شرح القاعدة16

  شرح القاعدة السادسة عشر 

بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه.

نواصل شرح القواعد المباركة من  خريطة السلوك العرفاني لأستاذنا سيدي محمد بن المبارك حفظه الله،وقاعدتنا اليوم تقول:

[ الحقيقة المحمدية هي العالمة والمعلومة والعلم. فلا تقع العبادات إلا على دائرتها،ولا يصل الشرك إلا إلى بساطها. ووحدة الشهود متعلقة بها،هي الظاهرة في المظاهر ].   أشرنا في شروحاتنا السابقة إلى معنى (الحقيقة المحمدية)،ونختصر الكلام عنها في حديثنا عن هذه القاعدة.                                           النور المحمدي ،هو أول مخلوق بزغ من الصفة الأحدية.والصفة الأحدية حضرة سحق ومحق ،وهي محتد نورالنبوة ،والفيضة القرآنية،مع العلم بأن نور النبوة له الأولية في البزوع من الاحدية لأنه جمال ” بما أوحينا إليك هذا القرءان وإن كنت من قبله” رحمتي سبقت غضبي” وفي مرتبة الالوهية لبست النبوة حلل الاسماء الالهية ،فالقرءان كلام الله ودستور الكون والنبوة المحمدية هي المراقبة لسير الكون وفق مراد الله ووفق الدستور الكوني فكان من اللازم أن تتعرف على كل المقتضيات الكونية  الباطنة في القرءان كي لا يفاجئها شيء يظهر في سير الكون ،قدره الله تعالى،وأراده ولكن لا يرضاه، أليس هي المترجمة للكلام الأولي القديم؟ فمن الطبيعي أن تكون على معرفة بكل ما يحمله القرءان من مقتضيات ،والذي سيظهر تدريجيا”ما فرطنا في الكتاب من شئ” والشئ أنكر النكرات فما من شئ يظهر في الكون الالهي إلا وهو من مقتضى القرءان والنبوة المحمدية على معرفة به” ولا تقولن لشاىء اني فاعل ذلك غدا” فالاشياء معرفة عند النبوة مرتوقة في حقيقتها فهي العالمة والمعلومة والعلم، والأشياء تخرجها ،الكلمة الفهوانية “كن فيكون” من وجود علمي الى وجود عيني” إنما أمرنا إذا أردنا شيئا أن نقول له كن فيكون”  فالحقيقة المحمدية هي المتأحدة في عين الكثرة ،وعندما تظهر الاشياء تصيرهي المتكثرة في عين الوحودة ولهذا فمن اسماء الحقيقة المحمدية :الوحدة يقول سيدي محمد الكتاني في السانحات الاحمدة مخاطبا النبوة المحمدية :يا هوية الهويات”

وهنا يجب الوقوف والاشارة الى الخلاف الواقع بين الجيلي وابن عربي يقول الجيلي المعلوم تابع للعلم . ويخالف مذهب الشيخ الاكبر الذي يرى أن العلم تابع للمعلوم( انظر باب العلم من الانسان الكامل).  يقول الجيلي (باب العلم) ولقد سها الامام محي الدين بن عربي رضي الله عنه حيث قال :ان معلومات  الحق اعطت الحق العلم من نفسها فلنعذره…اهــ   وليس هناك تناقض ذوقي بينهما الأول راى ان الاشياء تخرج من وجود علمي الى وجود عيني وعلم الله محيط بها حين عدمها ‘”وان من شئ الاعندنا خزائنه” كل شئ خلقناه بقدر””ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى انما امرنا لشئ اذا اردناه ان نقول له كن فيكون” وسماء شيىا قبل وجوده ،أما بالنسبة لابن عربي فهذا الشئ الموجود في علم الله حينما يصل ابان  ظهوره، فهو يطلب التجلي وبالتالى فالتجلي يحضره ويخره الى الوجود.فرآى ان العلم تابع للمعلوم.   يقول ف ح 1/119″….ومعلوم ثان وهو الحقيقة الكلية التي هي للحق وللعالم لا تتصف بالوجود ولا بالعدم ولا بالحدوث ولا بالقدم…. فمن هذه الحقيقة وجد العالم بوساطة الحق تعالى وليست بموجودة فيكون الحق قد أوجدنا من موجود قديم فيثبت لنا القدم وكذلك لتعلم أيضاً أن هذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم على العالم ولا العالم بالتأخرعنها ولكنها أصل الموجودات عموماً وهي أصل الجوهروفلك الحياة ،والحق المخلوق به وغير ذلك ،وهي الفلك المحيط المعقول فإن قلت إنها العالم صدقت،أوإنها ليست العالم صدقت،أوإنها الحق أوليست الحق صدقت، تقبل هذا كله وتتعدد بتعدد أشخاص العالم وتتنزه بتنزيه الحق….”انتهى..وما هذا الا ان الاشياءمرتوقة رتقا علميا في حقيقته . الاشياء اخبرت مرتبة الالوهية ( وهي اعلم)العلم بإبان ظهورها وطلبت التجلي. أما  في كتابه انشاء الدوائر …. انما العلم متقدم من غير زمان بالشيء قبل عينه، فوجود الشيء المحدث في علم الله تعالى،قبل وجود الشيء في عينه، ومتقدم عليه،غير أن ثَمَّ سراً سنوميء اليه في هذا الفصل ان شاء الله تعالى ونبين لك ان وجودالعين يتقدم على العلم بالمرتبة ويساويه في الوجود ازلا لا من جهة كونها محدثة وهذا في حق الحق،.انتهى. فهنا يقول ان المعلوم تابع للعلم. وهنلك ايات في كتاب الله تفيد “تجدد” العلم بالمعلوم ” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ” واية” امْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ”.                                                              الكثرة مرتوقة في النبوة والنبوة مخلوقة وهذا لا يلزم مسايرة الاشياء لله في ازليته لأن أعيانها ليست موجودة الا في الوجود العلمي ،كما أن الاشياء مشهودة لله في حال عدمها، فافهم  والا فسلم تسلم

بهذا المعنى فالنبوة هي العالمة على الحقيقة،وبواسطتها عرّفت الخلائق بالخالق  ،فالكل يسبّح بحمد ربه ويسجد ويصلي..  وكانت برزخا بين الحق والخلق،بحيث لا ينزل شيء إلا عليها ولا يصعد شيء إلا منها،هو المعبّر عنه في القاعدة بالمعلومة،فهو سدرة منتهى الخلائق أجمعين،ولا دخول إلا من بابه ولا شهود إلا فيه ولا تجلّ إلا منه..ولكونه صلى الله عليه وسلم الخليفة الكلّي والبرزخ العظيم والوساطة العظمى،صار كل شيء به مَنوط،وصارت التجليات تتطلّب وساطته ليعُمّ اللطف ظهور المقتضيات.. فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو مُربّي العالمين ومُعرّفهم بربّهم،وبهذه النسبة التي بين حقيقته والعالم فهو عين الرحمة الربانية،وهو العالم والمعلوم والعلم،العارف والمُعرِّف والمُعرَّف،هو حقيقة الوجود،والوحدة التي بوركت فتكثّرت، فظهر ما كان مُندرجاً فيها..فكل الحقائق منه إنشقّت،وكل الأنوار منه إنفلقت،والواسطة في كل شيء،والمُتصرّف في المملكة الإلهية (الخزائن لله،والتصرّف لخليفته).. (فلا تقع العبادات إلا على دائرتها،ولا يصل الشرك إلا إلى بساطها): تحلّى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بحُلل الأسماء الإلهية كلها،فظهر بصورة لاهوتية،وكان برزخاً جامعاً،به ومنه تكون العطاءات والإمدادات، وسدرة منتهى العباد في تعرّفهم على الحق تعالى..الله تعالى له الغنى المطلق عن عبادة العباد،وحتى عن أسمائه وصفاته..ومن أسمائه تعالى (الهادي والمُضلّ)،وقد تحلّى بهما سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،بمعنى أن التجلّي بهما يمرّعبر وساطة وبرزخية الحقيقة المحمدية..ففي دائرة الوجهة الحقية لمولانا رسول الله تقع عبادة من عبد وشرك من أشرك،للغنى المطلق للحق عز وجل عن المخلوقات..ومن مظاهر هذه المسألة قوله تعالى (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)،ولو لم تكن هذه النيابة له لما إستطاع أحد أن يؤمن..وقوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)فأعطاه الخلافة الكلية على الملك والملكوت، الظاهروالباطن،فهو صلى الله عليه وسلم برزخ بين الحق والخلق،وهو محل نظر الله من الوجود (عين الحق)..وأضاف الحق تعالى للذات المحمدية (الغنى،والإستجابة،والإنعام،والقضاء،والرضى)..وقال تعالى: (قل يا عبادي) عبادة إمتنان..وقوله تعالى (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) إشارة إلى أن الشرك يقع في دائرة الحقيقة المحمدية..  سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو النائب القولي والفعلي عن الألوهية،فسرّ الألوهية ظهر فيه وبه،إذ الإصطحاب مع الأسماء الإلهية ومع الفيضة القرآنية خوّل له ذلك..فما خاطب الإله إلا محمداً،وما سمع الكون إلا من محمد..يستمدّ من الله ويُمدّ الكون..فهو كل الوجود،وبه كل شيء..فهذه مظاهر البرزخية والوساطة المحمدية بين الحق والخلق.. لهذا فالمُشاهد لا مطمع له في حضرة الأحدية الصرفة،وإنما له شهوده في مراتب حضرة الواحدية التي فيها عالم الكثرة والتعدّد،فلا تقع الرؤية إلا على الحقيقة المحمدية التي من نعوتها (طلعة الحق بالحق)..قال الله تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله)،أي أن صور الوجهة الحقية لمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الظاهرة في المظاهر،فلها من الصور ما لله من التجليات،بحكمالإصطحاب والبرزخية الجامعة،ولله الغنى المطلق عن العالمين .. والعارفون يُطلقون إسم (الذات) على الحقيقة المحمدية الأحمدية،لأن الأسماء والصفات الإلهية ترجع إليها في ظهور مقتضياتها، والنزول منها إليها،وبهاعليها..فكانت هي الظاهرة في الوجود، ومشاهدات العارفين تقع عليها،هي سدرة منتهاهم وغاية مقصدهم..   وتأصيل المسألة هو أن العارفين لا يتكلمون عن الذات الإلهية التي لها الغنى المطلق،إنما خوضهم في مرتبة الألوهية التي تطلُب المألوه..وإذا وجدنا عند العارفين مصطلح (الذات) فهم يقصدون به مرتبة الألوهية والحقيقة المحمدية..فالأسماء الإلهية التي بها يكون التجلّي،هي تحت حكم مرتبة الألوهية..والحقيقة المحمدية جامعة لحقائق الأسماء الإلهية،وهي صاحبة الرحمة في الكون الإلهي،والتجليات تحتاج إليها في الظهور..

يقول الشيخ الأكبر إبن عربي ما معناه: [..العلم بذات الحق مُحال حُصوله لغير الله..فلا يعرفه أحد من نفسه وفكره..والكون لا تعلّق له بعلم الذات أصلاً،وإنمامُتعلّقه العلم بالمرتبة الإلهية..الذات مجهولة العين والكيف،وحصل الإجماع على أنها لا تُعلم،بل يُطلق عليها نعوت التنزيه والسّلب..].. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد.

حصل المقال على : 750 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد