بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه.
و بعد.
قال تعالى في سورة يوسف (ألر تلك آيت الكتب المبين 1-إنا أنزلته قرءنا عربيا لعلكم تعقلون 2- نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن و إن كنت من قبله لمن الغافلين3 )
هذه محاولة لتبيان أن “وإن كنت من قبله لمن الغافلين ” ليست بمعنى (السهو أو غيبة الشيء على البال أوعدم التذكر، بل هي بمعنى الغفل الذي يفيد “ستر الشيء أو تغطيته ” إلى ان يصل إبان ظهوره .
من معلوم أن “مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هو نور من الله ،مصداقا لقوله عز وجل (لقد جاءكم من الله نور و كتاب مبين). فإذا كان الكتاب هو القرآن ،والواو العطفية تقتضي المغايرة ،إذ الشيء لايعطف على نفسه ، فالنور هو”نور النبوة “.إضف إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).فكما هو معلوم أنه عليه الصلاة والسلام أول العابدين (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (أوتي القرآن و مثله معه) بدون وساطة الملك جبريل عليه السلام “وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ” من لدن حكيم عليم، بدون أي وساطة.والرسل و الأنبياء نوابه “و إذ أخذ الله ميثاق النبيئين لما آتيتكم من كتب ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ” : لما معكم :رسالاتكم التي هي فرع عن رسالته “هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ” الآية تشير بوضوح إلى الأزمنة الغابرة فسماه الحق رسولا قبل القبل ، ولا يسمى الرسول رسولا إذا لم تكن معه رسالة ليبلغها (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) ورسالته عليه الصلاة والسلام هي (القرآن) أي رسالته أزلية وهو حاضر بموجب ” وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ” منك يا محمد وذكره قبلهم .
اجمع سادتنا فحول العارفين أن الأحدية حضرة سحق ومحق ،ولا تجل بها و أن النبوة والقرآن محتدهما هذا البساط (أول مرتبة وجودية) قبل الظهور.
بعد بروزنور النبوة من الاحدية،دخل بساط الهوية حيث إطلع على جميع المقتضيات ،ثم انتقل الى بساط الالوهية ،بساط اسم الجلالة “الله” حيث الاسماء الالهية 98 فاصطحب بها ،وبقي زمنا ازليا ينتظر الفيضة القرءانية ،وبنزولها وقع الاصطحاب بين النقطتين فصارتا واحدة،لأن محتدهما واحد،ثم افترقا (نقطة النور فصلت فصلين أحمد صفة و محمد وصفي)افترقا الى صفتين احمدية ومحمدية.
السورة تبدأ ب(ألر تلك آيت الكتاب المبين) فتسميته بالكتاب إشارة إلى الترجمة الأولى أي كما يقول شيخنا مولاي عبدالسلام قدس الله سره (الفيضة القرآنية جاءت دفعة واحدة فدكت في النقطة النورانية فوقع الإصطحاب الذي أسفر عن الترجمة الأولى المعنون عنها بالكتاب).
الآية 2 هو قوله تعالى “إنا أنزلنه قراءنا عربيا لعلكم تعقلون “ما يثير الانتباه فيها كلمة (قرءن ) المحذوفة الالف وهي مع التي في الزخرف الوحيدتين في القرءان لا ثالث لهما ،وقال (لعلكم تعقلون)ولم يقل تعالى ( تتفكرون)
“تعقلون” من التعقل أي النظر في ترتيب الأمور و إدراك معانيها ب”العقل”. فإذا قلت ترتيب وجب الإنتباه إلى “أنزلنه قرآنا عربيا” أي لم يكن عربيا انما الترجمة الاولى هي التي جعلته عربيا،كما قال تعالى في سورة الزخرف”انا جعلناه قرءانا عربيا” بالجعل.
فالاصطحاب يعنون على ان سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم كان مُلما بالقرآن قبل القبل.أما إذا قلت إدراك المعاني بواسطة العقل فهو صائب إذ تُعرف المعاني عن طريق من عَرَّفها وعُرِّفت به (العقل الأول) وهو مرتبة من مراتب النبوة المحمدية (أول ما خلق الله العقل – أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) فافهم.
فهو صلى الله عليه وسلم الوحيد الذي حاز على الاصطحاب ،وأحاط بالقرآن اجمالا وتفصيلا غيره من الانبياء بدايتهم دائرة الرحمانية.
ويعتبر القرءان صفة له،والصفة ملازمة للموصوف بها . أما بخصوص (نحن نقص عليك أحسن القصص…..إلى إخر الآية). نبدأ تحليل الآية بنحن : ضمير الجمع يشير إلى بساط الاصطحاب ،والتلقي مباشرة
(الرحمن علم آلقرآن خلق الإنسان) لمن علم القرآن قبل خلق الانسان؟ أ لجبريل عليه السلام يا ترى!! ؟؟ جبريل ليس هو من كلف بالخلافة بل هو من الساجدين لادم ،وليس على قالبنا وهيئتنا.
وحديث (المعراج)ووقوف جبريل عند سدرة المنتهى،وقوله تعالى (ثم دنا فتدلى) يبينان ذلك ،فلو كان جبريل حاضرا في ذلك البساط ،لقال تعالى (ثم دنيا أو دنوا) ولكن سدرة المنتهى هي حد محدود لجميع المقامات بما فيه مقامات الملائكة” “لو زدت شبرا لأحترقت “وما منا إلا وله مقام معلوم”.
فنورالنبوة إطلع على القرءان أولا “وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن” تلاه في عالم الشأنية ،والشأنية سبقت الشيئية ،وقوله تعالى “وإن من شيء إلا يسبح بحمده ” فالملائكة تسبح ،وبالتالي فبساط الشيئية يعمهم،هم من الأشياء. أما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلاه وهو في عالم الشأن. فسلم تغنم. “نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن” . قص الخبر ،أي حدث عنه ،وبلغ عنه، أي نخبرك يا “محمد ” بما سيقع قبل حدوثه بواسطة هذا القرآن الذي هو صفة لك. هذا (إسم إشارة للقريب) فالمتلقي حاضر و الخبر موجود . وها ،قد وصلنا إلى “وإن كنت من قبله لمن الغفلين “: الله عز وجل خلق الخلق لنا لا له(خلقت الخلق لأعرف “فبي”عرفوني) “فبي وافقت محمد=92 كسرا يعني أن الكون ظهر بواسطة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.و ذلك راجع لإنعدام النسبة مع الحق فنسبتنا مع ذي الصفتين،ومع ذي الوجهتين، فلا قدرة للكون لتلقي من الألوهية ولو كانت مقتضياتها جمالية ” ولو بسط الله الرزق للعباد لبغوا في الأرض”. فجعله تعالى الخليفة الكلي والمراقب للكون ” إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا” ،فمعلوم أن شرط الشاهد على الكون ان يكون على علم بما مضى لتعتبر شهادته،ووجب معرفته بالغيب للإخبار عن المستقبل “وما هو على الغيب بضنين”والضنين هوالبخيل ،فكيف يغفل عن المعلوم والعلم به سابق عنده ، وما يجري على الشاهد يجري على النذير،فالنذير عارف بكل ما لحق من هلاك للامم السابقة ،وعارف بكل ما سيلحق بالكفار من عذاب ،فهو راى الجنة وراى النار. ثم وصفه الحق تعالى(بالسراج المنير) كما وصفت الشمس و القمر بذلك ،و كما لا تصح الحياة بدونهما تستحيل الحياة بدونه عليه الصلاة والسلام ” فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون” .فهو كما سبق ذكره ،الخليفة الكلي، ولا تصح له الخلافة،حتى يكون على علم بمن عليهم استخلف،إذ هو محل نظرالله من الخلق ،ولا يكون من هو محل نظر الله من العالم في حالة الغفلة . وهو صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أجمعين ” أنا سيد ولد آدم ولا فخر ” وليس كسائرالخلق “إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين” وشهد له الحق بالخُلق العظيم ” وإنك لعلى خلق العظيم” ” تنام عيناه، و قلبه لا ينام ، يرى من خلفه كما يرى أمام ” هل ترون قبلتي هاهنا ، فوالله ما يخفي علي ركوعكم ولا سجودكم إني لأراكم وراء ظهري “، فهو صلى الله عليه وسلم وجه بلا قفا، و ناداه الحق بصفاته و لم يناديه بإسمه ،والصفة تدل على شيء في الموصوف ،و هي ملازمة لموصوف بها. و خصاله الحميدة و معجزاته لا حد لها و مشهودة ،وقد ذكر الكثير منها في السيرة فمن كان سيد الخلق ويبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ومن كان على خُلق عظيم وقلبه لا ينام فكيف يتصف بالغفلة ،والخلائق كلها تحت لوائه ” آدم و من سواه تحت لوائي” وكلهم من رسول الله ملتمس=غرفا من البحر أو رشفا من الديم. وواقفون لديه عند حدهم= من نقطة العلم و من شكلة الحكم.
فهو الذي تم معناه و صورته = ثم إصطفاه حبيبا باريء النسم.
“من الغفلين “: غفل الشيء ستره وغطاه ،أو غفل من نوم ،لكن من تنام عيناه و قلبه لا ينام ،لا يؤثر فيه النوم ،وعلميا النوم من صفات الأبدان. فهل النور ينام ؟ إذا ،هنا غفل بمعنى غطى والدليل على ذلك من القرآن ” لا تحرك لسانك لتعجل به “” و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه “”و لقد نعلم أنك يضيق صدرك ” ،كذلك، “نزل عليه القرآن جملة واحدة “و كذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم من البداية الخليقة إلى قيام الساعة. و هذه مجموعة من الدلائل التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أحاط بالقرآن قبل القبل وبمقتضيات القرآن. ولا يتصف بالغفلة. والغفلة التي نعت بها عليه الصلاة والسلام ليست بمعنى عدم الحزم وعدم يقظة القلب ،وعدم الحضور مع الله.
وإليك تعريف الغفلة كما وردت في كتاب الله:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ(الاعراف)
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (النحل)
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (الاعراف)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (يوسف) وهذه هي التي كانت موضوع بحثنا اشار حذف كلمة القرءان الى الترجمة الاولى والغفلة الواردة قبل الترجمة” و إن كنت من قبله لمن الغافلين” بلام التوكيد، تشير الى الستر الذي كانت تحيط به النبوة قبل التجلي إذ التجلي والظهور كانا بعد الترجمة في بساط الرحمانية. وما الله بغافل عما تعملون” وردت ثلاثة مرات حذفت ألف (بغافل) لتنتقل عدم الغفلة الى المصطحب معه والى الانبياء والاولياء. والله اعلم
الفقير الى ربه :سعد عبد الرفيع