كــــلـــمة الــــذات
في الإصــطــلاح الـــصوفي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام الانبياء والمرسلين وسيد الخلائق اجمعين. عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ،وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذات اللَّهِ”(رواه الطبراني).
لكلمة الذات في الاصطلاح الصوفي عدة معان ـ ولا يقصدون بها الذات الالهية (تعالت عن ذلك علوا كبيرا)وذات مؤنت ذو وذي،أداة تستعمل للدلالة على صفة الشيء،لا على الشيء نفسه.وتعني الصاحب،قال تعالى﴿تَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ﴾﴿ ذَاتُ أَلْوَاحٍ وَ دُسُرٍ﴾ ﴿وَفِرْعَونَ ذِي الأَوْتَادِ﴾ ففرعون شيء والأوتاد شيء آخر،أي فرعون صاحب الأوتاد، وكقوله تعالى﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ﴾﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾أي صاحب مال﴿صَ وَالقُرْءَآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾أي القرءآن صاحب الذكر. فالقرآن هو الموصوف،والذكر هو الصفة. والذكر ليس القرءآن نفسه،بل هو أحد صفات القرءآن ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَآنٌ مُّبِينٌ﴾وعطف القرءآن على “الذكرٌ”،والعطف يقتضي المغايرة. اذ الشيء لايعطف على نفسه .فكلمة الذات تشير إلى عدة معاني منها الماهية، بمعنى مابه الشئ هو هو.
يقول الجيلي :اعلم أن مطلق الذات هو الأمر الذي تستند عليه الأسماء والصفات في تعينها لا في وجودها فكل إسم ،أو صفة إستند إلى شيء فذلك الشئ هو الذات. فبالنسبة للجيلي الأحدية ذات،والألوهية ذات،والقرءان ذات والمحمدية ذات (الباب 34من الانسان الكامل)، ويضيف:المتكلم في ذات الله صامت، والمتحرك ساكن، والناظر باهت لأن الشيء إنما يفهم بما يناسبه فيطابقه ،أو بما ينافيه فيضاده،وليس لذاته في الوجود مناسب، ولا مطابق ولا مناف ولا مضاد…وقد منع أهل الله التجلي بالأحدية فضلا عن الذات …أما ذات الله فهي عبارة عن نفسه، وهي غيب لا تدرك بمفهوم عبارة، ولا تفهم بمعلوم إشارة (الإنسان الكامل).يقول الشيخ عبد القادر الجزائري: الذات هي المسماة في اصطلاح ساداتنا بالأحدية. فالأحدية ذات لأنها أول مرتبة وجودية،ومن مقتضاها الفيضة القرءانية ونور النبوة ،والألوهية ذات لأن تحت حكمها جميع الأسماء الإلهية والتى بها التجلي، والقرءان ذات لأن الكون كله يرجع اليه، والحقيقة المحمدية ذات لأنها الجامعة لجميع الحقائق ،وهي صاحبة الرحمة في الكون الإلهي والتجليات تحتاج إليها في الظهور. والذات الإلهية لا يصلح في حقها سوى صفات السلب،أما الأوصاف الثبوتية فتشبهها بالمخلوقات،(الصفات الثبوتية تتعلق بمرتبة الألوهية). يقول الشيخ محمد الكتاني في كتاب روح القدس :…ولا مرية أن الذات الأقدس من حيث هي،بقطع النظر عن النسب والإضافات هي حضرة بهتية ،فلا تعقل للبشر فلا يمكن أن يدل عليها بلفظ… فالذي نقول أن ماهية الحق غير معقولة للبشر،فأحرى دركها ،فأحرى الإطلاع على الكنه…وقد أقمت الدليل في الرقائق الغزلية على أن ماهية التعين الأول،العقل الفياض لا سبيل لدرك إدراكه في عالم الجنة،فأحرى في البرزخ، فأحرى في عالم التقييد،فافهم وتدبر و إياك والعطب. .. ا نتهى. ويقول في الطلاسم : والذات عبارة عن ماهية الروح المطلقة، و في صلاة المتردي: يقول”الملتحف بوحدات الذات”فوحدات الذات بالنسبة له هي حروف اسم الجلالة “الله” .ويضيف في نفس الصلاة “بمحو الذات بالذات للذات في الذات”،فأين الذات الالهية بين هذه الذوات ،وإذا عرفت أن الوَحي مِنْ لَوْحِ أَحمَدِيتِهِ يُتلَى،وعلى مُحَمدِيَّتِهِ يُقْرَأُ ، فَطِنت الى معاني الذات في كلامه ، وزال عن فهمك اللبس في قوله رضي الله عنه في كتاب الطلاسم أن سيدنا محمدا “نسخة ذاتية”وتيقنت أنه لا يقصد الذات الإلهية، فالذات بالنسبة له عبارة عن ماهية الروح المطلقة،أي الروح الكلية،أي القرءان،فافهم وتدبر و إياك والعطب. قالت الصديقية رضي الله عنها كان خلقه القرءان فكان محمدا رسول الله قرءانا يمشي.وفي كتاب الله وردت اشارة جلية الى ان سيدنا محمد صفته القرءان ،والصفة عين الموصوف بها قال تعالى ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّامُبَشِّراًوَ نَذِيرٗا وَقُرۡءَانٗا﴾.فهو مبشر ونذير وقرءان.
سأل شخص شيخنا أبو الفيض الكتاني عن معرفة الذات الالهية: فأجاب رضي الله عنه السائل قائلا : هل تعرف حَوْمتك والناس الساكنين بها وأعمارهم،ومِهَنهم ،وأبناءهم،و أكلهم ،وشربهم و و و …قال لا . قال له وهل باستطاعتك معرفة ذلك يوما ما . معرفة كل مايتعلق بهم، قال لا، قال هذه حومتك لم تحط بها فكيف بالله و أسمائه وصفاته ؟.
وفي كتابه الطلاسم في الكمالات المحمدية (مع الاختصار): يشير الشيخ الأكبر محمد بن عبد الكبير الكتاني(ولا مبالغة في تسميته بالأكبر) :”….اعلم على أنه على قدر الاستغراق والاستهلاك في سائر عوالمه(الضمير راجع على سيدنا محمد)، كل واحد بحسبه، يكون البقاء بالله وفي الله ولله،وعلى قدر معرفته تكون معرفة مشهوده، وعلى قدر الجهل به يكون عكسه، لأنه هو الباب الأعظم والبرزخ المطلسَم الذي لا دخول إلا من بابه،ولا فيض إلا من عذب ورود ماء راح رضابه. فلا شهود إلا فيه، ولا تجلٍّ إلا منه، وجميع من ادعى غير هذا فهو في اشتباه الأبدان يقع في الزندقة ومنها إلى ما شاء الله. فإن الإنسان إذا صارت تَهُبُّ عليه نفحات الحضرات، ويستنشق صبا هاتيك الفلوات،خصوصا إذا زُجَّ به في مهامه فناء الفناء أو صلصلة الجرس، ربما إذا لم تحصل له عناية محمدية، من ثم إلى الزندقة قطعا… انتهى…. فكل من ادعى روية الله يقع في الزندقة،وكل من نفى وساطة سيدنا محمد فهو في اشتباه الابدان، يقع في الزندقة،فما بال من قال أن محمدا نسخة ذاتية من الذات الالهية؟؟؟ فلكي نفهم من قوله أن محمدا نسخة من الذات فيجب أن يكون قد رأى الأصل ؟؟ وكل من ادعى رؤية الاصل فهو زنديق. هذا معنى كلامه قدس الله سره.فلا تقع الرؤيا الا على سيدنا محمد “من رأني فقد رأى الحق” هكذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري.
قال صاحب الحكم العطائية : وصولك إليه وصولك إلى العلم به ،وإلا فَجَلَّ ربنا أن يتصل به شئ أو يتصل هو بشئ.
يقول ابن عربي: العلم بذات الحق محال حصوله لغير الله،والإنسان المدرك لا يعرف إلا ما يشابهه ويشاكله،و الباري تعالى لا يشبه شيئا، ولا هو في شئ مثله،فلا يعرف أبدا،فلا يعرفه أحد من نفسه وفكره… فاعلم أن الكون لا تعلق له بعلم الذات أصلاً،وإنما متعلقه العلم بالمرتبة وهو مسمى الله . الذات مجهولة العين والكيف،وعندنا لا خلاف في أنها لا تعلم بل يطلق عليها نعوت تنزيه( الفتوحات بتصرف).
يقول ابن عربي : فالذات الالهية في أحديتها لا وصف لها،ولا رسم فهي في عماء ،حيث كان الله قبل أن يخلق الخلق كما ورد في الحديث .بمعنى أنه في الكلام عن الصفات يجب الإشارة إلى أن الذات الإلهية لم تكن موصوفة و لا مسماة ،فهي في أزل لا أول له ، بينما وصف الذات بأسماء وصفات، ولو أنها قديمة و أزلية إلا أن ثنائية الصفة والموصوف من جهة يوجب لها بداية ،وتعلق الصفة وتحققها في الوجود من جهة أخرى يوجب لها بداية كذلك.هذا التعلق هو الذي عبر عنه ابن عربي بالاثنينية ،عندما قال “….إذ لا تعقل النسبة إلا باعتبار الاثنينية“. فانظر يا ولي إلى هذا التحقيق الثمين لإبن عربي الذي يميز الذات الالهية في أحديتها،عن الألوهية في تجلياتها. ففي مرتبة الألوهية خرجت الأسماء والصفات الإلهية من أزليتها، وطلبت أن تعرف و أن تظهر في الموجودات علما ،وقدرة، ورزقا ،وجلالا وجمالا ،وهذا ما يقتضي وجود أعيان ثابتة (الاعيان الثابتة في الوجود حسب تعبير ابن عربي ) تسمع الأمر الإلهي “كن” وتمتثل له، لهذا ميز ابن عربي بين الذات الأحدية ،وبين حضرة الألوهية التي الأسماء تابعة لها . وهذا التحيق ( لمن كان له قلب) ينفي عن رفيقنا ابن عربي القول بوحدة الوجود، ولكن كما يقول صاحب تلبيس ابليس: الفهم عزيز.
اعلم أن مولانا رسول الله له وجهة خلقية،ووجهة حقية،وهي التي خاطبت هذا العارف وسمع منها هذا الآخر،ارتدت وتحلت بجميع الأسماء الإلهية حتى اسمه تعالى” الله”(ولله الغنى المطلق فهوغني حتى عن أسمائه وصفاته(واتصفت بها حتي أصبحت هي) أي الأسماء )هو (أي محمد( وهو هي﴿إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَايُبَايُعُونَ اللهَ ﴾وقرن تعالى غناه بغناه ،وطاعته بطاعة رسوله، والإستجابة له هي استجابة لله ،والرضى والإستغفار و… وكل فريضة إلا وهي متعلقة بسنة فافهم. وفي هذا المقام أي الوجهة الحقية والوجهة الخلقية،للنبوة القديمة زلت الأقدام، وظهر الأمر وكأنما هناك إتحاد، أوحلول ،ولا،ذا ولا ذاك، العبد عبد الى مالانهاية، والرب رب الى مالانهاية، إنما حلل الأسماء الإلهية أظهرت النبوة المحمدية بصفات الربوبية. وقد ظهرت الصفة الأحمدية لمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعراج في صورة شاب: رأيت ربي في صورة شاب أمرد وقال ربي ولم يقل رأيت الله . يقول الحاتمي :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا●وليس خلقا بهذا الوجه فاذَّكروا
من يدر ما قلت لم تخدل بصيرته●وليس يدريه الا من له بصر
جمع وفرق فإن العين واحدة●وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر
كشف له عن حقيقته صلى الله عليه وسلم ،فرآها حق وخلق ناسوت وناهوت.والحق غير الخلق بوجه التنزيه الذي يستحقه الحق تعالى. فالحق الأولى تشير الى الأسماء الإلهية المصطحبة مع حقيقته صلى الله عليه وسلم والظاهرة في الأعيان الوجودية، وهي المفتقر إليها﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾،فكل ما يفتقر إليه يصب في مقتضى إسم إلَهي، ولا وجود لشئ لا يفتقر إليه .فالأسماء فاعل والكون منفعل (وهو من مقتضيات الأسماء الإلهية)فهي خلق بهذا الإعتبار .فببصيرته (عين القلب)عرف الوجهة الحقية، وشاهد التجليات الإلهية،فانتقل من حالة الجمع إلى الفرق”جمع وفرق فإن العين واحدة” العين واحدة،إشارة إلى إسم الجلالة ” الله” رئيس الأسماء الإلهية، الكثيرة التي لاتبقي ولا تذر من حيث مقتضياتها.وليس هناك تكرار في التجليات الإلهية للوسع الإلهي، ولكن هذه الحقيقة لا يعلمها إلا العلماء بالله ،كما يقول ابن عربي في فصوص الحكم ،فمن مقام الجمع لاترى إلا التجليات،ووحدة الشهود في الوجود (وحدة التجليات لا وحدة الوجود فافهم )ومن مقام الفرق،فالعبد عبد، والرب رب وهو نفس الكلام الذي عبر عنه الشيخ الكتاني بقوله: فحين إنطباعك فيك يكون هو هو لا أنت أنت، وحين انبساطك عليه تكون أنت أنت لا هو هو.”خيركم من إذا رؤي ذكر الله”. فكلام ابن عربي يجر لا محالة إلى اللبس في فهم معناه .
يقول الشيخ الأكبر في الباب الخامس ومائتين من الفتوحات : هو عين كل شئ في الظهور،ماهوعين الأشياء في ذواتها،سبحانه بل هو ،هو،والأشياء أشياء. العبد عبد والرب رب،فلا تغالط ولا تخالط.
يقول ابن عربي ج1 ص 113″...فقال له سبحانه أنت عبدي وأنا ربك أعطيتك أسمائي وصفاتي، فمن رآك رآني،ومن أطاعك أطاعني،ومن علمك علمني،ومن جهلك جهلني، فغاية من دونك أن يتوصلوا إلى معرفة نفوسهم منك،وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك،لا بكيفيتك كذلك أنت معي لا تتعدى معرفة نفسك،ولا ترى غيرك،ولا يحصل لك العلم بي إلا من حيث الوجود،و لو أحطت علماً بي لكنت أنت أنا،ولكنت محاطاً لك،وكانت أنيتي أنيتك،وليست أنيتك أنيتي،فأمُدك بالأسرار الإلهية، وأربيك بها،فتجدها مجعولة فيك فتعرفها،وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها،إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها،إذ لو عرفتها لاتَّحَدت الأنية وإتحاد الأنية محال. فمشاهدتك لذلك محال هل ترجع أنية المركب أنية البسيط لا سبيل إلى قلب الحقائق،فاعلم أن من دونك في حكم التبعية لك، كما أنت في حكم التبعية لي، فأنت ثوبي، وأنت ردائي،وأنت غطائي …انتهى.
وخلاصة كلام ابن عربي: أن الحقيقة المحمدية تحلت بجميع الأسماء والصفات الإلهية، فلا تقع الرؤية إلا عليها “من رآني فقد رآى الحق ” وما شاهد العارفون إلا إيها .و معرفة الله هي معرفة أسمائه ،وصفاته، وكلامه ،ومعرفة نبيه، كل عارف على قدر قامته .وستبقى صفة الجهل بالحقيقة المحمدية ملازمة للعارفين، إلى أن يرث الله الارض ومن عليها “ما عرفني حقيقة غير ربي”.وهو في ترق دائم في رحمة الله، ونحن في ترق دائم في معرفة حقيقته،ولن نصل إلى معرفته فهو عبد خالص من عباد الله.و هو صلى الله عليه وسلم سدرة. منتهى الجميع وهو حجاب الله الأعظم.
يقول ابن عربي : كل علم يوصلك إلى حيث متعلقه،والشغف من العالِم بالمتعلق لا بالعلم، ولهذا العلم بالذات الإلهية لايصح اصلا،لأنه لايوصلك إليها، لعزتها،وإنما الوصول إلا معرفة الاسماء والصفات الالهية، فالتوحيد هو المطلوب من كل موجود ،ونهانا الشارع أن نتفكر في ذات الله …فلن نصل الى المعرفة به سبحانه إلا بالعجز عن معرفته فليس له مثل، ولا يتصور في الذهن،ولا يدرك فكيف يضبطه العقل ؟هذا ما لايجوز،مع ثبوت العلم بوجوده،فنحن نعلم أنه موجود ،واحد في ألوهيته وهذا هو العلم الذي طلب منا …فالحق تعالى هو الموصوف بالوجود المطلق لأنه سبحانه ليس معلولا لشيء ،ولا علة لشيء ،بل هو موجود بذاته ،والعلم به عبارة عن العلم بوجوده ،ووجوده ليس غير ذاته مع أنه غير معلوم الذات،لكن يعلم ما ينسب إليه من الصفات الكمال ،و أما العلم بحقيقة الذات فممنوع .فلا تُعلم بدليل ولابرهان عقلي ،ولا يأخذها حد .فغناه سبحانه لايشبه شيئا ،ولا يشبهه شيء،فكيف يَعْرِف من يشبه الأشياء من لايشبهه شيء، ولايشبه شيئا.
فعندما يقولون الذات الإلهية فإنما يشيرون إلى الأحدية ،أو إلى مرتبة الألوهية،أو إلى الأسماء الإلهية،أو إلى القرءان أو إلى الحقيقة المحمدية نفسها .فافهم وإياك والعطب كما تقول عبارة الكتاني.
يقول الإمام الجيلي الباب الثالت(في الصفة مطلقا): …واعلم أن الصفة لاتدرك وليس لها غاية بخلاف الذات فإنه يدركها ويعلم أنها ذات الله ولكن لا يدرك ما لصفاتها من مقتضيات الكمال .فهو على بينة من ذات الله،ولكن على غير بينة من الصفات،مثال أن العبد إذا ترقى من المرتبة الكونية الى المرتبة القدسية،وكشف له عنه،عَلِمَ أن ذات الله تعالى هي عين ذاته ….واعلم أن إدراك الذات العلية وهو أن تعلم بطريق الكشف الإلهي أنك إياه وأنه إياك،وأن لا إتحاد،ولا حلول،وأن العبد عبد والرب رب….فإن قلت الذات لا تدرك فباعتبار أنها عين الصفات ،وإلى هذا المعنى أشار بقوله﴿لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾لأن الأبصار من الصفات فمن لم يدرك الصفة لم يدرك الذات ،وإن قلت تدرك فباعتبار ما قد سبق …..ولنا في هذا المعنى كلام آخر،وهو مضاد للمعنى الأول في الظاهر،وإلا فلا تضاد …وذلك أن الصفات من حيث الإطلاق هي معاني معلومة، والذات هي أمر مجهول، فالمعاني المعلومة أولى،بالإدراك من الأمر المجهول ،فإذا قد صح عدم الإدراك فيها :أعني في الصفات ،فلا سبيل الى إدراك الذات، بوجه من الوجوه|،فعلى الحقيقة لا صفاته مدركة ولا ذاته . انتهى. ففي بداية كلامه يقول أن الصفات لاتدرك والذات تدرك ؟ وفي آخر الكلام يقر بأن في كلامه تضادد ،وتناقض،ويستطرد بأن “لا الذات تري ولا الصفات تدرك” وهذا نتجية ما قلناه أن جل العارفين طلسم عليهم الأمر بين الوجهة الحقية لمولانا رسول الله “من رآني فقد رآى الحق”.فالصفات كالشجاعة ،أو الكرم لا ترى ،ولكن ذات الموصوف بها ترى .فذات النبي ترى، ونرى ذات الشجاع، ونرى ذات الكريم. فهو يرى الذات المحمدية المتصفة بأوصاف الربوبية المتعممة ب﴿إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَايُبَايُعُونَ اللهَ﴾اللابسة حلل الأسماء الإلهية،والمتعممة بالخلافة الكونية،فيظن أنها الله،وأنه أدرك الذات الإلهية ،كشفا؟،وفي الآخير يُقِر أن لا الذات ترى ولا الصفات تدرك .فالحق تعالى لا يقيده حكم،ولا يحصره حد ولا رسم. فيظهر كيف شاء بلا كيفية(من حيث أسمائه وصفاته)، ويحتجب كيف يشاء بلا كيفية. فله التنزيه، وله التشبيه،وله البطون، وله الظهور، فيما يشاء كما يشاء.فقد تجلى الحق تعالى فى النار لموسى عليه السلام، وسيكون التجلي يوم القيامة فى صورة المعتقدات.وقد نَسب إليه تعالى اليد، والقدم،والوجه،والعين،والسمع ،والبصر، والضحك ،والإستهزاء،والمكرـ والكيد،والهرولة. وقد قال : رأيت ربي في صورة شاب أمرد” (الحديث) رأى صفته مجسمة “.
يقول ابن عربي في الفتوحات باب في معرفة التلخيص والترتيب باللسان اليمني ج1ص 4:…كان الله ولا شيء معه،إنما هو الألوهة لا الذات وكل حكم يثبت في باب العلم الإلهيّ للذات إنما هو للألوهية وهي أحكام نسب وإضافات، وسلوب ،فالكثرة في النسب لا في العين،وهنا زلت أقدام من شرّك بين من يقبل التشبيه وبين من لا يقبله عند كلامهم في الصفات انتهى….
“مسألة”بحر العماء،برزخ بين الحق والخلق في هذا البحر اتصف الممكن بعالم، وقادر، وجميع الأسماء الإلهية التي بأيدينا،واتصف الحق بالتعجب، والتبشش،والضحك ،والفرح،والمعية ،وأكثر النعوت الكونية، فَرُدّْ ماله وخذ مالك ،فله النزول ولنا المعراج انتهى.
“مسئلة “من أردت الوصول إليه لم تصل إليه إلا به ،وبك، بك من حيث طلبك ،وبه لأنه موضع قصدك .فالألوهة تطلب ذلك والذات لا تطلبه.انتهى
“مسئلة “المتوجه على إيجاد كل ما سوى الله تعالى، هو الألوهة بأحكامها ونسبها وإضافاتها وهي التي استدعت الآثار ،فإنّ قاهراً بلا مقهور ،وقادراً بلا مقدور صلاحية ووجوداً ،وقوة ،وفعلاً محال.انتهى كلام الشيخ الأكبر.
وما أوردته يبين أن العارفين رضي الله عنهم لايتكلمون عن الذات الالهية، فالذات الإلهية لها الغنى المطلق ،إنما خوضهم في مرتبة الألوهية ،التي تطلب المألوه. وهذا ينفي عنهم مذهب القول بوحدة الوجود.ولم يرد على لسان ابن عربي هذا المصطلح بتاتا إنما أشار الى الوحدة في الوجود، ذكر هذا في الباب 213 “في حال الغيرة” : فكل المخلوقات تتكون من ذرات متناسقة على شكل ما ،بعضها البعض فهذه وحدة في الوجودانتهى .وإن كان قد ذكرها الشيخ الكتاني فهو يرجعها الى الحقيقة المحمدية لا على الذات الالهيةيقول:… لأنه هو الباب الأعظم والبرزخ المطلسَم الذي لا دخول إلا من بابه،ولا فيض إلا من عذب ورود ماء راح رضابه. فلا شهود إلا فيه، ولا تجلٍّ إلا منه، وجميع من ادعى غير هذا فهو في اشتباه الأبدان يقع في الزندقة ومنها إلى ما شاء الله.انتهى ، فسيدنا محمد واسطة بيننا وبين خالقنا وبرزخ فاصل بين حقائق الألوهية وحقائق العبودية فلا يقع شئ إلا عليه ولا يصل واصل إلا إليه .
وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.
المعهد الفاطمي المحمدي
محمد بن المبارك سنة 2019