شرح خبيئة الاسرار(2)

الصلاة الثانية من خبيئة الاسرار الاحمدية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين

الصّلاة الثّانية
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ.صلاة توصلني إِلَى حضرته.مؤيدا بجند نصرته.فأكون منه قريبا،وبدوره في الكون الإلهي عارفا،وبحقيقته مصدقا،وببرزخيته موقنا،ولكلامك القديم مُبَيّنا،وعلى خباياه مطلعا.فتثْبت في المعرفة أقدامي،ويعلو بين العارفين مقامي،وأكون أهلا لاستقرار الصفة في وجدانيفبي يبصر،وبي يسمع،وبي يبطشفيشمل اللطف كل التجليات،وتعم أهل زماني الرحمات،وتظهر الإبداعات والإبتكارات.وصحبه وسلم .
*صلاةً توصلُني إِلَى حضرته: حضرة النبوة عظيمة يستحيل حصر مظاهرها
فللحضرة المحمّديّة من الكمالات ما للحضرة الإلهية من التّجليات،لأنه الواسطة العظمى في تأثير الأسماء والصّفات،فتنوّعت تجلياتها،واستحالت الحيطة بشؤونها.”ولون الماء لون إنائه” (الصلاة 6 الخبيئة)، فحضرة سيدنا ومولانا محمد هي حضرة الأسماء و الصفات الإلهية،ومشاهدة هاته الحضرات هي غاية طلب العارفين (حتى آراه في كل رتبة من رتبه العظيمة،وحضرة من حضراته المنيرة) الصلاة 40.

مؤيَّدا بِجُنْد نصرته: جُنْدُ النُّصرة كثيرون﴿ وما يعلم جنود ربك إلا هو ﴾.. وهُـم وسائل ، قال الحق سبحانه ﴿ يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة ﴾ ..ومن بين الوسائل : الشيخ العارف بالله ،فهو على رأس الجُند النّاصر للمريد ، لأنّه صاحب الإذن الدّال على الله و على نبّيه الله صلى عليه و سلم ، فهو واسطةٌ بين المريد السّالك طالب الوصول و بين سدرة منتهى الوُصول صلى الله عليه و سلم ،و يصير هذا العارف ركنا شديدا يُأوى إليه إنْ حَظِيَ بصلاةٍ نعتيةٍ أو استغفارٍ رِتقي يُعْطى له أو يوذَنُ له فيه: حينذاك يَطْوِي بالمريد الطريق طيا ،و تصير الصلاةُ النعتيةُ و الاستغفار الرتقي جنْدا مِنْ جنُود النصرة في باب الوصول ، هذا علاوة على النوافل الصيام القربات..كل ذلك من جند النصرة للسالك .. ﴿و ما يعلم جنود ربك إلا هو﴾ ، و انتبه يا ولي ﴿جنود ربك﴾=جُمّلُها هو طلسم النبوة 19*5*3..

*فأكون منه قريبًا: القُرب درجات وفوق كل ذي علم عليم وبالمعرفة يتفاضل أهل الله.
*وبدوره عارفا: دور النبوة بحرٌ واسعُ الخِضَمّ، لا ساحل له، ولا حدَّ و لا انتهاءَ، ومعرفة الرّشحات مِنْ بحر هذا الدور هو خلاصة معرفة العارف ،و برسوخ هاته المعرفة تتباين مقامات الأكابر..وهاك يا وليُّ قطرةً مِنْ بحر هذا الدور ( الهَيُولَى الكُلِّيَّةِ القَابِلَةِ لِارْتِسَامِ جَمِيعِ الصُّوَّرِ وَالأَشْكَالِ.النَائِبَةِ عَنِ الحَقِّ فِي الظُّهُورِ والأَقْوَالِ﴿ إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ﴾،وَعَنِ الكَوْنِ فِي جَمِيعِ العِبَادَاتِ وَمَحَاسِنِ الأَفْعَالِ﴿ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥ ﴾وَنُسْخَةِ الوُجُودِ المُطْلَقَةِ الجَامِعَةِ بَيْنَ الإِتِّصَالِ وَالإِنْفِصَالِ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ ﴾ )الصلاة 84 من أسرار و حقائق، (ولو اطلع العارف على على مكنون المحمدية و عرف المقتضيات الأسمائية..فقد حاز على المعرفة،والعلوم الربانية ) انظرالصلاة39 من الخبيئة.
*وبحقيقته مُصدِّقا: التصديق بأن حقيقة سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم انحجبت تحت كهوف الذات ،فالألف محتده الأحدي،واللاّمان،صفتاه، التّصديق بأنّ الحقيقةَ المحمديةَ لا سبيلَ لمعرفتها على وجه الإحاطة، حيثُ لا يُبارِحُ الكونُ أجمَعُه مكانَهُ مِنَ الحيرةِ و العجْز في شأنها العظيم ،فتتضاءلُ في معرفته صلى الله عليه و سلم كُلُّ الفهوم و تحار في كنهه العقول “ما عرفني حقيقة غير ربي”، التّصديقُ بأنَّ كُنْهَ هاته الحقيقة المحمدية العظيمة مجهولةٌ عند كل العوالم علوية وسفلية ﴿لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾، التصديق بأنَّ لهاته الحقيقة مراتِباً و مظاهرا هي(حقيقةُ الحقائق الكلية،الجامعة لما كان ويكون من المقتضيات الأسمائية،حسية كانت أو معنوية)الصلاة68 من الخبيئة.. و بأنَّ النبوةَ هي(الحقيقة الباطنة في غيابات جُبِّ تجليات الأسماء والصفات).. الصلاة 12..هذا غيضٌ مِنْ فيْضِ التَّصْديق بحقيقة سيِّدنا ومولانا محمد صلى الله عليه به ..
*و ببرْزَخِيّته موقِنًا: سبحان مَنْ جَعَل سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم البرزخَ الأعظم في صورة إنسان، فكان برزخا للتجليات مصْطَحَبَا بالإستمدادات النُّورانية،مُلتحفا بوحدات الذّات و واسطة في كل العطاءات..إنّ من دلائل عظمة النبوة هو وُجود وساطيَّتِها، فسيدنا ومولانا محمد هو البَرْزَخُ الفَاصِلُ بَيْنَ الحقية و الخلقية فلا تلقّي للخليقة من الجناب الأقدس إلا بواسطة الحقيقة ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ ﴾فهو الحجاب القائم بين الرب و المربوب، تجلى فيه الحق فطلبه الخلق و يُرحمون به ، (فهو برزخ عظيم بين المخلوقات وربها، فمعاملة الخلق كلها معه﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَّبِّهِ أَحَدًا﴾)الصلاة الخبيئة 27..
ومن معاني برزخية النبوة أنّ مُقتضى الاسم الإلهي ( لايَصِلُ إلى الكون مباشرةً بلْ لا بُدَّ مِنَ الاصْطحابِ بالنبوة لكي يكونَ اللطف ، حتى الجمال لوْ ظَهَر مِنْ غير حجابِ برزخيّتِه لما استطاع الكونُ تحمُّله،فهو الوساطة العظمى في إمدادات الرّبوبية،هو مَيْزَابُ فَيْضها،وَيَدُ مُنَاوَلَتِهَا،وَمَصْدر إِسْدَائِهَا.وساطة أبدية أزلية من ليلة﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ إلى فيما بعد ضحى يوم” أنا لها” )الصلاة 31 من الخبيئة (فمعاملات الخلق كلها في الحقيقة مع هذا الوسيط البرزخي﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾﴿وَلاَ يُشْرِكُ بِعِبَادَةِ رَّبِّهِ أَحَداً﴾﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ ) الصلاة 32 ، لذلك كان الإيقان بمظاهر هاته البرزخية مِنْ أغلى المعارف..
*ولكلامك القديم مُبَيّنا وعلى خباياه مطلعا : التِّبْيانُ مرتبطٌ بمعرفة خَبَايَا الآيَاتِ القُرْءَانِيَّةِ و الاطلاع على خَفَايَا الضَّمَائِرِ و الأسرار القُرْءَانِيَّةِ وهي معارفٌ مقصورة في الخيام، لاحتجابها في سرادقات الغيب الذي لا يطمثه إلا ذو مَحْرَم من الكُمّل الرّجال أو مَنْ تربّى في حِجْرِهِمْ فأمَدُّوهُ ،ومَنْ كرَع مِنْ هاته المعارف و حقّقها حازَ القرب و الحظوة ،وهو مطلبُ الأكابر حين يقولُ صاحب “أسرار و حقائق”(حَتَّى أَكُونَ مِنْ رُوَّادِ العُلُومِ اللَّدُنِيَّةِ. وَلِي قَدَمُ السَّبْقِ وَالصِدْقِ وَالتَّحْقِيقِ فِي خَبَايَا الأَسْرَارِ القُرْءَانِيَّةِ.وَمِنَ المُنَقِّبِينَ عَلَى النُّعُوثِ الأَحْمَدِيَّةِ. وَمِنَ الكَاشِفِينَ النِّقَابَ عَنِ المُحَمَّدِيَّةِ.وَمِنَ العَارِفِينَ بِالمُقْتَضَيَاتِ الأَسْمَائِيَّةِ) .
*ومنْ بِساط الرّحيمِيّة مُسْتَمِدًّا: قال الختم الوهراني عن بساط الرحيمية أنها (هي التي اختارت اهل الخواص من بين البساط العام و جعلتهم أهلا للرحمة الخاصة..إذا كان بساط الرحمانية يشمل الصالح و الطالح، فإنَّ بساط الإيمان وهو بساط الرحيمية الخاصّ، ينتخِبُ أهْلَه مِن هذا البساط العامّ و يُميِّزُهم عنْ غيرهم ) و قال قدس الله سره ( فعمّتِ الرحمةُ الإلهيةُ بساطَ الرحمانية بالحياة الدنيا و خَصّت أهْلَ بساط الرّحيمِيّة بالوُدِّية..)بُغية الرّائد 131..فحينما يطلب العارف استمداده مِنْ بساط الرحيمية فهو يقصد كمال خُصوصية الولاية المشمولة بالوُدّية.
*فتثْبت في المعرفة أقدامي،ويعلو بين العارفين مقامي وأكون أهلا لاستقرار الصفة في وجداني فبي يبصر،وبي يسمع،و بي يبطش،فيشمل اللطف كل التجليات،وتعم أهل زماني الرحمات،وتظهر الإبداعات و الإبتكارات :
المعرفةُ المطلوبُة ثُبوتُ القَدَمِ فيها هنا هي العُلوم الممنوحة لخاصّة أوليائه ، التي تُفْتَحُ بها عينُ البصيرة ذوقا إلهاميا باطنيا﴿عَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾فيترقّى العارف الواصل المُحقِّق مِنْ علم اليقين الى عين اليقين والى حقّ اليقين،و تتعلّق همّتة بما وراء ذلك كُله فيقول ” و يعلو بين العارفين مقامي….” وهذا مقام الختمية الكبرى : فالعارف يطلب هنا أهليةَ أنْ يصيرَ نائبا عنِ النُّبوةِ ناطقًا بها و عنْها، فتستقِرَّ الصِّفةُ الأحمدية في وجدانه ويصير مَظْهَرًا للحقيقة المحمدية الموصوف بها ،ومِنْ هذا المقام قال قائل القوم (سبحاني ما أعظم شاني) لكونه صار ناطقا لا بلسانه ناظر لا بعينه سامع لا بأذنيه وقال الختم الوهراني رضي الله عنه (حتى كدتُ أقولُ أنا هو).
العارف هنا لم يبْقَ لهُ مِنْهُ فيه شيئا لكونه تمحـّضَ في محبّته و استهلاكه في جناب النبوة ، فصار بها لها وهو مقام التّسليم الكامل للنُّبوة الوارد في ﴿ وسلموا تسليما ﴾ ،لذلك قال “فبي “=روحها =92=محمد.. وهذا مقام عزيزٌ يصير حائزه أحمديا محمديا ،ومن مظاهره ( فيشمل اللطف كل التجليات،وتعم أهل زماني الرحمات،وتظهر الإبداعات و الإبتكارات) وما ذلك إلا لما وُهِبَهُ منَ الصلوات النّعتية التي يتغزّل فيها بأفانين تعظيم النبوة و تنزيهها و تسبيحها ﴿وَتُعَزِّروهُ وَتُوَقِّروهُ وَتُسَبِّحوهُ بُكرَةً وَأَصيلًا﴾ ممّا جعله مخصوصا ملحوظا
من لدن عين القضاء و القدر سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم ..

تم جمع هذه المعلومات من جلسات المعهد الفاطمي المحمدي بمدينة الدار البيضاء من طرف الفقير الى عفو ربه ابن الفاطمي غفر الله له ولوالديه واصلح ذريته وجعله الله تعالى من كبار العارفين انه سميع مجيب

حصل المقال على : 962 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد