بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه
قال تعالى : فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ .
العرب تسمي السحاب الذي يُرَى في بعض أقطار السماء عارضا, وذلك لعرضه في بعض أرجاء السماء حين نشأ, كما قال الأعشى:
ا مـن يَـرَى عارضا قَدْ بِتُّ أرْمُقُهُ= كأنَّمَا الْـبَرْقُ فـي حافاتهِ الشُّعَلُ
قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) ظنا منهم برؤيتهم إياه أن غيثا قد أتاهم يَحيون به,
فالسحاب وحده في رؤيته لايخيف ولايُطمِع فيه ،لأنه قد يكون سحاباً خُلّباً أي لا مطر فيه ،قد يبرق ويرعد،لكن ماوراءه مطر،فيسمى خُلّب.حتى في الجيش هناك رصاص خُلّب،أي الذي يطلق صوتاً وليس فيه بارود.
فكما ان هناك مطر خُلب ،ورصاص خلب ،فهناك “عارف” خلب.
كثرفي زمننا المدعون والمتطفلون على التصوف الذين لم يسلكوا طريق الاحوال والمقامات ولم يشموا رائحة المجاهدات ،غرضهم الدنيا والشهرة والشهوات. كما أن أكْثَر الناقدين للتصوف من علماء الرسوم،أومن المتكلمين معرفتهم بالتصوف نظرية تعتمد على الظن وعلى النقل و الأوراق ،لاعلى العلوم والأذواق. لقد درس الغزالي كتب صوفية زمانه،كقوت القلوب لأبي طالب المكي،وكتب الحارث المحاسبي،وما روي عن الجنيد،والشبلي،وأبي يزيد البسطامي،وغيرهم ثم اعترف أن ذلك لم يجعل منه صوفيا.
وابن رشد قرأ كذلك كتب التصوف،وجالس الصوفية وإلتقى بابن عربي(في شبابه)وكَتَب في التصوف فصولا توج بها كتابه الإشارات والتنبيهات،ومع ذلك لم يُحسب في عداد الصوفية .
ومن أخذ التصوف من الكتب أومن عند المدعين سلك أودية الضلال، وما وصل ولا وَصَّل.ومن تعلم الطب من الكتب قتل الأنام.
فلابد من التأثير الروحي،أي الشيخ،ولا بد من مجاهدة النفس،ولابد من كثرة الذكر،ولابد من استعداد فطري خاص لايغني عنه اجتهاد أو كسب أوعلم” اعملوا فكل ميسر لما خلق له”.
فانظر يا ولي في الأمور بعقلك،ولاتكن أسير تقليد أحد. يقول ابن خلدون :التقليد هو احياء الموتى . اللهم من ظهرت عليه علامات الفتح والخوض في الحقيقة المحمدية،والغوص على الأحمدية ،وآتى بفتوحات جديدة لم يتطرق لها أحد من قبله ،وكان على أثر مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم،حالا ومقالا،وعلما، وعملا،وقد أشارالشريشي إلى شروط الشيخ)المباحث الأصلية(:
وللشيخ آيات إذا لم تكن له● فماهو إلا في ليالي الهوى يسري
إذا لم يكن علم لديه بظاهر●ولاباطن فاضرب به لجج البحر
ولكثرة من نصب نفسه للمشيخة زورا،فإن ابن عطاء الله في أول حكمه ينبه إلى هذا :”لا تصاحب من لاينـهضك حاله ويدلك على الله مقاله .ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك،وربما أنك صاحبت من هو اسوأ حالا منك.
وقد صاحبت في بداية سلوكي الصوفي،شيوخا أكثرهم جعجعة بدون طحين.
قال أبو الحسن الشاذلي كل شيخ لم تصل إليك الفوائد من وراء الحجاب فليس بشيخ،والشيخ الحقيقي هو الذي يطوي لك مسافة أعمال الجوارح،وهنا من اللازم أن تكون له صلاة نعتية راقية أي مأخودة من القرءان،تتغزل في النبوة المحمدية،وأن تكون له أحزاب وأوراد تساير التجليات الإلهية الحالية،وأن يكون له استغفاررتقي يمحي ذنوبك اليومية،ويرقيك.وخلاصة الأمر،العارف الحقيقي دائما عنده كلام جديد العهد بربه، كما قال أبو مدين لأصحابه”اطعمونا لحما طريا لا قديدا”. ولايعرف صاحب الإذن المحمدي حتى نرى ثمرة الإتباع ونتائج الصحبة ،وآثار البصيرة،وبذور المعرفة،في أصحابه وفي من يقتدي به،منذ جلوسه على كرسي المشيخة.شيخ مملوء بالطاقة النورانية،والعرفانية في حركاته، وسكناته،وكلامه،وأذواقه، وإشاراته،وخوضه في علوم القوم، هذا هو الوارث المحمدي،عارف له حسن السيرة،وصفاء السريرة ،ونفاذ البصيرة،شيخ عارف غارف كامل،واصل قد سلك الطريق، ومَلِك أزمة التحقيق.وفي الإبريزأن شيخ التربية ما لم يكن بهذا الكمال جامعا لوصف العلم الظاهر والباطن ،جمعا كاملا فأقرب أحوال المريد معه على الهلاك( الإبريز).
وفي زمننا “شيوخ “متربعين عى كرسي المشيخة منذ اكثر من عقدين من الزمان وأتباعهم لا معرفة لهم بمصطلحات وكلام أهل الأسرار،لم يتخرج على يدهم أحد،لا يميزون بين المحمدية والاحمدية ولا بين الواحدية والاحدية ولا ذوق لهم في اسرار القرءان.
نقل ميارة ( الدرالثمين) نقلا عن أبي مدين الغوث قوله أن الشيخ الحقيقي من هذبك بأخلاقه، وأدبك بإطراقه، وأنارباطنك بإشراقه. والوارث لابد أن يرث من أقوال،ومن أحوال،ومن علوم مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يتحدث بها وعنها قال تعالى ﴿أَمَّا بِنِعْمَةِ رَّبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ لأن المعرفة هي أكبر نعمة،وإلا فليس بوارث . وكما يقال الكتاب يقرأ من عنوانه.
قال بعضهم :
وأتلوعلوم العالمين بلفظة ●وأجلوعلى العالمين بلحظة
يقول ابن السبعين،أن الشيخ العارف على الحقيقة، هو الذي قامت به الكمالات المحمدية كلها، وجودية، وعرفانية.انتهى.هذا هوالشيخ العارف المربي غيره مهما كان حجم الدينار بجبهته ،وطالت لحيته، وكثرت همهمته،وتحريكه لسبحته،يبقى بعيدا عن ميدان التربية والسلوك. ألقاب عريضة،ورقاب غليظة ،عمائم عالية.وجماجم خالية،وحب الدنيا يعمي ويصم .هذا “عارف خلب”ولن تجني من الشوك العنب.
وضل من ظن أن اعمى يمكن ان يهديه الطريق .
شخص لا معرفة ولا أذواق له ،لكن تجد دائما من المقربين منه،ومن لهم المصلحة فيه،يرفعون من”مقامه”ويلقبونه بسيدي العارف بالله ،وبصاحب الوقت ،وبالغوث الأكبر،وبختم الزمان….فكم من شخص يقام له ويقعد،وتقبل يداه ،وهو لايعرف حتى كيف يزجر إسما من الأسماء الإلهية،فأحرى أن يكون مربيا، موصلا الى المقامات، وأحرى أن يكون على معرفة بنبي الله صلى الله عليه وسلم
فحذار ثم حذار .
هذا “عارف خلب” ،ومن سلك على يديه لا يتحرك من مكانه،ولو بقي معه عقودا من الزمان.
قال بعضهم:
سوف ترى إذا انجلى الغبار●أفرس تحتك أم حمار
صحبتك له تجني من وراءهاحسنات وكفى، لأن نيتك صادقة “والله لا يضيع اجر من احسن عملا” أما المقامات فيلزمك البحث عن شيخ حقيقي يجر راحلتك ،شيخ سلك الطريق ويعرفها ،وعارف بعلل النفوس وأمراضها،وله أدويته وترياقته الخاصة،مأذون له من مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شيخه ،سلسلته الصوفية معروفة ،ذهبية ،شيخا عن شيخ،عارفا عن عارف. إلى سيدنا رسول الله جنة المعارف.
فمعرفة الله لاتصح إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم ،والنبي لا يعرف إلا بالوارث المحمدي ،فالعقلاء يطلبون الوارث ويحتاجون إليه بالضرورة.
فهناك شيخ التبرك،وشيخ التربية والتزكية،وشيخ الترقية،موازة مع التصوف التبركي،والسلوكي،والمعرفي.
أما “الشيخ الخلب” فيعتمد أكثر على المقربين منه،وعلى المظاهر،والمراسم. وعلى كيفية تسويق بضاعته((marketing
فالعارف الحقيقي لاصورة له تميزه عن غيره، ولا لباس له يميزه ،لا صفة له إلا المعرفة .يسير على اثر رسول الله في أفعاله وأقواله وأحواله. فإن وجدت المعرفة فيه، فهو كذلك، وإن لم تجدها ففر منه فرار حُمر مستنفرة فرت من قسورة .
وإذا كنت بصحبة شيخ ،ووجدت شيخا أكبر منه مقاما،فعليك بإتباعه لقوله صلى الله عليه وسلم: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني” .
والأبوة قسمان :أب روحي،وأب جسماني فلو كانت السعادة تحصل بالأب الجسماني لسعد بها اليـهود والنصارى، فالأب الروحاني الأكبر على التمام هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فالإمام الغزالي مع كونه حجة الإسلام طلب لنفسه شيخا يدله على الطريق. وطلب الشيخ عزالدين بن عبد السلام شيخا مع أنه كان يلقب بسلطان العارفين.
وإذا كان العارف الحقيقي يشبه النحل، ف”العارف الخلب” يشبه الزنبور.الزنبور يشكل تجمعات كالنحل،يصنع خلايا له ملكة،ولكن لاينتج العسل، والعسل بالنسبة للعارف هو السر،سر طريقته وسر الإذن المحمدي .العارف الـمأذون له هجيره﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ومن لا إذن له لا وصول له.
ولنضع نصب أعيننا قانون السببية الذي عبرعنه الاعرابي بسذاجته حين سألوه عن الله،قال “البعرة تدل على البعير ،وخط السير يدل على المسير فكيف بسماء ذات ابراج،وأرض ذات فجاج،وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على العلي الكبير. صدق الأعرابي فالبعرة تدل على البعير ،فكيف بمن يدعي المقامات، وتنسب له المقامات القعساء،وتقبل يده ورجله وربما يركع له ألا تكون له أدلة تثبت إدعاءه ؟؟
وقد قيل : كل طريقة لم تقومها حجة فتلك طريقة معوجة.
فكل من ادعى مقاما كبيرا من مقامات التصوف كمقام المشيخة والتربية والقطبانية ….والختمية….فهو مطالب بالدليل على ادعائه ،والدليل هو صلوات عرفانية وعلوم بائية تساير التجليلت الإلهية،لا اجترارا لكلام السابقين ككلام ابن عربي والجيلي …. ولا نطالبه بالكشف ،أو أن يخبرنا بما فعلنا البارحة،أوغير ذلك ممن هو مشترك كذلك بين أولياء الشيطان ،أوعلماء الحروف ،وأصحاب الأوفاق ،أوعلماء خواص الأسماء الإلهية، كلهم لا معرفة لهم بالتصوف،ولم يسلكوا الطريق على يد شيوخ أجلاء.فلا يقتدى بهم.
كل يدعي وصلا بليلى = وليلى لا تقر لهم بذاك
فالمدد النبوي والبركة المحمدية لا تمر الا من الشيوخ ذوي السلسلة الصوفية الصحيحة ،والمأذون لهم من الحضرة المحمدية.
يروي اهل التصوف حديثا غير وارد نقلا بل سمعه أحد العارفين كشفا قوله صلى الله عليه وسلم “لا يعرفني الا من عرف من عرفني” فاصحب وارثا محمديا يعرِف الحضرة المحمدية وتعرفُه.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ،الَّذِيمَعْرِفَتَهُهِيَ مَعْرِفَةُ اللهِ،وَهِيَ أَطْيَبُ شَىءٍ يُتَذَوَّقُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا،هِيَ الَجنَّةُ فِي الدُّنْيَا،فَلاَ حَيَاةَ إِلاَّ لِأَهْلِ اَلمعْرِفَةِ بِاللهِ.فَهُمْ الأَحْيَاءُ بِحَيَاةِ مَعْرُوفِهِمْ،الَّذِي لاَ يُعرَفُ إِلاَّ بِالوَارِثِ المُحَمَّدِيِّ، صَاحِبِ الفَيْضِ المُصْطَفَوِي،وَاَلمدَدِ الْمَوْلَوِي.قَالَ سَيِّدُنَا*يَاتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ الرَّسُولَ،فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ،ثُمَّ يَأتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ ،فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،فَيُقَالُ لَهُمْ،هَلْ فِيكُمْ مَن صَاحَبَ أَصحَابَ الرَّسُولَ،فَيَقُولُونَ نَعَمْ،فَيُفْتَحُ لَهُمْ،ثُمَّ يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ،فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،فَيُقَالُ هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ،مَن صَاحَبَ أَصْحَابَ الرَّسُولِ،فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ*.سِلْسِلَةٌ تَنْتَهِي إِلَى رَسُولِ اللهِ.فَالْفَتْحُ مَنُوطٌ بِصُحْبَتِهِ،أَوْصُحْبَةِ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ أَصْحَابِهِ،فَلاَ يَعْرِفُهُ،إلاَّ مَنْ عَرَفَ مَنْ عَرَفَهُ.فَمَنْ أَدْرَكَ هَذِهِ الصُّحْبَةَ ظَفَرَ بِالمَحْبُوبِ وَأَصَابَ المَطْلُوبَ،وَأَصْلَحَ مُضْغَةَ القُلُوبِ وَأَضَافَ إِلَى الأَبِ الطِّينِي،الأَبُ الرُّوحِي الدِّينِي.وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.