مقالات صوفية 2

بسم الله الرحمن الرحيم

الفتوحات المكية :

يقول ابن عربي قدس الله سره:

……اعلم أيدك الله أنه لما خلق الله الأرواح المحصورة المدبرة للأجسام بالزمان عند وجود حركة الفلك لتعيين المدة المعلومة عند الله وكان عند أول خلق الزمان بحركته خلق الروح المدبرة روح محمد صلى الله عليه وسلم ثم صدرت الأرواح عند الحركات فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة واعلمه الله بنبوّته وبشره بها وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين وانتهى الزمان بالاسم الباطن في حق محمد صلى الله عليه وسلم إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر محمد صلى الله عليه وسلم بذاته جسماً وروحاً فكان الحكم له باطناً أولا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين ثم صار الحكم له ظاهراً فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الأسمين وإن كان المشرع واحداً وهو صاحب الشرع فإنه قال كنت نبياً وما قال كنت إنساناً ولا كنت موجوداً وليست النبوة إلا بالشرع المقرر عليه من عند الله فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء الذين هم نوابه في هذه الدنيا كما قررناه فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب فكانت استدراته انتهاء دورته بالاسم الباطن وابتداء دورة أخرى بالاسم الظاهر فقال استدار كهيئته يوم خلقه الله في نسبة الحكم لنا ظاهراً كما كان في الدورة الأولى منسوباً إلينا باطناً أي إلى محمد وفي الظاهر منسوباً إلى من نسب إليه من شرع إبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء والرسل وفي الأنبياء من الزمان أربعة حرم هود وصالح وشعيب سلام الله عليهم ومحمد صلى الله عليه وسلم وعينها من الزمان ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر ولما كانت العرب تنسا فى الشهور فترد المحرم منها حلالا والحلال منها حراماً وجاء محمد صلى الله عليه وسلم فرد الزمان إلى أصله الذي حكم الله به عند خلقه فعين الحرم من الشهور على حد ما خلقها الله عليه فلهذا قال في اللسان الظاهر أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله كذلك استدار الزمان فأظهر محمداً صلى الله عليه وسلم كما ذكرناه جسماً وروحاً بالاسم الظاهر حساً فنسخ من شرعه المتقدم ما أراد الله أن ينسخ منه وأبقى ما أراد الله أن يبقى منه وذلك من الأحكام خاصة لا من الأصول ولما كان ظهوره بالميزان وهو العدل في الكون وهو معتدل لأن طبعه الحرارة والرطوبة كان من حكم الآخرة فإن حركة الميزان متصلة بالآخرة إلى دخول الجنة والنار ولهذا كان العلم في هذه الأمة أكثر مما كان في الأوائل وأعطى محمد صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين لأن حقيقة الميزان تعطي ذلك وكان الكشف أسرع في هذه الأمة مما كان في غيرها لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلنا وإن كانوا أذكياء وعلماء فأجاد منهم معينون بخلاف ما هم الناس اليوم عليه ألا ترى هذه الأمة قد ترجمت جميع علوم الأمم ولو لم يكن المترجم عالماً بالمعنى الذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون هذا مترجماً ولا كان ينطلق على ذلك اسم الترجمة فقد علمت هذه الأمة علم من تقدم واختصت بعلوم لم تكن للمتقدمين ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله فعلمت علم الأولين وهم الذين تقدموه ثم قال والآخرين وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة فقد أخبر أن عندنا علو ما لم تكن قبل فهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق بذلك فقد ثبتت له صلى الله عليه وسلم السيادة في العلم في الدنيا وثبتت له أيضاً السيادة في الحكم حيث قال لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ويبين ذلك عند نزول عيسى عليه السلام وحكمه فينا بالقرآن فصحت له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى ثم أثبت السيادة له على سائر الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة ولا يكون ذلك لنبي يوم القيامة إلا له صلى الله عليه وسلم

حصل المقال على : 1٬076 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد