بِسْم اللّه الرّحْمَن الرّحيم الحَمْدُ للّه ربّ العٰلمين حَمْدَ العارفين ولا إله إلا الله توحيد المُقرّبين والصّلاةُ والسّلامُ على نَبيّ الله صلاة الأحاديين.ونبرأ إليه تعالى من الحول والقوة فلاعلم إلاماعلّمَنا ولاعطاء إلاما أعطانا ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن هَمُّه الصدق وبُغيته الحقّ وغرضه الصواب ممن لايلتفِت إلى نفسه ولايبحث عن الثناء ولاعن التّطاول والإطراء فإن أصاب فمن اللّه وإن أخطأ فمِن نفسه ورحِم اللهُ امرؤا عرف قدره فوقف عنده﴿وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾.
الصلاة 16 من خبيئة الأسرار:
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد،طلسم الوجود.فلا يعرف نور الأحدية،ولا يحاط بمحبوب العندية، ولا يكشف النقاب عن نائب الألوهية﴿إنما يبايعون الله﴾ هو أول العٰبدين، والنور المتقلب في الساجدين،وهو السر الذي تنمو به الأشجار وتجري به الأنهار وتجود به البحار، وتنال به رحمة العزيز الغفار﴿إن الله فٰلق الحب والنوىٰ﴾وهو السر الذي تدور به الأفلاك، وتسبح به الأملاك،وهو البسملة التي فصلت بها السور،بعدما كانت ايات، وأصبح لبعضها مضاعفات كالإخلاص والعاديات.وهو الممد لأصحاب الرسالات﴿فالق الإصباح ﴾ فماصلى عليه غير ربه،وما عرفه حقيقة غير خالقه،وما أحاط به جملة وتفصيلا غير مبدعه﴿وأخرىٰ لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها﴾،وصحبه وسلم.
طلسم الوجود.فلا يعرف نور الأحدية،ولا يحاط بمحبوب العندية،ولا يكشف النقاب عن نائب الألوهية﴿إنما يبايعون الله﴾
طلسم: يُقال طِلْسَمٌ وطِلَّسْمٌ بكسر الطاء وتشديدها ويُجمع على طَلاَسِمُ.. الطلسم هو الشيء المكتوم أوالمبهم أو المُلغّز أوالغامض الذي احتارت فيه العقول .. ومنه الكتابات المطلسمة التي يكتبها الروحاني، أوالساحر فهي كتابات غامضة غيرمفهومة لا يعرفها إلا الخبير بها … (طلسم الوجود) تعبير عن كون النبوة الموجودة تعالت عن أن يُحيط بسرها الخلائق ،فطُلسم عليهم كنهها ولم يَصِلوا لفهم حقيقتها “ماعرفني حقيقة غير ربي” ..
– فالنبوة نور برق من الصفة الأحدية،قال تعالى (قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ)..هي محتد النبوة ،وقعَتْ بين إسميْ جلالة (ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ)..مما يشير أنها صفةٌ لا سبيل لمخلوق إليها ،إذ هي حضرة سحق ومحق : منها برقت النبوة ونورالفيضة القرآنية..لذلك حُق قول استاذنا(فلايُعرف نور الأحدية ).
–ولا يحاط بمحبوب العندية]: هذه من مستلزمات تطَلْسُم النبوة عن الخلق : فسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم هو حبيب الله ،هو عند الله، عندية قربٍ وخصوص لايطلع عليها غير الله سبحانه “رَسُول مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ)..عندية مضافة لله سبحٰنه هي “حضرة مستعلية “هي عندية الاسماء الالهية فهو محبوبها اذ كل الاسماء تطلب الظهور ،والظهور يحتاج لوساطته صلى الله عليه وسلم فالرازق يطلب المرزوقين ليظهر مقتضاه وهذا الظهور يحتاج الى حضرة محمدية واذا حكمنا حساب اهل الانوار نجد ” عِندِ ٱللَّهِ” جُمّلها يساوي 19 ×10….. فظهر طلسم النبوة 19 ..و 10 اشارة للكمال المطلق للنبوة (تلك عشرة كاملة )..فباطن عندية الاسماء الالهية تكمن فيها النبوة المحمدية .
وهو من شواهد نعت الالوهية بالمحبةً والغيرة .. جاء في الحديث (أَتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ،فَوَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُمنه،وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي..)فالحق سبحانه وتعالى أغير أن يحيط بحقيقة حبيبه غيره.
–ولا يكشف النقاب عن نائب الألوهية﴿إنما يبايعون الله﴾]:
الحقيقة المحمدية من عالم الشأن : وجهتها الحقية ذات الإستمدادات النورانية الأحدية الملتحفة بميازيب الذات العليّة والظاهرة بصورة لاهوتية : فكان سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله هو النائب القولي والفعلي عن الألوهية، فَسِرّ الألوهية ظَهَر فيه وبه، لأن النيابة عن الحق مِن معانيها الخلافة الكليّة المطلقة…(أَنَبْتَه مَنَابَك)فهو صلى الله عليه وسلم مظهر الحق سبحانه(من رآني فقد رآى الحق )(الحديث)،لأنه صلى الله عليه وسلم هوالمخصوص بالإصطحاب مع أسماء الله و صفاته ومع الفيضة القرآنية ..فهو نائب عن الحق في الكون،وهوالظاهر في المظاهر..فما من تجلّ إلهي إلا وهو مصطحب بمرتبة محمدية باطنة..والتجلي هو ظهور مقتضى الإسم الإلهي،وما في الكون إلا أسماء الله وصفاته،والتجليات راجعة إلى عين واحدة هي إسم الجلالة (الله) وهو بساط الإصطحاب كما تقدم ،والعالم راجع في ظهوره إلى الأسماء الإلهية،هي المدبّرة لشؤونه والساهرة على إستمراريته..ولا بد لهذا التجلي من حضور الحقيقة المحمدية لإضفاء الرحمة والتلطيف من حرارة التجليات،ولولا هذا الحضور لما كان هناك وجود..فكل العطاءات تمُرّعبر وساطة نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم والمظاهر الكونية لا تخرُج من الوجود العلمي إلى الوجود العيني إلا بوساطته صلى الله عليه وسلم و على آله…
فبذلك كانت الحقيقة المحمدية ظاهرة بالاسماء الالهية في صورالوجود نائبة عن الحق في الظهور للخلق،أما الله تعالى من حيث ذاته غني عن العالمين فالنبوة المحمدية ظل الله ،ولا مشاهدة إلا لهذا الظل. .
هو أول العٰبدين ..وبالتالي فهو أولَ موجودٍ عبد الحق سبحانه لأن ما من موجود إلا وهو مُسبِّحٌ لله عابدٌ له ،وقد أحْسَن الشيخ أبو العباس التجاني قدس الله سره حين قال أنَّ (الأب الأول للوجود كله : هي الحقيقة المحمدية فما في الوجود ذرة موجودة من الأزل إلى الأبد خارجة عنها ) ،وهو نفس وصف الهيولى الذي ينعته به صلى الله عليه وسلم كبار القوم
[والنور المتقلب في الساجدين]
هو صلى الله عليه وسلم نورإلهي قال تعالى(قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُوروَكِتَـٰب مُّبِین) أخرج أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ( إني أراكم من وراء ظهري) .” وأخرج الحميدي في مُسنده ، وأبن المنذر في تفسيره ،والبيهقي عن مجاهد في قوله تعالى :(الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين)،قال : كان رسول الله يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من بين يديه )…..الكونُ كُله في الحقيقة في بساط التسبيح والعبادة والسجود للخالق سبحانه..وما كان له لهذا ولولا تعريف النبوة و سريانها فيه : فهي الإمام والعٰلمين كُلُّهم خلفها مأمومون.. وهذا من معاني تقلُّب نوره صلى الله عليه وسلم بينهم فهو عين الرحمة (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)..
وهو السر الذي تنمو به الأشجار وتجري به الأنهار وتجود به البحار، وتنال به رحمة العزيز الغفار﴿إن الله فٰلق الحب والنوىٰ﴾وهو السر الذي تدور به الأفلاك، وتسبح به الأملاك]…
معرفة السر هي من دلائل علو كعب العارف ،و كل عارف غارف إلا وأطْلعَه الله على مظهر من مظاهر ذلك السر في كونه،و جاءت مفردة السر في موضعيْن إثنين من القرآن كله مرتبطةً بالعلم :(قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِی يعلم ٱلسِّرَّ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ و الارض إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورا رَّحِیما) (و إن تجهر بالقول فإنه يعلم السر)..
فالنبوة المحمدية ساريةٌ في كل شيء.سريانَ الألف في الحروف،والواحد في الأعداد﴿وجعلۡنا من الۡمآء كل شيۡء حي ﴾المتقلب فيهم ،والساجد بهم ..هو صلى الله عليه وسلم السر الممسوك به،هو علة الإيجاد وقاسم الأمداد (فأينما تولوا فثم وحه الله ).. تحت هذه العناوين العرفانية وغيرها تندرج علوم ومعارف مضنونٌ بها على غيرأهلها : فلكل مقال عقال وما كل ما يُعرف يُقال وما كل ما يُقال حضر أهله وما كل من حضر أهله تعيّن زمنه..فدون البوْح خرطُ القتاد…وما وصل العارف للسر إلا بإسلاس القياد..وقد قيل : صدور الأحرار قبور الأسرار..
وهو البسملة التي فصلت بها السور،بعدما كانت ايات، وأصبح لبعضها مضاعفات كالإخلاص والعاديات]
بالبسملة يُسِّرَ القرءانُ للحفظ،وسَهُل للتدريس والفهم،وهي طلسم سيدنا ومولانا النبي صلى الله عليه وسلم، البسملة تسعة عشر حرفا ،فهي عنوانٌ لرحمة النبوة : كلمة “رحمة “ومشتقاتها تكررت 114مرة بعدد سور القرءان الكريم ،هكذا:رحمة 79.رحمتك 5 . رحمتنا 5. رحمته 25. رحمتي 2. المجموع 114 مرة.وهذا يقتضي سريان هذه الرحمة المهداة، في كل السور القرءانية،وليست إلا البسملة الشريفة، التي أُدْخلتْ على كل السور(إلا سورة براءة)وعدد حروف البسملة 19 ،و 19× 6= 114، هذه الرحمة ،ليست تابعة لإسمه تعالى الرحمن،ومن ظن أنها تابعة لإسمه تعالى الرحمان ،فقد حجرها وقيدها دون علم.
قال سيد الطائفتين الشيخ الجنيد البغدادي رضي الله عنه :(الباء في ( بسم الله ) : تعني بي وصلتم إلى اسمي الله “) ..ولله دره فقد أصاب كبد الحقيقة : فالباء تشير لوساطة النبوة بينها و بين الحق والخلق وهو من معاني البرزخية المحمدية ..
قال الشيخ عبد الحق بن سبعين قدس الله سره : (اقرأ كلمة بسم الله الرحمن الرحيم ،وتعلق بالبعض منها،وتخلق بالبعض.واعلم أن معناها عظيم الشأن ،ولأجل شرفها وبما جمعت من الأنس والخير للمكلف قدمت قبل تلاوة كلام القديم والحادث.. )..كلام رقيق يشير لجامعية البسملة باعتبارها كعبة التعلق والتخلق للقاصد..
فسورة الاخلاص اشارت الى الاحدية ومن مضاعفاتها ان من قراها ثلاثة مرات نال اجر قراءة القرءان كله والعاديات اشارت الى تجليات الاسماء الالهية ….
استطراد عرفاني انطلاقا من حساب أهل الأسرار للبسملة :
حساب جُمل البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم)
هو العدد 1026 ،وهو مجموع هاته الكسور:
92 + 13+ 99+ 114+ 53+40+20+298+258++20 = 1026
ومن المعاني العرفاني الممكن استنباطها :أنّ النبوة المحمدية( محمد=92 )البارق نورها من بساط الأحدية(أحد=13)،المصطحِب بالأسماء الالهية( 99إسما)،وبالفيضة القرءانية الاجمالية (114)، فلبس حلل الاحمدية (53)وكان خلقه القرءان فأعطى الانطلاقة للدوائر الكونية (=40)، ومتصفا بالهداية(هادي=20)للبساط العام بساط الرحمانية (298 = رحمن)،وللبساط الخاص بساط الرحيمية( 258=رحيم) والكون كله يسيرعن طريق الودودية( 20).
وخلاصة القول: أنّ تجليات البسملة الشريفة جمعت مراتب الوجود
الأولية والآخرية واشارت الى مراتب الحقيقة المحمدية الرئيسية ،وأنّ الكون يسير بمقتضى الودوية(الوُّدِّ الإلهي) وبمقتضى اللطف في سائر
أحواله الظهورية والبطونية،جوداً وعطاءً من دائرة الوهابية (الوهاب) والكُلُّ وِفق الإرادة الإلهية التي لها الإحاطةُ بكُل المخلوقات الكونية، وأظهَرتْ بساطين : *بساط الرحمانية هُوَ بِسَاطٌ مُشْتَرَكٌ،جَامِعٌ لِكُلِّ المَظَاهِرِ الوُجُودِيَّةِ، وَالحَقَائِقِ الكُلِّيَّةِ وَالجُزْئِيَّةِ،الحَقِّيَّةِ وَالخَلْقِيَّةِ،بِمَا فِي ذَلِكَ الحُروفُ الهِجَائِيَّةُ *وخاص بساط الرحيمية التي تنتخب المومنين الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ الهِدَايَةُ الرَّبَّانِيَّةُ، وَالعِنَايَةُ المُحَمَّدِيَّةُ..لهذا كانت البسملة الشريفة محجوبة على اهل الدوائر الكونية واختلف فيها ولم يعثر عليها الا من اصطفاه الله لذلك..
وهو المُمد لأصحاب الرسالات﴿فالق الاصباح)
سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله هوالقاسم للعطايا الإلهية على العٰلمين : فما خرجَ الكونُ عن مدد النبوة، إذ جميع الكائنات عالةٌ عليه صلى الله عليه وسلم ..هاته الكائنات ليست على نمطٍ واحدٍ ، بل هم متفاضلون يتباينون في الدرجات ،ومِنْ أرفع هؤلاء : ساداتنا الرسل وعددهم 314 رسولا منهم مَنْ قص الله علينا أمره في القرآن، ومنهم من لا(ولقد ارسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) جعلهم الله بُدورا منيرةً هاديةً للخلق ،لعبادة الخالق و توحيده وتحكيم شرعه في أزمانهم ،فَهُم أمناء الله ونواب النبوة المحمدية، وإليهم عليهم السلام جاءت الإشارة في الكلمتين القرآنيتين: (فالق الاصباح )..لو حسبتَ جُملهما لوجدته : 314..إمدادهم آتٍ من دائرة الأحمدية أي الرسالة فهي مناط تفاصيل الأقوال بشاهد (إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُول كَرِیم ).
فما صلى عليه غير ربه :
قال المولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله(ما عرفني حقيقة غير ربي)..لو قال :(ما عرفني غير ربي) لاستحال على كل مخلوق معرفة النبوة إطلاقا، لكن الحديث فتح باب الرحمة النبوية لتسري في مدارك العارفين، فيتأهّل منهم من سبقَتْ له السابقة فيعرف رشيْحاتٍ من أبْحُر النبوة ،رُشَيْحاتٍ يتقاسمها الجميع .. بينما حقيقة النبوة عالٍ شأنُها ،مُطلسَمٌ كنهُها ،و إقرأ يا صاحِ حديث حبيبنا وسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنّ لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة لأهل الأرض بها يتراحمون، وبها يرزقون، وترك تسعة وتسعين للمومنين في الاخرة )… ..(بها يتراحمون)….(ونبئهم ان الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر).. أليس الماء سر الحياة…فبه يحيا العالمين ..كُلٌّ وقسمته مِن ذلك الماء الذي به يحيون و به يرحمون….فافهم الإشارة جعلنا الله و اياك ممن…
وما عرفهُ حقيقةً غيرُ خالقه وما أحاط به جملة وتفصيلا غير مبدعه﴿وأخرىٰ لم تقدرواعليها قد أحاط الله بها﴾ :
النبوة المحمدية لها حُكم الإطلاق،فلا تنحصربفهمٍ أو تتقيّد بإدراكٍ عقلي قاصر من لدن مخلوق تحكمه المادة و تضبطه أوحال التقييد ولا تنفك عنه البتة حدود النسبية ..النبوة نور إلهي ،شأنها عظيم ،اختص الله وحده سبحانه بمعرفته.جفت الاقلام ورفعت الصحف..الحمد لله رب العٰلمين والصلاة والسلام على سيدنا و مولانا محمد سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة نساء العٰلمين ،وعلى سيدتنا خديجة الكبرى ام المومنين ،وعلى آله وصحبه اجمعين
.الفقير الى عفو ربه ابن الفاطمي