إشاراتٌ في الرّسم القُرآني(الحلقة التاسعة)
بِسْم اللّه الرّحْمَن الرّحيم الحَمْدُ للّه ربّ العٰلمين حَمْدَ العارفين ولا إله إلا الله توحيد المُقرّبين والصّلاةُ والسّلامُ على نَبيّ الله صلاة الأحاديين.ونبرأ إليه تعالى من الحول والقوة فلاعلم إلاماعلّمَنا ولاعطاء إلاما أعطانا ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن هَمُّه الصدق وبُغيته الحقّ وغرضه الصواب ممن لايلتفِت إلى نفسه ولايبحث عن الثناء ولاعن التّطاول والإطراء فإن أصاب فمن اللّه وإن أخطأ فمِن نفسه ورحِم اللهُ امرؤا عرف قدره فوقف عنده﴿وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد مدينة العلوم الإلهية وعلى آله وصحبه أبواب الأسرار الربانية وعلى العارفين ذوي الهمم العالية والمعارف اللدنية والفتوحات الكشفية صلاة نَلِجُ بها دوائر الأولياء وننال بها المقامات القعساء.
في هذه الحلقة سنعرض نتاج مذاكرة جرت بين ثلة من أهل طريقتنا حول على كلمة قرآنية وردت تارة بإثبات الألف(شَاهِد) تارة بحذفه (شَٰهِد) في الآيات التالية :
﴿قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦوَشَهِدَ*شَاهِد* مِّنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰءِیلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِین﴾ الأحقاف
الإشارة في كلمة (شَاهِد)،بين الحذف والإثبات،له علاقة بالفرق بين الظاهر والباطن،والأصالة والنيابة..
في حق بني إسرائيل جاءت ثابتة : إثباتا لكونهم مجرد نُواب وتابعون في شهادتهم،لهذا جاء في الآية (عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ)،فهي شهادة جزئية ظاهرة اقتضتها النيابة،ولهذا قال تعالى (وَٱسۡتَكۡبَرۡتُم) ،فالإستكبار هو سبب عدم الإيمان،لأن الشهادة هنا تابعة للإسم (الظاهر)
أما في حق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِیرا﴾ فهي شهادة قبل القبل،ولها الأصالة والحكم على الوجود كله،كما أنها (باطنة) في رسالة كل رسول ونبي..فقبل ظهور الجسد الشريف وبعثته،كانت الشهادة المحمدية تابعة للإسم (الباطن)،ومرافقة لكل الأنبياء والمرسلين..وعند بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجسده الشريف،إندرجت كل أنوار برازيخ الوحي في نوره صلى الله عليه وسلم،فأصبح الحكم للإسم (الظاهر) إلى جانب الإسم (الباطن)،فكان (شهيداً وشاهداً)
فكلمة الباطن في القران كله تابثة الالف والظاهر محذوف : لأن الحقيقة في الباطن وليست في الظاهر..
(الباطن) خفي،ولا يدركه إلا قليل من الناس،أما (الظاهر) فهو متاح لجل الناس..
الاية﴿قَالَ هِیَ رَ ٰوَدَتۡنِی عَن نَّفۡسِیۚ وَشَهِدَ شَاهِد مِّنۡ أَهۡلِهَا﴾ [يوسف ٢٦] فهو شاهد عيان :رأى الواقعة أمامه،علاوة على أنه من أهلها، لأنّ حال مَنْ يكون من الأقرباء شهادته ثابتة وأوْلى بالقبول لأنه لن يقصدها بشها دة كاذبة وان يُسيء إليها ،فالمقصود بذِكر كونه من أهلها تقوية شهادته.وكل هذا من أسباب ثبوت ألف (شَاهِد)
الاية ﴿والسَّماءِ ذاتِ البُرُوجِ﴾ ﴿واليَوْمِ المَوْعُودِ﴾ ﴿وشاهِدٍ ومَشْهُودٍ﴾[البروج ٣] الشاهد والمشهود يوم اليوم الموعود هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم …فهو شاهد على كل الانبياء والرسل وعلى كل الامم…شاهِدٍ ثابتة الألف.لان شهادته يوم القيامة ثابتة…ومشهود لكل الأمم..
ورد في الصلاة الأولى من الصلوات الزهروات
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد قطب دائرة الوجود،مرآة وحدة الشهود،الشاهد المشهود،.به رُحم الوجود.ومَيَّزَ العابد من المعبود.وعرف الخلائق بالخالق “وإن من شئ إلا يسبح بحمده” وصحبه وسلم.وسميت مجموعة من الصلوات باسم “صلوات مراتب الوجود وحقيقة الشاهد والمشهود”( انظرها بالمدونة)..
قال تعالى :وشاهد ومشهود..والواو واو القسم.. ولا يقسم الله في القران الا بميازب الذات او بمن تردى بأردية الكبرياء.ففي الحقيقة لا قسم الا بالاسم الله او بمن اصطحب مع الاسم الله.
–﴿إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدا وَمُبَشِّرا وَنَذِیرا﴾ [الفتح ٨]
حُذِف الألف في كلمة شَـٰهِدا لإشارات عديدة منها :
-شهادة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم على الكون هي شهادة أبدية وأزلية .. شهادة لا يعرفها إلا القليل . وهذا الحذف الألف كان رحمة إذ لو ثبتت لكان الكل مجبرا على الإقرار بشهادته صلى الله عليه وسلم..لأن الشاهد يجب أن يكون حاضرا ..والا لاتُقبل شهادته.فهو حاضر صلى الله عليه وسلم في الكون الالهي ..
-الحذف مكّن من انتقال الشهادة وسريانها إلى أمته المرحومة قال تعالى: (وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّة وَسَطا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیداۗ.).
– شهادته صلى الله عليه وسلم اختلفت من قبل ظهور الجسم الشريف وعند ظهوره وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى لأن الكون في تغير مستمر تابعا للتجليات الإلهية.وكونه شاهدا على الكون شأن ذاتي له ولنا بالجعل…
فورَدَتْ شاهدا محذوفة الألف في هاته الآية الكريمة في حق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لاقترانها بحذف الف ارسلنك اي إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم وعلى آله شاهد على الكون وأهله منذ خلق الكون واهله إلى الأبد . أي شاهد على الكون وأهله قبل أن يولد من ام وأب ويبعث بين الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وشاهد بعدما إلتحق بربه ،صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم. شاهد في كل وقت وحين..
أما الآية :(أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَیِّنَة مِّن رَّبِّهِۦ وَیَتۡلُوهُ *شَاهِد* منه وَمِن قَبۡلِهِۦ..)هود ١٧ : فباطنها غائص في الأسرار يصعب الوصول إلى قعرها…فما دلالات ويتلوه شاهد منه؟؟؟كيف.شاهد منه..وشاهد ثابتة الألف…؟
*أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَیِّنَة مِّن رَّبِّهِۦ وَیَتۡلُوهُ شَاهِد منه*…
المولى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم شهادته ذاتية له كما سبق ذِكره و بالنسبة للامة شهادتها تابعة لشهادته في نشرالخيرية والبركة المحمدية : و حَمَلةُ هاته الشهادة النبوية هم الكُمّل ممن كانوا مستقَرًّا للصفة الأحمدية : فهُم شهداء بكمال الإتباع و التأسي به صلى الله عليه وسلم (أُسوة بالرفع +إِسوة بالكسر)
-(أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَیِّنَة مِّن رَّبِّهِ) الكُمّل مِن اهل الله والآحاديون ،هم على بينة من الصفة (=ربه هنا).البينة هنا استقرارالصفة في وجدان الولي الكامل الآحادي ..
-( وَیَتۡلُوهُ شَاهِد منه): (شَاهِد) راجعة للنبوة الموصوف بالصفة ،إذ شهادة النبوة هنا ثابتة العين مناسبة لثبات الالف (شَاهِد مِّنۡهُ).. (وَیَتۡلُوهُ)فعل للتلاوة مستمر متجدد: فالنبوة موصوف يتلو صفته ،فشهادته منه إليه صلى الله عليه وسلم ..فهو شاهد ومشهود.. ومن رقَى مَقامُه يُكرمه الله بسماع تلاوة الموصوف لصفته عليه ..فيا سعداهم.. والآحاديون قاموا على قدم تلك الشهادة بالنيابة و بإذن منه صلى الله عليه وسلم ..ومن هؤلاء سرت الشهادة لباقي الأمة ﴿لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیداۗ﴾..
*شَاهِد مِّنۡهُ*..(*منه*) تفيد مصدرية الشهادة : أي أن شهادة الشاهد (=الآحادي )مصدرُها مِن مشهوده صلى الله عليه وسلم ..فالآحادي شَهِد مشهوده صلى الله عليه و سلم مستقرا في وجدانه (حتى كدت اقول اناهو، كما قال احد العارفين الكبار) ..فالقائل هنا شهادته لا تضاهيها شهادة : فهي اولا شهادة مستمرة : فما دامت الصفة استقرت في وجدان العارف الكامل فهي شمس لن تغيب
وهي ثانيا شهادة لا لُبْس فيها ولاشيطٰن يختلطها: فإذا كانت رؤيا المولى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المنام صحيحة لا يشوبها شيطٰن..فكيف بمن رآه صلى الله عليه و في اليقظة بعين رأسه ؟..فكيف بمن صارت الصفة مستقرة في وجدانه ؟.فهذه المكرمة المُنحاة للعارف ليصير أهلا للشهادة و للدلالة عليها هو وهب محمدي عظيم جدا :وحساب(*شَاهِد مِّنۡهُ*)بسطا وكسرا يعطي 92×14×2..أي عطاء كامل من النبوة لمن اجتبتهم ليصيروا أدلاّء عليها قائمين بشهادتها…
*شَاهِد مِّنۡهُ*= 92×28.. و الإشارة : يؤتى الشاهد الآحادي من مواهب فتح العبارة ما تصير به الحروف 28 آلة طيعة بين يده و لسانه تسعفه في آداء مهمته الشهادية..
فالحمد لله على سيدنا و مولانا محمد نبي الله صلى الله عليه وسلم و على بضعته الزهراء و آله و كل من والاه
الفقير الى عفو ربه ابن الفاطمي