شرح الصلاة الرابعة من خبيئة الاسرار

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه وسلم
الصلاة الرابعة:
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى ال سيدنا ومولانا محمد،سر الوجود،ومبدأه، ودليله،وقائده، ومقتضى الكلمة الفهوانية،وسر السر،من وراء حجاب الرسم العثماني والكلمة القرءانية،وسر غيب الكنز المخفي في باطن الضمائر والمخالفات الإملائية.وغيب السر الخاص بوجهته الحقية﴿الرحمٰن علم القرءان خلق الإنسٰن﴾ وصحبه وسلم.
سر الوجود… هذا السر هو قبضة النور الإلهي التي تفرع عنها الوجود ،أي نور النبوة التي كانت سببا في كل موجود وهو ما عبر عنه المحقق تارة بقوله (يا سبب الوجود يا ماء الاكوان) (الصلاة 63 من أسرار و حقائق)..و تارة بنعته أنه (الساري سره في ذرات الوجود فأنعم عليها بالوجود). (الصلاة 74).. فهو صلى الله عليه و سلم (نقطة الأمر و التنفيذ لما سيظهر في عالم التقييد) (الصلاة 34 )وعالم التقييد هو الوجود المربوط المقيد بالمقتضيات الاسمائية،وبهذا المعنى فالنبوة هي الفاتقة رتق الوجود وهي الممدة لجميع حقائق الوجود ..وإذا شئت يا ولي فقل أن مولانا محمد صلى الله عليه و سلم هو علة الإيجاد و هو يد القسائم و الإمداد ،قال سيدي محمد بن المبارك نفعنا الله به (فلولاه ما استطاع الوجود من تلقي فيض الربوبية..) الصلاة 51…فالنقطة النورانية فتقت الوجود,وأخرجته من العدم ،وهذه أول رحمة عمت الخلائق، ثم وزعت على الوجود كل على حسب قابليته واستعداده لتلقي هذه الرحمة. فالفيض الأقدس الرحموتي متوجه إليه بالتوجه الأول،ومنه يتوجه الى بقية المخلوقات بقدر قوابلهم، فهوالرحمة المهداة التي وسعت كل شيء ولله در البوصيري قدس الله سره حين قال(لولاه لم تخرج الدنيا من العدم).. ومولاي عبد السلام بن مشيش قدس الله سره حين قال(ولولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط).. فهو صلى الله عليه وسلم سرٌّ، سار في ذرات الوجود لا يطلع على هذا السر الا من فتح الله عين بصيرته فأصبح بصره حديد فأينما تولى يرى هذا السر، اذ هو وجه الله المشهود في ذرات الوجود، قال الشيخ المرسي رحمه الله”لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعددت نفسي من المسلمين”
ومبدأه… أي به البدء وهذا من معاني الأولية ،فبه كان البدء و على يده صلى الله عليه و سلم تحقق (هو لكل مرتوق فاتق) ، ومن أجله برزت الكائنات من وجود علمي إلى وجود عيني﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ وهذا ايضا من مصاديق الحديث المصحح كشفا( لولاك لولاك لما خلقتُ الأفلاك) ..
ودليله.. النبوة باعتبارها دليلا تشير الى انه صلى الله عليه و سلم برهان، قال تعالى(يأيها الناس قد جاءكم برهٰن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا )قد جاءكم(بُرهٰن)بألف محذوف لان شهود برهانيته تباينت بين المكلفين..و لأن هذا البرهان ظاهر( ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا) فهو صلى الله عليه وسلم برهان بمعجزته الخالدة :القرءان ،برهان بسنته المحمدية وبرهان بصورة المحمدية الشريفة ولله در القائل: لولم تكن فيه آيات مبينة*لكان منظره ينبيك بالخبر قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء تكلم به أن قال: (ياأيهاالناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلواالجنة بسلام) [صحيح الترمذي] فهو دال على توحيد الله،توحيد أسمائه وصفاته،وتنزيهه عن الشريك. فهو الدال على الحق المعبود فهدى الخلائق وأظهر الحقائق وبين للخلائق كيفية العبادات ونوافل الخيرات وكل القربات . كما أنه صلى الله عليه وسلم حُجةً..قال تعالى(قل فلله الحجة البٰلغة ) ..وبطريق أهل الأسرار فإن الآية تعطي 53×94..بسطا و كسرا، أي (أحمد×عزيز) ..و المعنى أنّ تبليغ الحجة قائمٌ إعزازا و تعظيما للحجة و لمبلغها سواءً بسواءٍ : فالحجة هي القرآن و مبلغها هو المولى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، أي الصفة/الأحمدية/الرسالة،والموصوف بها/المحمدية/النبوة: فالحجة و صاحب الحجة وجهان لعملة واحدة : هو هي و هي هو .. فهو الدال على الله بالله والدال على الله بكتاب الله و بسنته.
وقائده..القيادة من معانيها تنصيب المولى سيدنا محمدا صلى الله عليه و سلم مراقبا للملك ، خليفةً كليا بيده الحكم و الحل و العقد ،فقد أنابه الله تعالى منابه في التصرف في الكون و أهله ظاهرا و باطنا ،قال تعالى (قل اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء) فأتى الملك حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأرسله قائما على شؤونه مراقبا لسير مدبرا لدوائره( فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت وسلموا تسليما) مما قضيت دون تبعيض( من ما) صغير الامور وكبيرها مطلع عليها يسبر وفق إرادة الله ، ويسلموا تسليما ،أي تسليم الامور له واعتقاد لا يخالجك ادنى شك في قيادته . فالقرءان دستورالكون والوسيط البرزخي هو المنفذ لهذا الدستور والوصي عليه.

ومقتضى الكلمة الفهوانية. الفهوانية مشتقة من الفعل ” فاهَ يفوه ” أي تكَلّمَ . هو مصطلح عرفاني انفرد به الشيخ الاكبر ابن عربي قدس الله سره، قال (انتشرت الرحمة من عين الوجود ، فظهرت الأعيان في الوجود عن الكلمة الفهوانية ، التي هي كلمة الحضرة … التي هي كن … ) (كتاب التجليات ص 13 ). و المقصود انه صلى الله عليه و سلم هو طرف في التجليات الالهية التي تظهر المقتضيات إذ ان له في مع كل تجل حضرة محمدية، ووجه باطن في المقتضى سواء كان حسيا او معنويا يحقق استمرارية هذا الشئ. فهو صلى الله عليه وسلم السابح في بحار مقتضى الكلمة الفهوانية كن. *كن أبا ذر فكان.كن أبا خيثمة فكان *)الصلاة 52 من الخبيئة..
وسر السرمن وراء الرسم العثماني والكلمة القرءانية: ما معنى الرسم القرآني أو العثماني ؟ المقصود به الشكل الذي به تم رسم الكلمات القرآنية من حيث حروف كل كلمة وردت في القرآن الكريم وليس المقصود منه نوع الخط الذي به كُتب القرآن ( خط ثلث او نسخ أو كوفي أو مغربي) و رسم المصحف هو أمر توقيفي : أي أن سيدنا و مولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم أمَر كتَبَة الوحي بكتابته كما هو متداول في المصاحف بيننا الآن، تماما كما نزل قال تعالى(إنا نحن نزلنا الذكروإنا له لحافظون) ونقول الرسم العثماني نسبةً لمصحف سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه المسمى عند علماء الإختصاص بالمصحف الإمام أي الذي ترجع جميع نسخ المصاحف في الدنيا إليه لتنضبط برسم كلماته..وهذا الرسم التوفيقي اهتم به علماء علوم القرآن و عُرف بعلم الرسم القرآني . السر هناك من يعرفه وكتمه ،ولو لم يكن احد يعرفه فليس بسر انما هم غيب . وسر السرمن وراء الرسم العثماني : هو الخبايا والخفايا والحكم التي توجد وراء الرسم القرءاني ولا تدرك الا بالفتح او بصحبة العارفين. قال تعالى( لَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )12 هود) ،فللقرءان ظاهر وباطن ولباطنه سبعة ابطن ).. فظاهر القرءان حُكْمٌ ،وباطنه حِكْمة وأسرارٌ والحٌكْم هو للتشريع وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغه كيف ما كان نوعه .
أما الحكمة فهو مأمور بكتمانها والاحتفاظ بها حتى ياتي إبان التجليات التي تظهرها وياتي من هو أهل لها .الحُكم للسابقين والحكمة للاحقين ومتسلسة مدى الدهر لذا كانت يوحي بالمضارع وجاءت كلمة ضائق ثابتة الالف ولو وردت محذوفة لكانت الحكمة متقطعة ولكان في عهذ الصحابة من يعرف أسرار الاحدية أو أسرار الرسم القرءاني كما قال مولاي محمد بن المبارك نفعنا الله به،فأسرار الرسم القرءاني بقيت 14 قرنا من الزمن ولم يطلع عليه أحد حتى جاء إبان التجليات الالهية التي تظهرها وجاء دور من كانت من نصيبه. اما ” والكلمة القرءانية” مثلا :قال تعالى(ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله) فمن اسرارها انها تشير الى الاصطحاب ،وسر سرها ان الاصطحاب رفع شأنه واصطفاه مراقبا للكون الالهي قائدا له فالرسم القرءاني وما وراء الكلمة القرءانية اخرجا كلام الله من التقييد الى الاطلاقية فالحذف مثلا يعني أن هناك قراءة اخرى للكلمة،أو أن هناك معنى وراء ذلك يجب البحث عنه.. و الإمالة،و اختلاف الضمائر مثل ما ورد في الاية(حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم)، يسميه اهل اللغة “الإلتفات”. والتكرار”في الظاهروتعدد القراءات،والنزول على سبعة أحرف، و الحروف المقطعة في أوائل السور والإنتقال من الماضي إلى المضارع ،ومن المضارع للأمر… ،ومن الجمع الى المفرد.كلها اسرار اعطت الاطلاقية لكلام الله, هذه الأسرار القرءانية كلها انشقت منه صلى الله عليه وسلم،قال تعالى﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَٰبِ مِنْ شَيْءٍ﴾في الكتاب،ولم يقل في القرءان،والشئ أنكر النكرات،فلا يوجد شئ في عالم الملك،إلا و أخبرنا عنه ” اللسان المحمدي” ،ظاهرا كان أو باطنا مستورا وراء الحِكم القرءانية،و وراء الرسم القرءاني .والرسم توقيفي بأمر من مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي أمر الكُتَّاب أن يكتبوه على تلك الهيئة،بزيادة الألف أو نقصها،أو زيادة ياء أو نقصها… وكذلك القراءات المختلفة،فكل قراءة لها معنى يخصها،ولها أسرار تنفرد بها … أسرار باطنة لا تدرك إلا بالفتح الرباني أو بتعريف من شيخ عارف بالله مأذون.
وسر غيب الكنز المخفي في باطن الضمائر والمخالفات الإملائية: الكنز المخفي في باطن الضمائر والمخالفات الإملائية هي كنزية الاسماء الالهية ،فالاسم الالهي لا يظهر مقتضاه الا بعد التجلي و التجلي يتطلب حضور النبوة المحمدية اصطحابا فالكنزية عائدة استلزاما على الحقيقة المحمدية في مراتبها و حضراتها التي لا يحيط بعلمها إلا الله تعالى” ما عرفني حقيقة غير ربي” ،لذلك كان الكنزُ سِرَّ غيبٍ أي مرتبةً عزيزةً في درجات الأسرار المحمدية المكنونة،وقوله “الكنز المخفي” هو مقتبس من الحديث الكشفي (كنت كنزا مخفيا فأحببت ان اعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني) .
وغيب السر الخاص بوجهته الحقية﴿الرحمٰن علم القرءان خلق الإنسٰن﴾: غيب السر الخاص،هذه مرتبة متقدمة في معرفة الحقيقة المحمدية التي برقت من نور الاحدية.وتُوِّجَتْ بِحُلل الأسماء و الصفات الإلهية(فظهر بصفات حقية”من رأني فقد رأى الحق”ولا يقوم مقام الحق إلا الحق.فكانت مبايعته مبايعتك،وطاعته طاعتك، ومحبته محبتك، فأنبته منابك﴿ فأجرۡه حتىٰ يسۡمع كلٰم الله ﴾فتلى كلامك، وبلغ أحكامك،وقام مقامك ﴿يد الله فوۡق أيۡديهمۡۚ﴾وليست إلايدك يا رسول الله. لها الفوقية،وهي الرامية)الصلاة 82 أسرار و حقائق
الوجهته الحقية تشير إلى تخلق وتحقق المولى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بجميع الأسماءوالصفات الإلهية..قال صلى الله عليه وسلم”إني لست كهيئتكم…فهو متردي بحلل الإسم الجامع “الله”وبالتالي هو طرف في كل تجليات الأسماء الإلهية.. الوجهة الحقية المشار لها بالفعل “دنا” ،في مقابل الوجهة الخلقية المشار لها “فتدلى” ولنفي الجهة عن الحق تعالى قال “أو أدنى” بساط الإتصال الفرقي ،فالنبوة في دنوها أي وجهتها الحقية تبقى سرَّ غيبٍ مطمطم خاص به صلى الله عليه و سلم لا يعلمه إلا الله ،هذه الوجهه الحقية التي ظهر فيها صلى الله عليه بأوصاف الربوبية و بالأسماء الإلهية و صفاتها ،هي التي ظن البعض أنهم واقفون أمام الحق سبحانه،ويسمعون منه،وهي ليست غير هذه الوجهة الحقية لمولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم … وقد قال سيدنا أويس القرنى لساداتنا الصحابة رضي الله عنهم (ما أدركتم من محمد إلا كسيف في غمده).. و الحمد لله على سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم كما هو أهله. الفقير الى عفو ربه وشفاعة نبيه بن الفاطمي غفر الله له ولوالديه.

حصل المقال على : 992 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد