البَصَر والبَصِیرة
لكلٍّ من البصر والبصيرة تعلُّق بجارحة من الجوارح ،فالبصر يقال في العين الناظرة ،أما.البصيرة فمختصة بإدراك القلب،وجمع البصر أبصار،وجمع البصيرة بصائر وكما تغايرت بنية المصدرين افترقت بنية فعلهما أيضاً،ففي حاسة العين يقال : أبصر إذانظر إليه بجارحة العين ،ويقال بصُر به،إذا كان من نظر القلب ؛لذا اختص بمعنى العلم ؛إذ يقال : بصرت به إذا صِرت عليماً بالشيء،ومنه قوله تعالى “ بصرت بِما لَم يبصروا بِه” أي : علمت ما لم يعلموه وهذه هي خاصة البصيرة ؛ لأنها قوة القلب التي تدرك بها حقائق الأشياء وبواطنها، ومن هنا قيل للضرير في بعض الآراء بصير ،لما له من قوة بصيرة القلب وفي البصر والبصيرة معنى الاسمية،وإن كان أصلهما المصدر ، فالبصر إذا أُطلق أريد به الجارحة حتى صار علماً،والبصيرة بدخول التاء عليها أضفت عليها معنى الاسمية لزيادة المبالغة ولما كان البصر متعلقاً بجارحة العين تجده يأتي مع الأمور الحسية ،أما البصيرة فتأتي في الأمور المعنوية لتعلقها بالقلب . ومن ذلك مجيء البصر مع وظائف الحواس كالسمع والفؤاد ،قال تعالى “إِن السمع والبْصر والفْؤاد كُلُّ أُولئَك كَان عنه مسؤولاً “ومن استعماله في حس الرؤية ما يلحظه البصر أو يزيغ عنه،قال تعالى” وماأَمرالساعةِ إِلَّا كَلَمحِ البْصر” “مازَاغَ البْصرو ماطَغَى” واستعمل البصر جمعاً بكثرة كقوله تعالى ” لاتُدرِكُه الأْبصار وهو يدرِكُ الأْبصار”فهذا من البصر لا من البصيرة ،وأريد به نظر العين ،في حين لما أراد تعالى نظر القلب جاء بالبصائر في الآية التي بعدها لتختص بالمعاني “قَد جاءكُم بصائرِمِن ربكُم”والذي جاءهم هو ما كان على لسان النبي من الوحي ،وهو أمر معنوي ،وكل ما استعمِل من البصائر فهو في الوحي؛لأنه مما يستبصر به القلب فيرى حقائق الأشياء من التمييز بين الحق والباطل،حتى قيل : إن البصائر آيات القرءآن التي فيها الإيضاح والبينات والتنبيه على ما يجوز. عليه وعلى ما يستحيل.
منقول للفائدة