة دائرة كل مدار،فما عَلا عنه كان سماوياً جناحياً وما إنحطّ منه كان أرضياً بَرقياً.
واعلم أن هذا الكلام الذي مَشى في هذا التنزيل والقول الذي قيل في هذا التجميل والتفصيل،كله في بطانة صور إسرافيل مُنحصر بأنواعه الكُلية في أشخاص جُزئية،وهو ظواهر الغيوب اللاّهوتية وتقرير حقائق الأزلية في دقائق الأبدية.
واعلم أن صورة صور إسرافيل هو السدّ المسدود والبرزخ المضروب المحدود (السدّ الروحي الحاجز بين الظواهر والحقّ)،وهو الذي نزل آدم إلى ظاهره بعد أكلة الشجرة،وهو ظاهر القعرة القَعِرة والوعرة الحَرجة،دار الأدواء والآفات ومساكن الأفاعي والحيات (الدنيا سجن المؤمن)،(فضُرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب).
واعلم أنه لما نزل آدم إلى هذه الظّهرة وإستقرّ في هذه القعرة،نزل ميكائيل معه وهو أول كلمة تُلُقيّت وألقِيَت ورحمة أنزِلت ونَزلت. فينزل جبريل إلى مقام ميكائيل،فينزل سيدنا محمد عليهم أجمعين بروح القدس إلى مقام جبريل فتتنزّل الرحمانية بالنزول المُوَقر العزيز والتجلي المُقدّس النّزيه إلى مقام المحمدية فيستأنس الغريب ويتسلّى الكئيب بتعطّفات الحبيب (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم). كما أن ميكائيل جُزئي حاصر لكُلّ جبرائيل،كذلك عزرائيل جزئي حاصر لكل إسرافيل. وإنحصار الأنواع في الأشخاص لا يُحقّقه كشفاً إلا الأفراد من الخواص،وكذلك إنحصار الكليات في الجزئيات لا يحققها إلا من تحقّق بتجليات الرحمانيات وقليل ما هم..
==(عين نُسخة الحق): ولما تَمّ هذا النظام وإستوى،وخلعت حقائق القوى في صور المَلا في أفق أعلى ومبين وأدنى،وفتقت أرضاً وسَما وجواً وهَوا وكُرسياً وعرشاً أعلى،ثمّ إستوت الدقيقة بالمثل الأعلى والحجاب الأنزه الأقدس الأبهى الذي كان وحده في العما من عُمق الهَوا إلى رأس السّمت من نقطة خط الإستوا ــ جَمع بمحكمة الجمع بعد الفرق رقيقة جامعة لما جُمعت منه،وسُميت “نسخةالحق” وهي على أعدل بنية وأقوم صورة في مثل صورة الذرّة القائمة بعالم القدرة،ومن هنا تفهم حقائق المطابقة والمقابلة والموافقة،وهو ما نبّه عليه لسان الإحسان (خلق الله آدم على مثل صورة الرحمن)،لا كقوله في حديث آخر (خلق الله آدم على صورته) وسيأتي معناه في موضعه. وهذه الرقيقة المجموعة والجوهرة الفردة المبدوعة هي التي سماها “عُجب الذنب” التي منها خلق الله آدم وفيها يُعيده ومنها يُخرجه تارة أخرى. وتلك الدرّة المثليّة العُلوية هي الروح المنفوخة في هذه الدرّة الجمعية بعد التسوية والإستوا وإحكام البنية بالقوى،فهذه حقيقة الأصلاب وهي صبغة الله،وتلك حقيقة الألباب وهي فطرة الله. ف”ما وجب السجود إلا لسرّ حقيقة المعبود”،ولهذه النكتة المُعظّمة المنيفة واللطيفة النزيهة الشريفة قال (إني جاعل في الأرض خليفة). وبما كان السرّ مكتوم مَصون في باطن خزانة غيب الغيب،مخزون مصون لا تنظُره العيون ولا تتطرّق إليه لواحظ الظّنون..
واعلم أنه لما مَسح الربّ على الصّلب وإستخرج من درّة ذريّته على إختلاف صور ما أعطى تَصوّر صورته وتَشكّل شاكلته وتَخلّق أخلاق خَلقه بتنوّع صَبغ صبغة حَقّه. فكانت سبعمائة ألف رقيقة في سبعمائة دقيقة،تجلّى حجابه المحيط في الصورة الإنسانية والمثليّة الروحانية بالتجليات الرحمانية،فشَهدت كل دقيقة برَقيقتها في هذه الحقيقة حقيقتها،وهي شاكلتها التي تُشاكلها وتَمثّلها الذي يُماثلها ووَصفها الذي تُجازى به ونفسها التي تُطالبها وربّها الذي يُحاسبها (قل كل يعمل على شاكلته). فأخذ العهود في عهد واحد،كما كان كل مشهود في عين الشّاهد. ثمّ ردّهم بحكم الحشر بعد النشر في درة الصُّلب وجمعهم بحُكم يوم الجمع في عين الأب.
واعلم أن المسحة التي مسحت هي إسباغ الثوب الرباني ووَضع كنف الستر الرحماني،ولما إستخرج ذرّ الذرية كان المُتجلّي لهم هو الحجاب المَسبول بالمَسحة العَليّة على عينهم الجامعة الكُلية التي أستخرجوا منها بالجزئية.
واعلم أن الخواص بالإختصاص من ولد آدم لم يقبضوا في هذه الأخذة الذرية ولم يخرجوا بالجزئية من العين الكلية،بل كانوا فيها بحكمة التفصيل الإرادي في الوَصل الوحداني،فكانوا وجوه تجلي هذا الحجاب الرحماني والسّتر الرباني والمثل الروحاني والتصور الإنساني. فلما أشهد الذر على أنفسهم (ألست بربكم قالوا بلى)،فشَهد كل شاهد لمشهوده وأقرّ كل عابد لمعبوده. وهذه الوجوه الكرام والشموس والأعلام والبُدور التمام هم الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم (سبعون ألفاً من أمتي يدخول الجنة بغير حساب،منهم على صورة البدر ومنهم على صورة الشمس)،ومع كل واحد منهم سبعون ألفاً،لأنه مع كل تابع متبوعه ومع كل مُطاع مُطيعه،وهم الحُجب الأرباب الذين يرون أهل الجنة في دار الثواب.. (فيضع لهم منابر من نور فيجلسون عليها فيجعل وجوههم نوراً وثيابهم نوراً)،ويضع كل ذلك أمام العرش. فكل كُرسي فَرشي لقَمري،وكلمنبر عرشي لشمسي. وهذه سُنة الإستوا وحقيقة العلو الأعلى في الآخرة والأولى. وهي الصورة التي يأتي فيها (فيقول: أنا ربكم،فيقولون: إنا نعوذ بالله منك لست ربنا،إذا جاء ربنا عرفناه،فيتجلى لهم جل جلاله). وهو حقيقةالإتيان والتحوّل في صورة مَشهوديهم بشاكلة معبودهم على سنة التجلي والتنزيل.. وهذه من حقائق كشف الساق يوم التلاق،فمن أطاع حجاب المعبود أمكنه السجود ومن إستولى عليه الجحود صار ظهره طبقة كالجامد الجلمود (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب)..فترفع لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الأمم.. فكانوا تحت ستر صورته المحمدية ووَراء شاكلته الأحمدية كالبنين في صلب الأب والجنين في بطن الأم،فهم أعيان في عين واحدة لا ينقسمون ولا يتبعضون،وإنما هم أسماء في السبع المثاني ومُثُل في روح المعاني..
واعلم أن الكرسي العزيز،الذي هو محل القدمين وإنقسام الواحد فيه للإثنين،مُميّز الشمال واليمين بالتقبيح والتحسين. فكان منه قَدم الجبار حيطة النفس الغضبية وصبغة الصور اللّهيبة من حيث الملكوتية،وكانت العين الإبليسية والنكتة الشيطانية جُزؤه الحاصر لكل من حيث عالم المُلك على نسبة ما تقدّم أنه موضوع بالجزئية حاصر للكُلية. كما أن القَدم الصدق هو حيطة النفس الرضوانية الجامعة للصور النّعيمية وكانت الميكائيلية جُزؤه الحاصر لكله بالحكمة الجزئية،نسبة كنسبة وحكمة كحكمة. فكما تلك روح خلافية،هذه روح طواعية. وكانت القبضتين بحكم هذه اليدين من القدمين. وبما كانت الآدمية عين جَمعهم وموضع طاعتهم وسَمعهم،فإن أخذت في الإتّصافات بالشيطانية حُشرت فيها،وإن أخذت في الإتصافات بالمَلكية حشرت معها،وإن إتّصفت بالإنسانية كانت بها لأنها لها وضعت ومن أجلها نَشأت. ف”الإنسانية”عقل إلهي لا تعرف إلا الله ولا تتحقّق بشيء إلا إياه،فهي مرآة التقديس والتنزيه والتوحيد المُوقّر النّزيه. و”المَلَكية”عقل روحاني عبداني،طاعة في غير (الغير الإنسان،فنسبة الطاعة للمَلك والمعصية للشيطان بحُكم الوضع التكليفي في الإنسان)،لا تعبُد إلا الله ولا تسجُد لشيء سواه وهو الخيّر بالذات. و”الإبليسية”عقلعبداني،خلاف في غير،لا تُطيع إلا إياه ولا تُحبّ شيئاً سواه وهو الشرير بالذات. ومن هنا سرّ إسم جبريل: لأنه مركب من “جَبْر”،وهو قدم الجبار وهو حجاب الغضب الرباني والإقتصاص الحُسباني. و”إيل” وهو آل للتأهيل والوَلا،ويُقال إنه إسم من أسماء ذي العُلا،وهو حجاب الرحمة الرباني والمزيد الرحيم الرحماني،فهذه النفس التي كتب الله عليها الرحمة (كتب ربكم على نفسه الرحمة)،وتلك النفس التي حذّر منها النّقمة (ويُحذّركم الله نفسه)،فذاك كتاب الأبرار وهذا كتاب الفُجار..
واعلم أن “الناهي” هو الماسح على العين الآدمية والمُفيض عليها الخلعة الرحمانية الربانية،و”المَنهي” هم الصورة الذريّة من القبضة الجنوية (نسبة إلى الجنّ) والقبضة النارية،ونَسب الحُكم في الخطاب لآدم بالتّعيين لأنه حضرة جمعتهم أجمعين،وهو في الحقيقة عرش الآمر الناهي وكُرسي الحاكم القاضي،فاحذر أن يزلّ بك قدم الرّسوخ عن صراط العرفان ويَكبو بك جواد الفهم في ميدان البيان واسمع من معلم القرآن (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان). وكان النّهي بالوحي الملكي في تنزّل الجبريليات الحكميات المنزلة عن الحضرات المحمديات بالتجليات الرحمانيات إلى المشاهد الآدميات الربانيات والمشارق الشمسيات القمريات بالإخبارات النبويات إلى عموم التبعيات،وهذا أول الحدود التشريعية والإلزامات التبعية في النهي والأمر والقسر والجبر،وأما عهد (ألست بربكم) فإنه عقدإيماني وشُهود عرفاني وَحداني،فهذا أصل لهذاك..
==الإنسان جامع للروحانية ومَظهرها “الروح”،وللطبيعة ومَظهرها “النفس”.
واعلم أن النفس (المبطونة في الشجرة) لا تُخالف نِزاعاً،وإنما تُخالف طِباعاً. بخلاف النفس الإبليسية فإنها تُخالف عناداً وفُجوراً،وتأمُر تلبيساً وغروراً،وتَعد إيهاماً وتخيّلاً وزوراً.
واعلم أن إبليس صار لهذه النفس (المبطونة في الشجرة الآدمية) قريناً وبها على إغواء الإنسان مُستعيناً،ومَحلّها (النفس الطبيعية) من هذه الصورة الطينية في العلقة الكائنة في القلب الذي هو المُضغة اللحمية الصنوبرية،فما من رقيقة من هذه النفس الطبيعية إلا ولها رقيقة من النفس الشيطانية الإبليسية،وهي (النفس الطبيعية) التي قال فيها صلى الله عليه وسلم (أعدى عدويك نفسك التي بين جنبيك)،وليست هذه النفس التي قال صلى الله عليه وسلم فيها (من عرف نفسه عرف ربه)..
==غُصَص الموت تصعُب بكثافة الطبع،وتَسهُل بسهولة المطبوع في الوضع. فالمؤمن الهَيّن الليّن له الهين واللّين والأمان والتأمين،والكافر له الحرج والضّيق والتّعسير..
==إعلم أن “جبل قاف” صورة مَلك الجبال والأحقاف،و”الحية الخضراء” صورة مَلك الأرض السُفلى والقعرة القعرى،هي في مصور الجن وتخيّلهم المُستجنّ. وهذا يعرفه أهل الرياضات ويَشهده أرباب الكرامات إذا تلطّفت كثافة تصوّر صورتهم وتشبّحت جسمانية جسم طينتهم. وفي هذا البرزخ المستور المُصوّر معنا في هذا الصور تكون مُشاهدات عجائب وكائنات غرائب.
==(تصور وتصديق): الإحاطات العَليات الكُليات هي: (الوجود والعدم والدّهر والخَلا).
“الوجود”: إمتناع النّفي. و”العدم”: إمتناع الثّبوت. و”الدّهر”: إمتناع القَبْل والبعد والآن،وهي الأزمنة الثلاثة. و”الخَلا”: إمتناع الأيْن.
فلولا إمتناع النّفي لإنقلبت الحقائق وتنافت لوازمها،ولما تَحصّلنا على شيء من معارف الوجوب والإمكان في المعاني والأعيان.
ولولا نفي الإثبات لوَجبت الإحاطة بالذات والصفات الواجبات من حيث هي معلومة من جملة المعلومات،ولأنه لا بد في ذلك من التصور حتى يتمكّن من التصديق،وهي لا مُتصوّرة ولا جائزة التصوّر،ولكان يلزم زيادة كيفيات عند وقوع المُحدثات ولصَدقت كل المُتخيلات في شُبهة التّشبيه في القياسات.
ولولا إمتناع الأزمنة الثلاث للَزم التقدّم بالحين والوقت،ولكانت نهاية من وجه توجب الحَصر في النّعت.
ولولا إمتناع الأيْن لوجبت الجهة والملأ بالجسم وتعيّن الكَمّ بالقدر،ولتعيّن المكان بالشخص.
ولولا هذه “الإمتناعات”ما تميّزت الحقائق الواجبات من الحقائق المُحدثات،فإذا كل إثبات بالنظر إلى النّفي وَهْم وخيال،وكل نَفي بالنظر إلى الإثبات وَهْم وخيال. هذا من حيث هي إمتناعات وسُلوب عن إمكانات ووُجوب،وبما كان من الكلمة والسرّ المكتوم المُنتظمان في السّلك المنظوم،فالسرّ ذات الكلمة الجامعة المُحكمة وهي تقوم هذا المقام بسرّ النظام في الوجود والإنعدام. فالكلمة مربّعة تربيع صفات الموصوف،لا تربيع الإستقبال: فحقيقة كشف وحقيقة إنكشاف،وحقيقة علم وحقيقة معلوم. أما “حقيقة الكشف والإنكشاف” فكالتصور والتصديق المطلوبين،ثُمّ تفصيلها في نفسها أربع كلمات من حيث تجليات الذات. وحقيقة (أول التربيع التفصيلي في الكلمة) تجليات الذات تعيينات علميات في الإتصالات لتعيين الموج في البحر مثلاً،والتمثّلات (ثاني التربيع التفصيلي في الكلمة) بالذات تفصيلات علميات معنويات كإنعقاد الثلج من البحر في نفسه،وهذا (التجليّين السابقين) كله في غيب علمي. والتجليات بالصفات هي كالتجلي الذاتي،غير أن هذه في المُشاهدات المَرئيات: فما كان منها مُتّصلاً (ثالث التربيع التفصيلي في الكلمة) كان بالرحمانيات،وما كان منها مُنفصلاً (رابع التربيع التفصيلي في الكلمة) كان بالتنزلات والتمثلات والروحانيات،فكل تجلّ تنزيل مُتّصل وكل تَمثّل تنزيل مُنفصل،وكل تجلّ وتمثّل بالذات غيب وبالصفات عَيْن. فالتجلّي بالذات عالم القدرة،والتجلي والتمثّل بالصفات عالم الحكمة. الأول في إمتناع نَفي وإمتناع إثبات،والثاني في إمتناع آن وقَبْل وبَعْد وإمتناع أيْن ومكان وشخص.
وأما تربيع العُروش فهو لتعيين عين في زمن فرد،وهو أول فرض حُدّد وُحّد وعُدّد بالزمان والشخص والمكان،وفُصّل بالأزل والأبد والقبل والبعد والأمد،ولكنه لقُرب مرتبته من الدّهر والخَلا يَقع فعله كَثرة في فردانية دفعة واحدة،ولحركته بالسريع البديع لا تتصورّه الأفكار ولا تُصوّره الأبصار. فيكون “العرش الثاني” يفرض في زمنين ويَكثُر في فردين وينقسم في كلمتين،فيستقرّ القرار للأفكار بالأشعار لا بالأبصار. ويكون “العرش الثالث” في أزمنة ثلاثة،فيثبُت التصوّر الروحاني ويتجلّى بالتحكّم الفُرقاني ويَلحظ الإدراك جملاً مما هناك. و”العرش الرابع” في أربع كذلك،فيستقرّ قرار القرار للأبصار والأفكار،فيُقال في الزمان الفكري خمسين ألف سنة لما فيه من تحصّلات روحانية وإنفعالات لطيفة كثيرة في أزمنة عقلية فَهمية ربانية إحاطية،فالذي يتصوّره الإدراك في الزمن الفرد بالفَهم لا يتصوره الإدراك بالفكر إلا في خمسين ألف سنة،وكذلك الإدراك بالفكر الذي يتصوره في زمنين لا يتصوره الحس بالإحساس إلا في ألف سنة،والذي يتصوره الحس بالإدراك في ثلاثة أزمنة لا يتصوره الحسّاس بالمحسوس إلا في سبعة آلاف سنة،والذي يتصوره الحسّاس بالحسّ في أربعة أزمنة لا تَفي به الأفعال الجسمانية بتشخصاتها العَينية إلا في أزمنة متفاوتة في الطول والقصر بحسب ما يكون اللطف في الطباع والوزن في الأوضاع.
فالعرش الأول المفروض في الزمن الفرد هو الجَعْل،لا يتعيّن فيه قبل ولا بعد ولا أين ولا شخص ولا غير ذلك مما هو موجود ومعلوم،وكلذلك لا أزل ولا أبد. والعرش الثاني بالتنزيل أبْيَن وأقرب. والعرش الثالث أدنى وأظهر. والعرش الرابع أظهر وأحصَل وأقرّ وأمْكن.
==(تحقيق الصفات): الصفات حقائق في إنكشاف،مُعَلّلة بموصوف في كَشف بتعلّقه في الإحاطة بمتعلقات معلولات لمُتعلقاتها،والعلل مشروطة في تعيينها بانحصار أنواعها في أشخاصها. فإذا تَعيّنت “الحياة” بطُن فيها “العلم والقدرة والكلام والإرادة والسمع والبصر”،وشرط هذا البطون بَقاء تعيين ما بطن بحُكم الإنحصار. فكل صفة فيها كل صفة باطنة من تعيين صفة،والمعلولات موجدة لا موجبة أمثالها في مادة هيولانية قابلة للنّفي والإثبات بالتحليل والتركيب،وهذه حقائق الأقلام والألواح في الأرواح والأشباح،أعني بها المعلولات لا العلل.
والصفات إما أن تكون غير زائدة على موصوفها في عالم القدرة أو زائدة عليه في عالم الحكمة،والزيادة من سرّ التجلّي لا غير. وكونها معيّنة في حيطة واحدة،هي الحيطة الثامنة (الذات)،”رحمانية”. وكونها مُعيّنة على إنفراد في التنزيل المِثْلي (التنزيل الخَلقي) “ربوبية”. فجامعها (الرحمن علّم الإنسان)،وعلى الإنفراد كالمُثُل المعلّقة،وهذا (إنفراد الصفات بحسب التنزيل الخَلقي) من حيث القَلمية واللوحيّة (خلق الإنسان علّمه البيان)،وكونها مَثاني لتحقيق أمثاله المعلولات بعللها. فلا بد لكل حيطة على إنفرادها من دورة ودائرة،حتى إلى جامعها (الذات) وهو سابع سبعتها،وكونها تُثني فيه (في السابع أي الذات) أيضاً ليتعيّن ما بطن في كل مُتعيّن من السبعة. فتكون كل دورة،من آدم إلى عيسى،دورات ستة،باطن كل دورة منها سبع دورات. وفي دورة سيدنا محمد،وهو سابعهم،باطن فيه أيضاً كذلك من حيث هو سابعهم،ومن حيث تعيين ما بطن في كل دورة هو ثامنهم،فيتعيّن في زمانه سبع دورات،في كل دورة منها سبع دورات،فمن حيث هو سابع ألف سنة (اليوم المحمدي ألف سنة)،ومن حيث هو جامعهم بحكم التعيين المذكور فتسعة وأربعون ألف سنة،إذا ضربت كل واحد من السبعة آلاف في سبعة آلاف فهذه السبع المثاني والقرآن العظيم هو الحيطة الثامنة وهو جامع إجماعهم ومرآة كشف أعيانهم،وهي الحيطة التي فيها تتعين أعيانهم،أعيان في عين واحدة،وهذا يوم جمع الجمع وجامع الإجماع،فيكون تتمّة الخمسين ألف سنة بالنظرإلى ما فيه من الجمع..
وهذه الحقائق (الحقائق الجمعية المُتجلية في الأدوار السبعة) هي المُعبّر عنها ب”القلوب الإلهية التي وَسعت التجليات الإلهية”،ومعلولاتها هي الأقلام المعبر عنها ب”العقول الربانية التي وسعت التنزلات الفرقانية”: (لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن) و(ينزل ربنا إلى سماء الدنيا في كل ليلة). ف”القلب عرش رحماني إلهي”،لأن القلب بيت الرب. و”العقل كُرسي رباني فرقاني” (كتاب أحكمت آياته ثم فصّلت).
وثامن الأيام المحمدية،وهو ثامن مائة (مائة إسم لكل إسم يوم)،هو منارة الأنوار ومَنار سريرة الأسرار وحضرة حضرات البَها والوقار،وإليه تنتهي الحضرات المحمدية والإحاطات الأحمدية بما فيها من إحاطات ربانية وحضرات رحموتية بتجليات رحمانية بأسماء ومُسميات وصفات وموصوفات. فيكون هذا اليوم سبعمائة ألف سنة،بما تَمّ من مائة إسم من الأسماء الحسنى للمُسميات السبعة الحقائق الصفات العُلا على إنفرادها بالدقائق والحقائق،وتكون على هذا التكثّر الحياتي (الصفات الستة مُتعيّنة في باطن صفة الحياة) والتدقيق الزماني بغاية التفصيل الفرقاني أعيانُهم المُتعيّنة فيه (اليوم المحمدي)،والتفصيل بهذا التقرير والتنزيل والتوصيل والتفصيل أعيان موجودات وتصورات مُفردات في صور قائمات (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً).
==(نَظن النظام القديم في سلك مَسلك: بسم الله الرحمن الرحيم): وبما إتّسع الأمر إتّساعاً وتَربّع العرش أرباعاً في النظام المعلّم والإحكام المُحكَم،ف”مُلك وملكوت وجبروت ورحموت”. وكل عرش ،في نفسه وحَضرات قُدسه وأنسه،يُفيد قسمة ما في جُملة مَقسومه،فلكل عرش: رحموت إستواء وكرسي وأرض وسماء. فلكل واحد منهم (العروش الأربعة)،في نفسه،مُلك وملكوت وجبروت ورحموت. فتكون الحقائق لكل منهم: صفات رحموت إستوا،وحَملة عرش مُستوى محمولة في كرسي البَها،فاتقة في الأرض والسما،وهي الدقائق والرقائق والحقائق والمُحيطات اللواحق في الإحاطات السوابق. فبفَتقها في السماوات تكون سبعويات وهي الأوامر الموحاة في كل سماء،وهذا وحي من الله،ووحي بما أوحى (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). فالأمر هو مُريد الكون ومُكوّنه بالتكوين،وهذا هو “وحي الأمر” وهو في نفسه وحي الله. وعلى هؤلاء (وحي الأمر) يقع المحو والإثبات أو النسخ في تبديل الآيات بالآيات،وهم من حيث هم لا تبديل ولا تحويل (لا تبديل لكلمات الله). فعلى هذا: “الأمر وَحي الله وكَلمته،والكون وحي الأمر وكلمته”..
(العروش الأربعة): مُلك (آدم)،ملكوت (إبراهيم)،جبروت (موسى)،رحموت (عيسى).
فنزول آدم عليه السلام كان لتحقيق إخراج ما في القوة إلى الفعل،وهو إتحاد كل واحد في آحاده التي كانت مُتّحدة فيه،فيتبيّن بالتفصيل الفرقاني في التصديق الإيماني والحكم المُحكم الإنساني أن النّزل كان بالسماويات والأرضيات والكُرسيات والإستواآت العَليات والمُستويات (العروش). فأما بالتربيع (آدم وإبراهيم وموسى وعيسى) فهذه كرسيات وسماويات وأرضيات،ولكل أرض وسماء من هذه جنات سبع،ولها حقائق هي أقمار مقاماتها وشموس حضراتها ونجوم درجاتها،وهي مُتبيّنة في الصحابيات والتبعيات والورثة النبويات..
واعلم أنه كل ما كان في الإسرائيليات (النبوات السابقة للظهور المحمدي)،من الآدميات والإبراهيميات والموسويات والعيسويات،كُرسياً هو في المحمديات عرش. وما كان فيهم جنة هو في المحمديات فردوس. فالعروش الأربعة في المحمديات فردوس صحابيات وعروش صديقيات لمستويات رحموتيات وحضرات قُدّوسيات لتجليات رحمانيات في بواطن غيوب لاهوتيات. فأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ: هذه الأربعة الصحابيات والخلفاء الإماميات،أولهم بآدم وثانيهم بإبراهيم وثالثهم بموسى ورابعهم بعيسى.
واعلم أن القرانات بالميكائيليات (الصور المثالية) التي تنزّلت مع الآدميات بالكلمات التامات الرحموتيات،تمّت من حكمة مَلكيّة (الأرواح المجردة) في بطانة فلكية (النفوس الإنسانية) هي من أحكام التشكّلات بالتمثّلات في التنزّلات الروحانيات،فما كان منها (التمثلات) باطنيات كان بالإنفهاقات الجبريليات التي كانت يأتي بها جبريل لسيدنا محمد في مثل صلصلة الجرس،وهو النوع الأشقّ والأثقل والأشدّ،لأنه تنزيل القرآن (التنزّل الباطني) على القلب الكريم بالنبأ العظيم.. وما كان منها ظاهريات فيما كان يأتيه جبريل في الصورة الإنسانية والمثالية الدّحييّة،وهذا النوع أخفّ وأهون وآنس وألين وأقرب،وهذا بما يكون من تشريعات فرقانيات وأحكام عمليات وآيات بينات. فالأول باطن وهو محكم القرآن،وهو الذي يكون برفع القرآن أولاً حين رفع القرآن. والثاني الظاهر،وهو تنزيله بالفرقان،وهو الذي يرفع آخراً عند تناهي الأزمان. وهذا التمثّل الظاهر هو التنزّل الذي يتنزّل به جبريل في عموم النبيين وكافة المرسلين،والتنزيل الباطن خاص بسيدنا محمد سيد المرسلين وإمام المتقين (لأنه مظهر الجمع الأعظم فله التنزلان).
واعلم أنه ما كان في حق الأنبياء بالتنزيل الجبريلي بالوحي الفرقاني في التمثّل الإنساني خاصاً في مشاهد النبيين والمرسلين بالوجه الذي هو به جبريل،ولخواص الأولياء تمثّلاً ميكائيلياً (لأن جبريل خاص بالأنبياء) بشرياً وَلائياً. فإذا تَبيّن هذا فاعلم أن: “إدريس وإلياس والخضر ويحيى” (مقامات أربعة لكل مُشاهد بحسبه) هُم بالقرآن المَلكي الميكائيلي في الشكل البشري الولائي وغير الولائي (لما يظهر لغير الأولياء من روحانيات كالكهنة). فإدريس في الآدميات (عرش المُلك)،وإلياس في الإبراهيميات (عرشالملكوت)،والخضر في الموسويات (عرش الجبروت)،ويحيى في العيسويات (عرش الرحموت)..
واعلم أنه ما من عرش من هذه العروش الخلافيات الإماميات إلا وله كرسي من بقية العشرة الصحابيات،هو موضع فرقانه وتنزّل بيانه وتبيانه.. وبما هي سُنة التربيع مُحكمة الإبداع مُتحكّمة في الأوضاع،فيكون كل عرش أيضاً منقسماً إلى أربعة،وكذلك المُنقسمات تنقسم بالتربيع إلى تقسيمات (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً)..
فمن تحقّق بحقائق التجريد وحَقّت له كلمة التوحيد،إستخلاصاً وإستحقاقاً وإستهلاكاً وإستغراقاً،كان محمدي الأمة (متحققاً بالظاهر الفرقاني المحمدي) أحمدي النّسبة والعصمة (متحققاً بالباطن الجمعي الأحمدي). ومن تحقق بحقائق الإيمان وشَهد مشاهد العرفان في شواهد الإحسان ومن وراء حجاب كرسي الفرقان،كان إسرائيلي النّسبة في نظام هذه الأمة،وهذه أحكام سنة الحكمة في الحشر والنّشر،ومن إستولى عليه عارض الغير والسّوى نَزل عن قُدس الإستواء ودخل بالغير في حكم الغيرة والإستيلاء،ومن جَهل نفسه فقد جهل ربه. فهذا متى تمسّك بعصمة التبعيّة في التشريع والتجريد،والعقد في التوحيد بالتقليد،كانت له نسبة بحُكم الشفاعة..
واعلم أن التقسيم (تقسيم الدرجات في الجنة) بالتخصيص والتعميم هو في عموم الأمة،لا في الخاصة من الأمة الأميّة الأئمة،فإنهم عين الأعيان وجوامع إجماع الإيمان والإحسان وإحاطات حيطات العرفان ووُجوه الوجه المقدّس الكريم مشرق (باسم الله الرحمن الرحيم)،يتعيّنون بتعيّنه حيث ما تعين ويَتبيّنون ببَيانه حيث ما تبيّن،فهو عين أعيانهم والمُتجلّي في حضرة مرآة معارف عرفانهم.
==(تحقيق السبع المَثاني وأرواح الأواني والمعاني): إعلم أن هذه الأرواح (المُتنزّلة على القلوب) والحقائق والرقائق والدقائق،كانت للإسرائيليات ب”الإرساليات والنبويات”،وهي في المحمديات ب”القُطبيات والوَلايات”. وبما كان عصره صلى الله عليه وسلم كله جمعيان،فلكل مائة من زمانه جُمعة من جُمعه وعصر من عصوره مَطلعُه. وبما قال صلى الله عليه وسلم (إستدار الزمان كهيئته يوم خلقه الله)،فكانت كل جمعة من هذه الجمع الجامعة سبعة أيام،كل يوم مشرق شمس من شموسه الطالعة،وهي سبع جُمع في كل أفُق ومَطلع،والجمعة الثامنة مُصلاّها جامع إجماع جوامع جُمعاتها ومَنارة منارات منابر عروش إحاطات رحموتيات رحمانياتها،وهذا هو العصر المُقسم به (والعصر إن الإنسان لفي خسر). ولأنه يوم فيه يختم على كل قلب بما فيه،فإن كان حقاً ختم عليه بحق وإن كان شكاً ختم عليه بشك (سيجزيهم وصفهم)،ولذلك قال (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). وهذا هو اليوم الذي يُرفع فيه ظاهر القرآن لَمّا رُفع باطن القرآن أولاً،ولأن الربح والخسران متعلقان فيه بالإنسان (النفس البشرية) لا بآدم (الجسوم) الأعيان. ولأن في عيسى ختمت الدورة الآدمية والأزمان الدنيوية،وفي الزمن المحمدي تجلّت الأزمان الأخروية والدورات الإنسانية (بظهور العلم المحمدي). ولذلك أخّر نزول عيسى إلى آخر الزمان حتى يرتفع الإنسان بحضرة الرحمن،ويكون القيام على الآدمية والأبدان وتحقّق الأديان بين يدي الديّان. وهذا (اليوم الأخروي) يوم الفرقان،وهو ظاهر القرآن،وبما قال تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم)،وحقيقة المَعاد تكرار منارة الأنوار على كل دائرة دار..
فلما إنقضت جمعة الخلافة الأولى التي كانت بجَمعه الأبهى وصَدره الأزهر الأزهى،وبما قال (لا يبقى في المئة الثانية ممن على وجه الأرض اليوم أحد) فبيّن صلى الله عليه وسلم إنقضاء كل عصر من أعصاره بما فيه من حُكم وأحكام وعلماء أئمة وأعلام. ولأن الزمان الثاني يأتي بحُكم المثاني،ولكن في خلع علوم معارف وأحوال ومظاهر أحكام وحِكَم وأقوال وظواهر رسوم وأفعال وأعمال،وبما قيل (لكلزمان دولة ورجال) هذا من حكم النسخ والتبديل بالتخفيف والتثقيل (ما ننسخ من آية أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها) وهذا النسخ نَسخ بطون وجَمع لا نسخ إعدام ورَفع،فلا يزال ذلك العين العلم المُعلم والمعنى العالم المُعلم المُحكم يتطلّع في مطالع كل جمعة من جمعه بعين أعيان مطالع طَلعته في خلعة من تكوّنات خلع خلعته،حتى ينتهي إلى ثامنه وجامع سبعته فتكون هذه العين الطالعة وجامع سبعة الجمعة هو الرجل الذي يبعثه الله على رأس كل مائة يُجدّد لهذه الأمة دينهم،وهو تجديد في بطانات الحياة وإمساكات القوى،وهذا هو الجامع الرباني والعين المحمدي الرحموتي الرحماني،وله في وقته سبع من المثاني وهو أيام الجمعة وحقائق البطانات السبعة. فأسّهم وأساسهم ورئيسهم ورأسهم هو القطب الأسنى،وهو القائم بين يدي العين المحمدية والطلعة الأحمدية،وهو الذي قال فيه ورجل من أمتي على قلبي) فهو القائم تُجاه الوجه الأعلى بحكم المُسامتة على خط الإستوا،وهذه حقيقة الموافقة والمطابقة كالبدر مقام النائب قلبي المُستفيد من نور الشمس (مقام الختم روحي) إذا كان معها على خط الإستوا،وإنما هذا (القطب الخاص بالتصريف لا ينحرف أبداً شديد القوى لا يَضلّ ولا ينسى. وهذا هو الواحد الغريب والمُقرّب الحبيب وسيد الغُربا ونائب حضرة البَها سيدنا محمد المصطفى،إذا الختم تَرقّى إلى غيب بطانة بطانيته وتجلّى في حجاب رحمانيته،فيكون هذا (النائب) “بين يديه” (أمامه) في مقام نيابته بتحقيق محمدية سيادته،وهو النائب بخاصية المثالية الجبريلية الدحييّة التي كان فيها المَلك رجلاً يُكلّمه كفاحاً. وعن شماله (الختم) الفرد والمحقّق والعارف. ف”الفرد” له العلم الخاص في الزمان الذي لم يعلمه قبله عقل ولا خَطر في جنان ولا فاهَ به فَم ولا نطق به لسان،وهذا هو الهُوية المُرسَلة (هوية الإسم الظاهر) مع الهوية السارية هوية الإسم الباطن . و”المُحقّق” هو المُستهلك في التوحيد بالكُلية والفاني في الوحدة الإلهية،وهذه درجة الجلالة. و”العارف” هو القدم المكين والروح الحافظ الأمين،وهو درجة الرحمانية.
وبما قلنا في العروش الأربعة (المُلك والملكوت والجبروت والرحموت) الذين هم مستويات المحمدية،ولا يزالون معه بالمعيّة. وبما ذكرنا من الخاصية الثلاثة (الكرسي والسماء والأرض) في العلوية،وهم “علي وعيسى ويحيى”،وكل تثليث عرشي. الأول بالخاصية،والثاني بالخاصة،والثالث بالخصوصية. ففي هذه الحيطة العرشية: عليّ بخاصية الفرد،وعيسى بخاصية المحقّق،والعارف بخصوصية يحيى،وبما قال (ورجل من أمتي على قلب عيسى)،وهؤلاء عن يسار القطب (القطب الختم). وعن يمينه الغوث والخليفة والإمام: ف”الغوث” هو موضع الصدّيقية وحامل التجليات الربانية والمٌختطف عن العوارض البشرية بالكلية،وهو السميع المُطيع بالذات لما يتجلّى عليه من إنفهاقات الأسماء والصفات،وهذه حقيقة الغوثيّة،إذ لولا حقائق الصديقية وقوابلها الراضية المَرضية ما تفتّحت الأبواب الغيبية وتنزّلت الإخبارات الصادقيّة بالعلوم اللدُنية. و”الخليفة” هو خزانة الأمانة،وحرز الوفاء والصيانة،والحكم بالعدل والعدالة،فهو مُصرّف القسم العرفانية في البواطن الإيمانية والمشاهدات الإحسانية والشواهد الإسلامية. و”الإمام” هو وجه مُواجهة القلوب بمطالبها والعقول بمذاهبها والإدراكات بتصوراتها،فهو حضرة قرب المُقربين وإليه تنتهي أقدام السابقين،وهذا هو عرش الأبي بكري. فالغوث بالخاصية الأبي بكري،والخليفة بالخاصة الآدمية،والإمام بالخصوصية الإدريسية. وهذه السبعة وجوه كرام وبُدور تمام وحضرات سَلام،بين يدي العين المحمدية والحضرات الوحدانية الأحمدية،ولكل واحد من هذه السبعة العُلا مائة من الأسماء الحسنى فهي حضرات تجلّيه وقُدس تدلّيه وتدنّيه،ولكل إسم من المائة إسم مائة إسم هي له تسمية كُنى بحيث يتحقّق “الهو والأنت والأنا” وهي درجات نزوله في تمثّلاته وعيون ظهوره في تطلّعاته،فمجموع هذا الجمع الأوفى والنور الأظهر الأخفى سبعون ألفاً (سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب)،ثمّ وَصفهم فقال (هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون)،ثمّ وصفهم في دخول الجنة وقد شبّه وجوههم بالبدر نوراً ونوعاً،ثمّ سُئل في الحديث الآخر: هل نرى ربنا؟ فقال (أتُضامون في رؤية الشمس) فأشار إشارة مُوقّرة مقدسة مطهّرة إلى هذه الحُجُب الوَجهيّة القمرية الشمسية،وهم (أي السبعون ألفاً: نواب الختم السبعة) حُجب ربانية وتجليات رحمانية.. فإذا إنكشف غطاء البشرية وإنفكّ طابع طباع الفخارة الطينية،ظهرت أسرار هذه الحقائق القدسية (التي تحقق بها الرجال)،ولأنها كلها أسرار إلهية وأرواح رحمانية وأفئدة ربانية وقلوب أحمدية وعقول محمدية وأنفُس مَلكية جبريلية وإدراكات ميكائيلية،وعلى الجملة والتفصيل كلها أسرار إلهية وأنوار رحمانية في تجليات ربانية وتمثلات روحانية رحموتية جبروتية ملكوتية مُلكية..
فقد تفصّلت أسرار العين المحمدية بالعرشية العَلوية والعرشية الأبي بكرية،وتتنزّل من هذه الجبروتية إلى الملكوتية بحيث العرشية العُمرية والعرشية العثمانية وهي الأنوار “الوتديّة”. وبما كان الإثنان اللذان بَقيا من الصحابة العشرة: أحدهما بخاصيته الكبير الكَهفي والنور الأزهر المُستخفي في كهف كَنف القطب الذي على قطب سيدنا محمد،وكان هذا الكبير الكهفي هو الوتد القائم بين يدي القطب.. وهذه القطبية الوتديّة هي موضع تثبيت الفرقان وسَكينة تَقلّب قلب مَسكن الإيمان،فتحقّق بهذا أن ثَمّ تَقلّبات قلوب بمُقلّبات غيوب،وأن ثَمّ سكينة إيمان وتأييد روح أمان (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه)،وهذه الروح السكينة القدسية هي حقيقة القطبية الوتدية الخاصية الصحابية والكَهفية. وهذا الوتد عن يمينه “النقيب والنجيب والحافظ”: ف”النقيب” بخاصية حق اليقين،وهو حصول عين الخبر في المُخبر له. و”النجيب” بعين اليقين،وهو تحقيق الخبر في عين المُخبر. و”الحافظ” بعلم اليقين،وهو حصول الخبر قطعاً بتصديق المُخبر. فهؤلاء عن يمين القطب الوتدي،وهم بخاصية “عمر وإبراهيم وإلياس”. وعن يساره: “البَدل والخفير والصالح”،وهم بالإحسان والإيمان والإسلام. ف”البدلية” إنتقال من غيب إلى شهادة ذوقاً،وهذا هو الإحسان (أعبُد الله كأنك تراه) وحقيقة بُطون البشرية في الروحانية البدليّة (إن يشأ يُذهبكم ويأتي بخلق جديد)،(يوم تُبدّل الأرض غير الأرض) فهذا تبديل بالصفات لا بالذات،ولولا حقائق البَدليّة ما تَرقّت القلوب في الدرجات ولا عَرجت القلوب إلى الحضرات. وأما “الخفرة” فهي تحقيق الإيمانية بما فيها من صديقية غيبية تنفي عارضة رَيبيّة ودقيقة حالية،وبنور تصورات إيمانه يغفر شائبة الشرك الخفيّ ويَستُر بستر إخلاصه النَيّر الجليّ.. والفرق بين هذا الإيمان والإحسان: أنه قال صلى الله عليه وسلم (أعبد الله كأنك تراه) فهذه رؤية إلهية،وهذه الرؤية الإيمانية رؤية عرش الله مع وجود جنة ونار،والأولى رؤية الله مع نَفي الأغيار. وأما “الحافظ” فبخاصية الإسلام وحقيقة الإنقياد والتسليم والتفويض في الأحكام،وبما جعل الله التسليم للقضاء شرطاً في الإيمان (فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) فأكّد الإسلام بالتسليم وحَقٌّ التخصيص في التعميم،وهذا حقيقة الحفظ،ولولا الأخيار لهَلكت الأغيار (لولا أطفال رُضّع وبهائم رُتّع وشيوخ رُكّع لصَببت البلاء عليكم صبّاً)،وهذا الحافظ المسلم مَوضع نَظر الحق عند تنزيل الأرزاق للخلق. فالبدل بخاضية عثمان،والخفير بخاصية موسى (رجل من أمتي على قلب موسى)،والحافظ بخصوصية الخضر. ف”العُمريات أقطاب في العلم اللدُني”،و”العثمانيات أقطاب في الحال”،وهؤلاء يتزايدون في العدد ويتكاثرون في المَدد حتى يكون مع كل واحد من السبعين ألفاً المُتقدّم ذكرهم سبعون ألفاً من هؤلاء،كلهم شموس عُلا وأقمار بَها ونجوم هُدى..
وأما الكراسي الأربعة التي تقدّم ذكرها في الصحابيات،وهي ظواهر على الغيوب العرشية وبَطائن للظواهر المُلكية في السماوية والأرضية،بل هي أعيان عيونهم وموازين أحكام ترجّح ظنونهم وتبيّن موجودات أوهام أفهامهم في فُنونهم،وهم أئمة الإجتهاد ومُؤصّلو أصول الفرق بين الصلاة والفساد وحقائقهم عقول الترجيح والتجريح في التحسين والتقبيح،كمالِك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد،أولي المناصب المُنيفة والمراتب الحفظة الشريفة،هم أئمة الدين وحفظة المسلمين وخزنة العقد الثمين والسرّ المكين.. فمنهم المُتكلم والأصولي والفقيه والفقيه الفُروعي،هذا بالنمط الواحد. ومنهم المُحدّث والنحوي والمفسر،هذا بالنمط الثاني. والنمط الثالث من الكراسي منهم العامل المُجاهد والصابر المُكابد والمُقتصد القاصد،وهؤلاء أيضاً أقطاب في الزمان وذخائر أسرار في الأوان. والنمط الرابع الصوفي المحقق والصوفي المُتخلّق والصوفي المُصدّق،فالأول بجمع الجمع نحو ما تقتضيه علوم الصوفية،والثاني بالجمع،والثالث بالسمع،فربّ حال وصاحب حال وعبد حال،وهؤلاء هم أنوار الحضرات وأبواب أسماء سماء سماك النّهى،كما أن الكرسيين الأولين مفاتيح أبواب جنة الجزاء وديوان حساب العطاء..
==القلب بيت الربّ،وأما القلب الواسع الذي نزول الجلالة بتجلّي المقدس الأعظم جل جلاله فهو الآدمية وسرّ فطرته الروحانية ومَسكن حق حقيقته الإنسانية موضع إستوا حيطة الرحمانية..
==(المراتب البرزخية): نقول في تقسيم المراتب البرزخية بالسُنّة التربيعية التفصيلية (أولاً: البرازخ الخاصة بأهل السعادة. ثانياً: البرازخ الخاصة بأهل الشقاوة. وهذان البرزخان يُطلق عليهما: صُور إتحاديّة ومَحال حُلولية. ثالثاً: حقائق عقليات. رابعاً تصورات معنويات. والقسمان الأخيران يختصان بالبرازخ الإنسانية لأهل الجمع والإطلاق.).
تَنقسم البرازخ إلى: مَلكية وجانيّة وإنسانية وآدمية.
(المَلكية): تنقسم إلى صور إتّحاديّة (لإرتباطها بصور أعمالها) ومحالّ حُلولية. فمن حيث هو (البرزخ الإتّحادي) برزخ مَلَكي فلأنه كله مُشبّح مُجنّح ومُريّش مُطوّف ومُذهّب مُفضض ومُدملج مُنهّج،وبما قال تعالى (جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع)،وقال صلى الله عليه وسلم (إنما نَسمة المؤمن طائر يعلّق في شجر الجنة) الحديث،هذه الصورة للمؤمن صورة إتحاد،وحقيقة الإتّحاد كالروح يُمثّل بَشراً سوياً وتلك الصورة البشرية ليست عنه بخارجية إنما هي قوة روحانية قادرة على التشكّل فيما تشاء من شاكلة شَكلية،وإنما الفرق في الحقائق الروحانية (الصور المثالية): بين من يتمثّل بالقسرية،ومن يتمثّل بالإختيارية،ومن يتمثّل بالأحكام الطبيعية..
وأما (برزخ الجانّ): فكله بُراقيات ومَراكب حيوانيات وَحشيات وأهليات،وبما جاء في الحديث (أهل الجنة يركبون على نُجب من نور وخَيل)..
وهذا البرزخ (البرزخ الإتحادي) على قسمين: منه هذا التخلّق (بالأعمال للقسمين السّعادي والشمالي)،وهو بوجه التبعيّة الإيمانية والإعتقادات التقليدية. ومنه الشيطانية،وهي كلها على صورة الحَيّات والعقارب والدّيدان وجميع الخشاشات..
وأما (البرازخ الإنسانيات / لأهل الجمع والمعرفة): فهي في العوالِم الناطقة والألسنة المُخبرة الصادقة والأقلام الفاصلة الفارقة،وهي حضرات البَها وأفلاك نجوم العُلا وأساس الساق الأقوى على القدم الصدق الأرسى،وهي ما يكون بها من غيوب لاهوتية وتجليات رحمانية وتنزلات نورانية وتمثلات روحانية من حيث ما هو الأفُق الأعلى والمستوى الأسنى جلّ ربنا وعلا.. فما من دائرة دار وحضرة حضيرة منار وقرار إلا ولهذه البرازخ الإنسانيات عليها إحاطات إطّلاع ولها فيها تنزلات بإستمتاع،وهي على قسمين: بالإنسانيات،وهي ما ثَمّ من حقائق عقليات وتمثّلات معنويات وتصورات علمات في آفاق علميات،وهي (البرازخ الإنسانية) ما “لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”. ومن حيث الآدميات (البرازخ الإنسانية إذا تنزّلت في الصور المثالية) فبما ثَمّ من تنزّلات إدراكيات في مَدارك روحانيات في ألحان فُرقانيات وتَحبيرات سَمعيات (وإذا رأيت ثَمّ رأيت نعيماً ومُلكاً كبيراً).
==لكل غيب شهادة،ولكلحقّ حقيقة،ولكل باطن ظاهر،ولكل عين معنى،ولكل فلك مَلك. فالأوليات أحكامها كلها حق في حقيقة وشاهد في غيب وظاهر في باطن وعين في معنى وفَلك في مَلك. فالحق والحقيقة عبارة عن ذات وصفات،والغيب والشهادة عبارة عن فاعل ومُنفعلات،والعين والمعنى عبارة عن أقويّة ومفعولات،والظاهر والباطن عبارة عن حيطة وإحاطات..
كل ظاهر في باطنه ظاهر بحيثية جسم الحيوان،وكل باطن في ظاهره باطن بحُكم إنكشاف الساق وهو العقل المُحقّق الإنسان. فالأول الأفُق المبين وحيطة عالم الإمكان،والثاني الأفُق الأعلى وحيطة الوجوب ومَشرق تجلّي الرحيم الرحمن. وتقدير هذا المعنى أن جميع الموجودات والكائنات،من الكليات والجزئيات والغيبيات والعَينيات،في الحيطات الواجبيات بالأسماء الواجبيات والمُسميات الإلهيات والتجليات الرحيميات الرحمانيات،هي في مشرق الساق باطنة في ظهورها من حيث تَستّرها بإشراقات نورها وأسماء مُسميات وجوبها في مَشاهد شواهد غيوبها،فلا يُقال على الإنسان إنسان ولا على الحيوان حيوان ولا على المعدن معدن ولا على النبات نبات،وإنما هي أسماء قُدوسيات وصفات سُبوحيات وذوات عُلويات في حيطات وجوبيات إلهيات. فإذا تَنزّلت في حجاب الإبداع والإختراع،وأطلعت شُموس طَلائعها في آفاق إمكان طلائق الإطلاع،وتعيّنت في حجاب أعيان تعيّنات مُنطبعات الطباع،وترقّت باللّمس والذوق والشمّ والبصر والسماع مع تنوّع وتكوّن وتكثّر وتوسّع وإتّساع بتلطّف وتَشرّف وتكيّف في تمتّع ومتاع وإستمتاع وجَمعها الحسّ المشترك في حيطة إشتراك الإجماع وكَشف الخيال عن تصوّر صور لطائف كيفيات إختلاف مَراتبها برَفع القناع، فمرتبة العبد والمعبود والخالق والمخلوق والرازق والمرزوق مُحقّقة عند كشف الساق بلا نزاع. ف”الإنسان هو البرزخ المحقق واللسان القائل الصادق المُصدّق والوَسط المختار بين الوجوب والإمكان”. فالوجوب حقيقته،وهو حقّ هذه الحقيقة. والإمكان حَقّه، وهو حقيقة الإمكان (ولكل حق حقيقة)،وحقٌّ الحقيقة هو أول المبدأ وغاية المنتهى.. “فالوسط المختار الإنسان هو الحقيقة بالنظر إلى الأولية،والحق بالنظر إلى الظاهرية من حيث الحقيقة،والباطن بالنظر إلى الإمكان من حيث الحق،وحقّه هنا حقيقته،وكذلك إمكانه حقّه. وهي الأخروية بالنظر إلى الحق الإمكان،فالذي هو بالأوليّة أزَل وَحدة هو في الآخروية أبَد كَثرة”.. هذا (أي ما شُرح من تفصيل: الحقيقة والحق والوجوب والإمكان) فيما يُعطيه التنزيل والتفصيل والتجلّي والتقريب،وأما الله من حيث هو هو ليس في حقه أزل ولا أبد ولا حق ولا حقيقة ولا وجوب ولا إمكان ولا قبل ولا بعد ولا فوق ولا تحت،كل ذلك في حقائق تصور المُتصورين وترتيب مراتب عوالم معالم العالمين..
وأما الفرق بين البرازخ الدنيوية والمواقف الأخروية: فالبرزخ إنطواء المَلكة المُحكمة أبداً في عُجب الذنب فيكون الإدراك هناك يتصور ما يتصوره من وراء حجاب،وهذا الإندراج بالمَلكة هو بطون الجسم الحَساس وهو الحيوان في عجب الذنب وجواهره المُتحلّلة عنه في هذا العالم الذي هو ظاهر الصور وعالم الطباع والقشر والتصور،فليس له من ذلك الإطلاع والإستشراف والتمتّع إلا بقدر ما له من الكشف والإشراف. وأما في الدار الآخرة فهو إنشقاق عجب الذنب كإنفلاق النّوى والحَبّ وخروج الجسم الحساس منه كما يخرج ساق النبات بالأب (فتنبتون كما تنبُت الحَبّة في حميل السَيْل) فيقوم وجوداً كاملاً بجميع أعضائه ومفاصله وسُلامياته وأبشاره وأشعاره.. وقد بطنت في الجسم الحساس الروح بسرّ الجمع جواهر جسمه الحاصرة لصورة جسمانيته،وهي في ألطَف تلطيف وقد نزع عنها كثافة جسمها الكثيف. وقد ضرب الله لنا الأمثال وقرّب لنا الحقائق بكل حال.. وتبيان هذه الحِكَم أوضح من نار على علم،ولولا غلاف هذا الجسم ومَهانة طباع الماء المَهين لكُنا نرى هذا الآن في هذا الحين بالعين والتعيين،وبما أخبر الصادق (الجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله والنار كذلك).. اعلم أن هذا الجسم (الروح) المُحيط الحساس الشامل لجميع أجزائه (الأرواح الجزئية)،من كل جسم حَساس،هو “كرسي إسرافيل” (المرتبة الروحية المَلكية المُهيمنة على النفخ الخاص بالأحياء والصعق،وذلك كله في صُور الإنسان) وفَلكه وصورته،وهو حياته وقَوامه (أي إسرافيل)،وهو (الروح الكُل) أول طباق سدرة المنتهى (العالم الباطني الإنساني). والحسّ المشترك “كرسي ميكائيل” (المرتبة الروحية المهيمنة على الصور المُتنقّلة من الجسم الحساس / إفهم هذه المراتب فيك) وفَلكه المحيط وصورته،وهو قوامُه وحياته،وهو أوسط طباق سدرة المنتهى. وعالم الخيال هو “كرسي جبرائيل” وفلكه وصورته،وجبريل حياته وقوامه،وهو غاية سدرة المنتهى وأعلى مقاماتها النُهى. ويُقال عن المجموع بحُكم التّعيين: “الأفُق المبين” وهو سدرة المنتهى بوجه الجبريلية،وهي حيطة الإمكان في المعاني والأعيان،كما أن العقل (وهو مرتبة دون القلب الواسع) المُدرك المُحقّق هو ظاهر الساق وهو ما به تصوّر الوجوب تقديساً وتنزيهاً.. والقلب الواسع باطن الساق (ساق العرش)..
==سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم حضرة الحق ومرآة تجلّي الجمال والجلال والكمال (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)،وهذه حقائق إستغراق مثله عن مُماثلة الأمثال وإنفصاله عن مُشاكلة الأشكال والإتصال بحضرة الجلال والجمال في القول والحال،فإذا أخبر صلى الله عليه وسلم خَبراً أو فعل فعلاً كان القابل له باليمين أو بالشمال،فهذا يوجد فيه منه حميماً وغَساقاً وسعيراً،وهذا يوجد فيه منه عطاء ونعيماً ومُلكاً كبيراً (يُضلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً) (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً)..
== حقيقة اللواء المعقود : هو الرّفرف الأخضر والنور المُشرق الأزهر،وهو الذي كان ينزل عليه جبريل الأمين بالوحي العزيز. وهذا الرفرف له ظاهر وباطن: فظاهره ما يكون من زينة إسلامية كالوضوء والطهارة،وهي الوَضاءة والنّضارة،وبما ثَمّ من طيب وسواك وبَهجة ثياب وغير ذلك (خذوا زينتكم عند كل مسجد)،وبما سنّ صلى الله عليه وسلم من سُنن الجمال والرّشاد عند الذهاب إلى المساجد في الجُمع والأعياد (الله جميل يُحب الجمال). وأما باطنه فزينة “الصدق واليقين والإيمان والتحقيق والعرفان” (ولكن الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة) وهذه النعمة المسبوغة في الظاهر والباطن.
فهذا حقيقة الرفرف الأخضر واللواء المعقود الذي يوم القيامة يُنشر ويُمدّظلّه في المحشر فيدخُل تحته كل إمام نبوي وصدّيق تَبعي،وتتعيّن فيه الألوية تعيين الجُزئية في الكُلية،فيكون هذا اللواء فيه ألوية بعدد المؤمنين التابعين والأنبياء المُتّبعين بقدر ما تُعطي المقامات وأحكام التفصيل بالتخصيصات. فكما أن التجليات الرحمانية طائر المحمدية،كذلك اللواء كتابه المنشور وديوانه المسطور،كما أن حيطة التجليات تجليات كذلك في حيطة المحمدية محمديات،وكذلك في حيطة اللواء ألوية نبوية وولايات،وكذلك في الجنات جنات وفي الحضرات حضرات إلى ما لا يُدرك له غاية ولا نهاية. فمن حقيقة اللواء تكون الزّينة التي تكون بها أهل الجنة حسبما ذكر صلى الله عليه وسلم،وهي الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة واللواء المعقود والذكر المرفوع والقول المسموع الذي أعطيه صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر)..
==العين البشرية الجامعة للنور والظلمة: محلّ مُشابكات يقينية وشَكيّة،ومُشاركات توحيدية وشركيّة،ومُقابلات صدّيقية وإفكيّة..
==الإنسان بما هو بين القرينين: الملك والشيطان،هذا يجذبه بالطّبع إلى مخالفة الحق وهذا يجذبه بالقرع إلى مقعد صدق. فإن ثبت قدمه على صراط الصدق جاز إلى مقعد صدق،وإن زلّت القدم هَوى إلى مَهاوي جهنم. وبما هي الكلاليب المعلقة بجانبي الصراط كشوك السعدان للجذب والأخذ،فمخدوش ومُصاب ومُكبكب في الإرتياب،إما بالكفر أو بالعصيان،وبحسب الضعف أو القوة في الإيمان تكون السلامة من شوك السعدان..
==(حقيقة الميزان): الميزان نور قُدسي من نور الكرسي،وهو قسطاس التخفيف والترجيح في التعديل والتجريح،ومشكلة التحسين والتقبيح،وعلّة التعليم والتعريف،وسبب التعبّد والتكليف،ومناط الترجي والتخويف. وهو قاعدة الصراط وأساسه ومهاده ومَلاكه وإستئناسه،وفيه يتبيّن الربح والخسران والعدل والمُساواة في الأوزان. ومَدَدُهفي الإصبعين (إصبعي الرحمن) والقدمين (قدمي الصدق والجبار) والوسط العدل ومشرق الإحسان وموضع مستوى الرحمن.
واعلم أنه إليه تنتهي تفاصيل الأقلام في الأشكال والأجرام.. وهو الأفُق الذي إليه ينتهي الحفظة الكاتبون والشهود العادلون الذين لا يخفون ولا يستخفون،وفيه الجوارح والأعضاء شُهود والأشعار والأبشار والجلود..
==(حقيقة الحَوض): الحوض نهاية الصراط وإنتهاه وحقيقة حقه ومعناه،وهو خُلاصة الإيمان.. فهناك يَندفق نهر الكوثر من باطن شُرفات المَنبر (منبري على حوضي).. فلا أعلم من الحوض وأوسع،ولا أفصح من المنبر وأبدع. والكوثر يَنساب من أربعة بحار أنوار قد إلتزمت بلطائف حياة كافور الإلهام ومِسك ختام سريرة الأسرار،وهي:
(سبحان الله): بحر التقديس والطهارة والوَضاءة والنظافة والنضارة للتنزيه والنّفي لكل ما لا يليق بالنور النزيه (وأنزلنا من السماء ماء طهوراً) فهذا هو الماء الطهور المنصوص عليه في الذكر المُوقّر الحصور (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور).
و(الحمد لله): مفتاح العطا ومَنجاة الخُطا،وإثبات كل أمر محمود ومشكور،ونسبة كل حكم مُحكم في سر مَسرور أو نور مشهور في المعنى والتعيين للذي (أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين). وهو (بحر الحمد) مَدار النون بالحيوان في التنزلات الإفاضيات بالروحانيات الرحيميات من الحضرات الوجوديات للتجليات الرحمانيات،فهو حياة الأنعام (النفوس) ومداد الأقلام في الأرواح والأجسام،وإليه تنتهي إشارة أمين الحضرة بقوله (قد أصبت الفطرة)..
و(لا إله إلا الله): نَفي تجريد عن حضرة توحيد ورفع سِتْر ما لم يكن عن حضرة كشف من لم يزل،حيث تجتمع أبعاض شَمل الأمل ويَمحق فَرق الآخر جمع الأول،لا على النحو المؤوّل،وتَستغرق مَرارة الفرق حلاوة جمع فيض بحر العسل بتعليل العلَل وإجرا عسل النّعم على كل لسان وفَم..
و(الله أكبر): إثبات في مَحق بإستيلاء حقيقة على حقّ،وإستحضار حضرة سُكر في صَحو،وإستيلاء رَتق في فَتق وتمكّن مكانة أمر في خَلق،وتجلّ جلالة جمع مُجمل جُملة فُرقان في فَرق ومُحاضرة خمار خَمر وكَشف في ستر (يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم)،فلا صحو ولا سكر ولا نسيان ولا ذكر،فليس إلا الواحد بالذات في وحدات بالصفات وتكثيرات في الأفعال بالأسماء والمُسميات.
فهذه بحار الكوثر وأسرار أنوار بَصيص إشراقه الأزهر ومزاج كافوره الأطيب الأعطر وختام مسكه الأتمّ الأذفر،وأسرار حَصبائه من اللؤلؤ والياقوت والجوهر..
==(حقيقة الشفاعة): الشفاعة سَتْر سَوءة سيّئة إساءة المُسيء تبديلاً بهَيئة ماهية حُسن حَسنة إحسان صَفاء صفوة الصّفى،بشرط علاقة إختصاص خصوصية وَلاية الوليّ. وهي (الشفاعة) إنخلاع خلع أنوار تنوّرات صلات صلوات الرسول على كل مفعول ومَقول ومعقول،وبما هي صَلاة إجلال الجلالة الإلهية وصلوات مَلكات أملاك ملكوت التنزلات الربانية،مُتّصلة متواصلة كَشفاً في ستر على الأحمدية والمحمدية تعييناً من حضرة غيب البشرية بالتجليات الرحمانية والتنزلات الروحانية. فهي صلاة القريب على القريب وصلاة الحبيب على الحبيب،في تعيين وتبيين بوجوب في إمكان بمكانة وتمكين. فهو صلى الله عليه وسلم درجة الجلالة الإلهية ومالك مُلك ملكوت التنزلات الربانية،وعنه يتنزّل فيض إفاضات فضل صلات إتّصال صلوات سرّ سريانية الهُوية في غيب بطانة بُطون القلوب الإيمانية بالتأييدات اللدُنية الروحانية في حفظ لوح تنوير تسطير أرواح كتب الأقلام العلية (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) في التخصيص والتعميم بالأحمدية والمحمدية،وفي الباطن والظاهر بالجلالة والمَلكية. فما من قلب محمدي إلا وفيه خلعة إنخلاع هيئة ماهية محمدية (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) وواعظ الله على قلب كل عبد مسلم. وكما أنه لا تفترق (لا إله إلا الله محمد رسول الله) علماً وعَقداً،كذلك لا تفترق شُهوداً وكَشفاً في الغيب والشاهد والعين والمعنى. وبما قال تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) فهذه صلاته عليه بالتخصيص في التنصيص،وبما قال تعالى (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) فهذه صلاته في البواطن الإيمانية التبعيّة. فالصلاة الرحمانية في المحمدية رحمانية ربانية إلهية،والصلاة المحمدية في التبعية الإيمانية مُلكية أحمدية إسلامية إيمانية إحسانية (خُذ من أموالهم صدقة تُطهرهم وتزكيهم بها وصَلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم). فهو صلى الله عليه وسلم مُتّحد بالقلوب الصديقية،مُتوحّد في الأرواح العرفانية،مشهود شاهد العقول التبعية في إنفهاقات تنزلات فُرقان تَفرقة المعية. فكل يَشهد (الحق) في مرآه (مرآى الرسول) ويتجلّى له في مجال هَيئة خُلق تخلقاته في أخراه..
==(إلحاق ولحاق): واعلم أن التمثّل المُمَثّل والشكل المُتشكّل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم (وأحياناً يتمثل لي المَلك رجلاً)،وهو إنخلاع ناموس إستئناس نفسية نفس العقل المحمدي العبداني المُستعد لقبول إقبال مُقابلة تَلقّي إلقاء القول الرحماني سَماعاً ورؤية وتَخلّقاً وإستغراقاً وإستهلاكاً في الواجب المجرد الأحدي الوحداني.وهذا الشكل المُمثل والمثل المُتشكل بالوحي الفرقاني يكون أبداً المَقول عليه (محمد) في المقام العبداني بين يدي الساق الرحماني هو سرير سريرة الأسرار الإلهية ومنارة إنارة الأنوار الربانية ومُستوى إستواء رحموتية رحيمية مَجالي إنجلاء تجليات الإحاطات الرحمانية،فهو (الرسول) أبداً مُنخلع بمحمديته (الحقيقة المتمثلة له في صورة دحية وغيره) بين يدي سرير رحمانيته كإنخلاع حواء عن آدم من حيث ما هي آدميته وصورة شَبحيته،لا من حيث فخارة طينته،فهو (الرسول) مشهور يوم القيامة بشُهرة هذه العلامة (علامة وقوف المحمدية بين يدي الرحمانية) وهي المطابقة والموافقة (بين المحمدية والرحمانية)،ولأنها (المطابقة) بخاصيته وخصوصيته وإختصاصه (فسيدنا محمد المظهر الأتمّ للذات).
وأما تنوّع أكياف تكييف كيفياته فبتنوّع إستعدادات قبول صديقياته (أتباع النبي)،فيُقال عليهم: أغواث وأبدال صديقون وعارفون وأوتاد ونُجباء ونُقباء وشُهداء وأبرار وسابقون ومُقربون وصالحون،إلى غير ذلك ممّا يصدُق عليه رقائق تجلياته من قبول قوابل تبعياته..
==خُلوة الصادق قَلبه،ومُعلّمه ربّه،وتوحيده في تجريده،وتجريده في خلع لباس تأبيده،وتأبيده مظاهر تقريبه وتبعيده في خَلعه وتجديده. فمن ترك ما ظهر ظفر بسرّ باطن القدر،ومن ملأ النظر من جمال مظاهر الصور غاب عن سرّ توحّده في باطن عين الخبر. فمن تجرّد تجدّد،ومن تفرّد تَوحّد،ومن تَكثّر تعدّد،ومن تعدّد تَقيّد،ومن تقيد تبدّد،ومن تبدد تذبذب،ومن تذبذب تعذّب،ومن خرج عن كل ذلك شَهد ما هنالك،ومن لم يكن كذلك أسقط في مَهاوي المهالك. فيا سرّ الإنسان من ذا يتحقّق بنور الرحمن،ويا عين الأعيان كيف تفرّقت في جميع الأكوان. إرجع إليك إن أردتك،واخرُج عنك إن وجدتك،واخلع أنت وأنا،ودُكّ جبل جِبلّة أونة الإنا تَسمع النِّدا من شجرة النّدى وتَقتبس نور الهُدى من نار الرّدى..
==واعلم أن غاية المطلوب في سرّ السّلوب (سلوب الأنانية العبدية)،ومواهب التجديد في حقائق التجريد،والظّفَر بسرّ الأحد في خَفيّ العدد. فمن تفرّق مع المظاهر باء بمتجر خاسر،ومن طمح منه الناظر إلى نواظر النظائر أبْدَل الطول بالطور القاصر وباعَ بالذر الدّرّ الفاخر. فيا مجمع الأول والآخر،ويا نتيجة الباطن والظاهر،كيف عَمِيَت منك البصائر وغَشيَت منك النواظر وختمت منك السرائر. كيف نَجّسك الشّرك وأنت عين الوحدة،وكيف تردّدت بينك وبينك وهذا التردّد رِدّة. فوَفّ الحامد حَمده،ووَحّد الواحد وحده،وغِبْ عن حمدك وتوحيدك بسرّ تجريدك وإتّصل النظام بسر هذا الكلام في سلك الكمال والتمام..
==(تحقيق حقيقة الحقائق): اعلم أن الوجود الأول،وهو ذات وجود القدرة،الكائن في العَماء والقائم في الهواء بسرّ سَرير سريرة الذرة والهُوية السارية وحقائق الكلمة التامة الذاتية،هو المخترع المُبدع الخالق الواضع الفاتق الرّاتق مُكوّن الأكوان ومُخلّق الخلائق وموجد الموجودات ومُحقّق الحقائق. فما من جنة ربانية محمدية وحضرة أحمدية رحمانية إلا وهي خلعة فيض تجلّيه بالخلع لا بالإنخلاع،والتفصيل في الإتصال لا بالإنفصال والإنقطاع،كما تنخلع كلمات كلام المُتكلم على إستماع سَماع الأسماع،وهو: إما خلع على نفس سمع سَماع المتكلم،فهذه حضرة أحمدية رحمانية. أو على سمع مُستمع إشتراكاً بغرض مُغايرة عَينية لا معنوية،فهي فردوسيات محمدية ربانية. وإما خلع تصورات خبرية وتَلقيات صدّيقية إيمانية تَسليميةغيبية،فجنات روحانيات جبريلية وميكائيلية مَلكية. الأول بالكلام،والثاني بالقَول،والثالث بالحديث. فعلى هذا يكون الوجود الأول عين القدرة في المُجمل والمُفصل والمحكم والمؤوّل. فما من جنة روحانية وإن عظُم مقام قرار قدرها،وفردوس وإن جَلّ جلال مقدارها،وحضرة وإن إتّسع وُسع مقدور قُدرة تجليات أنوارها ــ إلا وهي فيض تجلي جلال تجلياته وفيض خلع خلعة جمال تنزلات كلماته وتمثّل روح أرواح تروحُناته وتفصيلات مُفصّلات في وُسْع إتّساع كمال حيطة شمول إحاطاته،فهو رب الأرباب ومَلك الملوك ومالك كل ملك ومملوك.
ومن ذلك أنه لما إنقضت القضية الدنيوية وإنختمت الدولة الإسرائيلية في الآدمية العيسوية،وتَجلّت جلالة المحمدية بالأحكام الأخروية،وشُقّ الصدر وطُهّر القلب الذي هو بيت الرب وهي طهارة طاهر بطَهور،وبما قال تعالى (نور على نور)،وكان الإسراء إلى قاب قوسين أو أدنى وإتّصل بحضرة هذا الوجود الأبهى والمَقرّ العَليّ الأعلى والنور الأزهري الأضْوى مالك الآخرة والأولى،وأوحى إليه ما أوحى وهو سريرة سرّ الذرة والهوية السارية في كلمة كلمات عالم القدرة،وهي التي أستُردّت من آدم بعد السجود أول مرة ليُحكِم الحاكم أمره ويُقدّر القدير قدره بالقدرة. فلما إستسرّ فيه هذه السريرة وإدّخر فيه هذه الذخيرة خُلعت عليه الخلع الربانية وتجلّت فيه التجليات الرحمانية،تعزيزاً وتعظيماً ووَقاراً وجلالاً وتكريماً وتمجيداً وتوحيداً وإجلالاً،وتواصلت عليه الصلوات بتجليات الأسماء والصفات وهو يَسير بسريرة الهوية السارية في السبع المثاني (الصفات النفسية) وأنوار أسرار الأعيان والمعاني،وفي كل المقامات تتجدّد خلع التّهاني حتى إستقرّ إلى ثامن المثاني (الذات) وتَمّ نَظم النظام وإنحلّ من عَقد عُقد الطباع ذلك الإحكام ونفخ إسرافيل نَفخ القيام وإنتهى الأمر إلى ما تقدّم من الإعلام وإستقرّ القرار في كل دار ومقام وتأكّد التأكيد في الأبدية وإستمر الدّوام في الديمومة،برزت الذرة بكلمة عالم القدرة وتكرّرت الدورة كأول مرة،ثمّ كذلك وكذلك،ولا نهاية لذلك،ويكون البروز بخلاصة الثامن الكامل وتخلّص إخلاص خصوصية إختصاصه الشامل.. فنسأل الله تعالى العلم النافع والكشف الواسع والفتح القامع للعقل المانع والوهم القاطع للسرّ الجامع،فإنه المُنعم الكريم الواسع العليم والمخترع المبدع الواضع الحكيم المفيض من فيض فضله على القلب السليم من أسرار أنوار أرواح أشباح إحاطات تجليات تنزلات تمثلات (بسم الله الرحمن الرحيم). وقد خلص خلاصة إستخلاص إخلاصه من عقد تعقّدات إعتقادات إختباط خَبط المُخاطبة بإثبات تصورات مُخيلات توهّمات مقدمات المغالطة ونفى عنه إثبات ثبات تثبيتات سفسطة سوفسطائية السَفاسطة فتبرّأ ببَرء براءته من علّة العلَل وتَنزّه بطهارة نَضارة طهوريته من ترجيس تنجيس المُنجّم والطبيعي والمُعطّل المُعلن والزنديق المُتأوّل في المجمل والمفصل،فما أحكم وأعدل وأجلّ وأجمل وأكمل إحكام كَشف في إتّباع لا بتَحكّم أحكام أو بادي رأي بإبداع.
إنتهى (الإلقاء الرحماني والتنزّل الرباني) بحمد الله وعونه وحسن توفيقه،وله الحمد دائماً أبداً كما يُحبّ ويَرضى،لا إله إلا هو،حسبي الله وكفى.لخصه الفقير الى عفو ربه .ذ رشيد موعشي
حصل المقال على : 901 مشاهدة