الــحـــقــيــقة المــحــمــديــة عند العارفين

بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد أول الانبياء وسيد الخلائق أجمعين,

يقول الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني :  ان مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد نبيا  ومن حين خرج صلى الله عليه الى عالم الشهادة خرج مع ثبوت النبوة له مع كمون الرسالة في حقيقته الى أن يأتي وقت الظهور بها وإلا لم يبلغ مع كونه عالما بها وبكل ما تحتوي عليه…بل النبوة والرسالة كانتا حاصلتين له في تلك المدة أعني قبل نزول الملك  …فإن القرءان كان مقرؤا وثابتا عنده في مدة الأربعين كما كان قبلها بشاهد﴿وإنك لتلقى القرءان من لدن حكيم عليم﴾فالوحي من لوح أحمديته يقرأ وعلى محمديته يتلى ،أما النبوة فلقوله “كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد”وأما الرسالة فلقول التنزيل ﴿وإذ أخد الله ميثاق النبئين لما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول﴾ فسماه رسولا في تلك القرون الأولى.{تأمل} فلنفسه ولمن تقدم من الأنبياء والرسل الى أن آن وقت ظهوره …”انتهى  (كتاب الديوانة بالتصرف).

يقول الجيلي {في كتابه الكمالات الإلهية} :قال تعالى﴿ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾دليل واضح أن رسول الله كان متحققا بالله تعالى في سائرأحواله من الطفولية والشبوبية والكهولية فلم يغفل عن الله تعالى طرفة عين حتى ولا في الأرحام والأصلاب لأنه كان نبيا وهو في الأرحام والأصلاب والنبي لا يغفل عن الله تعالى وغيره لم يكن نبيا إلا بعد كماله وظهوره في العالم الدنيوي فظهر من الكلام علو مرتبة سيدنا محمد   .

قال العارف بالله الأمير عبد القادر الجزائري : ولهذه الحقيقة المحمدية أسماء كثيرة منها مجمع البحرين لأنه مجمع بحري الوجوب والإمكان أو باعتبار إجتماع الأسماء الإلهية والحقائق الكونية فيه .ومنها تسميته بالوجود الساري لأنه لولا سريان الوجود الحق في الموجودات بالصورة التي هي منه وهي الحقيقة المحمدية ما كان للعالم ظهور ولا صح موجود لبعد المناسبة وعدم الإرتباط فما صح نسبة الوجود للموجودات إلا بواسطة هذه الحقيقة .ومنها مرآة الكون .ومنها مركز الدائرة فالمراد بالدائرة الأكوان كلها والمركز هو القطب الذي تدور عليه كقطب الرحى الذي هو ماسك لها ولولا استقامته مااستقامت على وزن واحد .ومنها تسميته بنور الأنوار لأنه ورد أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر. ومنها الظل الأول ومنها الحياة السارية في كل موجود ومنها حضرة الأسماء والصفات ومنها الحق المخلوق به كل شئ…انتهى كلام الامير .

 فهو روح الأرواح والنور الأول وهو السراج الأول الذي إتقدت منه جميع السرج وهو أصل لجميع المجودات من حيث حقيقته لا من حيث صورته ومن أجل ذلك عمت الرحمة جميع الموجودات وإلى ذلك اشارة بقوله تعالى﴿رحمتي وسعت كل شئ﴾﴿ولله يسجد من في السموات والأرض ﴾ فما في الوجود إلا ساجد  وقال ﴿وتقلبك في الساجدين﴾ فهو  المتقلب بهم فيهم والمعرفهم  بربهم .

لو كنت من شئ سوى البشر ●●● كنت المضيئ ليلة البدر

يقول ابن عربي في الباب العاشر في معرفة دورة الملك : فكانت الأنبياء في العالم نوابه صلى الله عليه وسلم من آدم إلى آخر الرسل عليهم السلام وقد أبان صلى الله عليه وسلم عن هذا المقام بأمور منها قوله صلى الله عليه وسلم والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني…فروحانيته صلى الله عليه وسلم موجودة وروحانية كل نبي ورسول فكان الإمداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة بما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلاً…وهو في الحقيقة شرع محمد صلى الله عليه وسلم…. ثم جعل له نواباً حين تأخرت نشأة جسده فأول نائب كان له وخليفة آدم عليه السلام ثم ولد و اتصل النسل وعَيَّن في كل زمان خلفاء إلى أن وصل زمان نشأة الجسم الطاهر محمد صلى الله عليه وسلم فظهر مثل الشمس الباهرة فاندرج كل نور في نوره الساطع وغاب كل حكم في حكمه وانقادت جميع الشرائع إليه وظهرت سيادته التي كانت باطنة ” إنتهى . 

 أشار ألف أحمد الى كونه فاتحا ومقدما لأن مخرجه مبدأ الحروف وأشار ميم محمد إلى كونه خاتما مؤخرا لأن مخرجه ختام المخارج فهو الظاهر الذي لا يعرف والباطن الذي لا يجهل﴿وهو الحق من ربهم﴾ كما أن العدد واحد هو لبرج الحوت ,وبرج الحوت مائي﴿وجعلنا من الماء كل شئ حي﴾   فما في الوجود إلا حي فسر الحياة سار في جميع الموجودات،كذلك الواحد سار في جميع الأعداد، والألف سار في جميع الحروف فتأمل .إنما لم يظهر الواحد بإسمه في الأعداد وكذلك الألف في الحروف وظهرا بمعناهما إذ لولا معناهما لم يوجد لهؤلاء عين ولو ظهر بإسمه لم يوجد لهم عين فالعشرة هي واحد تكرر 10مرات و أي حرف إلا وفي باطنه الألف فظهر الواحد بمعناه لا بصورته .أ =1  م= 40  بعدد الدوائر الكونية ويرمز الى ظهور الحقيقة المحمدية في مراتب الوجود لهذا، ابن عربي .و الجيلي لم يعتبرا الواحد من الأعداد ولم يقع الاختلاف بين المشارقة والمغاربة فيما يخص حساب الجمل الابعد الميم والنون من كلمن. نون =  50+ 6+50=  106 =  أحمد + أحمد , فتدبر والميم تلتقي عندها الشفتين وفي الفاتحة إلتقت الشفتين 19 مرة عند الميم أي عدد حروف البسملة والتي هي طلسم أحمد محمد. فهو  النبي الأعظم والنور الأتم  والقهرمان الأفخم وهو الكعبة التي تطوف بها قلوب العارفين والمغناطيس الجذاب لأرواح الخلائق اجمعين .

 صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى●●ونور ولا نار وروح ولا جسم

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام كم عمرت من السنين ؟قال والله لا أدري غير أن كوكبا في الحجاب الرابع يظهر في كل سبعين ألف سنة مرة رأيته إثنين وسبعين ألف مرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل وعزة ربي أنا ذلك الكوكب .انتهى                                                                                                                                       

قالوا أتنسى من تهوى فقلت لهم ●●يا قو م من هو روحي كيف أنساه

وكيف أنساه والأشياء به حسنت ●●من العجائب أن ينسى العبد مولاه

قال العلامة ابن الزملكاني : إنه صلى الله عليه وسلم أكمل في ذاته لأن كل مقام وكل صفة اختص بها نبي فهو فيها أتم وأكمل فنبوته أتم ورسالته أعم وله الخلة والمحبة والكلام مع الرؤية وله القرب والإصطفاء والدنو وحسن الخلق والخلق وكمال العصمة مع المغفرة لما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو الأتقى والمتبع والمخصوص في كل مقام بالقسم الأوفى .بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق و اختاره من أطيب البيوت و اطيب الأعراق وأثنى عليه بقوله﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾ أما أنه أكمل في دعوته فلأن شريعته نسخت جميع الشرائع ودعوته عمت التابع والمتبوع فهو الإمام وهم المؤتمون وهو السائر باللواء وهم تابعون صلى الله عليه وسلم.. انتهى                                                                                                                                  قال تعالى﴿عينا يشرب بها المقربون ﴾و لم يقل” يشرب منها “لأن الشراب من العين معلوم و قال بها لئلا يتوهم أن الكأس الذي يغترف به من تلك العين غيرها بل هي عين الكاس الذي يشرب به فيشرب بها منها .وقال “من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها “والصلاة على النبي تنقسم إلى صلاة الله عز وجل عليه وهي الصلاة بالنعوت .صلاة الملائكة بالشمائل المحمدية (اللغة السوريـانيه )صلاة المؤمنين بالسيرة العطرة . قال أبو الفيض من صلى على ا لمحمدية بالمحمدية (السيرة او الشما ئل) فقد مدحها ومن صلى على المحمدية بالأحمدية فقد أثنى عليها، وشتان ما بين المدح والثناء. والصلاة بالنعوت تفوق غيرها وتطوي المسافات والنعوت كلها من باطن القرءان.

ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر ●ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب

           ولو أن كل العالمين تألفوا●  على مدحه لم يبلغوا بعض واجب

     ورب سكوت كان فيه بلاغة● ورب كلام كان فيه عتب لعاتب

الــحـــقــيــقة  المــحــمــديــة

اعلم أن مقتضى الإسم الإلهي لايصل إلى أهل الكون مباشرة  بل لا بد من الإصطحاب مع الحقيقة المحمدية,لكي يكون اللطف في التجليات الإلهية :”الله معطي وإنما أنا قاسم” الحديث أبرز الله تعالى من نوره هذا البرزخ العظيم الجامع وأفاض عليه جميع كمالاته وحلاه بأسمائه وصفاته فكان حاجزا بين المخلوقات وصدمات التجليات الإلهية,فلولاه لما استطاع الوجود الصمود , ولإضمحل من حينه لإنعدام المجانسة والمناسبة مع الله تعالى فهو الرحمة المهداة ﴿وما أرسلناك إلارحمة للعالمين﴾التي رفعت بها الأستار و صحت الموجودات للوجود وهو معنى قول القائل ” لولاه لم تخرج الدنيا من عدم” و” لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط ” فهو الواسطة في كل شئ.. بل له على كل ذرة من ذرات الوجود نعمة الإستمداد من الحق فلا دخول إلا من بابه ولا شهود إلا فيه ولا تجل إلا منه لبست  هذه الحقيقة المحمدية حلل الأسماء الإلهية: لها الغنى :﴿وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله﴾ (ولم يقل من فضلهما). لها الإستجابة : ﴿إستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم﴾(ولم يقل إذا دعوكما ).لها الإنعام أو النعمة: ﴿وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه﴾. لها القضاء : ﴿ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾(ولم يقل ويسلموا سلاما بل السلام مع تسليم الأمور إليه صلى الله عليه وسلم). لها الرضى : ﴿ والله ورسوله أحق أن يرضوه ﴾( ولم يقل يرضوهما)  وقرن براءته تعالى﴿ببراءته فقال براءة من الله ورسوله﴾ ومحاربةالله بمحاربته فقال تعالى ﴿إن الذين يحاربون الله ورسوله ﴾.

عين الوجود وواحد الموجود  ●●●   مجلى محاسن حضرة المعبود

وحقيقة الإسم الذي لصفاته●●●    خضعت رقاب معاند وجحود

متوحد في كل فضل باهر   ●●●    ووحيد فرد حقيقة التوحيد

ليس في الوجود من له الحل والربط والنقض والإبرام إلا مولانا رسول الله فهو برزخ عظيم بين المخلوقات وربها ومن خاصية البرزخ أن لا ينزل شئ إلا عليه ولا يصعد إلا إليه فمعاملة الخلق في الحقيقة كلها معه قال تعالى “ولا يشرك بعبادة ربه أحدا “ولم يقل ولا يشرك بربه أحدا .

يقول الشيخ الأكبر: إعلم أن النبي خص بست لم تكن قبله من بينها انه أعطي مفاتيح الخزائن وقال تعالى :” وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم” ثم قال بعدها “حفيظ عليم” ولما طلب يوسف عليه السلام من ملك مصر أن يجعله على خزائن الأرض قال إنه حفيظ عليم فلما أعطى مفاتيح خزائن الأرض علمنا أنه حفيظ عليم فكل ما ظهر من رزق في العالم فإن الإسم الإلهي لا يعطيه إلا عن أمر سيدنا محمد الذي بيده المفاتيح كما إختص الحق سبحانه بمفاتيح الغيب فلا يعلمها الا هو. انتهى

لولاك يا زينة  الوجود ●●ما طاب عيشي ولا وجودي

                        ولا ترنمت في صلاتي●● ولا ركوعي ولا سجودي

الــحـــقــيــقة  المــحــمــديــة

خُلِق صلى الله عليه وسلم من نور الأحدية{ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين} {كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث} { أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر} وتَخَلّق بالأسماء والصفات الإلهية وأُعْطي الخلافة الكلية{ وللخليفة الظهور بصورة المستخلف} وجُعلت الأنبياء والرسل نوابا له يستمدون من حقيقته الأحمدية وكان نائبا عنك في الأقوال”إنه لقول رسول كريم “و”أجره حتى يسمع  كلام الله” وفي الأفعال”ومارميت إذ رميت ولكن الله رمى” وقلت له”إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله”وجعلته برزخا نورانيا حجابا عظيما بينك وبين خلقك ,حاجزا بين صدمات التجليات الإلهية وبين الخلائق فلا يصل شئ إلا منه ولايصعد شئ إلا عليه .أوتي الخزائن وأعطي الموازن وقلت له هذا عطاؤنا فأمن أو أمسك بغير حساب.فلا مناسبة إلا بيننا وبينه ولا وصول إلا إليه ولا شهود إلا فيه ,عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله.

يقول الشيخ محمد الكتاني رضي الله عنه في كتاب الطلاسم : …فلا تصح الرؤية في بساط التجريد أصلا،وإنما تقع على نفس البرزخ. ومن هاهنا يتجه لك سر مبحت وهو أن بعض العلماء بالله يدَّعي الرؤية ويقول رأيت ربي،فهل لُبِّس عليه الأمر أو رأى أو لم ير؟نقول أنه كوفح بنعت من الروح الكلية في بساط القرب الذاتي بعد أن دكت عوالمه ومراسمه وارتقى عن عالم العناصر والمواد والأخلاط وعثر على بساط صلصلة الجرس،وبها يستنشق حميا ذلك المحيا،ولما انبسطت أشعتها عليه ظن بحسب التحقيق أنها هي الجمال المطلق وهي عينه،فهويته هوية الحسن المجرد وعينه عينه. انتهى …ومن هذا المقام قال بعضهم انا الحق وقال الآ خر سبحاني .قال العارف:  

                       رق الزجاج وراقت الخمر ●●● فتشابها وتشاكل الأمر                          فكأنما خمر ولا قدح●●●وكأنما قدح ولا خمر

يقول الجيلي رحمه الله :…وكما أن الصفات فرع الذات كذلك العالم فرع عن الحبيب صلى الله عليه وسلم فهو واسطة بين الله وبين العالم والدليل على ما قلناه قوله صلى الله عليه وسلم”أنا من الله و المؤمنين مني”أي أنا مخلوق من نوره تعالى أي النور الذي خلقه الله تعالى قبل كل شئ وإضافته لله للتشريف والدليل الثاني قوله لجابر أن الله تعالى خلق روحه ثم العرش والكرسي والعلويات والسفليات جميعا منه.

ويقول الجيلي في موضع آخر: عند قوله تعالى لتؤمنن به دليل على أن الأنبياء لم يدركوا الكمالات المحمدية وسبب ذلك أن الفرع لا سبيل له أن يحيط بالأصل فأخد الله الميثاق عليهم أن يؤمنوا بكمالاته إيمانا بالغيب ليكون ذلك سببا لهم الى المعارف الذاتية لعلمه تعالى أنهم لا يدركون ذلك إلا بواسطة سيدنا محمد وسر هذا الأمر أنه صلى الله عليه وسلم مظهر الذات والأنبياء مظهر الصفات والدليل على أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ذاتي ومن دونه صفاتي هو أن الله تعالى لم يسم أحدا غيره من الأنبياء بأسمائه الذاتية على الإطلاق وسمى سيدنا محمدا بها فسماه الحق  والنور.انتهى

             له سيرة مأثورة سار ذكرها● وبشر لمن يلقاه لاحت بشائره

         وأنس يرى الانسان منه مسرة●وفيه حياء طار في الحي طائره

الــحـــقــيــقة  المــحــمــديــة

قال تعالى :” إن الله وملائكته يصلون على النبي: وردت يصلون بالمضارع الذي يفيد التغيير والإستمرار.التغيير الذي تنتجه التجليات الإلهية .فكل ما يظهر في الكون هو تابع لتجلى من تجليات الأسماء الألهية وللمقتضيات القرءانبة وبالتالي فهو منوط بصلوات الله على الحقيقة المحمدية فما ظهرت الإبتكارات العلمية والتطورات التكنلوجية إلابعد ما ظهرت صلوات نعتية تعنون عن الأحدية.فالحقيقة المحمدية برزت من مقتضى الأحدية وصلاة الله هي تلك الشعلة التي تربط الكون بخالقه إذ الكل منوط بهذا النبي الكريم الذي جعله الله واساطة بينه وبين كونه فهو صلى الله عليه نفس الوجود وروح الوجود و سر الوجود الذي لولاه لانهد الوجود وما استطاع الصمود أمام تدفقات التجليات الإلهية  فبصلاة الله عليه تعم الرحمات ويكون اللطف في الكون الإلهي ويصبح الوجود صالحا للوجود.قال تعالى” إني جاعل في الارض خليفة “وقال رسول الله صلى الله عليه: “من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها” فبالصلاة عليه ينال المصلي حظه من هذه الخلافة العامة إن كانت صلاة نعتية راقية تحرك القدر فيكون التشوف القدري لهذا المصلى وراثة محمدية ويكون نائبا عن الحضرة المحمدية وخليفة لها “والأوتاد أرساها””الغوث محل نظر الله من العالم ” كما قالوا فأدخل صلى الله عليه أمته بميزان الصلاة عليه في دائرة الخلافة وجلب النفع لعباد الله”خيركم أنفعكم للناس..” الحديث والمنفعة الحقيقية تمرعبر الصلاة عليه فخيرنا من يصلي على نبينا بصلاة موافقة للقدر الإلهي وتابعه للتجليات الإلهية لإطفاء غضب الرب وللزيادة في الرحمات لهذا شغل الله العوالم كلها بالصلاة عليه لإنه لا نسبة بين الخالق والمخلوقات نسبتهم مع النور المحمدي أي مع سيدنا محمد”أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر “أنا من الله والمؤمنون مني” رواه الديلمي والعجلوني في كشف الخفاء  وهذا هو سر إتصال إسم الجلالة مع ميم محمد” اللهم ” الميم عبارة عن الحقيقة المحمدية وإتصالها بالجناب الأقدس إتصالا فرقيا لكي يبقى الرب رب والعبد عبد ويقتضي أن القرءان نزل دفعة واحدة منه إليه بدون وساطة وقولنا”اللهم”طلبنا من الله تعالى ان يصلى على هيولى الاجمال والتفصيل أما نحن فعاجزون على هذا البساط .والصلاة علي النبي لإطفاء عدل ما تقتضيه ميازب الذات العلية ولكي لا يتعطل سير الكائنات فالكون مفتقر الي الصلاة علي مولانا رسول الله إذ لولاها لإ ضمحل من حينيه من هيبة الله فصلاة الله عليه هي صلة وصل بين الله وكونه لإستمرارية الحياة في الملك حسب ما قدرفي بساط الرحمانية فكان إسم محمد متحدا بإسم الله ونعته وكذا في كلمة الشهادة لااله الا الله محمد رسول الله  قال تعالى :إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله”بصيغة المضارع.فكل صلاة راقية نعتية تتغزل في الحقيقة المحمدية وتنقب عن الأحدية إلا وهي مبايعة له صلى الله عليه وسلم إذ صلاة الله عليه هي ذكره ومدحه والثناء عليه بنعوته القديمة المذكورة في القرءان وما دام يمدح إلا والرحمة تنزل على الكون وأهله وما ذكر الله تعالى نعتا من نعوته إلا وقرنه بنعت من نعوت حبيبه صلى الله عليه وسلم فقال أطيعوا الله ورسوله وقال إستجيبوا لله وللرسول وقال وما نقموا إلا أن غناهم الله ورسوله وقال براءة من الله ورسوله …. وقد ملأ الحق سبحانه وتعالى العوالم كلها بذكره والصلاة عليه وما شغل الله تعالى هذه العوالم إلا بأعظم الطاعات وأفضل القربات ففي كل صلاة نبايعوه ونكون من المقربين من نبوته ,موقنين بحقيقته ,ومصدقين بكل ما جاء به              .                                                                                    قال ابن شافع : انبسط جاهه صلى الله عليه وسلم حتى بلغ المصلي عليه لهذا الأمر العظيم وإلا فمتى يحصل لك أن يصلي الله تعالى عليك ” فلو عملت في عمرك كل طاعة ثم صلى الله تعالى عليك صلاة واحدة رجحت تلك الصلاة الواحدة على ما عملت في عمرك كله على جميع الطاعات لأنك تصلي على الحبيب حسب وسعك وهو يصلي على حسب ربوبيته هذا اذا كانت صلاة واحدة فكيف اذا صلى عليك عشرا بكل واحدة.  انتهى

يقول الشيخ محمد بن عبد الكبير الكتاني: فأنت يارسول الله بحر الله الأولي المتموج الزخار,وأنت عرش الله الغيبي قبل أن يكون على الماء لأن لك خلوة بالحق جل إسمه لم تكن لغيرك من أفراد الكائنات وأنت عرشه الذي كان على الماء وأنت المظطرب من أجل الإشتياق الى كتابة إسمك على العرش لما كان على الماء حتى كتب عليه محمد رسول الله فسكن ….فأنت حجاب الله الأحمى الذي لا يعرف الرب جل قدسه إلا ببياناتك وإرشاداتك وإفصاحك لأنك أول عالم علمت ربك سبحانه بما علمك من معارفه وآتاك من حقائق تنازلاته وليس في مقدرة غيرك من الوجودات أن تدخل على الله تعالى المدخل الذي دخلته والمورد الذي وردته انتهى.

الــحـــقــيــقة  المــحــمــديــة

●ورد في الآثار أن رسول الله كان إذا مشى في نور الشمس أو في ضوء القمر لا يظهر له ظل لأنه نور ليست له كثافة بشرية كما أنه لا يترك أثرا في الرمال و يترك أثرا على الصخر وأنه يري بالضوء كما يرى في الظلام ويرى من خلف كما يرى من أمام.

●ورسول الله ختم به الله تعالى الرسالة والنبوة فلا نبي بعد إذ لوكان بعده نبي لكان وارثا له،والوارث لايكون وارثا إلا بعد موت الموروث ومولانارسول الله حي بحقيقته حي بروحه الكلية.

●قال ابن عربي :قال أنا سيد الناس يوم القيامة وماقصد الفخر وإنما قصد الإعلام وإراحة أمته من التعب حتى لا تمشي في ذلك اليوم كما تمشي الأمم إلى نبي بعدنبي للشفاعة ,فتقتصر على سيدنا محمد بما أعلمها من ذلك وأن الرجوع إليه في آخر الأمر. انتهى

●قال صلى الله عليه وسلم” أدبني ربي فأحسن تأديبي ” ولم يذكر إلا الله وما أشار الى وساطة ملك {هذا لمن قال أن جبريل عليه السلام كان شيخه }إنما كان يتظاهر بما يتظاهر به إظهارا للعبودية.  

●إن الله تعالى خلق الخلق على صورة محمد فالميم بمنزلة رأس الإنسان والحاء بمنزلة اليدين وباطن الحاء كالبطن و ظاهرها كالظهر والميم الثانية مجتمع الإليتين وطرف الدال كالرجلين.

         وفي عالم التركيب في كل صورة ●●ظهرت بمعنى عنه بالحسن زينت

وفي كل معنى لم تبنه مظاهري ●● تصورت لا في هيئة هيكلية

وفيما تراه الروح كشف فراسة ●● حفيت عن المعنى المعنيِّ بدقة

قال الشيخ  أكمل الدين : قال صلى الله عليه وسلم  :”من رأني فقد رأى الحق فإن الشيطان لايثمتل بي ” الجواب من وجهين .أولهما أن الحق سبحانه وتعالى ليست له صورة معينة توجب الإشتباه إذ هو منزه من كل الوجوه عما يوجب مماثلته بخلاف النبي فأنه ذو صورة معينة معلومة مشهودة ممتازة .الثاني: من مقتضى أسماء الحق أنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء والنبي مقيد بصفة الهداية وظاهر بها فوجب عصمة صورته الشريفة من أن يظهر بها الشيطان مظهر الإسم الإلهي المضل .والظاهر بصفة الضلالة .فهما ضدان لايظهر أحدهما بصفة الآخر.انتهى

يقول ابن عربي في الفتوحات المكية{باب معرفة النفس} :الحقيقة المحمدية برزخ بين الرب والمربوب…….و الإنسان الكامل أقامه الحق برزخاً بين الحق والعالم فيظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقاً ويظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقاً  ..انتهى

ويقول في باب منزل تفريق الامر والصورة:الإنسان الكامل نائب الحق : ….ولما لم يتمكن أن يكون كل إنسان له مرتبة الكمال المطلوبة في الإنسانية وإن كان يفضل بعضهم بعضاً فأدناهم منزلة من هو إنسان حيواني وأعلاهم من هو ظل الله وهو الإنسان الكامل نائب الحق،يكون الحق لسانه وجميع قواه وما بين هذين المقامين مراتب ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولاً وفي زمان إنقطاع الرسالة يكون الكامل وارثاً ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول إذ الوارث لا يكون وارثاً إلا بعد موت من يرثه فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة …انتهى

وفي الباب 355: الإنسان الكامل أعرف المخلوقات بالله :…فكل من في الوجود من المخلوقات يعبد الله على الغيب إلا الإنسان الكامل المؤمن فإنه يعبده على المشاهدة…انتهى

وفي الباب 360:   الإنسان الكامل ظل الله ولا مشاهدة إلا لهذا الظل:….فخلق الإنسان الكامل على صورته ونصبه دليلاً على نفسه لمن أراد أن يعرفه بطريق المشاهدة لابطريق الفكر الذي هو طريق الرؤية في آيات الآفاق وهو قوله تعالى “سنريهم آياتنا في الآفاق”  .

خلاصة القول :الحقيقة المحمدية نائبة عن الحق تعالى في الكون الإلهي وهي الظاهرة لأ هل الكشف والشهود وهي السارية في كل الموجودات وفي كل الجزئيات وهي برزخ بين الحق والخلق وهي أعرف المخلوقات بالله وظهرت بجميع الأسماء والصفات الإلهية فقول القائل هو الظاهر في المظاهر إشارة الى هذه الحقيقة المحمدية لا إلى الذات الإلهية ,تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فلله تعالى الغنى المطلق حتى عن أسمائه وصفاته فإذا فهمت هذا فقد فهمت معنى وحدة الوجود عند الصوفية فمن عرفها( أي الحقيقة المحمدية )ذوقا فقد عرفها  وعرف أن وحدة الوجود راجعة إليها وعليها.

يقول  الإمام جعفر الكتاني الحسني :

وحدة الوجود : وحدة جميع الموجودات الكونية من حيث جملتها هي وحدته صلى الله عليه وسلم  ومعناها أنّ العالم كلّه من أوّله إلى مالانهاية له منه، شيء واحد بالذّات، أعني نورانيته واحدة وحقيقة متحدة متضمّنة لجميع الحقائق، وهي نورانيته صلى الله عليه وسلم، وحقيقته المفاضة من الذّات العليّة، فيضانا متحدا بالفيض الاقدس أوّلا في العلم، ثمّ بالفيض المقدّس ثانيا في العين.

وما لها من التّفاصيل والإعتبارات العارضة لا تكثّرها، كالذّات الواحدة الإنسانيّة، فإنّها حقيقة واحدة لاتكثرها الحواس الظّاهرة، وكان بعض بعض مشائخنا ممن جمع بين الظاهر والباطن، إذا رأى إنسانا مقبلا عليه قال : مرحبا بالنّور المحمّدي، حتّى صار يلقّب بالنّور المحمّدي، وكان يشير بذلك إلى أنّ الأكوان كلّها إنّما هي مظاهره صلى الله عليه وسلم وإن تعدّدت بالإعتبارات . 

نقل عن الشيخ التجّاني قوله :  الحقيقة المحمّديّة هي الكون بأسره، فلو رفع الحجاب لم ترى إلّا النّور المحمّدي بارزا وحده صلى الله عليه وسلم.   

ورد في كتاب التنبيهات في علو مرتبة الحقيقة المحمدية وهو لكاتب مجهول: فالحقيقة المحمدية هي التي ترب صور العالم كلها بالرب الظاهر فيها الذي هو رب الأرباب فبظاهرها ترب ظاهر العالم وبباطنها ترب باطن العالم لأنه صاحب الإسم الأعظم وله الربوبية المطلقة إنما هي له من جهة مرتبته صلى الله عليه وسلم لامن جهة بشريته فإنه من تلك الحقيقة عبد مربوب محتاج إلى ربه سبحانه وتعالى.

ويقول  الشيخ الأكبر في نقش الفصوص :… وجعله الله تعالى العين المقصودة من العالم كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني ولهذا تخرب الدنيا بزواله ,وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله فهو الأول بالقصد والآخر بالإيجاد والظاهر بالصورة والباطن بالسورة أي المنزلة فهو رب للعالم  وعبد بالنسبة لله .انتهى

يقول العارف بالله أحمد عابدين :سمي المصطفى بنور الأنوار وبأب الأرواح إذ هو أول وآخر كامل لا يخلق الله بعده مثله قال”أول ما خلق الله نوري” أي الحقيقة المحمدية أول موجود من محض النور الصمدي في الحضرة الأحدية مكتسية بجميع خلع الربوبية مشتملة على جميع الأوصاف الرحمانية واسطة بينه تعالى وبين العوالم نائبة عنه تعالى في جميع المعالم حجابا بينه وبين الخلق لا يوصل إليه سبحانه إلا بها …فهو الجنس العالي لجميع الأجناس والأب الأكبر لجميع الموجودات والناس.. انتهى

يا سيدي يا رسول الله خد بيدي ●●مالي سواك ولا ألوي على أحد

فأنت نور الهدى في كل كائنة●●وأنت سر الندى يا خير معتمد

وأنت حقا غيات الخلق أجمعهم ●●وأنت هادي الورى لله ذي السدد

قال ابن عباس رضي الله عنهما ما خلق الله وما درأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وماسمعت الله عز وجل أقسم بحياة أحد غيره . انتهى

قال الشيخ أحمد عابدين :لما تعلقت إرادة الله بإيجاد الخلق أبرز الحقيقة المحمدية من محض النورقبل وجود ماهو كائن من المخلوقات بعد,ثم سلخ منها العوالم كلها ,ثم أعلمه الله تعالى بسبق نبوته وبعظيم رسالته،ثم انبسجت منه صلى الله عليه وسلم عيون الأرواح فظهر بالملأ الأعلى أصلا ممدا للعوالم كلها .إنتهى

وقال الكتاني  رحمه الله تعالى : سمعت سيدنا ومولانا في بعض المشاهد يقول : { لا مرمى دون مرماي، ولا كشف لأحد عن طلعة ظاهر باطن مُحَيَّاي {قل الروح من أمر ربي ) ما عرفني حقيقة غير ربي.
وقال قدس الله سره : وسألته صلى الله عليه وسلم عن حقيقة الاصطحاب هل كانت أم لا ؟ فقال لي صلى الله عليه وسلم: اتحد الإسم والمسمى،وتخلل الطلسم المُعمَّى . فقلتُ: هل من أول قدم؟ فقال لي على ما جرى في القِدم. لكن آونة يغيب الناسوت في اللاهوت ويظهر اللاهوت في الناسوت. ووقتا يغيب اللاهوت في اللاهوت ويبقى الناسوت للناسوت. فحين ظهوره أكون مخيط العين بخط: لست كهيئتكم إني أبيت أظل. وحين غيبوبة اللاهوت في اللاهوت أكون مخيط العين بخط : {إن الذي فرض عليك القرءان لرادك إلى معاد} أي لرادك للوح معاد هوية بطون غيب حقائق كليات {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} طمسا وتجريدا عن الإدراكات والإحاطات، وحين بقاء الناسوت للناسوت أكون مخيط العين بخط إنما أنا عبد {إنما أنا بشر مثلكم} أعني مع استقرار المعنى في المغنى وقيموميتها بالفهوانية واستغراقها باللهوانية :

                      فؤادي عند مشهودي مقيم  ●يشاهده وعندكم لساني

لا يشغلني هو عن هو حين أكون أنا بأنا بل لي القوة من الجهتين:شؤون الخدمة، ومقتضيات الحضرة. لأني شارب بكلتا الكأسين، ومصل بمحراب جمع العين. ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي

قال الجيلي :إعلم أن كلام الله صفته لأن الكلام صفة المتكلم وقالت عائشة رضي الله عنها :كان خلقه القرءان .فما أعرفها به أنظر كيف جعلت صفة الله تعالى خلقالمحمدلإطلاعها منه على حقيقة ذلك .وقال تعالى “إنه لقول رسول كريم” وهو على الحقيقة قول الله فأنظر الى هذا التحقق بصفات الله حيث أقامه مقامه في صفاته وأسمائه ومقام الخليفة مقام المستخلف فتأمل .انتهى

قال تعالى:”النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم “فالله سبحانه وتعالى قد قدمه على نفس كل مؤمن ومعنى ذلك إذا تعارض لك حقان حق لنفسك وحق لنبي فأكدهما وأوجبهما حق النبي ثم يأتي حق النفس تبعا للحق الأول

قال صلى الله عليه: لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ووالديه والناس أجمعين ” ألا ترى أن من آمن به ثم مات من وقته كيف يحكم الله له بدخول الجنة مع أنه لم يصلي ولم يفعل شيئا من الأعمال الصالحة ويقال عنه رضي الله عنه.

                  ومثلكَ لم ترَ قطُ عيني●●وأجملُ منكَ لَم تلدَ النساءُ

              خُلقتَ مبرأً من كل عيبٍ ●●  كانك ولدتَ كما تشاء

الــحـــقــيــقة  المــحــمــديــة

سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ويبكي بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد كان لك جدع تخطب الناس عليه فلما كثروا  إتخدت منبرا لتسمعهم فحن الجدع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فأمتك أولى بالحنين عليك حين فارقتهم.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد بلغ من فضلك عند الله أن بعتك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم قال تعالى ” وإذ أخد الله من النبئين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم “

بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون يقولون : ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجرا تتفجر منه الأنهار فما ذاك بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء .                                                              بأبي أنت وأمي يارسول الله لئن كان سليمان بن داوود أعطاه الله ريحا غدوها شهر ورواحها شهر فما ذاك بأعجب من البراق حين سريت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله تعالى إحياء الموتى فما ذاك بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك.

بأبي أنت وأمي يارسول الله  لقد دعا نوح على قومه فقال :رب لا تدرعلى الأرض من الكافرين ديارا” ولو دعوت مثلها علينا لهلكنا عن آخرنا لقد أدمي وجهك وكسرت رباعيتك قلت :” اللهم أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون “.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لقد إتبعك في أحداث سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كبر سنه وطول عمره فلقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا قليل.

بأبي أنت وأمي يارسول الله لو لم تجالس إلا كفؤا لك ما جالستنا ولو لم تنكح إلا كفوه لك ما نكحت إلينا ولو لم تؤاكل إلا كفوة لك ما آكلتنا  ولبست الصوف وركبت الحمار ووضعت الطعام بالأرض ولعقت أصابعك تواضعا منك صلى الله عليك.  انتهى

           أنت الذي لولاك ماخلق امرء●●● كلا ولاخلق الورى لولاكــــــا

أنت الذي من نورك البدر اذ طالع●●●والشمس مشرقة بنور بـهاكا

     أنت الذي لمارفعت إلى السماء●●●بك قد سمت وتزينت لسركـا

أنت الذي ناداك ربك مرحبا●●●ولقد دعاك لقربه وحباكا

أنت الذي فينا سألت شفاعة●●●لباك ربك لم تكن لسواكا

أنت الذي لما توسل آدم●●●من زلة بك فاز وهو اباك

 قال المحقق عبد الكريم الجيلي : كان  متحققا بجميع الأخلاق الإلهية وسأذكر من ذلك ما دل عليه الكتاب العزيز تصريحا أو إشارة وتلويحا فمن ذلك إسم الله والدليل على أنه  كان مظهرا لهذا الإسم قوله تعالى “ومارميت اذ رميت “”ومن يطع الرسول فقد أطاع الله” ومن ذلك اسمه تعالى النور وهذا الإسم  إسم ذاتي قال تعالى لقد جاءكم من الله نور يعني محمد ومن ذلك إسمه الحق قال تعالى قد جاءكم الحق من ربكم وقال تعالى”فقد كذبوا بالحق لما جاءهم “يعني محمد ومن ذلك إسمه الرؤوف الرحيم قال تعالى في حقه” بالمؤمنين رؤوف رحيم ” ومن ذلك إسمه الكريم قال تعالى “إنه لقول رسول كريم وإسمه” العظيم قال تعالى” وإنك لعلى خلق عظيم ” ومن ذلك إسمه الشهيد والشاهد.

يقول الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان: الحمد لله الذي جعل محبته مبنى أساس الإيمان وباب المعرفة وسر الإمكان من نوره الشربف تصورت جميع الصور ومن فيضه العلي إستمد البشر والشجر فهو الأب الأصلي والختم الحقي الداعي الى الحق بالحق .به ظهرت الموجودات وتفرعت الممكنات إذ هو صاحب رياسة لولاك وقاب قوسي الوجود وعروة الاستمساك فبالصدق في محبته يحصل للعبد سؤله وبالإضمحلال في نوره الباهر يتم وصوله المخاطب بالنور المبين وعلى آله وصحبه أجمعين

             جميل الصفات جزيل الصلات●●● عزيز الهبات كثير الأدب

                   بديع الجمال رفيع المثال ●●●عديم المنال عظيم الحسب

               مليح الشمائل بادي السنا●●●بسيط الأنامل عالي الرتب

يقول الشيخ الكتاني الذي يقول في موضع آخر …وكذلك سيدنا صلى الله عليه وسلم الذي قال  : رأيت ربي في صورة شاب أمرد “وهو بحثية صرافة أحمديته فإنه رآها به هو …..فهو ذاك الشاب الذي رآه إذ, هو بحثا صرفا …فما ثم إلا هو …أى رأى  نفسه بنفسه… انتهى  .                      “لقد ر أى من آيات ربه الكبرى ” في المعراج رأى بجسمه الشريف المولود من أم وأب أحمديته أي القرءان مجسما {في صورة شاب} 

وفي القرءان الكريم خاطب الحق سبحانه الأنبياء بأسمائهم وخاطبه صلى الله عليه بصفتيه المحمدية والاحمدية ” يا أيها النبي ” يا أيها الرسول” .وكررت يا أيها النبي في القرءان 13 مرة وهذا  العدد هو كسر كلمة أحد = 13 

يقول الشيخ الاكبر قدس الله سره في ج1  ص 113          

………فنقول إن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع أوجدها في مقام الجهل ومحل السلب أي أعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر وكان الغذاء فيه الذي هو سبب حياته وبقائه وهو لا يعلم فحرّك الله همته لطلب ما عنده وهو لا يدري أنه عنده فأخذ في الرحلة بهمته فأشهده الحق تعالى ذاته فسكن وعرف أن الذي طلب لم يزل موصوفاً.وعلم ما أودع الله فيه من الأسرار والحكم وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية فكانت تلك المعرفة له غذاء معيناً يتقوّت به وتدوم حياته إلى غير نهاية فقال له عند ذلك التجلي الأقدس ما أسمي عندك فقال أنت ربي فلم يعرفه إلا في حضرة الربوبية (1)  وتفرد القديم بالألوهية فإنه لا يعرفه إلا هو فقال له سبحانه أنت مربوبي وأنا ربك أعطيتك أسمائي وصفاتي(2) فمن رآك رآني(3) ومن أطاعك أطاعني ومن علمك علمني ومن جهلك جهلني (4) فغاية من دونك أن يتوصلوا إلى معرفة نفوسهم منك وغاية معرفتهم بك العلم بوجودك لا بكيفيتك (5) كذلك أنت معي لا تتعدى معرفة نفسك ولا ترى غيرك ولا يحصل لك العلم بي إلا من حيث الوجود ولو أحطت علماً بي لكنت أنت أنا ولكنت محاطاً لك وكانت أنيتي أنيتك وليست أنيتك أنيتي ( 6)فأمدك بالأسرار الإلهية وأربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها إذ لا طاقة لك بحمل مشاهدتها إذ لو عرفتها لاتحدت الأنية وإتحاد الأنية(7) محال فمشاهدتك لذلك محال هل ترجع أنية المركب أنية البسيط لا سبيل إلى قلب الحقائق فاعلم أن من دونك في حكم التبعية لك (Cool كما أنت في حكم التبعية لي فأنت ثوبي وأنت ردائي وأنت غطائي (9)فقال له الروح ربي سمعتك تذكر  أن لي ملكاً  فأين هو(10) 

يشير  ابن عربي في هذه التحقيقات إلى :

1=أن الحقيقة المحمدية أول مخلوق لم تعرف الله تعالى إلافي حضرة الربوبية و تفرد القديم بالألوهية فلا يعرف الله إلا الله .فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا للإله وللرب و لا يكون لله أبداً فالذات الإلهية لها الغني المطلق. في ج3 ص  173 يقول :فلا ظهور للذات الإلهية في الصور إنما الظهور لمرتبة الربوبية و إلى دائرة الاسم “إله “

2=   الحقيقة المحمدية تحلت بجميع الأسماء والصفات الإلهية

3=   لا تقع الرؤية إلا عليها (من رآني فقد راى الحق ) الحديث… فما شاهد العارفون إلا إيها 

4=   لا معرفة لنا إلا بها : معرفة الله هي معرفة أسمائه وصفاته وكلامه ومعرفة نبيه كل عارف على قدر قامته إذ لو أحاط العلم بالذات لدخلت تحت القيد والحصر.كما أن  الله تعالى في غيب ذاته منزه عن جميع النسب والإضافات مقدس عن سائر العقود والإعتبارات فلا إسم  يعينه {رفع الياء  فتح العين تشديد الياء}ولا وصف ينعته ولارسم يميزه ولا شهود  يضبطه  ولا عقل يدركه

5=   ستبقى سمة الجهل بالحقيقة المحمدية هي الغالبة على العارفين الى أن يرث الله الارض ومن عليها ” ما عرفني حقيقة غير ربي ”

6=   الحقيقة المحمدية لا تعرف الذات الإلهية

7=   فهو صلى الله عليه وسلم في ترق دائم في معرفة الله ونحن في ترق دائم في معرفة حقيقته ولن يصل صلى الله عليه وسلم الى معرفة الله ولن نصل إلى معرفته 

8=   فهو صلى الله عليه وسلم سدرة منتهى الجميع

9=   وهو صلى الله عليه وسلم حجاب الله الاعظم

10=  الـمُـلك هنا  إشارة إلى الخلافة الكلية للحقيقة المحمدية على الكون الإلهي

    دع ما إدعته النصارى في نبيهم ●●وأحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

   وانسب الى ذاته ما شئت من شرف●●وانسب الى قدره ما شئت من عظم

فإن فضل رسول الله ليس له ●●حد فيعرب عنه ناطق بفم

يقول الشيخ محمد الكتاني :يحتمل معنى أحمد أنه من أحمد الحامدين لربه أي لو جليت لنا في  الخارج قوابل الأشياء واستعدادتها وفحصنا عن تلك الحقائق لوجدنا ثناءات هذه الحقيقة الأحمدية وأحمديتها للرب سبحانه أكثر من كل حمد يصدر في العالم لا من الأنبياء ولا من الرسل ولامن الملائكة ولاممن عداهم لأن الثناء يكون بحسب الإطلاع على الكمالات والمحامد ولا إطلاع أوسع من إطلاع الحقيقة المحمدية ولا إنفساح أفسح من أنكشافها وهو يقول :”ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أفعله والله إني لأعرفكم بالله وأشدكم له خشية”رواه البخاري .ويحتمل أنه : أحمد من حمده الحق سبحانه ويكفي من أحمديته تعالى له :القرءان كله مدح له إما بالتصريح،أو التلويح،أو الكنايات , أو الإشارات أو التعريضات أو الإدماجات …وهذا الأخير أغلب الأيات البينات القرءانية بعد الصراحات ولذلك قيل :

مدحتك آيات الكتاب فما عسى ●● يثني على علياك نظم مديحي

     وإذا كتاب الله أثنى  مفصحا●● كان القصور قصارى كل فصيح

يقول الإمام ابن قيم الجوزية في جلاء الأفهام : محمد هو المحمود حمدا بعد حمد فهو  دال على كثرة الحامدين له وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه .وأحمد أفعل تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره , فمحمد زيادة حمد في الكيمية وأحمد زيادة في الكيفية .انتهى.

يقول العلامة ملا علي القاري :في قوله تعالى﴿واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا﴾فلو لم يكن متمكنا من الإجتماع بهم لم يكن لهذا الخطاب فائدة. انتهى

ذكربعض العارفين أن الحكمة في إنفراده   عن مكة بمحل آخر بعيد عن مكة زيادة في إظهار فضله وأنه متبوع لاتابع إذ لو دفن بمكة لكان قصده يكون تابعا لقصدها أو لقصد الحج فيصير متبوع وذلك لا يليق بعلي مقامه فاقتضى ذلك أن ينفرد بمحل مخصوص بعيد من مكة حتى يكون قصد زيارته مستقلا ليس تابعا لغيره وحتى يتمايز الناس في شد الرحال لزيارته   فالبيت الحرام  كعبة الأشباح وسيدنا محمدكعبة الأرواح.

قال الجيلي :…فهو خاتم النبيئيين فلا نبي بعده فلو حصلت النبوة لأحد لكان ناسخا لشرع محمد  وذلك محال لأن الجزء لا يظهر على الكل فدين سيدنا محمد وخلافته كلية على الكون الإلهي قبل القبل وبعد البعد.والأولياء الذين ظهروا بعد سيدنا محمد  تابعون له صورة ومعنى بخلاف الأنبياء صلوات الله عليهم إنما لحقوا بمحمد حكما أي من حيث المعنى لا من حيث الصورة .

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني :ما رفع رسول الله  قدما إلا وضعت قدمي إلا قدم النبوة العظمى والمكانة الزلفى والوسيلة الكبرى فإنه مخصوص بها . إنتهى.

الــحـــقــيــقة  المــحــمــديــة

أين بين من قيل له ولسوف يعطيك ربك فترضى.. ومن قال وعجلت إليك ربي لترضى  أين بين من قيل له ألم نشرح لك صدرك ….ومن قال ربي اشرح لي صدري اين بين من قيل له ليغفرلك الله ما تقدم من ذنبك وماتأخر …ومن قال رب أغفر لي خطيئتي .أين بين من قيل له ورفعنا لك ذكرك…ومن قال ربي اجعل لي ذكرا  في الأخرين.

أين بين من قيل له ما كذب الفؤاد ما رأى …ومن نظر في النجوم فقال أني سقيم  أين بين من رأى من أيات ربه الكبرى …وبين من قال ربي أرني أنظر إليك. وعناية بسيد المرسلين أمر الله  سيدنا ابراهيم و اسماعيل بتطهير البيت للطائفين ولم يكن معهم اسحاق لَمَّا لم يكن محمد في صلبه .

الــحـــقــيــقة  المــحــمــديــة

قال تعالى ﴿لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون﴾ أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد ولا فائدة للقسم ان لم يكن موجودا بحقيقته في تلك العصور الغابرة.

قال تعالى ﴿ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾والرحمة صفة ولابد لها من وجود الموصوف بها .كما أن من أرسل رحمة للعالمين يقتضى أن يكون أفضل العالمين وأعظم العالمين

قال   “كنت نبيا وآدم منجدل في طينته “والنبوة صفة ولابد لها من وجود الموصوف بها. فتأمل.

حجبوك عن مقل الأنام مخافة ●●●من أن تخدش وجهك الأبصار

فتوهموك ولم يروك فأصبحت ●●●من وهمهم في خدك  الأثار

قال تعالى :” ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه “والرسول الكريم من اعظم حرمات الله فأمرنا الله تعالى ان نعزره وان نوقره

وقال تعالى ” لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ..فالله تعالى يعلمنا الادب معه

وقال:” يا ايها الذين ءامنوا لاترفعوا اصواتكم فوق  النبي ولاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم بعضا ان تحبط اعمالكم وانتم لاتشعرون” ومن حبط عمله فهو من زمرة الكافرين والعياذ بالله

سأل شخص شيخنا أبو الفيض محمد الكتاني عن معرفة الذات الالهية فأجاب رضي الله عنه قائلا : هل تعرف حَوْمتك والناس الساكنين بها وأعمارهم ومهنهم وأبناءهم واكلهم وشربهم و و و …قال لا . قال له وهل باستطاعتك معرفة ذلك يوما ما . معرفة كل مايتعلق بهم، قال لا، قال هذه حومتك لم تحط بها فكيف بالله واسمائه وصفاته ؟.

قال العارف بالله سيدي عبد العزيز الذباغ :أن اسرار الأنبياء والأولياء وغيرهم كلها مأخودة من سره فإن له سرين احدهما في المشاهدة وهو الموهوب والاخر يحصل من هذا السر وهو المكسوب. وفي مشاهدته الشريفة تباينت الأسماء الحسنى وظهرت فيها أسرارها وأنوارها فيكون في ذاته الشريفة نور البصر ونور الرحمة ونور الحلم ونور العلم …أما غيره من الملائكة والأنبياء والأولياء فنجدهم قد تفرق فيهم بعض ما في الذات الشريفة مع كون السقي وصل إليهم من الذات الشريفة فالأسرار الموجودة في ذواتهم إنشقت منه.

قال العارف إبن مشيش رضي الله عنه:  اللهم صل على من منه إنشقت الأسرار وانفلقت الأنوار أي أن أول ما خلق الله تعالى نور سيدنا محمد ثم خلق القلم والحجب السبعين وملائكتها ثم خلق اللوح .انتهى

ويقول الكتاني في مكان آخر:…فكانت الحقيقة المحمدية محمدا في مقام الكثرة والوحدة ولم تزل محمدا قبل القبل ،ولم تزل محمدا حين الكون ،ولم تزل محمدا بعد الكون ولم يزل نبيا قبل الزمان والمكان ولم تنسلخ عنه النبوة والرسالة القائمتان به قبل القبل الى أن ءاذن جل شأنه بالظهور التفصيلي النشري الشهادي في عالم التفصيل فظهر مظهرا ثانيا على كرسي الإنباء والإرسال عن الله تعالى داعيا إلى الله بالحق وهاديا الى صراط الله الحميد.انتهى

ابن عربي يشير في ج1 ص179 لظهور المحمدية في صورة حقية :..  من قال من أهل الكشف أنه مأمور بأمر إلهي ،في حركاته وسكناته مخالف لأمر شرعي محمدي تكليفي،فقد ألتبس عليه الأمر و إن كان صادقا فيما قال أنه سمع، وإنما يمكن أن ظهر له تجل إلاهي في صورة نبيه صلى الله عليه وسلم فخاطبه نبيه،أو أقيم في سماع خطاب نبيه وذلك أن الرسول موصل أمر الحق تعالى الذي أمر الله به عباده، فقد يمكن أن يسمع من الحق في حضرة ما،ذلك الأمر الذي قد جاء به أولا رسوله صلى الله عليه وسلم،فيقول أمرني الحق وإنما هو في حقه تعريف بأنه قد أمر و انقطع هذا السبب بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما عدا الأوامر من الله المشروعة فللأولياء في ذلك القدم الراسخة، وقدعلمت أن العالم كله مخلوق منه صلى الله عليه وسلم ،فقابليته وحده بقوابل سائر الموجودات. فهو المستفيض الأول، والمفيض الثاني، لأن الفيض الأقدس الذاتي متوجه إليه بالتوجه الأول،ومنه يتوجه إلى بقية المخلوقات،بقدر قوابلهم،فهو كل الوجود ،وله كل شئ، وما أحسن قول الامام اليافعي رضي الله عنه في مدحه صلى الله عليه وسلم  :

                 ياواحدالدهر ياعين الوجود ويا●غوث الأنام وهادي كل حيران.               انتهى كلام ابن عربي.

الإمام بهاء الدّين البيطار  يقول : (ووجدك ضالا فهدى )ضلاله صلى الله عليه وسلّم : بطونه في الكنـز المخفي ،فهو التفاف ساق محمدي بساق إلهي ، فهو صلى الله عليه وسلّم المكنوز في الكنـز  ويقول الطلسم عند العارفين : هو الإنسان الكامل ، المتحقق بأسرار الأسماء الإلهية ، بالقوة والفعل بذاته بدون أمر خارج عنه ، فهو الاسم الأعظم الذي مبايعته مبايعة الله وطاعته طاعة الله

  ويقول : إن السيد الأعظم صلى الله عليه وسلّم من أسمائه الحق لقوله تعالى : وَآمَنوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وهو أي سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم :  هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ  ” أي : من حقيقتهم وحقيقة كل شيء التي هي الحقيقة المطلقة .فهو الحق الظاهر المبين بنوره صور أعيان الكثرة الإمكانية ، والكاشف عنها ظلمة العدم الثبوتية .فمن حقيقته استنارت سائر الحقائق ومن نور هدايته استبانت المسالك والطرائق  .

ويقول : « ينبوع الحقائق الوجودية صلى الله عليه وسلّم ، أي : أصلها ومستمدها ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلّم :   أوتيت جوامع الكلم. فمنه تفرعت الحقائق علوا وسفلا ، وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد » .

ويقول : « الحجاب المستور : هو أنت يا محمد صلى الله عليه وسلّم بعينك ، لأن ظهورك لهم سترك عنهم ،فالساتر عين المستور بعينه . فالرداء عين المرتدي، والإزار عين المئتزر   .

البحر الأعظم : هو كناية عنه صلى الله عليه وسلّم ، وهو الذي تفجرت من بحره الجامع ينابيع البحور كلها ، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :  وإنكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ  ، لأن الله تعالى خُلُقُه ، فهو بأخلاقه الكريمة يسع كل شيء ولا يسعه شيء ، وقد قال صلى الله عليه وسلّم في وصف البحر :  ” الطهور ماؤه الحل ميتته “،فبحره صلى الله عليه وسلّم لا يقبل النجاسات، لأنها تنقلب فيه ماء مطلقاً طهوراً يطهر به كل شيء ، كما أن ميتـته التي هي كناية عن لأخلاق الردية تنقلب في بحره أخلاقاً إلهية ، فالجهل في بحره يعود علماً ، والخبث يعود طيباً ، والإثم يعود قرباً وطاعة

ويقول في قوله تعالى ( رأى من آيات ربّه الكبرى ) : « يعني رأى حقيقته التي هي طامة الحقائق ، فهي آية ربه الكبرى إذ لم يكن أكبر منها ولا أشمل ولا أجمع » .

ويقول : « السبحات : هي الأنوار الذاتية لوجه الله ، فلا يطيق تجليها إلا البصر المحمدي ، فهو مصبها ، والبصر متقلب إليه ، ولذا قال الشيخ الأكبر [ ابن عربي ] : اطلب رؤية الله في المرآة المحمّديّة ، ولكن ببصر سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم لا ببصرك »

قال العارف بالله الشيخ سيدي احمد بن ادريس :…لرسول الله وجهتان وجهة إلى الحق تعالى وهو المقام الذي قال فيه تعالى ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ فأعاد الضمير بصيغة الإفراد .وقال تعالى﴿أنا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتومنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا”﴾فأعاد الضمير بصيغة الإفراد وقال    في هذا المعنى من ” رأني فقد رأى الحق”  وقال   ” إن لي وقتا لا يسعني فيه إلا ربي “ولذا قال تعالى﴿ و إذا قرأت القرءان جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا﴾.الحجاب المستور هو كونهم ما رأوا فيه إلا البشرية إذ لو صدقوا لرأوا نيابته ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ﴾فهو  أقرب الكون إلى الله.انتهى

                  ياسراج الكون إني عاشق مستهام ●●مغرم والمدح فني يا بدر التمام

                منيتي أقصى مرامي أحظى بالشهود●● وأرى وجهك الكريم يا زكى الجدود

قال العارف بالله الامير عبد القادر الجزائري قال تعالى”وما أرسلناك إلارحمة للعالمين” إعلم أنه ليس المراد من إرساله رحمة للعالمين هو إرساله   من حيث  ظهور جسمه الشريف الطبيعي فقط فإنه من هذه الحيثية غير عام الرحمة لجميع العالمين  فإن العالم ما سوى الحق تعالى بل المراد إرساله من حيث حقيقته التي هي حقيقة الحقائق  ومن حيث روحه الذي هو روح الأرواح فإن حقيقته هي الرحمة التي وسعت كل شئ وعمت هذه الرحمة حتى أسماء الحق تعالى من حيث ظهور آثارها ومقتضياتها بوجود هذه الرحمة  وهذه الرحمة هي أول شئ فتق ظلمة العدم  وأول صادر عن الحق تعالى بلا واسطة وهي الوجود المفاض على أعيان الممكنات وقد ورد في الخبر ”أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر .” .انتهى

                 ماأرسل الرحمان أو يرسل ●●من رحمة تصعد أو تنزل

                 في ملكوت الله أو ملكه ●●  من كل ما يختص أو يشمل

                    واسطة فيها واصل لها●●يعلم هذا كل من يعقل

ويقول الشيخ الاكبرفي الباب 313  ج 3 ص 64 :إعلم ايدك الله أن أصل أروحنا روح سيدنا محمد   فهو أول الآباء روحا وآدم أول الآباء جسما.انتهى

فالنور المحمدي أول مخلوق أصله من الصفة الأحدية، والجسم الشريف المولود من أم و أب مثلنا خلق من الاسماء الالهية.فكانت له صلى الله عليه وسلم وجهة حقية ووجهة خلقية .و له روح كلية ،وروح جزئية.الروح الجزئية انتقلت الى جوار الله ،والروح الكلية ما زالت في الايات القرءانية  تُفَعِّل المقتضيات ليسير الملك وفق ما قدر في بساط الرحمانية ،وتنتقل في الكون الإلهي ويراها يقظة محبوه وكبار أولياء أمته .

قال سيدي الشيخ محمود الآلوسي في تفسيره ” روح المعاني ” الحقيقة المحمّدية  ): هي حقيقة الحقائق ، التي لا يقف على كنهها أحد من الخلائق ، وإنّها التّعيّن الأول ، وخازن السّر المقفل ، وإنّها .. وإنّها.. إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى

يقول الأمير عبد القادر الجزائري قدس الله سرّه : الحقيقة المحمّدية : هي عين الأشياء كلّها من حيث الماهيّة ،وهي غيرها من حيث الصّورة،وذلك أنّ الحق سبحانه أفاض على أعيان المكونات نور الحقيقة المحمّديّة ، فظهرت بفيضها جميع المحسوسات »

الحقيقة المحمّدية :هي غاية مايصل إليه الكمّل ،وجميع ما تسمعه من تغزّلاتهم إنّما هو فيها ، فيسمونها بليلى وسلمى . والرّاح والخمرة .وغير ذلك » .                                                          

ويقول الشّيخ أبو علي الدقاق: ( الحقيقة المحمّدية  ): هي النّور المحمّدي الذي انبثق منه الكون ، وتجلى في آدم والأنبياء والرّسل ،وهو الإنسان الكامل  »

ويقول الشّيخ كمال الدّين القاشاني( الحقيقة المحمّدية ): هي مظهر غاية الحضرات وانتهاء النّهايات ، وهي أنهى النّهايات وغاية الغايات،إذ ليس فوقها إلا الغيب المطلق » .

 الحقيقة المحمّدية: هي غاية الغايات،ويقال :نهاية النهايات،ويعنى بذلك : باطن العوالم،وهو مقام أو أدنى » .

ويقول الشّيخ أحمد التّجاني قدس الله سرّه  :

الحقيقة المحمّدية: هي محل الاستواء الإلهي بالإسم الأعظم . 

الحقيقة المحمّدية: هي البرزخ بين الحضرة الإلهية ، وبين الأرواح الواصلة إليها بكمال المعرفة وصفاء اليقين  .

الحقيقة المحمّدية: هي أول موجود أنشأه الله من العماء الرّباني ، وأوجدها سبحانه  مشتملة على جميع ذوات الوجود من الأزل إلى الأبد ، والوجود كلّه متنسل منها » .

الحقيقة المحمّدية: هي الأب الأوّل للوجود كلّه،فما في الوجود ذرّة موجودة من الأزل إلى الأبد خارجة عنها  .

الحقيقة المحمّدية: هي عين الذّات العليّة : يعني أنّ الحقّ سبحانه وتعالى،تجلى بكمال ذاته الذاتيّة في الحقيقة المحمّدية ،فهي لها أي ـ للذّات العليّة ـ كالمرآة تتراءى فيها،فبهذه الحيثية  كانت الحقيقة المحمّدية  كأنّها عين الذّات ، ولم يكن هذا التّجلي في الوجود لأحد من خلقه إلّا له،فبهذه النسبة كان عين الذّات لا أنّه حقيقتها » .

يقول الإمام الجيلي : كل كمال تشهده بالمحسوسات فهو من فيض صورته الظاهرة وكل كمال تعقله بالمعنويات فهو من فيض معانيه الباطنة فهو في المثل معدن كمالات العالم باطنها وظاهرها فمحسوسات العالم تستمد من ظاهره ومعقولات العالم تستمد من باطنه فهو هيولى الصورة والمعاني الوجودية فعالم الشهادة فيض ظاهره وعالم الغيب فيض باطنه وعالم الغيب عبارة عن حقيقته  انتهى.                                                                                                                                 

ويقول الشّيخ محمّد ماء العينين بن مامين :الحقيقة المحمّدية: هي الإسم الأعظم ، فمن عرفها عرفه ، وهي صورة الإسم الجامع الإلهيّ» . 

ويقول الشّيخ عبد الله الميرغني : الحقيقة المحمّدية: هي النّقطة ،وهي مدار الدّوائر،بل منها ينشأ كلّ دائر … وهي نون الإحاطة الإلهيّة وعينها ، فلذا كانت عين الجميع وما ثمّ غيرها  .

ويقول الشّيخ حسين البغدادي:الحقيقة المحمّدية : هي الحقيقة الّتي أوجدها الله تعالى من تجلي ذاته لذاته ، لتكون له عز وجل  كالمرآة ليشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته .

يقول الشيخ إبن قضيب البان : « كشف لي الحق عن سر عرش الحقيقة المحمدية  وقال لي : هو القلب الذي هو بيت عزتي ، ومخزن سري ،ومنبع نوري،ومظهر سعة علمي،وسرير سلطة إسمي ، وقال لي : قالبه الهيكل الذي بنيته بيدي ،وهو مجمع البحرين ،وقاب قوسين » .

الشيخ أحمد السرهندي :  

حقيقة الكعبة الربانية : هي بعينها الحقيقة الأحمدية ، التي هي الحقيقة المحمدية ظلها في الحقيقة ، فتكون مسجوداً إليها ، أي للحقيقة المحمدية بالضرورة .

للشيخ عبد الكريم الكسنزاني  :   ينقول : إن المؤمن الذي يعرف الحقيقة المحمدية تحقيقاً هو الذي يرى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم  في كل مكان حاضراً وناظراً ، ومن يصل إلى هذه المعرفة فقد وصل إلى الحقائق ، ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ). تتألف هذه العبارة من مفردتين : ( الحقيقة ) و ( المحمدية ) ، فأما المفردة الأولى فإن معناها العام : هو كنه الشيء وذاته أو كما يقال ( ماهيته ) ، وأما المفردة الأخرى فتشير إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ، فيكون معنى العبارة كاملة هو : الكنه أو الماهية الذاتية للرسول صلى الله عليه وسلم  . إن هذا المعنى لهذه العبارة يبعدنا – ولو شكلياً – عن الجانب الصوري أو المظهري للرسول صلى الله عليه وسلم ويجعلنا نركز على الجانب المعنوي له أو البعد الآخر . ولتوضيح ذلك نأخذ على سبيل المثال ( الإنسان ) لنرى الفرق بين صورته وماهيته ، فلو أننا نظرنا إليه من حيث بعده الصوري أو المظهري لوجدنا أنه يتكون من لحم ودم وغيرها من الأمور البايلوجية الحية بما تنطوي عليه من عناصر كيمياوية متداخلة ، التي يمكن دراستها ومحاولة اكتشاف خصائصها بواسطة التجارب والاختبارات العلمية أو المعملية ، ولكن حين ننظر إلى الإنسان من حيث البعد الجوهري له الذي خلقه عليه الحق تعالى نجد أنه يتكون من ( طين ) نفخ فيه ( الروح ) بحسب ما يصفه لنا كلام الله تعالى . وعلى هذا يكون الأصل الماهوي للإنسان من حيث البعد القرآني هو ( الطين والروح ) . هذا الأصل الماهوي هو الذي يعبر عنه بحقيقة الشيء أوكنهه،فهو يمثل هنا ما يعرف اصطلاحاً بـ ( الحقيقة الإنسانية ) . وعلى هذا فما يراد بالحقيقة المحمدية هو : الجانب الماهوي منها لا الصوري المظهري ، فما هي الحقيقة المحمدية  أو ماهوية سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم ؟وهل تختلف عن الماهية الإنسانية الاعتيادية ؟لو عدنا إلى القرآن الكريم الذي أخبرنا أن الماهية الإنسانية تعود إلى ( الطين ) لوجدناه يخبرنا أن ماهية سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم لا تعود إلى هذا الأصل ، بل تعود إلى محض النور الإلهي المطلق ، يقول تعالى : قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ . يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ . فلنتأمل قوله تعالى : مِنَ اللَّهِ نورٌ  والذي يعني أنه نور من نور الله تعالى ، تمثل وتجسد بهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم،كما تمثل جبرائيل عليه السلام بهيئة البشر السوي لمريم عليها السلام . فلا فرق بين تمثل الطين وتجسده بهيئة الإنسان السوي وبين تمثل النور الإلهي بهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذه هي حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : أنه نور محض تكثف وتجسد بإذن الله تعالى حتى ظهر بالصورة النبوية في وقت معلوم رحمة للعالمين،وتلطف عن رؤية الأنظار حين انتهى وقت ذلك الظهور حتى عاد إلى حالته المطلقة.

 يقول الشيخ عبد العزيز الدباغ الحسني :

قال رضي الله عنه: واعلم أن الأنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسموات وأرضين وجنات وحجب وما فوقها وما تحتها، إذا جمعت كلها وجدت بعضا من نور النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مجموع نوره صلى الله عليه وسلم لو وضع على العرش لذاب، ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق العرش لتهافتت، ولو جمعت المخلوقات كلها ووضع عليها ذلك النور العظيم لتهافتت وتساقطت. وإذا كان هذا شأن نوره صلى الله عليه وسلم فكيف يقول من يقول إنه يملأ الكون؟ فأين تكون ذاته إذا بلغت المدينة المشرفة وقربت من القبر الشريف؟ أم كيف تكون إذا تصاعدت نحو البرزخ وقربت من الموضع الذي فيه النور العظيم القائم بالروح الشريفة؟ أفتكون ذاته حاملة له والمخلوقات بجملتها عاجزة عنه؟ أم يتخطى ذلك الموضع فلم يملأ الكون، والفرض أن الموضع المذكور آخذ من القبر الشريف إلى قبة البرزخ تحت العرش. ولعله أراد بالكون ما بين السماء والأرض ما عدا موضع البرزخ الذي فيه النور المعظم. اهـ ( من الابريز

 قال الشريف الحسني الجزائري : إعلم أنّه لكلّ جنس من المخلوقات وجودا يخصه،فمنها السّفليّة والعلويّة والغيبيّة والشهاديّة ، والبريّة والبحريّة ، وكلّما اختلفت خصائص الأجناس تباينت شؤونهم ، ولما كانت تلكم الحقيقة القدسيّة ، ليست كجنس الممكنات ولا في بعض أجزائها ، كان لها وجود فريد من نوعه ، وكذلكم لمّا كانت نسيجا وحدها في جنسها، توحدت في كيانها وسائر شؤونها ، فلم يشاركها غيرها في حضرتها الحقيقيّة ، الّتي يطلق عليها العارفون لقب ( الوجود اللّازم ، أو الخلوة الأحديّة، أو عالم الوحدة، أو حضرة أو أدنى .. وإنّه وإن كان مقصورا في خيام الإطلاق ، غير أنّ له تنزّلات تعريفية على عوالم الإمكان،فيتلبس لكلّ جنس بما يناسبهم ، ليمكن التّلقي منه والتّرقي به . إذا فما الحضرة الجسديّة وشؤونها السّفليّة ، وما الحضرة الروحانيّة وشؤونها العلويّة ، إلّا كضرب مثال بلسان الحال ؛ بل حتّى عالم الحشر والجنان والكثبان ، ماهم منه سوى تنزّلات للدّلالة والسّقي ، كيف وإنّ غاية ما ينتهي إليه المقربون في الكثيب ، ماهو إلّا كلحظة من ديهور كفاحه ، وهذا أوكد دليل على مغايرته لأجناس الورى ( إنّي لست كهيئتكم ) . فإنّه لو ظهرت حقيقته كما هي عليه في عالمها ، وانبسطت بما يقتضيه إطلاق شؤونها ، لاستحال الوجود عدما .                     ويقول الشّيخ إبن قضيب البان : « قال لي الحق : ( الحقيقة المحمّدية  ): هي الرّحمة التي وسعت كلّ شيء ، وهي أمّ الكتاب ، وحضرة العلم الجامع ، وإنسان العيان السّامع » .                      قال الشيخ سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه في “المنح القدوسية” : ليكن في علمك أنّ العارف لو بلغ ما بلغ إذا لم يدخل هذه الحضرة المحمديّة, ويقوم بأدبها حتى تشرق عليه أنوارها, قد يخاف عليه لأنّ الوصول كان بها, فلا بدّ من الرجوع إليها, ولهذا يقال: (حقيقة النهاية هي الرجوع للبداية), وإن كان المريد حالة سيره يتجاوز الحضرة المحمديّة بالمشاهدة للحضرة الواحديّة, أو الأحديّة لكن كان له التجاوز بصاحبها عليه الصلاة والسلام إذ لولا نور المصطفى الذي تغمّده لما تقدّم أنملة ولو تقدّم لاحترق, ولهذا كان الرجوع إليها والتذلّل على أعتابها واجبا, فهي كمال الكمال, فمن لم يرسخ في هذه الحضرة فهو ناقص, ثمّ اعلم أنّ هذه الحضرة فيها يكشف للعارفين عن حقيقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي حقيقته اللازمة لأفراد الوجود الذي قال فيها صاحب البردة رضي الله عنه, وغيره:

كيف يدرك في الدنيا حقيقته●●قوم نيام تسلّوا عنه بالحلم

وما أحسن ما قيل في حقيقته :

نورك الكلّ والورى أجزاء ●●يا نبيّا من جندك الأنبياء

لأنّ حقيقة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم هي حقيقة كلّ فرد من أفراد الوجود حتى إذا كشفت براقع وجهها وظهر نور جمالها يتحقّق العارف حينئذ بالحقيقة المحمديّة ويقول كما قال: (لو احتجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفة عين ما أعددت نفسي من المسلمين), وقال غيره: (لو غاب عنّي ساعة متّ في الحين), وأقوال من كشف لهم عن حقيقة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أمثال هذا كثيرة

وقال الإمام السبكي : إن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم نبي الأنبياء فهو كالسلطان الأعظم وجميع الأنبياء كأمراء العساكر ولو أدركه جميع الأنبياء لوجب عليهم اتباعه إذ هو مبعوث إلى جميع الخلق من لدن آدم إلى قيام الساعة، فكانت الأنبياء كلهم نوابه مدة غيبة جسمه الشريف، وكان كل نبي يبعث بطائفة من شرعه لا يتعداها, انتهى. والله شكور حليم.
الشيخ أبو العباس المرسي : اعلم أنّ الأنوار الظاهرة في أولياء الله إنمّا هي من إشراق أنوار النبّوة عليهم، فمثل الحقيقة المحمدية كالشمس، وقلوب الأولياء كالأقمار، وإنمّا أضاء القمر لظهور نور الشمس فيه ومقابلته إياها، فإذا الشمس منيرة نهاراً، ومضيئة أيضاً ليلاً، لظهور نورها في القمر الممدود منها، فإذا هي لا غروب لها، فقد فهمتَ من هذا أنّه يجب دوام أنوار الأولياء لدوام ظهور نور رسول الله فيهم، فالأولياء آيات الله يتلوها على عباده بإظهاره إياهم واحداً بعد واحد: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق} (لطائف المنن للشعراني)

ويقول القطب أحمد بن إدريس : النبى صلى الله عليه وسلم هو عين الوجود وواسطة عقده ، أخذ من أنوار الحق بقدر صفوه ، فالآخذ من الله تعالى بواسطته صلى الله عليه وسلم وله المثل الأعلى ولرسوله هو فى القوة كالآخذ الضوء من الشمس بواسطة الزجاجة وهذا تشريف لهذه الأمة لأنهم الآخذون بواسطته ، والآخذ من الله تعالى من غير واسطته صلى الله عليه وسلم كآخذ الشىء من الشمس من دون واسطة الزجاجة.

ويقول الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه : « سألت الرب تعالى عن المعراج ؟ فقال سبحانه : هو العروج عن كل شيء سوائي ؛ وكمال المعراج : ما زاغ البصر وما طغى

ويقول الشيخ أبو العباس التجاني : ما خلق الله لنفسه إلا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والباقي من الوجود كله مخلوق لأجله معلل بوجوده . لولا أنه خلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما خلق شيئاً من العوالم ، فبان لك أن الوجود كله مخلوق لأجله » .

ويقول الشيخ الكتاني قدس الله سره: في “الرقائق الغزْلية “فالمراد من الموجودات النوع الإنساني، والمراد من النوع الإنساني الأنبياء والرسل-عليهم السلام- والمراد منهم وجود الحقيقة المحمدية، فكانوا لها بمنزلة المقدمات والفذلكات، والمراد من الكتب السماوية القرآن الحكيم، والمراد من الأمم هذه الأمة المحمدية ﴿لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ , والمراد من هذه الأمة آل البيت النبوي الأطهر-عليهم السلام. فصار كأن القصد الحقيقي منِ العالم ليس إلا الحقيقة الأحمدية .  

وقال قدس الله سره : في قوله سبحانه ( ورفعنا لك ذكرك) بأن لم يعرفك غيرنا، ولم يكشف ذلك الفص غيرنا.{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} {قل الروح من أمر ربي)

الشيخ أحمد بن عجيبة : يقول : « حجاب الأرواح صلى الله عليه وسلم : هو [ حاجبها  عن الهلاك ، إذ من شأن الروح أن تتطلع الخوض فيما لا تقدر عليه من بحر الجبروت فكلما همَّت بالخوض فيه زاجرها صلى الله عليه وسلم وعاقلها بعقال الشرائع ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :  ». تفكروا في آياته ولا تتفكروا في ماهية ذاته .”

قال سيدي أبو يزيد البسطامي: غصت لجة المعارف طالبا للوقوف على الحقيقة المحمدية فإذا بيني وبينها سبعين ألف حجاب من نور ، لو دنوت من أدناها ، لاحترقت كما تحترق الشعرة بالنار .

و يقول الشيخ الأكبر: المقام المحمدي ممنوع الدخول فيه،وغاية معرفتنا به النظر إليه كما ينظر في الجنة إلى عليين .

وقال الشيخ التجاني :  أما الحقيقة المحمدية هي مرتبة لاتعرف ولا تدرك ولا مطمع لأحد في نيلها من هذا الميدان ،ثم استأثرت بلباس من الأنوار الإلهية واحتجبت بها عن الوجود،فهي بعد هذا اللباس تسمى روحا ،وهذا غاية إدراك النبيين والمرسلين ،ثم استأثرت بلباس آخر فسميت عقلا ، ثم استأثرت بلباس آخر فسميت نفسا، ومن بعد هذا ظهر جسده الشريف صلى الله عليه وسلم ، والاولياء مختلفون في الإدراك لهذه المراتب ، فطائفة غاية إدراكهم نفسه الزكية صلى الله عليه وسلم وطائفة غاية إدراكهمم عقله الأنفس صلى الله عليه وسلم وطائفة وهم الأعلون بلغوا الغاية القصوى في الإدراك،فأدركوا حضرة روحه المقدسة صلى الله عليه وسلم ولا مطمع لأحد في درك الحقيقة في ماهيتها التي خلقت عليها .

وقال الشيخ يوسف بن محمد الفاسي  : فكانت الحيرة فيه صلى الله عليه وسلم على حسب معرفته ، وكما يليق بمقامه وعلو منزلته ، وحقيقة ذلك لم يدركها أحد بفهمه” ولا يحيطون بشيء من علمه إلّا بماشاء ” الله من ظواهر الأمور دون بواطنها ،وجليّها دون خفيّها،فالفهوم كلّت والعقول وقفت ، وتضاءلت عن إدراك خفي سرّه،والوقوف على حقيقة أمره،وما يعلم ذلك إلّا الذي خصه به سبحانه وتعالى .

وقال الامام القسطلاني رحمه الله :  إعلم أنّه لاسبيل لأحد إلى الإحاطة بنقطة من بحار معارفه ، أو قطرة مما أفاضه الله عليه من سحائب عوارفه ..
وقال الشيخ أبو المواهب الشاذلي رحمه الله:  رأيته صلى الله عليه وسلم مرة فقلت له : ياسيدي قول البوصيري : فمبلغ العلم فيه أنّه بشر معناه :منتهى العلم فيك أنّك بشرعند من لا علم له بحقيقتك،وإلّا فأنت من وراء ذلك بالرّوح القدسي ، والقالب النبوي،فقال صلى الله عليه وسلم : ” صدقت ” .

 وقال الإمام الخروبي رحمه الله :   حقيقة المصطفى صلى الله عليه وسلم سر لطيف من أسرار الحق تعالى لا يطلع عليه في الدارين سوى الرب جل جلاله ولا يكشفه أحد غيره لا نبي مرسل ولا ملك مقرب أو حقيقة أحمديته من السر المكنون والأمر المصون الذي انفرد به الحق تعالى وما أدرك الموقنون منه إلا ظاهر صورته المحمدية وهو الذي عبر عنه أو يس القريني صلى الله عليه وسلم بالظل، وقال لأصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: ما رأيتم منه إلا ظله .
فما أدرك الناس من حقيقة أمره وخفي سره إلى على قدر عقولهم البشرية فما ظهر من ذلك هو نعمة عليهم ليعظموا قدره ويعرفوا حقه وما خفي عليهم من أمره هو رحمة من الله تعالى بهم إلا ظهر لهم مع عدم قيامهم بالحقوق, لكان فتنة والله تعالى أرسله رحمة للعالمين، فكانت النعمة فيما ظهر والرحمة فيما استتر, فلولا أن الله تعالى ستر جمال صورته كما قيل بالهيبة والوقار وأعمى عنه آخرين لما استطاع أحد النظر إليه بهذه الأبصار الدنيوية الضعيفة انتهى.                                 الشيخ عبد الغني النابلسي :  يقول : « فهو الحجاب الأعظم القائم صلى الله عليه وسلم ، لأنه صلى الله عليه وسلم حجب العقول عن النظر في حقائق الذات والتفكر فيها ، فعقل العقل عن النظر إلى ما ليس له إليه سبيل ، بهذا أرسل صلى الله عليه وسلم وبه أمر ، فكان حجاب الله الأعظم القائم له بين يديه تعالى ».                                                               الشيخ جابر الجازولي يقول :الوجود المحمدي ملء الزمان والمكان باقيا مادامت السموات والأرض، ملء السمع والبصر والفؤاد ولا ينكره إلا جاحد أو مهتز الإيمان والشواهد على ذلك كثيرة من القرآن ومن الحديث ومن أهل الصفاء والبصيرة الذين أنار الله قلوبهم وصفى أرواحهم، ولا يعنينا فى ذلك أن يقول قائل بغير ذلك، لأننا لا نستطيع أن نُسمع الصم ولا نُبصر العميان،ولا ينكر الشمس إلا ذو رمد،ولا يمكن أن نسأل المريض عن طعم الطعام ولا تذوق الأشياء. وسيدنامحمدصلى موجود فى صلاتنا حين نقول: السلام عليك أيها النبى، فكيف نسلم على غائب أو غير موجود؟ والصلاة كما نعلم أشرف مقام تعبدى، وقد فرضت فى السموات وقد أمرنا الله جل شأنه أن نصلى عليه ونسلم له تسليما. فكيف نصلى على غير موجود؟ وكيف نسلم على غائب؟ وسيدنا محمد  صلى الله عليه الذى قال فيه القرآن الكريم) : وما ينطق عن الهوى).                                 وعن أبى هريرة أنه قالصلى الله عليه وسلم: (من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بى). وروى الطبرانى مثله من حديث مالك بن عبد الله.. ومعنى الحديث التبشير بأن من فاز من أمته برؤيته فى المنام لابد إن شاء الله أن يراه فى اليقظة ولو قبل الموت، وكيف يرى وهو غير موجود؟ والوجود المحمدى على لسان كل مسلم فى خمس أوقات من الليل والنهار.
“أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله”.. وفى ضمير كل مؤمن حين يصلى عليه ويسلم كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك.

الوجود بالجسم  الوجود بالجسم نوعان: وجود بالجسم الترابى، وهو لا يكون إلا فى مكان واحد، ولا يجوز تعدده. ووجود بالجسم الثانى اللطيف، بمعنى أن الجسم الشريف فى مكانه من الروضة المطهرة، مع تعدد وجوده فى أى مكان بالجسم المثالى. وفى ليلة الإسراء حين أسرى به من مكة المكرمة، قال صلى الله عليه وسلم (مررت على أخى موسى فوجدته قائما يصلى فى قبره) ثم كان النبى موسى مع الأنبياء فى صلاتهم مع محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يؤمهم بالمسجد الأقصى،فهل الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وعلى نبينا محمد كانوا موجودين بكل ملء وجودهم فى أثناء هذه الصلاة؟ إن لم يكن ذلك – وهذا أخطر اجتماع يجتمع فيه النبى صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء، ويؤمهم فى صلاتهم- اعترافا منهم له بالإمامة عليهم وتسليمهم له الرسالة، فهل يمكن والأمر كذلك أن يكون هذا الاجتماع بغير وجود؟ ولماذا والله سبحانه وتعالى قادر على أن يجمعهم بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بكامل وجودهم، وهذا ليس على الله بعسير. رب قائل يقول إنهم حضروا بأرواحهم، فهذا أمر لا معنى له. والحقيقة كما نرى، محمد سيد الأنبياء يصلى بالأنبياء ببيت المقدس، وهو على استعداد للعروج إلى الله.. وقد كانوا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في استقباله فى السموات كما كانوا فى استقباله بيت القدس. وكيف لا يملأ الوجود المحمدى الزمان والمكان، ومحمد أكرم على الله من جميع خلقه.عليك الصلاة والسلام يا سيدى يا رسول الله.

 سيعلم الناس فى يوم من الأيام قدرك ووجودك ومنزلتك عند ربك العلى الأعلى .
والوجود المثالى يحصل عليه كل عبد أنس بربه وأحب نبيه واستقام. وقد وصل إليه الابدال فى حياتهم وبعد وفاتهم. فكيف بنبينا وقد بلغ من التكريم والتعظيم مبلغا لم يبلغه عبد قط، وكيف به وهو يقال له من فم كل مسلم فى كل وقت وفى كل صلاة السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته. فماذا تعنى هذه الكلمة إن لم تكن تعنى وجوده بيننا بكامل وجوده. وقد نرى إن شاء الله من هذا كله، أنه موجود بجسده الشريف وروحه الكريم، لا يخلو منه زمان ولا مكان، وقد قرأنا كثيرا لكثير من الأولياء أنهم رأوا ورأينا الحضرة المحمدية، واجتمعوا بها مرات كثيرة فى اليقظة والمنام.
وقد قال السيد المرسى أبو العباس رضى الله عنه،وهو من اتباع السيد الولى الكبير والقطب العظيم سيدى أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه: (لو حُجبتُ عن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم  طرفة عين ما عددت نفسى في المسلمين). وكان السيد أحمد الرفاعى رضى الله عنه يقول: (كشف الله عن بصرى فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم ملء السموات والأرض والعرش والكرسى وملء سائر الأقطار) والبراهين على ذلك كثيرة. وأن جميع الأولياء لا تتم وِلاَيتهم إلا بإذنه صلى الله عليه وسلم  وبتزكيته،وكانوا يجتمعون بسيد المرسلين يقظة ومناما، وكان أحد العارفين وهو”خليفة بن موسى” كثيرا ما يجتمع به، وفى ليلة واحدة اجتمع به سبعة عشر مرة وقال له النبى [يا خليفة لا تمل منا فقد مات كثير من الأولياء بحسرة عدم رؤيتنا”.والأبدال من هذه الأمة سُمُّوا كذلك لأن الواحد منهم يتعدد وجوده فى أماكن كثيرة. وأن كثيراً من الصالحين قد اجتمعوا بالحضرة المحمدية عليها صلاة الله وسلامه يقظة، وسألوه عن أشياء فى مصالحهم فأجابهم صلى الله عليه وسلم عنها وأمور كثيرة حذرهم منها. والقرآن الكريم يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). وقال تعالى :(واعلموا أن فيكم رسول الله(

الشيخ علي الخواص

يقول : « الرحمة : هي أول موجود ظـهر في العماء ، التي مظهرها الصورة المحمدية  والرحمة التي صـدر الوجود عنها كلمة تستمد أيضاً من وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  » .

الشيخ أحمد بن فارس يقول : « من أسمائه صلى الله عليه وسلم الرحمة ، قال الله جل ثنائه :   وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعالَمينَ” ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يا أيها الناس إنما أنا لكم رحمة مهداة  . والرحمة في كلام العرب العطف والإشفاق ؛ لأنه كان بالمؤمنين رحيماً ، كما وصفه الله جل ثناؤه فقال : عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤوفٌ رَحيمٌ  . فكان من الرأفة والرحمة بالمكان الذي لا يخفى » .

الشيخ أبو عبد الله الجزولي يقول : « الرحمة : هو صلى الله عليه وسلم المرحوم به العالم ، وأن كل خير ونور وبركة شاعت وظهرت في الوجود وتظهر في أول الإيجاد إلى آخره ، إنما ذلك بسببه صلى الله عليه وسلم » .

الشيخ محمود أبو الشامات اليشرطي يقول : « الرحمة : هي الحقيقة المحمدية، التي قام بها كل شيء

الشيخ عبد الكريم الكسنـزاني   الرحمة : هي صفةٌ إلهيةٌ تجسدت في الصورة المحمدية ، فتكونت بالهيئة النبوية المحمدية ، ولأنها مطلقة أخبر عنها سبحانه بأنها مهداة للعالمين .

يقول الشيخ أحمد العقاد : « أعظم رحمة وهبت للوجود : هي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى قال :” وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعالَمينَ . فقد رحم به القلوب فانتبهت وعرفت ، ورحم به الأرواح فشاهدت وعشقت ، ورحم الله به النفوس فتزكت وخضعت ، ورحم به الأجسام فركعت وسجدت ، رحم الله العوالم فعرفت الحرية والمساواة ، وكشف الستار عن الجمال الإلهي فدخل المؤمنون في معية الله ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو مظهر الرحمة الجامعة الكلية » .

الشيخ أبو بكر بن طاهر الأبهري يقول : « زين الله تعالى سينا محمداً صلى الله عليه وسلم  بزينة الرحمة فكان كونه في الدنيا رحمة ،ونظره إلى من نظر إليه رحمة ،وسخطه ورضاه وتقريبه وتبعيده ، وجميع شمائله وصفاته رحمة على الخلق ، فمن أصابه شيء من رحمته،فهو الناجي في الدارين من كل مكروه » .

يقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي : الرحمة للعالمين : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما الولي فرحمة في العالمين  .

الشيخ إسماعيل حقي البروسوي يقول : « نبي الرحمة : لأنه صلى الله عليه وسلم  كان سبب الرحمة وهو الوجود، لقوله تعالى :لولاك لما خلقت الأفلاك . وفي كتاب البرهان للكرماني : لولاك يا محمد لما خلقت الكائنات  …  نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم  : لأنه هو الأمان الأعظم ما عاش ، وما دامت سنته باقية على وجه الزمان » .

الشيخ عبد الرحمن العيدروس يقول : « الرحمة العامة : هي حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبها رحم الله حقائق الأشياء كلها ،فظهر كل شيء في مرتبته في الوجود ، فلذلك أول ما خلق الله روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فرحم الله به الموجودات الكونية ».

الشيخ الأكبر ابن عربي  يقول : « الراحم : هو اسم للروح المحيطة قبل خروجه من الأمر الإلهي ، فلما خرج وظهر،صار اسمه الروح . وكل تركيب على اسم الراحم ، كان روح صاحب التركيب متصلاً بروح (محمد) صلى الله عليه وسلم ،وهو روح مؤيد بالقدرة المحيطة . والراحمون ،نازلون ، وعارجون ، وبارزون ،وداخلون على السر ( بسم الله الرحمن  الرحيم ) » .

الشيخ عبد الكريم الجيلي  يقول : « الرحمن : فإنه صلى الله عليه وسلم كان متحققاً بالرحمانية لسريان وجوده في جميع الموجودات لأنه هيولي العالم . والدليل على ذلك أن الله تعالى خلق العالم منه ، فهو صلى الله عليه وسلم سار في جميع الموجودات سريان الحياة في كل حي،فهو حياة العالم وهو الرحمة العظمى التي عمت الموجودات ، ولذلك قال الله تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم : وما أرسَلْناكَ إلاّ رحمةً للعالمين  ».

الشيخ أبو عبد الله الجزولي يقول : « رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم : أي هو السبب في رحمة الله تعالى لخلقه ، قال تعالى  وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعالَمينَ ، وقال صلى الله عليه وسلم : إنما أنا رحمة مهداة، فبعثه الله تعالى رحمة لأمته ورحمة للعالمين، حتى للكفار بتأخير العذاب،و للمنافقين بالأمان ، فمن اتبعه رحم به في الدنيا بنجاته فيها من العذاب والخسف والمسخ والقتل وذلة الكفر والجزية ، ورحم الله قلبه بالإيمان بالله … وهذا الاسم من أخص أسمائه صلى الله عليه وسلم ».

يقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطار :: « الإنسان الكامل صلى الله عليه وسلم : هو الذات الجامعة لمرتبة الألوهية ، وشؤونها وأحكامها وأسمائها وصفاتها الحقية،ومراتب تنـزلاتها الخلقية ، وأحوال تلك التنـزلات وأحكامها الصورية الكلية والجزئية »
ويقول : « الإنسان الكامل صلى الله عليه وسلم : هو أم الكتاب الجامع لعروش المعاني الذاتية ، فكذلك هو نسخة جامعة لمظاهر حقائقها الصورية»
الشيخ صدر الدين القونوي:  يقول :« الإنسان الكامل الحقيقي : هو البرزخ بين الوجوب والإمكان ، والمرآة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه وبين صفات الحدثان ، وهو الواسطة بين الحق والخلق وبه وبمرتبته يصل فيض الحق والمدد الذي سبب لقاء ما سوى الحق للعالم كله علواً وسفلاً ، ولولاه من حيث برزخيته التي لا تغاير الطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط »
الشيخ محمد بن فضل الله البرهانبوري : الإنسان الكامل : هو الإنسان الذي ظهرت فيه جميع مراتب الوجود الحق مع انبساطها »

قال الشيخ ابن سبعين : الحمد للّه الذي بنوره يعلم و يعبد، وبحضوره يعرف و يشهد، الذي خلق النيّرات و النجوم المسخرات، و أودع الأرواح سر عهده الأول الأوصل، وذكرها صورة المفارق للمواد، وجعل القلوب مظاهر ملكه الأكمل، و زينها بالعلوم و العقل المستفاد،و جعل طريقة خليله إبراهيم عليه السلام  بما ظهر من الأنوار لعالم الإنسان، وطريقة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بما بطن من الأسرار، و خصّه بمقام الإحسان، فكان ذلك مريدا و كان هذا مرادا. فاعلم أنت وأهل الدّرجات، أنّ نور السّموات والأرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مظهره ومشكاة مصباحه ووحيه زيتونة زيتها، ثمّ هو صلى الله عليه وسلم نفسه نور اللّه، وكذا وحيه ومعجزاته وآياته، ومجموعة ما قال في ذلك و بعد نور النّبوة و اتصافه بها. و قوله صلى الله عليه وسلم: )اللّهم اجعل لي نورا في قلبي ونورا في جسمي ونورا في شعري …، وتتبع جوارحه كلها كذلك؛ ثم قال صلى الله عليه وسلم: (واجعلني نورا ) .

قال الإمام الكتاني افي (( الديوانة ))

 الرد على من ينفي الاصطحاب بين ذاته وروحه :

قال بعض الفضلاء : ((الروح عالمة بالأشياء، مطلعة عليها، سواء توجهت إليها أم لا، بخلاف . الذات؛ فإنها لا تدرك إلا ما توجهت إليه))، ورتب عليه سر سهوه . ونحن نقول:  لا والله ما هو كذلك، بل جميع ما تطلع عليه الذات، تطلع عليه الروح بدون فرق، والترقيات بينهما واحدة، تختلف باختلاف المقامات، فالذات تملي على الروح والروح تملي على الذات؛ للازدواج الحاصل لهما من أول قدم، وذلك لأن نهاية جميع الرسل ذاتا وروحا هي  بداية روحانيته وجسمانيته ظهورا بلسان الفرق، ووساطة جميع الرسل كان حصل لهم فيها الاصطحاب قطعا، فأحرى نهايتهم التي هي بداية له!.
رد آخر على من يزعم أن نهاية أرواح الأنبياء هي ما بلغ إليه جسمه الشريف : و لا نقول كما قال بعض النظار: ( إن نهاية أرواح الأنبياء هي: ما بلغ إليه جسمه الشريف، والروح من وراء ذلك) لا؛لا بل نهاية أرواحهم وذواتهم هي بداية لـه، وأول قدم، وهي الاصطحاب التام والسلام.            ويقول الشيخ عبد القادر الجيلاني:طافت سقاة القدم على أرواح بعض بني آدم بكؤوس شراب : أَلَسْتُ ( في خلوة مجلس) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ .( أسكرهم الساقي لا الشراب) سكنت تلك النشوات في ذرات تلك الذوات حتى انفلق عمود صبح شرع أحمد صلى الله عليه وسلم من مشرق سماء رسالته ، وجاءته من جناب الأزل لطائف أسرار الغيب ، فنبه سكارى العشق ،وأيقظ نوام العقول ، ليتذكر عهدها معه في خلوة ليلة ) أَلَسْتُ،فطارت إليه بجناح : وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى . انتهىسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

حصل المقال على : 2٬913 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد