هذا الشرح انجزفي جلسات المعهد بمنزل سي رضوان
هو من تحريرابن الفاطمي، تحرير عرفاني مهم جزاه الله خيرا
الصّلاة الأولى
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ. الغائب عن الأبصار،المسْدول دون حقيقته حُجب الأسْتار،والتي تُنادَى مِنْ وراء حُجُرات الظُّنون، والأوْهام،وكشف النُّظار﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ ﴾فلا أحد وصل إلى محتدها،ولا إلى معرفة كل صفاتها،ولا وقف على مراتبها﴿ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ ﴾طلبوا الوصول وما وصلوا،وعلى كُنْهها ما حصَّلوا.هي العرش لاستواء رحمانيته،واسطة تجليّاته،وظهور أسمائه وصفاته.هي الروح الكلية الباطنة في كل الشؤون الحقية والخلقية.تتبرقع وفق الإرادة الأزلية.وَتكشف نقابها حسب التجليات الإلهية ﴿ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾،وصحبه وسلم.
حين عَلِمَ الصّحابَةُ رضي اللّه عنهُم بعظيم ما أُمِرُوا به مِنَ الصّلاة على الجناب النّبوي العظيم ،سألوُه صلى الله عليه وسلم عنِ الكيفية ،فَعَن أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ :(أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ : أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ قَالَ : فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ،ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ ).. فَلِمَ سكتَ المولى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم حتى تمنّى الصحبُ الكرام أنهم لم يسألوه.. ؟..هذا يُفْصِحُ عنْ عظيم ما سألوه عنه..
وفي روايةٍ عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ قَالُوا : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ).(رَوَاهما البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وغيرهم).
قولُوا ..اللَّهُمَّ ..وهوطلَبٌ معناه اللغوي ( يا الله)، نتوجَّه به للحق سبحانه أنْ يُصلّي على نبيِّه سيدنا ومولانا مُحمّد صلّى الله عليه و سلم ،أما غيْرُهُ تعالى فعاجِزٌ عنِ القيام بحقِّ تلك الصّلاة ( فما صلّى عليه غيرُ ربه) الصلاة16…. حُذفت ياء التذلل و عُوِّضت بالميم المُدغمة الباطنة في إسم (محممد )..و محممد=جُمّلها هو 132 أي =مجموعُ جُمّل أحد+الله+أحمد ، فهي تُـشير إلى الحقيقة المحمدية البارزة مِن الأحدية (أحد) المصطحبة مع الأسماء الإلهية (الله) و مع القرآن (أحمد)و اللَّهُمَّ =جُمّلُها أيضا 66+40=53+53أي أحمد أحمد ،أيْ أنّ العطاءات الإلهية كلُّها تمُرُّ مِنَ الإصْطحاب (إسم الجلالة الله) و المصطحب معه( محمد) و كلها من مقتضى القرءان(أحمد) ( انظر شرح جوهرة الكمال لمولاي لحميتي قدس الله سره).
اللَّهُمَّ إذاً واسطةٌ و أصلُها قولُنا ” لا اله إلا اللّه محمد رسول الله “وهو اتصال الميم بلفظ الجلالة.. قال مولانا الختم الوهراني روّح الله روحُه في حديثه عن كلمة “ اللَّهُمَّ ” ( اتّصال الميم من محمد باسم الجلالة اتصالا تامّا يقتضي أنّ القران نزل دفعة واحدة منه إليه بدون برزخ آخر بينهما.. و بسبب هذا الاتصال ضُمِنَتِ الاستجابةُ للعِبَاد وقبول أعمالهم.فإن التجليات الإلهية الرحموتية كلها نزلت على سيد الوجود عليه الصلاة و السلام ثم وُزّعت على المخلوقات أجمعين.وشُدّدت الميم مِنَ اللَّهُمَّ حيثُ حازت على النقطة بأجمعها التي هي الصفة و الموصوف بها ) الصفة= الأحمدية . الموصوف بها= المحمدية…. و لذلك فإن اضطراب العرش أسْكنه كتابة كلمة محمد رسول الله عليه ..
اللَّهُمَّ تُشير ل أحمدٌ (أحمدٌ =53 بحساب الجُمّل) كما تقدّم، وتعني أن كل العطاءات حسية أو معنوية إلا وهي من مقتضى القرءان وما مِنْ شئ الا وهو به منوط إيجادا و إمدادا، و قد ثبت عنه ﷺ أنه قال لما سمع رجلاً يدعو ولم يصل على النبي ﷺ ولم يحمد الله قال: عجل هذا! ثم قال عليه الصلاة والسلام: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء).. وروى البيهقي في شعب الإيمان عن علي رضي الله عنه قال ” كل دعاء محجوب حتى يصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم “..و انتبه للفظ “كل دعاء محجوب”..فلولا الوساطة النبوية لما وصل الدعاء و لما استُجيب.. وقال عمر رضي الله عنه : “إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم ” رواه الترمذي..و الشاهِدُ على برزخية النبوة في الآخرة هو الآية ﴿ دعويهم فيها سبحانك اللهم﴾..
*صَلِّ: هذا طلبُ إظهارٍ للمقتضيات..وصلاة الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه و سلم هي القرآن .. ﴿إنّ الله و ملئكته يُصلُّون على النّبيّ﴾..المضارع يفيد الإستمرار و الديمومة الذي تنتجه التجليات الإلهية إلى آخر الدهر … (فالصلاة على نبينا تُقاوم العدل و تستوجب الفضل فما شغَل الله تعالى العوالم كلها علوية أو سفلية ملكية أو ملكوتية إلا بأعظم الطاعات و افضل القربات )(راجع “مزج المشيشية”)، وقيام المُصلّي بهذا النّداء استهلالا بالصّلاة تكليف و تشريف ( تشريف لأنه أمر من الله و تكليف لأن الصلاة على النّبي تُظهر المُقْتضيات كي لا يتعطّل سير الكائنات) كما يقول أستاذنا محمد لحميتي نفعنا الله به (الموقف الثامن بعد المائة)..ومِنْ بوارق عظمة جناب سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم أنّ الصلاةَ عليه تسبيحٌ لله ، قال تعالى )..لتومنوا بالله ورسوله وتغزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا”
فالصلاة على النبي هي تسبيح لله
وصلاةُ المُصَلّين على سيّدنا ومولانا مُحمّد صلىّ اللّه عليه و سلّم هي على ثلاث مراتب كما يقول الختْم الوهراني رضي الله عنه ( مِنهم مَنْ وصَفَه عليه الصلاة و السلام بما جاء بالسيرة النبوية العطرة و لا يُراعِي هل ما جاء في السيرة مُشترَكٌ مع غيره من الأنبياء و المرسلين أم لا..و آخرون انتخبوا مِن سيرته العطِرة ما هو خاصٌّ به عليه الصلاة والسلام و أطلقوا عليها إسم الشّمائل بمعنى تشمله وحده وهذا ما امتاز به علماء المغرب..وآخرون وصفوه عليه الصلاة و السلام بما وصفه الله به في القران المجيد و تُسمى هذه بالنعوت، وقلَّ مِنَ الرجال مَنِ استطاع ذلك..و الصلاة بالنعوت تفوقُ غيرها، و تَطْوِي المسافات الطويلة لصاحِبها مِثْل ما ترى الفَرْقَ بينَ المسافرين إلى بيت الله الحرام فافهم يا وليّ و لا تكن )ص17
قال سيّدنا ومولانا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ( مَنْ صلّى عليَّ صلاةً صلى اللّه عليه بها.. ) فبالصّلاة عليه ينالُ المُصلّي حظَّه مِن هذه الخلافة العامّة خصوصا إنْ كانت الصلاةْ نعتيةً راقيةً تُحَرّك القدر و يكونُ التّشوُّف القدَري لهذا المُصَلِّي (شرح صلاة الكنز المطلسم لمولاي لحميتي قدس الله سره)، و قال نفع الله به ( ففي كل صلاةٍ نعتيةٍ نُبايِعُه و نكُونُ مِنَ المُقرّبين مِنْ نُبُوّته..) الصلاة 13 من الخبيئة .
*وَسَلِّمْ: تسليم كُلِّ أمْرٍ للنّبوّة ﴿حتى يُحكّموك فيما شجر بينهم و يسلموا تسليما﴾..﴿ تسليما﴾ولم يقل (سلاما)..ولذلك لمْ يَرِدْ في القرآن أنه سبحانه يُسلّم على نبّيه صلى الله عليه و سلم ، وطولب المومنون بالصلاة و التسليم ..و تسليم الأمر للنبوة ليس من السهل المتيسر لكل أحد ،فهذا مَهْيَعُ التّفاضل بين المومنين ، فَكُلُّ مَنْ قَوِيَ تسليمه و رسَخ كان أكثر قربا ﴿ولكل درجات مما عملوا ﴾ ..يقول كُلُّ مسلمٍ في تحِية أواخر الصّلوات: السلام علينا و على عباد الله الصّالحين :فَصَالِحُو الأُمّة المُحمّدية هُم الأتقياء وهم آل النبوة .
*وَبَارِكْ: طلب البركة.. قال الختم الوهراني قدس الله سره (أصْلُ الكون الإلهي نقطةٌ و تلك النقطة النورانية برقت من الأحدية الصِّرفة في الهوية ثُم إلى بساط الألوهية، فوَقع الاصطحابُ بينهَا و بين الفيضة القُرآنية ، ثمَّ انْقسَمت قسمين ، قسم عُنْوِنَ عنهُ بأحمد و قسمٌ عُنْوِنَ عنهُ بمحمد ، فأفصح القرآن المجيد بقوله﴿بسم الله الرحمن الرحيم إذا زُلزلت الارض زلزالها و أخرجت الأرض أثقالها ﴾..فحينما يُبارك الله في تلك النقطة تصل البركة إلى سائر الأكوان).. في الآية ﴿ بورك من في النار و من حولها ﴾ .. بورك جُمّلها114*2=19*6*2… فالكونُ و أهْلُه واقعٌ تحت حيطة المقتضيات القرآنية و طلسم النبوة يحتوي الجهات السّت ظاهرها و باطنها ، ولولا البركة المحمدية ما كان شيء ( للتوسع يرجى الرجوع للصلاة الثانية و الأربعين من الخبيئة).
*عَلَى سَيِّدِنَا : سيادة النبوة على الكون و أهله هي شاملة عامة ، وهي ليست من قبيل ما يُخاطِبُ به بعضنا بعضا بوصف”السيد فلان و السيد علان” …قال الختم الوهراني رضي الله عنه ( السيادة في الأصل الرياسة، فمَنْ لم ُيَسيٍّد يكونُ قد رفَضَ رياسته صلّى اللّه عليه و سلّم و على آله و عليه أنْ يختار رئيسا لنفسه و يكون رئيسُه هو هواه، لأنّ هذا الرئيس الذي هو سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم اختارَهُ اللهُ تعالى و ألْبَسه تلك الحُلّة و لا يقبل غيرهُ أحدا) الإستمدادات ص 12..و لئن كان القرءانُ نعتَ نبي الله يحيى عليه السلام ب﴿ سيدا و حصورا و نبيا من الصلحين﴾ ..فإنّ سيّد السادات و سلطانهم هو سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، وهو أولى بالتّسييد . رُفعت الأقلام وجفت الصحف.
*وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ: الكون و أهْلُهُ هو بينَ يدَيْ جناب النبوة العظيم مدينٌ له صلى الله عليه و سلم بعظائم النّعائم ، إذْ ما مِنْ نعمةٍ أنْعَم بها الله سبحانه على مربوبٍ إلا و سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم هو المُوصٍل لتلك النّعمة بل معطيها و السبب فيها بدءً و عودة ، لذلك قال الختم الوهراني رضي الله عنه ( المولوية تقتضي في ظاهرها الرّقية) و رِقِيّة كل مربوب بإزاء جناب النبوة هي رقية امتنان له صلى الله عليه و سلم ..فهو مولانا و الكون و أهْلُهُ عن بُكْرة أبيه مُمْتنٌّ له صلى الله عليه و سلم ، فلا أقلّ من مُخاطبته خطاب تعظيم و عرفان بنعت المولوية، فهو عين الرحمة وصاحب الشفاعة ، قال الختم الوهراني ( لهذا اعتبر فحول الامة أنفسهم رقيقا له صلى الله عليه و سلم ، حيثُ أنه لا يستطيعُ أحدا أن يشفع لنفسه) ص 13..و استمتع يا وليُّ بقوله تعالى في حق حبيبه صلى الله عليه و سلم ( قل ياعبادي)..عبادة امتنان من الكون للنبوة و اعتراف بعظيم فضلها ..
*وعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ: الآل هُم النُّطَف النُّورانية مِنْ ذُريّة الطُّهر و الشّرف النّبوي من أبناء سيدة نساء العالمين مولاتنا و أمنا الزهراء عليها السلام.. و الكينونة مع آل البيت المطهرين مطلب الأكابر قال حامل اللواء الفاطمي قدس الله سره ( صلاةً تُلحقني بنسبه “آلُ مُحمّدٍ كُلُّ تَـقـِيٍّ”) الصلاة 40 من الخبيئة ،وهذا الإلحاق مقام عزيز يناله الرّجال السّلمانيون في كل عصر و مصر( سلمانُ مِنَّا آل البيْت) .. و انتبه يا ولي لسِرِّ التّبعيض والنّسبة “منّا”في هذا الحديث النبوي الشريف.
*الغائب عن الأبصار: قال الحق سبحانه ﴿ وتريهم ينظرون إليك وهم لا يُبْصِرون ﴾النّبوّة لم تلْحَقْها الأبْصار،فحتى ساداتُنا الصحابة رضي الله عنهم لمْ يعرفوها حقَّ معرفتها..النُّبوة تُرى للرّائي بحسب ما أرادتْ هي، لا بحسب ما أراد الرائي ،و لذلك وقع الاختلاف في وصفها بالنسبة لكل من رآها، وبالرجوع لأوصاف النبوة التي نعتها بها الصحب الكرام رضي الله عنهم تجد تبايُناتٍ رغم الوجود النّبوي الشريف بين ظهرانيهم..فإنْ كان التّبايُن في الوصْف وَقَعَ في ظاهر النبوة فكيف بباطنها ؟.. حقيقة النبوة هي وراء ذلك كله (ما عرفني حقيقة غيرُ ربي)..لذاك قال العارف :
المسْدُول دون حقيقته حُجب الأستار .
حُجب الأستار هي الأسماء الإلهية، لأنَّ النُّبُوّة اصطحبتْ بالأسماء الإلهية : فها هو الرّزْقُ يأتيك مِنْ مقتضى إسمه الرّازق ، فكيف تستطيعُ أنْ تـتبـيّنَ وجودَ النبوة في هذا الإسم ؟ ليس في المستطاع تَبيُّن ذلك لأنَّ النبوة مستورةٌ متردّية بهذا الأسم الالهي و أنت لنْ ترَ إلا الإسم الإلهي..و عليه فإنّ حُجُبُ الأسماء الإلهية كُلها رداءٌ لسيّدنا و مولانا مُحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ، بما في ذلك الإسم الجامع رئيسُ الأسماء :الله.. وفي الصلاة5 (فما حجبت حقيقته إلا الأسماء الإلهية،المتجلية في الأعيان الوجودية.فكل اسم كساه،وأفرغ عليه مقتضاه، ومن عجب أن الظهور تستر)، ومن مظاهر هذا التستر، الظهور بالبشرية ﴿قُلْ إِنَّمَاأَنَابَشَرٌمِّثْلُكُمْ﴾.. والحقيقة أنَّ مظاهر التستر كثيرة ، قال استاذنا محمد لحميتي ( فَحُجِبَ الأَوَّلُونَ بِالوَسَاطَةِ الجِبْرِيلِيَّةِ.وَحُجِبَتِ الصَّحَابَةُ بِالهَيْئَةِ الجِسْمَانِيَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ،وَبِالصُّورَةِ الدَّحْيِيَّةِ. وَالعَامَةُ بِالبَشَرِيَّةِ.وَحُجِبَ إِبْلِيسُ بِالطِّينِيَّةِ وَبِنَفْسِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ.وَحُجِبَ آخَرُونَ بِالضَّمَائِرِ القُرْءَانِيَّةِ)الصلاة 60 من أسرار و حقائق..
*والتي تُنادَى من وراء حجرات الظنون : قال الحق تعالى ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ﴾ : استدلال بالإشارة الكامنة في سر حذف الألِف مِنْ لفظ ﴿ ٱلۡحُجُرَٰتِ ﴾، ليُشير لملمح رقيق جدا : فالحُجُرات لوْ كانت ثابتة الألِف لانْصَرف المعنى لِحُجرات الحِسّ التي آوت سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم و زيجاته الطاهرات أمهات المومنين رضي الله عنهن..لكنَّ حذْف الألِفِ في الحُجرات وَسّع معناها ليعود على حُجُرات الظنون و الأوهام التي ينْحَبِسُ فيها كل مرْبُوب علا شأْنه أو سَفُلَ في محاولة معرفته للنبوة..
أكْثَرُ العارفين رضي الله عنهن تكلّموا عن جناب النبوة العظيم كُلُّ بحسب مشربه و محبته و شوقه ،لكنّ كلامهم إنْ لَمْ يوافِق كشْفا صُراحا صار مُجَرّد ظنٍّ أو وَهْـمٍ.. العارفُ قدْ يرى بارقةً للنُّبُوَّة ظهَرتْ بِرِداء وِجْهتِها الحقّانيّة فَيَخالُها جنابَ الحق سبحانه فيقول (خاطَبني الحقّ) ..و النُّبُوة مِنْ وراء ذلك كُلِّهِ: لها العِزَّةُ و الغِنى أنْ يصِلـَها تحقيقُ معرفةٍ أو تدقيقُ عرفانٍ ..فلذلك كان نداؤهُم مِنْ وراء حجابٍ..حجابُ الأسماء الإلهية و حجابُ الظّن والوهْم ، فكلمة: وَراءِى ﴿ مِن وَراءى حِجابٍ ﴾ جاء رسْمُها مُخالِفًا للعَربية: ففيها إشارةٌ لسر حجابية النبوة و تستُّرها بهاته الحجب تعظيما لشأْنها..وحين قُصد ب ﴿فاسألوهن مِن وَراء حِجابٍ ﴾ سؤالَ أمهات المومنين كان الحجاب ماديا سترا لهن و تعظيما لجنابهن رضي الله عنهن ..و تعظيمهن هو من تعظيم انتسابهن لجناب النبوة.
* والأوهام :تشمل أيضا سَعْيَ الحكماء و الفلاسفة لمعرفة حقائق الأشياء و الحِكَم، والسَّعـْي وراء معرفة المسائل الجوهرية المتعلقة بحياة الإنسان و الكون ،وما ذلك كله إلا ظِلٌّ من ظلال شمس حقائق النبوة التي تاهوا عن سبيلها ووهموا ..
*كشْف النُّظار :النُّظار نعتٌ أطلقه ابن سبعين و الجيلي قدّس الله سِرّهُما على كوكبةِ العارفين المُحقّقين رضي الله عنهم..وإذا دقَّقْتَ قراءة ما قالوا تَجِدِ الكثير لمْ تَتَّضح له رؤية : ﴿أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ ..أكثرهم .. ..إذ (ما عرفني حقيقة غير ربي).. العارفون عن بكرة أبيهم ينادون النبوة من وراء تلك الحجرات لذا قال الحق﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلۡحُجُرَٰتِ ﴾ ولم يقل ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ وَرَآءَ ٱلۡحُجُرَٰتِ ﴾..فَقَدِ اخْتلفَ العارفون في مكانهم مِنَ ﴿ٱلۡحُجُرَٰتِ﴾، وثمة قراءة أخرى﴿ ٱلۡحُجَرَٰتِ ﴾ : تجِدْ هذا أقرب من ذاك ،و الآخرُ حقَّـق رقائقا في معرفته بالنبوة لم تُفْتَح لِمَنْ سبَقه زمنًا أو مقاما ،و تجِدُ هذا خَرَج عن مستوى﴿أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ فَتَرَقّى للثُّلَّة القليلة التي تريَّثَت و صبرَت حتى تبَيَّنَتِ الحقائقَ فنَطَقَتْ عنْها و بها بشاهدِ كشْفٍ صُراحٍ، ومِنْ هؤلاء الأكابر كان الختم مولاي عبد السلام الوهراني رضي الله عنه، حيثُ ربَط كُشوفه بالقرآن فكان ما أظهره كشفا اعتصاميا..وهذا أعلى ما قرّره القوم في باب المعرفة،وهو ما سمّاه الختم الوهراني رضي الله عنه ب( الفتح الرّتقي الذي لا شُبهة معه و لا تشكيك و لاريب و هو المعبر عنه بالكشف الصُّرّاح..هو إظهار الخفايا و الخبايا و الأسرار المتنوعة من الآيات القرآنية أو من الأسماء الربانية التي اختفت وراء الحروف أو التركيب أو الضمائر على أهل الرسوم .. )ص 64-63 ،للتوسع يرجى مُطالعة أنواع الكشْف في كتاب الرفاق ص 67 لأستاذنا محمد لحميتي نفع الله به)..
* فلا أحد وصل إلى محتدها : الأحدية صفةٌ جاءت بين جلالين ( الله أحد الله ) في سورة الإخلاص، هاته الصفة هي محتد النبوة و عُشّ وكْرِها ،فَهِي(غيبٌ مطمطم،حضرةٌ سحقيةٌ مَحْقِيَّةٌ، لا سبيل للسِّوى في بساطها ولا للمُقتضيات الأسمائية)ص 46 من الخبيئة ..
*هي العرش لاستواء رحمانيته: قال الختم الوهراني رضي الله عنه (عليه الصلاة و السلام هو العرش المُحيط بالعُروش ) وقال خليفته مولاي لحميتي في الصلاة 63 من الخبيئة (كُرْسِيُّك المحمدٍيُّ الذي وَسِع السماوات والأرض،وعرشُك الأحمديُّ المضطربُ مِنْ جلال﴿لاَإِلَهَ إِلاَّ اللَّه﴾ فغَشِيَتْهُ سكينةُ ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه﴾فاطمأنّت الصِّفَةُ للموصوف بها.هي كلمة التوحيد الحقانية، لبرازيخ الوحي الأولية.فطابق نعتُه الصفاتَ القرءانية،فصار مؤَهَّلاً لإستواء الرحمانية ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾الشاملة لكل المخلوقات الوجودية..) ،فالعرش هو سيدنا ومولانا أحمد صلى الله عليه و سلم باعتباره مجلى ديوان الأوامر، ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾في عالم الشأنية..أما الإبتلاء الوارد في الاية ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ فقد تحقق في عالم الشيئية ،فالعرش مازال على الماء،وما تزال وساطة الحقيقة المحمدية قائمة في الشؤون الحقية والخلقية ..
*واسطة تجليّاته،وظهور أسمائه وصفاته :لكي يَظْهَر الإسْمُ الرّزّاق و غيرُه مِنَ الأسماء الإلهية، لا بُدَّ مِنِ اصْطحاب هذا الإسم بالنبوة ، إذا ظهَرَ الإسم لوحده دونِ اصطحابٍ لأفْنَى الكونَ و أهْلَكَهُ، فإسْمُهُ تعالى الغَنِيُّ لوْ ظَهَر دون اصطحابِ سيّدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم لأَصَابَ الكونَ الفناءُ ﴿وَلَو بَسَطَ اللَّهُ الرِّزقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوا فِى الأَرضِ وَلٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبيرٌ بَصيرٌ ﴾ ، لذلك ما مِنِ إسْمٍ إلاهِـيٍّ إلاّ وهو مُصْطَحِب بالنُّبوة و إلّا كانَ الفناء و العدم مصير كل مربوب علا مقامه أو سَفُلَ(فَإِمّا نَذهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنهُم مُنتَقِمونَ) ..
*هي الرُّوحُ الكُلّية الباطنةُ في كُلّ الشُّؤون الحقّية والخَلقية :وهو مصداق قوله سُبحانه ﴿ فأينما تولُّوا فثمَّ وجْهُ الله ﴾ حيثُما توجَّهْت تجد النّبوّة أمامك …وإذا حقّق العبْدُ مشاهَدَتَهُ للنّبوّة في كُلِّ وِجْهَةٍ صارَ مِنْ أصحابِ “وحدة الشهود” كما عبّر عنه ساداتنا فحُول الأولياء رضي الله عنهم ، قال مولاي لحميتي نفع الله به ( فلا وجود لوحدة الوجود عند أهل المعرفة و العرفان ،إنما هي وحدة الشهود : شهُودُ سريان الحقيقة المحمدية في كل جزئيات الوجود) الرفاق ص 102،للتوسع تُرجى مراجعة الموقف العشرون).. وثَمَّةَ مَنْ يَصِلون لهذا الحَدِّ ثُمَّ يَرْجِعون وَهُمْ “أهل الفَرْق” وثمَّةَ مَنْ لا يَرْجع فَيصيرُ مِنْ أصحاب “الوحدة المطلقة” ،وقد كان مِنْهُم سيدنا ابن السبعين وكان هجّيره ” ليس إلا الله.. ليس إلا الله ” فبَقـِيَ مع الوِجهة الحقّية ولم يرْجع ولذلك سُمِّي أهل مشربه ب” اللَّـيْـسِـيّـة” ومنهم أيضا مِنَ أهل زماننا رجُل مِنْ عارفي مدينة فاس إسمه سيدي علال العراقي من مواليد عام 1921 وقد زاره الختم مولاي عبد السلام الوهراني رفقة خليفته استاذنا محمد لحميتي ،و كان هجّيره رضي الله عنه بالدارجة المغربية ” بازّ ليك آربّي” بما معناه (سبحانك يا ربي) قدس الله سره وسر جميع ساداتنا رجال الله.
الرُّوحُ الكّلِّيةُ متَّصِفَةٌ بنَعْتِ الإطلاقية”إني لست كهيئتكم”وعندما أراد الله تعالى أنْ ينقُل الروح الجزئية التي تُدَبِّر شؤون الهيكل المحمدي الشريف لأصْلِها صار صلى الله عليه و سلم يشتاق لِلُقْياها(اللهم الرفيق الأعلى)، و الروح الكلية لا تقع الرؤيا إلّا عليها”منْ رآني فقد رأى الحقَّ”فالرُّؤيةُ للذات الإلهية لا تصحُّ أصلا ،ومن ادعى الرؤية فإنما كوفح بتجَلٍّ من هاته الروح..
و المقصود بالوِجْهَة الحقّية للنّبوة إجْمالاً هو ظهُور سيّدنا ومولانا مُحمّدٍ صلّى اللّه عليه و سلّم لابسًا حُلَلَ الأسْماء الإلهية كُلُّها بلْ مُتردِّيًّا حتّى بالإسم الجامع اللّه وهو معْنى الإصْطحاب و يشمَلُ أيضًا الاصطحابَ مع القرءان ﴿ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ﴾ ..( من رآني فقد رآى الحق)..قال الخَتم الوهراني رضي الله عنه (وأما غيب السر فهو علمٌ يخص سيدنا محمدا صلى الله عليه و سلم وعلى آله وهي الوِجهة الحقية له المقابلة للحق عز وجلّ و لا دخْل للخلق غيْرهُ فيها وهي المتضمنة للحديث الشريف “إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يُطعمني و يسقين” و قول الحق تعالى”ما وسعني أرضي و لا سمائي و إنما و سعني قلب عبدي المومن و قوله جلّ إسمه “قَسَمْتُ الصّلاة َبيْني و بيْن عبْدي نِصْفين ،فنِصْفُها لي و نصفها لعبدي ، و لعبدي ما سأل”).
أما الوِجْهة الخَلْقية فهُو إزديادُ جسمه الشريف مِنْ أُمٍّ و أبٍ طاهِرَيْن هُما مولاتنا آمنة و سيدنا عبد الله عليهما السلام و ظهوره الشريف يأكُل الطّعام و يمْشي في الأسْواق ،يُتاجر ،يجُوع ،و يُحارب .. .وقد ظهَر صلى الله عليه و سلم بوِجْهَة خَلْقِية كيْ لا يُعْبَدَ مِنْ دُون اللّه : فقَدْ أُرْسل لقَوْمٍ كانوا يعْبُدون الأصنام و التّماثيل فلوْ ظَهَر بِبعض رشحاتٍ مِنْ وِجْهته الحقية لصار مَعْبودا مُألّها لا ريب، كما وقع مع سيدنا عيسى عليه السلام الذي ألّهه الكثير مِنْ قومه مع كونه ظهَر يُحْيِي الموتى و يُبرئ الأبْرص و يُخبرهم بما في بيوتهم بإذن الله..غير أنّ ثَمَّةَ مِنْ ساداتنا الصّحابة مَنْ شمّ شمَّات مِنْ تلك البوارق و الرّشحات المُنْبِئَةِ عن الوِجْهة الحقية لسيّدنا ومولانا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ..ومنهم سيّدُنا سلمان الفارسي و سيدنا أبي بكر رضي الله عنهما..فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : دَخَلَ النَّبِيُّ حَائِطًا لِلأَنْصَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِجَالٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، قَالَ : وَفِي الْحَائِطِ غَنَمٌ فَسَجَدَتْ لَهُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ كُنَّا نَحْنُ أَحَقُّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ ، فَقَالَ : ” إِنَّهُ لا يَنْبَغِي فِي أُمَّتِي أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لأَحَدٍ ، وَلَوْ كَانَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ” .
وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ كَبَّرَ النَّاسُ، وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلَا غَائِبًا، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَعْنَاقِ رِكَابِكُمْ” ومن الذي كان بين أعناق ركابهم “..ليس الحق سبحانه تعالى هو القائم بين أعناق الابل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ..وليس إلا جناب النبوة الحاضرة بينهم فهو صلى الله عليه به واسطة كل أمر نازل من الحق إليهم و قهرمان كل عمل صاعد من الخلق إليه.. (للتوسع في موضوع الوِجْهة الحقّية والخلقيّة يُرجى مُطالعة ص77 و 112 من كتاب الرّفاق).
*تتبرقع وِفْـق الإرادة الأزلية : تتبَرْقَعُ أي تتسَتّرُ و برْقَعتِ المرأةُ وجهَها إذا غطّته بالبرقُع وهو النّقاب أو الحجاب، فالنّبوة تسْتُر حقائقها كما أراد الحقُّ سبحانه بما يُناسِب كل عَصرٍ ،ثمَّة مِنَ العارفين مَنْ يَعْرفُ بوارقا مِنْ حقائِقِ النبوة المتعلقة بأزمنة مستقبلية مما لم يَظْهَر به التّجلي بعْدُ في زمنِ وجودِ هذا العارف ،فيَكْتُـمُ العارفُ معْرِفَتَهُ و ما فُتِح لهُ مِنْ أسرارٍ فلا يُصَرّح بها أدبًا مع النبوة و تعظيمًا للسٍّرّ..قال استاذنا محمد لحميتي ( و العارف ناطقٌ بتجليات عصره مُقَيـَّدٌ بها ) الرفاق ص 84..ومِنْ شاكِلَةِ هذا الكتمان ما كتَمَه بعضُ الصحابة من علوم الغيب، كسيدنا أبي هريرة الذي قال (أخذتُ عن رسول الله وِعائَيْن فأمّا أحَدُهُما فبَثَتُّه فيكم وأمّا الآخر لو بَثَتُّه قُطِعَ مني هذا البلعوم)، و سيدنا حذيفة الذي استؤمن على أسماء المنافقين ،ومنها ما رواه عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ ، قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ ، فَنَزَلَ فَصَلَّى ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا *مسلم..
*وَتكشف نقابها حسب التّجليات الإلهية: وكشفها النقاب بحسب تلك التّجليّات المُقَيَّدة هو من صميم رحمتها بالمرْبوبين..
*﴿ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم ﴾ ،الصبر على المعارف و الحقائق هو سبيل الأكابر وقد طولِب به نبيٌّ مِنْ أولي العزم مِنَ الرسل : سيدنا موسى الذي تتلمذ على يد شيخه الخضر عليهما السلام ..والصبر بإزاء سيد الوجود صلى الله عليه وسلم هو أحرى و آكد ،فالجناب عظيم : لذا كان الخير في أنْ يصْبر العارفُ حتى تخرج إليه النُّبوة فَتُعرّفه مِنْ شأنِها ما فيه خيرُ الرائي مراعاةً لتجليات عصره ﴿ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ ﴾ .
..العارف تتجلى له بارقة من النبوة فيُسارع لوصف ما يراه دون أن تكتمل له الرؤية وما يسْتَتْبِعُها مِنْ تمحيص..وهو معْذور لوجود عظمة النبوة مِنْ جهة و لوُجود الضُّعف مِن العارف بإزاء هاته العظمة ،لهذا كانت المغفرة و الرحمة لهم نصيبا﴿ وَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم ﴾ ..
قال سيدنا موسى عليه السلام ﴿ستجدني إن شاء الله صابرا﴾ صابرا باسم الفاعل لأن مسالة الصبر خاصة به عليه السلام لكونه هو مريد العلم اللدني و طالبه..فلم يقل له ستجدني ان شاء الله من الصابرين.. إذ ثمة حقائق ظاهرها غيرُ باطنها : فقتل الغلام و خرق السفينة و إقامة الجدار كلها أفعال ظاهرة منوطة برقائق باطنة..
ومن اللطائف التي تُستنْبَطُ مِنْ ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ﴾ ، أنَّ الخروجَ منَ الحُجرات يتطلب وقتا وهذا يستلزم صبرا من طرف المُنادِي..وقال ﴿حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ﴾ وما قال ( حتى يدخلوا عندك)..لأنّ لا أحد البتّة مأذون له في دخول حجرات النبوة و لا الوقوف ثمة .. ﴿حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ﴾ أي حتى يحين وقت حصول تجلي النبوة لطالبها في مشهد معين بحسب ما تريد النبوة لا بحسب ما يريد هذا الطالب/المُنادِي لها .. ومن كمال الصبر في هذا الباب ما قاله صاحب المشرب الفاطمي المحمدي نفعنا الله به (وَاقِفاً بِالأَدَبِ عِنْدَ العَجْزِ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَتِهِ﴿ إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوما جَهُولا ﴾) الصلاة 4 من أسرار و حقائق.. ٱلۡأَمَانَةَ..في الاية هنا جاءت الوحيدة في القران بألف ثابت إشارة لسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه و سلم،لذلك إنْ وَقَفَ المُريد مِنَّا على ما تجاوَزَ فَهْمَهُ و حُويْصِلَتَهُ مِنْ معارفٍ فعليْهْ أنْ يصْبِر على الحقائق حتى تكْشِفَ له عنْ ساقيْها في إبّانها .. ولوْ دقّق المرء في روح الآية ﴿ يأيها الذين ءامنوا اصبِروا و صابرُوا﴾ ..لوجدها تُحيل رأسا إلى النبوة ..فهي أعظم ما ينبغي أن يُتواصى على الصبر في محرابها ..اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله و صحبه..
من تحرير ابن الفاطمي
وبالشرح ظهرت قوة هذه الصلاة والنعوت العرفانية التي تحمل في طيها. قبل حل اقفالها ربما ظهرت للقارئ صلاة عاجية او صلاة مطلسمة مع انها في حقيقة الامر ظاهرة للمتمرن على الحقائق
وهكذا الشأن بباقي صلوات الخبيئة