شرح جوهرة الكمال التجانية

 نفحات عــــــرفانـــــــــيـــــة

في شرح

جــوهـرة الكـمال الـــتــجانـــيــة

بسم الله الرحمن الرحيم.الحمد لله العليم بخفيات الضمائر ،الخبير بمكنونات السرائر ،لا تدركه الابصار ولا البصائر ،ولا يحيط به فهم أو وهم أو خاطر. المذكور بكل لسان ،المعبود بكل زمان،لا تحده الألسنة ،ولا تحصره الأزمنة ،ولا تحتويه الأمكنة.                                                  الحمد لله الواجب الوجود ،المطلق الوجود،الغير مقيد لا بقبلية،ولا بعدية زمانية،ولا معية ،ولا بغيره، ولا معلول عن شيء، ولا علة لشيء ،بل هو خالق المعلولات والعلل” كان الله ولاشيء معه ” .

الحمد لله الذي جعلنا من الموحدين ،وعَدَل بنا عن سبيل الجاحدين ،وتوجنا بتاج المعرفة بعد الجهل،وألبسنا رداء القرب بعد الذهل، زين ظاهرنا بالشريعة،ونوَّر باطننا بالحقيقة،وحجبنا عن مشاهدة السِّوَى.وأصلي وأسلم  على من دنا فتدلى، وملأ ذكره الأرض والسماء ، أخشى الخلائق لله،وأعرفهم بالله،وأقربهم من الله، المختار على الخلائق،الكاشف لغيوب الحقائق،سيدنا ومولانا محمدبن عبد الله المخصوص بالمحبوبية الكبرى، والمكانة الزلفى،وبقاب قوسين أو أدنى،أول الأنبياء في الوجود،وآخرهم في الشهود، وشفيع الخلائق في اليوم الموعود،وعلى آله وصحبه ،ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الدين .                                                                                قال العارف بالله أبو العباس أحمد التجاني رضي الله تعالى عنه:

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَيْنِ الرَّحْمَةِ الرَّبَّانِيَةِ وَالْيَاقُوتَةِ الْمُتَحَقِّقَةِ الْحَائِطَةِ بِمَرْكَزِ الْفُهُومِ والْمَعَانِي، وَنُورِ الْأَكْوَانِ الْمُتَكَوِّنَةِ الْآدَمِي صَاحِبِ الْحَقِّ  الرَّبَّانِي،الْبَرْقِ الْأَسْطَعِ بِمُزُونِ الْأَرْبَاحِ الْمَالِئِةِ لِكُلِّ مُتَعَرِّضٍ مِنَ الْبُحُورِ وَالْأَوَانِي،وَنُورِكَ الْلاَّمِعِ الْذَّي مَلَأْتَ بِهِ كَوْنَكَ الْحَائِطِ بِأَمْكِنَةِ الْمَكَانَي، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَيْنِ الْحَقِّ الَّتِي تَتَجَلَّى مِنْهَا عُرُوشُ الْحَقَائِقِ. عَيْنِ الْمِعَارِفِ الْأَقْوَمِ صِرَاطِكَ التَّامِّ الْأَسْقَمِ. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى طَلْعَةِ الْحَقِّ بَالْحَقِّ الْكَنْزِ الْأَعْظَمِ. إِفَاضَتِكَ مِنْكَ إِلَيْكَ إِحَاطَةِ النُّورِ الْمُطَلْسَمِ. صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ،صَلاَةً تُعَرِّفُنَا بِهَا إِيَّاهُ.

اللَّهُـمَّ صَـــلِّ.

يقول الشيخ ابن عجيبة رحمه الله :…والناس في الصلاة على رسول الله على ثلاثة أقسام: قسم يصلون على صورته البشرية،وهم أهل الدليل والبرهان،فهم يشخصونها في قلوبهم في حال الصلاة عليه،فإذا أكثروا من الصلاة بالحضور ثبتت الصورة الكريمة في قلوبهم،فيرونه في المنام كثيراً .وقسم يصلون على روحه النورانية،وهم أهل الشهود من السائرين،فهم يصلون على نوره الفائض من الجبروت،فيشاهدونه في غالب أوقاتهم على قدر حضورهم وشهودهم.وقسم يصلون على نوره الأصلي،الذي هو نور الأنوار،وهم أهل الرسوخ والتمكين من أهل الشهود والعيان، وهؤلاء لا يغيب عنهم النبي صلى الله تعالى عليه طرفة عين … اهــ.

الصلاة على نبي الله هي مدحه،والثناء عليه بنعوته القديمة المذكورة في القرءان،فالكثير من الآيات القرءانية هي مدح له  إما تلميحا،أوتصريحا،وما دام يمدح إلا والرحمة تتنـزل على الكون وأهله. كما أن صلاة الله عليه،تضفي اللطف على التجليات الإلهية.والكون مفتقر إليها،فلولا وساطته لأفنت التجليات الكون الإلهي﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾”رحمتي سبقت غضبي”.

اعلم أن مقتضى الإسم الإلهي لايصل إلى الكون مباشرة بل لابد من الإصطحاب مع النبوة،لكي يكون اللطف في التجليات الإلهية ،واعلم ان كل مايظهر في الكون الإلهي،حسيا كان أو معنويا، ظاهرا أو باطنا،سواء علوما لدنية أو إبتكارات علمية وتطورات تكنولوجية،إلا وهي منوطة بصلاة الله وملائكته على النبوة،ثم صلاة المومنين فكل تجليات الأسماء الإلهية والتي نتيجتها مقتضيات كونية، تتطلب وساطة حقيقته المحمدية للظهور،فصلاة الله عليه هي تلك الشعلة التي تربط الألوهية بالمألوهين،والرب بالمربوبين،والكون بخالقه،لإستمرارية الحياة حسب ما سطر في بساط الرحمانية. 

اللهـــــــــــم: أي “يا ألله” أبدل حرف النداء والتدلل والإنكسار بالميم ،واسم الجلالة “الله” هو رئيس الأسماء الإلهية فعند ما نقول”اللهم”فكأننا نطلب من الله تعالى أن يصلي بجميع أسمائه على النبوة المحمدية ،وبالتالي فالمصلي يستجلب ظهور مقتضيات جميع الأسماء،والعرب جعلت حرف الميم عَلَماً على الجَمْع ،فنقول(عليه) للواحد و(عليهم )للجماعة ،وهي كذلك من علامات التفخيم،والتعظيم، فنقول:سيادتكم، وحضرتكم،وجلالتكم .فهذه الميم جمعت فيها جميع الأسماء والصفات الإلهية، فهي الميم  المدغمة في الاسم الشريف )مـحمـمـد(،وإتصالها باسم الجلالة،يقتضي أن القرءان نزل دفعة واحدة،منه إليه،بدون وساطة ،ولو كانت هناك وساطة،لكانت حجابا بين محمد وربه، ولكانت لها الأولية ،وهو ﴿أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾فاستحقت بذلك نبوته الخلافة الجمعية الكلية،فهو برزخ بين الحق والخلق ،ومن خاصية البرزخ أن لاينزل شئ إلا عليه،حسيا كان أو معنويا،ولا يصعد شئ إلا منه.فكل العطاءات تُقسم على يديه،هو ميزاب فيضها، ويد مناولتها، ومصدر إِسدائها،ومفتاح خزائنها، “الله المعطي وإنما أنا قاسم”(الحديث)،ومن قسم لك فقد أعطاك. فالخزائن لله،والتصرف لخليفته.فالدعاء لولا وساطته ماصعد ولاحَظِيَ بالإستجابة.وهذا من الأسرار الباطنة التي أوجبت تغيير القبلة.قال تعالى﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ لأنه عندما كان الحكم للإسم الباطن،كانت كلمة التوحيد شطرا واحدا “لا إله إلا الله” وكانت القبلة هي بيت المقدس،وكانت الإمامة للأنبياء والرسل السابقين.أما عندما ظهر الإمام الأكبر،بهيكله الشريف،ظهر الشطر الثاني للتوحيد “محمد رسول الله” فكان من اللازم أن يكون التوجه إلى الكعبة،حيث الحجر الأسعد والبيت الحرام،لأن الكعبة مُلكية،وفي مقابلة البيت المعمور الملكوتي ،لتكون الإجابة اسرع ،فهو﴿رَسُولٌ مِّنَ اللهِ﴾ قبل القبل و﴿رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾عند ظهور الجسم الشريف. فَوَلاَّه الحق تعالى ،القبلة التي يرضاها ،التي تمر منها التجليات الإلهية، والتي فيها المنفعة لأمته.

واسمه الشربف محمد باعتبار الميم المدغمة (محممـد) بحساب الجمل يساوي = 132،أي عدد جمل: أحد (13)+ الله (66) +أحمد(53).فهذه الميم التي نابت عن ياء التذلل أظهرت بعد اتصالها باسم الجلالة،ماكان باطنا، فظهر محتد النبوة المحمدية:أي الصفة الأحدية (13) وظهر بساط الاصطحاب مع الأسماء الإلهية (66) و مع الفيضة القرءانية (53).         “اللهم” مجموعها يساوي = 66 +40 = 106= 53 +53 أي النزول الاجمالي والتفصيلي ، وهي أيضا 92 (محمد) +14(وهاب) وهذا يعني أن الطلبات والعطاءات الإلهية كلها تمر عبر بساط الإصطحاب (اسم الجلالة الله) والمصطحب معه (محمد) وكلها من مقتضى القرءان ،ومن مقتضى اسمه تعالى الوهاب.وكل التقديرات سطرت في الدوائر الكونية(40) أما بحساب البسط والكسر اي أن لكل حرف(جـسم ،روح ،نـفس ،عـقل، دم ( أي “جرنعد” فإسم محمد بسطا وكسرا يساوي 354، وهو عدد أيام السنة القمرية،التي التشريع منوط بها.فتدبر هذه الإشارة إلى الوجهة الحقية لمولانا رسول الله، وتأمل وساطته الظاهرة،والباطنة في كل شئ.فهو صلى الله عليه برزخ بين الرب و المربوبين،فمعاملة الخلق في حقيقة الأمر،كلها مع هذا الوسيط البرزخي العظيم﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُومِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَايَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِم حَرَجا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسلِيما﴾. أمرنا الحق سبحانه وتعالى،بالصلاة على نبينا سيدنا محمد،وأوجب الصلاة عليه على أهل كل الدوائر العلوية والسفلية، فنحن نطلب من الله أن يصلي على هذا النبي النوراني ،أما نحن فعاجزون عن معرفة مراتب النبوة وحضراتها، وكيف نصلي عليها..

وَســَـــــــــــــــــــلِّـــــــــــــمْ

الأسماء الإلهية منهاما هوجمالي محض،ومنهاما هوجلالي محض.ومنها ماهو في نفس الوقت جمالي وجلالي.كالمعطي عندما يكون عطاؤه الغنى،والصحة،والعلم فهوجمالي،وعندما يقدر المرض،والفقر، فهوجلالي﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَايَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾وكالعزيز عندما يتبعه اسم جمالي يكون جمالي(العزيز الغفار)وعندما يليه اسم جلالي يكون جلالي(العزيز الجبار)فافترقت التجليات الإلهية،الى جمالية تقبلها نشأتنا،وجلالية لا تلائم طباعنا.وافترقت الخلائق الى﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾.

 فما من شئٍ في الوجود،إلا َّوله مرتبةٌ ترجع به إِلى الأسماء الإلهية منها مدده واستمراريته.وجمال كل شئ بِمَرْتَبته،لابصورتِه فما في الوجود إلا الجمال﴿صِبغَةَ ٱللَّهِ وَمَن أَحسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبغَة﴾.

فقولنا وسلم:هوطلبنا من الله السلامة،واللطف في هذه التجليات،فالجمال لاقوة لنا على مكافحته بدون وساطته ﴿وَلَوْبَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ﴾فما بالك بالجلال؟قال تعالى﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾فمقتضى النار هو الإحراق ولكن بأمر الله كانت السلامة ،وصارت بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام.

قال تعالى﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾هل الحق تعالى،وملائكته يصلون على حقيقة مفقودة غير موجودة﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواصَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُواتَسْلِيمًا﴾هل أمرنا الحق تعالى بالصلاة والتسليم على النبوة وهي معدومة الوجود،مفقودة الشهود.لا،بل على حقيقة حاضرة وللكون ناظرة،فالنبوة صفة،والصفة لابدلها من مقتضى،ولابد لها من الموصوف بها.وحضور هذه الصفة في الكون الإلهي واجب فافهم.قال تعالى﴿وَاصْبِرْنَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ فهو حاضرفي الكون الإلهي،لأن الذين يدعون ربهم،لم ولن ينقطعوا حتى قيام الساعة.قال تعالى ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَامِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا﴾فلولم يكن متمكنا بالإجتماع بهم،لم يكن لهذا الخطاب فائدة.قال تعالى﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾أقسم بحياته وماأقسم بحياة أحد،ولا فائدة من القسم بعمره،إن لم يكن موجودا بحقيقته،في تلك الأزمنة الغابرة وفي زمننا لأن القرءان استمراري. .  

قال صلى الله عليه وسلم “كنت نبيا وآدم منجدل في طينته”.كنت وما زلت(كان عند سيبويه حرف وجودي لافعل يطلب الزمان).قال تعالى﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾بأداة “إلا”الحصرية أي أرسلناك ولم نرسل معك غيرك،و إرساله رحمة للعالمين يقتضي أن يكون قبل العالمين،وأفضل العالمين، وحاضرا مع العالمين، وشاهدا على العالمين قال تعالى﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًاوَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾فحضوره لازم،لأنه شاهدعلى الكون،وهو سراج الكون،سراج  ( رسمت بألف ثابتة)دائم منير لا يأفل.

نقول في التشهد:السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته.فتأمل وأنت في الصلاة بين يدي الله،تسلم على حبيبه وهذا استحضار لوساطته .

عَلَى عـَيْنِ  الرَّحْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ   

في القرءان الكريم وردت الرحمة مضافة لإسم الجلالة في 29 موضعا،وأضيفت للربوبية في 31 ءاية، ونُسبت للقرءان في10ءايات.كقوله تعالى﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْءآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾،ووردت الرحمة إشارة إلى سيدنا محمد في 5 ءايات. وأطلقت تاءها )رحمت (في سبعة ايات،ويقتضي إطلاقها الخصوصية.

قال تعالى﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ﴾﴿وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾﴿قلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾فالآيات تشير إلى أن سيدنا محمد هو عين الرحمة التي رُحم بها الوجود،ووسعت كل الوحود ﴿رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾فله على كل ذرة من ذرات الوجود،نعمة الإستمداد من الحق تعالى،فلا دخول إلامن بابه،ولا شهود إلافيه،ولا تجل إلا منه.

قال  الشيخ الجيلي:…واعلم أن الرحمة رحمتان رحمة عامة،ورحمة خاصة،فالرحمة الخاصة هي التي يدرك الله بها عباده في أوقات مخصوصة،والرحمة العامة هي حقيقة محمد  وبها رحم الله حقائق الأشياء كلها.فظهر كل شئ في مرتبته في الوجود…. اهـ..

ورد في كتاب التنبيهات في علو مرتبة الحقيقة المحمدية : …فالحقيقة المحمدية هي التي ترب صور العالم كلها،بالرب الظاهر فيها،والذي هو رب الأرباب، فبظاهرها ترب ظاهر العالم،وبباطنها ترب باطن العالم،لأنه صاحب الإسم الأعظم،وله الربوبية المطلقة إنماهي له من جهة مرتبته لا من جهة بشريته ،فإنه من تلك الحقيقة عبد مربوب محتاج إلى ربه سبحانه وتعالى” انتهى.

ويقول الشيخ الأكبر في نقش الفصوص:”…وجعله الله تعالى العين المقصودة من العالم،كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني.ولهذا تخرب الدنيا بزواله،وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله.فهو الأول بالقصد،والآخر بالإيجاد،والظاهر بالصورة،والباطن بالسورة )أي المنـزلة(فهو رب للعالم ،وعبد بالنسبة لله“.انتهى.

فهو رسول من الله ورسول من عند الله غيره رسول من رب العالمين،وهومعرف العالمين بخالقهم وبعبادة ربهم ،وبهذه النسبة التي بين حقيقته والعالم،فهو عين الرحمة الربانية،أي أصلها ومصدرها﴿وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾والرحمة صفته، والصفة ملازمة  للموصوف بها،فهو الرحمة الربانية الشاملة،التي أبرزها الله من نوره،وأفاض عليه من كمالاته،وتَوَّجهُ بأسمائه وصفاته،فكانت حاجزا بين المخلوقات وحرارة التجليات الإلهية،فلولاه لما استطاع الوجود الصمود،ولإضمحل من حينه،لإنعدام المجانسة والمناسبة مع الله تعالى﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾والمنتقم اسم جلالي محض. 

فهو الرحمة المهداة التي أخرجت الوجود من العدم،وصار يسبح ،ويصلي ويسجد،وهو معنى قول القائل لولاه لم تخرج الدنيا من عدم،ولولا الواسطة لذهب الموسوط،فهو الواسطة في كل شئ .ولله در القائل:

                            ما أرسل الله أو يرسل      *      من رحمة تصعد أوتنـزل

           في ملكوت الله أوملكه        *     من كل مايختص أويشمل

                             إلاوطه المصطفى عبده     *    نبيه المختار المرسل

               واسطة فيها وأصلها     *       يعلم هذا كل من يعقل..

وَاليَاقُـوتَـةِ المُتَـحَقِّـقَـةِ الحَـائِطَةِ بِمَـرْكَزِ الفُـهُومِ والمَعَـــانِي

اليَاقُــوتَـة :اسم من أسماء الحقيقة المحمدية(وكذلك الزبرجدة).نعته بالياقوتة إشارة إلى انفراده في الكون الإلهي بأعظم مقام:مقام الخلافة العظمى والمحبوبية الكبرى،فهو فرد،يتيم في ملك الله لانظير له. والفردانية لا تكون إلابعد ثبوت الإثنينية،إذ من الضروري وجود من ينفرد عنه،و في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الثاني هو الكون وأهله،وسميت ياقوتة لإنفرادها بنعوت ليست في من انفردت عنهم،إذ لولم تكن فيه(النعوت)ماصح له أن ينفرد بشئ.وكما يعز إدراك الياقوت لنذرته كذلك يعز إدراك حقيقته “ماعرفني حقيقةغير ربي”.والياقوت أرفع،وأشرف،وأنفس مايوجد من المعادن، والجواهر. فرسول الله هو أفضل الخلائق على الإطلاق .

محمد بشر لا كالبشر    *   بل هو كالياقوت بين الحجر

ومن مظاهر ياقوتيته صلى الله عليه صلاة الله وملائكته عليه،وأمره تعالى كل العوالم أن تصلي عليه.ولم يناديه بإسمه إنما ناداه بصفاته،ليبين لنا أن المرسل للعالمين هي الصفة النبوية المطلقة،الغير مقيدة لا بالزمان ولا بالمكان.وليس هناك حوار بين الله وبين سيدنا محمد(أي لاتجد في القرءان،قال الله يامحمد،أوقال محمد رب) لأنه قريب من رب العزة.وفى حديث الإسراء تصريح ظاهر،بعلومرتبته،حيث لكل نبي سماء،فعبوره عن سائر مقامات الأنبياء عليه،وعليهم الصلاة والسلام،وعروجه عن سائر مقامات الملائكة،حتى توقف كل نبي وملك دون مرقاه،وأَمَّ كل النبيئين في إسرائه إشارة ظاهرة دالة على انفراده بالكمالات، لموضع الإمام من المأموم.ومن مظاهر فردانيته أنه ليس كهيئتنا “إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين”(البخاري)،ليس كهيئتنا لافي ذاته،ولافي صفاته،لأنه أحدي الذات ،واحدي الصفات،له روحان،روح كلية(كنت نبيا وءادم بين الماء والطين)،وروح جزئية  ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾،ليس له كثافة بشرية،ليس له ظل،ويرى من خلف كمامن أمام،وإذا مشى مع القوم كان أطولهم،تنام عيناه ولاينام قلبه.قال تعالى﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾وقال “كلكم من آدم، وآدم من تراب”.و”كان خلقه القرءان”وكان قرءانا يمشي”.إشارات إلى ياقوتيته، وإلى مراتب الأُثرة التي انفرد بها.مقام خاص ،خصه الله به.                                                  

قال أبو المواهب الشاذلي:رأيته  مرة في المنام ،فقلت يارسول الله ،قول البصيري فمبلغ العلم فيه أنه بشر،معناه منتهى العلم فيك أنك بشر،عند من لاعلم له بحقيقتك،وإلا فأنت من وراء ذلك بالروح  القدسي والقالب النبوي فقال :صدقت.

المتحققة :بالأسماء والصفات الإلهية لتحلِّيها وتجليها بها فكانت مبايعته هي مبايعة الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾وطاعته هي طاعة الله ،والاستجابة له هي استجابة لله ،ومعصيته هي معصية الله، فأثبت له كل المراتب لتصح له الخلافة،التي يتوقف عليها سير الكون.والخليفة هو المتولي الأمور،القائم بشؤون من استخلفه،ولابد أن يكون متحليا بأسماء وصفات الحق الجمالية والجلالية،فيكون حقا من وجهة،وخلقا عبدا من وجهة.فمن رأى الخليفة،فكأنما رأى الله “من رآني فقد رأى الحق”،فهونائب عن الحق في الظهور للخلق،والله من حيث ذاته غني عن العالمين،

فهي متحققة بمعرفة الله،فلا أحد عرف الله،إلا هذا النبي العظيم،والمتحققة بالعبودية الخالصة لله، والمتحققة بانفرادها بـمقام لاينبغي لغيرها،لاعن طريق الوهب،ولا عن طريق الكسب. هي سدرة منتهى الخلائق أجمعين.

فمعرفة الحقيقة المحمدية،ومعرفة الأسماء والصفات الإلهية، ومعرفة القرءان ،هم معرفة الله،وأما معرفة الذات الإلهية فمستحيلة. هيهات هيهات،فلاسبيلا إلى معرفة الله إلا بالعجز عن معرفته.

وكل نوابها أنبياء أو أولياء،نالوا  حظهم من هذه الخلافة قال تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ هذا الخليفة صورته آدم،وحقيقته سيدنا محمد.و”جاعل”اسم فاعل وهو في حق الله تعالى، غير مقيد بالزمان،( اي كان فاعلا ومازال) لأنه كلام الله،ومن كان بجعلِ الله فهو استمراري، أما آدم فانتقل إلى الدار الآخرة،وهو المقصود بالأولية ،فكل من اختارته الإرادة الإلهية ،وحفته العناية الربانية،ناب عن النبوة المحمدية.والى هذا يشير قوله تعالى في سورة الانعام ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ﴾ هذه اشارة الى المقامات لذا تبعها قوله تعالى﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾وعندما أراد الحق تعالى الكلام على الخلافة البشرية العامة قال﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَٰفَ فِـي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾(يونس) (في الارض)إشارة إلى الخلافة العامة لكل البشر،أي عمران الأرض، والتناسل،ووردت محذوفة الألف لاختلاف أديانهم،ولإختلاف ألوانهم،وألسنتهم ،ومساكنهم، وحِرفهم.وعاداتهم،فيهم القوي والضعيف،الغني والفقير….فافهم.

ومن هذا الباب قيل أن الغوث محل نظر الله من العالم.   فمعرفة الخليفة حق في الدنيا﴿أَم لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾،وحقيقة ظاهرة لجميع الخلائق في الآخرة “آدم ومن دونه تحت لوائي” أنا سيد ولد آدم ولافخر”.

والحائطة بمركز الفهوم والمعاني:  

مركز الفهوم والمعاني هو القرءان،والقرءان بحر لايدرك قعره،ولا يحد ساحله. والإحاطة،كانت قبل القبل في بساط الألوهية حيث اصطحبت النبوة،والرسالة،فأحاطت نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بالقرءان لأنه دستور الكون الإلهي،واطلعت على جميع مقتضياته،وتعرَّفت على كل ما يريد الله إظهاره في كونه،فالقرءان هو غيابات جب كل الحقائق ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا﴾.فلا يفاجئء الخليفة شئ أراده الله تعالى ولم يرضاه ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾.

الفهوم والمعاني: الفهوم هو مانستنبطه من أحكام من القرءان.أما المعاني فهي الحِكم والأسرار الربانية،وإن شئت فالفهوم العلوم الظاهرة،والمعاني العلوم الباطنة،ودائرة المعاني أوسع من دائرة الأواني.قال الحائطة ولم يقل المحيطة،الحائطة اسم فاعل،لأن مراتب النبوة طرف فاعل في التجليات الإلهية    وظهور المقتضيات القرءانية، لكي يسير الكون وفق مراد الله ،وحسب ما سُطر في دائرة الرحمانية، ولكي يكون اللطف في الملك الإلهي .

فهو مركز الفهوم والمعاني أي هو متحقق ومحيط بخبايا وخفايا القرءان، الظاهرة والباطنة. وكيف لا،والقراءن صفته،ومن المعلوم أن مامن شئ في الوجود،إلا وهو من مقتضى القرءان الكريم ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ وقال تعالى﴿مَّافَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾(فِي الكِتَابِ)ولم يقل في القرءان،الكتاب بعد الترجمة وظهور المقتضيات.لهذا ماتزال إحاطته  بمركز الفهوم والمعاني،إحاطة عامة، تشمل كل ماظهر ، وكل ما سيظهر في الكون الإلهي، فالكل به منوط.

جاء في المعاجم:حَاطَه،حَفِظَه،وتعَهَّده.وإِحْتاط:أَخذ في أُموره بالأَحْزَم.وحاطَه اللّه حَوْطاً وحِياطةً: صانه وكَلأَه ورَعاه والحائط:الحاجز والجدار لأنه يَحُوطُ ما فيه،وكلُّ من بلغ أقصى شيء،وأَحصى علمه  فقد أَحاط به.وأَحاط بالأَمر إِذا أَحْذَقَ به من جوانبه كلِّها.وقوله تعالى﴿أَحَطْتُ بِمَالَمْ تُحِطْ بِهِ﴾أَي علمته من جميع جهاته.وقوله تعالى﴿وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ﴾أَي لايُعْجزُه أَحَدٌ.قدرته محيطة بهم. فكلمة،حاط جمعت معاني الستر ،والصيانة،والحفظ،ومنتهى العلم بالأشياء.وكل هذه الاوصاف من مهام النبوة المحمدية،فالرسالة جمال وجلال،والنبوة جمال محض،فهي كالحاجز،فلايصل إلى الكون إلاالجمال،وجمال الجلال،ولوقال”المحيطة”اسم مفعول ما وسعت كل هذه المعاني،أما اسم الفاعل فيفيد كل هذه المعاني وأنه طرف فاعل،فالإحاطة له بجميع العلوم،فهو الدائرة الحائطة بالكون الإلهي ومركزه وهو وجه الله المشهود ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾حيثما ذهبت لاتجد إلا محمدا”لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله”(الترمذي).قال “مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى حائطا،فأكمله إلالبنة واحدة،فكنت أنا تلك اللبنة،فلا رسول بعدي ولا نبيّ” فشبه النبوة بالحائط،والأنبياء باللبن التي قام بها هذا الحائط،وهوتشبيه في غاية الدقة، فكان خاتم النبيئين ..رقائق مطوية ،وحقائق مخفية.فافهم رحمك الله،وسلم تسلم ولا تنكر فتأثم.  

وَنُـورِ الأَكْــوَانِ المُتَـكَوِّنَـةِ

الآدَمِـي صَـاحِبِ الحَـقِّ الـرَّبَّانِي

نور الأكوان المتكونة:كل مايظهر في الكون تابع لتجليات الأسماءالإلهية،ومقتضياتها لاحصر لها، وهي التي تُشَكل الأكوان،وهو نورها أي أن برمجتها وظهورها،وتَكَوُّنها حين بعد حين ،يـمرعبر وساطة حقيقته ،لأنه طرف فاعل في تشاجر الأسماء الإلهية.قال تعالى﴿اللَّهُ نُورُالسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾نور السماوات إشارة إلى التقديرات الأولية،وأن كل شيء يسير وفق نظام دقيق مظبوط، فكل شيء في الوجود،يعرف خالقه يسبحه ويسجد له،بمقتضى سريان مرتبة نبوية فيه،هي الوجود المفاض على الأشياء ولوفقد سريانها ذات من ذوات الأكوان،لصارت محض عدم. فالعدد واحد مثلاهو نور الأعداد المتكونة،فهوسار في جميع الأعداد،لم يظهر فيها بصورته،وظهر بمعناه . إذ لولا معناه،لم يوجد لهم عين.فالمليون هو واحد تكرر مليون مرة ،فظهر الواحد بمعناه لابصورته،فهو أصل لجميع الأعداد، وكذلك سيدنا صلى الله عليه بـه،أصل لجميع المخلوقات من حيث حقيقته، لامن حيث صورته البشرية.

قال تعالى﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَايُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ تاركه حتى يأتي إبان التجليات التي تبرزه﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾لأنه صلى الله عليه وسلم ،حريص على ظهوره وينتظر زمن ظهوره،وينتظر الصلوات والتغزلات الأحمدية ،التي ستكون شعلة لإظهار هذه الأكوان،التى ما زالت في طي البطون.فبظهور صلوات نعتية تتغزل في حقيقته المحمدية،وتنقب عن الأحدية،والمراتب المحمدية الأولية،ظهر تقدم ملموس في التكنولوجية،وظهرت الطائرات والصواريخ،والكمبيوتر،والهواتف المحمولة…فكل التجليات تتخذ النبوة المحمدية جسرا لإخراج الأشياء من وجود علمي الى وجود عيني،فكل الأكوان منوطة به(فَرِيَاضُ المَلَكُوتِ بِزَهْرِ جَمَالِهِ مُونِقَةٌ  وَحِيَاضُ الجَبَرُوتِ بِفَيْضِ أَنْوَارِهِ مُتَدَفِّقَة وَلاَ شَئ إِلاَوَهُوبِهِ مَنُوط).ومولانا رسول الله له وجهتان:وجهة حقية نورانية ،ووجهة خلقية بشرية ،وهي المعبر عنها في هذه الصلاة المباركة بالآدمي (نسبة إلى آدم )،ووردت تنـزيها له كي لا يعبد من دون الله، وليثير انتباهنا أن مع ما أوتي من المزايا والخصيصات،ومع ماألبسه الحق تعالى من حلل الأسماء، ونعته بأكرم الصفات ،وقلده مقاليد الملك،وتوجه بتاج الخلافة الكلية الكونية،فهو آدمي ،عبد من عباد الله: والعبدية هي من اعلا مراتب النبوة المحمدية.                                                     

الآدمي صاحب الحق الرباني.قال “كلكم من آدم وآدم من تراب”ولم يقل كلنا من آدم.فحقيقته من مقتضى الأحدية،أما الجسم الشريف البشري المولود من أم وأب،فمثلنا من مقتضى الأسماء التشاجرية. 

فبعدما وصفه بعين الرحمة الربانية،وألبسه حلل الفردانية، أضاف زيادة في الثناء عليه ،ومدحه، والرفع من قدره “صاحب الحق الرباني” وحقوقه الربانية  كثيرة، أوردها الحق تعالى في القرءان نذكر منها: أخذ له الميثاق من جميع الأنبياء﴿وإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَامَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَ أَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾فسماه رسولا في تلك”الأزمنة الغابرة” حيث لازمان ولا مكان. 

أمرنا الله تعالى بأن نصلي عليه،وهذا كذلك حق رباني﴿إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾هذا إحبار.﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواصَلُّواعَلَيْهِ وَسَلِّمُواتَسْلِيماً﴾هذا تكليف وتشريف لنا،ففي صلاة اللهِ تعالى و ملائكته كفاية،فأمر المؤمنين بالصلاة على النبي ،لِيُثِيبهم عليها ولسر الخلافة التي جعلت في بني ادم. قال  “ماجلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله تعالى،ولم يصلوا على نبيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة ) احمد(،وهذا يقتضي أن ذكر الله والصلاة عليه شرط وحق واجب،فهي من أفضل العبادات لأن الله تعالى تولاها هو وملائكته ،ثم أمر بها المؤمنين،وسائر العبادات ليست كذلك.فما شغل الله تعالى العوالم  كلها ،علوية أو سفلية ،ملكية أو ملكوتية، إلا بأعظم الطاعات،وأفضل القربات .

وحقوقه الربانية كثيرة لاحصر لها اذكر منهاكذلك :قال تعالى﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾فمبايعته هي مبايعة الله،نسب له الغنى﴿وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾(ولم يقل من فضلهما)والإستجابة﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم﴾(ولم يقل إذادعوكما )له الإنعام أو النعمة﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ﴾له القضاء﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾له الرضى﴿وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾(ولم يقل يرضوهما)وقرن براءته تعالى ببراءته ﴿بَرَاءةٌمِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ومحاربة الله بمحاربته﴿إِنَّمَاجَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾قال تعالى ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ونصب الحق تعالى رسوله مرجعا كالقرءان﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَاأَرَاكَ اللّهُ﴾ثم قرر حكماثابتا،فقال﴿وَلَوْأَنَّهُمْ إِذظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْاللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً﴾وقال عنه تعالى﴿يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ولولم تكن هذه النيابة له  ،لما استطاع أحد أن يومن.ولاننس الشفاعة،فهي كذلك حق رباني.فهو  شفيع الأنبياء والرسل ومن دونهم،ألا ترى إلى قوله “حتى أن ابراهيم خليل الرحمن يحتاج إلي في ذلك اليوم”)البخاري(.                       

فما ذكر الله تعالى نعتا من نعوته،إلا وقرنه بنعت من نعوت حبيبه صلى الله عليه وسلم.

حقوق ربانية لم ينلها أحد،ولايستطيع أحد أن يدعيهاولايحق له﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً﴾إيذاؤه بعدم اضافة هذه الحلل الربانية له،والإقرار بها،كمالايجوز لأحد أن ينسب خصوصيات رسول الله لنفسه،هن من أزواجه أي منوطة به اناطة الزوجة بزوجها(وهذا من اسرار حذف كلمة ازواجه).فهو  الخليفة الكلي على الكون الإلهي وغيره ،نبيا كان أو رسولا ،أو وليا،لم ينل إلا الخلافة الجزئية.

وفي هذا الحق الرباني وقع اختلاف كبير بين المسلمين: فالعارف المحقق شاهده واغترف،والصوفي أقر به واعترف،والجاهل نظر إليه وانصرف،وآخر،قال هذا شرك،وأنكر وانحرف﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ﴾﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ .

البَرْقِ الأَسْطَعِ بِمُزُونِ الأَرْبَاحِ

 المَالِئَةِ لِكُلِّ مُتَعَرِّضٍ مِنَ البُحُورِ وَالأَوَانِـي

البرق: هو الضوء المبهر،الذي يظهر فجأة في جو السماء،عند نزول المطر،وهو ناتج عن تصادم سحابتين أحدهما تحمل الشحنة الكهربائية السالبة،والأخرى تحمل الشحنة الكهربائية الموجبة.وبهذا ينتج عن التصادم شرارة قوية،تصدر على هيئة الضوء الذي نراه فجأة ثم يختفي.كما أن هذا الضوء يعقبه صوت عالٍ قادم من السماء،وهوتسبيح الرعد ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِه.وللبرق خاصية الظهور والإختفاء بسرعة فائقة.ومن معاني البرق التلغراف،وتعني باليونانية الكتابة عن بعد،وهو نظام لنقل الرسائل من نقطة معينة لمسافات طويلة،وذلك باستخدام رموز.وهذا التشبيه في غاية الدقة فحقيقته  ظاهرة وباطنة،كما أنه حتى في ظهوره  يُرى بحسب ما يريد أن يُرى هو،لا بحسب نظر الرائي،ومن هنا جاء اختلاف الصحابة في وصفه ﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَيُبْصِرُونَ﴾ لايبصرون حقيقتك،وهي الناقلة(أي حقيقته)لرسائل ربانية أي التجليات الإلهية،التي بُـرمج الكون وفق مقتضياتها.فهو الواسطة في كل شئ،وإن شئت فالشُّحنات الموجبة هي التجليات الجمالية، والسالبة هي التجليات الجلالية..

والبرق من اسماء الحقيقة المحمدية عند العارفين.

السطع :

كل شيء انتشر،أَو ارتفع من بَرْقٍ أَوغُبار،أَونور،أَورِيح.وسطع لي امرك : وضح. وسطعت الرائحة سطعا وسُطوعاً:فاحت وعَلَت،و ارتفعت(لسان العرب). 

فمن معاني الأسطع)اسم تفضيل ( المنتشر،والمرتفع ،والواضح، والفائح، الرائحة.وكل هذه الصفات تنطبق على حقيقته  فلم يَسْطَعْ قبله،ولا بعده غيره،وعطره ملأ الأكوان طيبا ومسكا،وذكره منتشر في كل العوالم ،واسمه يذكر أناء الليل وأطراف النهار.تصلي عليه كل العوالم ،شريعته واضحة،وطريقته فائحة ،وحقيقته في الكون سائحة﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾.     

البرق الأسطع بمزون الأرباح :كما أن البرق ملازم لمزن الأمطار،كذلك الحقيقة المحمدية ملازمة للتجليات الإلهية.فعبر عنها بالأرباح ،وهي النعم،والعطايا،والنفحات.سواء كانت  حسية،أومعنوية، ظاهرة أو باطنة.فالكل به منوط.فنعت الحقيقة المحمدية بالبرق،وكنى عن انصباب الرحمات بالمزن. والغيث سماه الله،رحمة ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِمَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾لأن الرياح تحمله لتنتشر رحمة الله على الأرض﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا.

أما البحور:فهي الأسماء الإلهية،كل اسم بحر،بل بحور من المقتضيات.والمعاني الباطنة في القرءان الكريم﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُقَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْجِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدا﴾وللقرءان ظاهر وباطن،ولباطنه سبعة أبطن.ظاهره حُكْم، وباطنه حِكْمة،لاتنقضي عجائبه،فيه خبر ماقبلكم،ونبأ مابعدكم …”ولانفقه كل الفقه حتى نرى للقرءآن وجوها كثيرة”(كما قال أبو الدرداء).ولوكان القرءان كله ظاهرا واضحا،حتى يستوي فيه العالم والجاهل،لبطل التفاضل بين الناس،وماتت الهمم، ولما كنا مأمورين بتدبره.

أما الأواني فهو عالم الحس.ومن المعلوم أن دائرة المعنى أوسع بكثير من دائرة الألفاظ. لذا عبر عن كل واحد بما يليق. والمقتضيات منها ما هو من عالم المعنى،ومنها ما هو من عالم الحس .

المتعرض:قال صلى الله عليه وسلم:  تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ،فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )الطبراني (المتعرض،إشارة إلى أن التجلي يُظهر المقتضى،والمقتضى عندما يحضر إبانه،يطلب التجلي”إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله”(حديث حسن).فاسمه تعالى الرزاق يطلب المرزوق، والتواب يطلب المذنب.وقوله المالئة تنفي وجود البخل في الملك الإلهي،وهو ما أشار إليه القائل:ليس في الإمكان أبدع مما كان” لأن ما في الوجود إلا أسماء الله وصفاته.

           فما بلغت كف امرىء متناولا     *   من المجد إلا والذي نال أطول

        ولا بلغ المهدون في القول مدحه       *     ولوحذقوا إلا والذي فيه أفضل

فهو صلى الله عليه السابق الذي لا يلحق،وسدرة المنتهى الذي لا يسبق .

وَنُـورِكَ اللاَّمِعِ.

من الآيات التي تشير إلى هذه الحقيقة النورانية المحمدية قوله تعالى﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْجَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراًمِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوعَن كَثِيرٍقَدْجَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ﴾تكرر لفظ المجيىء مرتين،وأسند في الأول إلى الرسالة﴿ قَدْجَاءكُمْ رَسُولُنَا﴾وبعدها إلى النبوة﴿قَدْجَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ﴾وهي إشارة إلى حقيقة واحدة:محمد بدليل عود الضمير مفردا﴿يَهْدِي بِهِ اللّه﴾ولم يقل يهدي بهما،﴿وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾هو القرءان الكريم.وكما أنه نور قبل القبل،فهو نور بعد البعدلأنه نور الله، ونور الله لا يأفل، وهذا النور المحمدي،كان في الأمم السابقة،يظهر ويختفي،أمافي الأمة المحمدية فدائم الظهور،يراه من فتح الله بصيرته. 

قال تعالى﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعا﴾فالنبوة تخصه،والرسالة للناس جميعا﴿وَمَا أَرسَلنَٰكَ إِلَّا كَافَّة لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾والنور يُهتدى به،وهومطلق صرف،لا يتجزأ.فباطنه صلى الله عليه، حقاني لاهوتي،وظاهره آدمي.وهو شاهد على الكون،و الشاهد لابد له أن يكون حاضرا، وإلا فليس بشاهد.قال تعالى﴿وَإِذْأَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَاآتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ  ثُمَّ جَاءَكُم  رَسُول مُّصَدِّق لِّمَا مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقرَرتُم وَأَخَذتُم عَلَىٰ ذَٰلِكُم إِصرِي قَالُواْ أَقرَرنَا﴾ في هذه الآية إشارة إلى أسبقيته عليهم في الخلق،وإلا فما سر أخذ الله تعالى الميثاق من الانبياء عليهم السلام، للإيمان به ونصرته،والإقرار برسالته،والحق تعالى معهم من الشاهدين،إن لم يكن موجودا بحقيقته.                                                                                   

قال تعالى﴿وَإِذْ أَخَذْنَامِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاًغَلِيظاً﴾و ذكره قبل أولي العزم من الرسل،وهذا يعنون عن أقدميته.

فهو أول الخلائق﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴾النور إشارة إلى النبوة،. 

أورد ابن سعد في طبقاته قوله صلى الله عليه وسلم :”كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث”

“أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر” (أورده العجلوني)”

  قال تعالى﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَافِي الأَرْضِ﴾﴿ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ﴾وقال تعالى﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾فما في الوجود إلا ساجد لله، فتجلت حقيقته في كل ذرة من ذرات الوجود،وعرفت الخلائق بالخالق وأظهرت الحقائق،فهو المتقلب بهم فيهم،والمعرفهم بربهم. فالكون مُضيىء بهذا النور الذي هو حقيقته .وإلى هذا المعنى يشير توحيد المقربين الذين لايرون في الكون إلا “أحد أحمد” أي الصفة وهي الخالدة بين الناس،وعند غياب الصفة يفنى الكون قال صلى الله عليه وسلم “لا تقوم الساعة حتى لايبقى من يقول الله،الله”،وهذه الحقيقة النورانية هي أول من أسلم، ﴿قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ وأول العابدين ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌفَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾وهي الرحمة التي سبقت الغضب.أفاض عليها الله من كمالاته،وألبسها حلل أسمائه وصفاته، فكانت حاجزا بين المخلوقات وحرارة التجليات الإلهية. فالجمال يصعب على البشر مكافحته،دون وساطته  .فمعاملات الخلق في حقيقة الأمر كلها معه . والكل ارتشف من نور النبوة،و التي هي مبدأ للظهور الكوني،فصارت الكائنات عارفة بربها عابدة له﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ومن ثَمَّ كانت الإرادة متوجهة أولا لإيجاد النسبة ،أي مركز الوجود،فلولا سريان نوره في دوائر الوجود ما صح لها وجود )لولاك ماخلقت الأفلاك(.فسيدنا محمد رسول الله،هو النور الأعظم الذي أرسله الله رحمة للعالمين ،فلايوجد شئ إلا بواسطة نوره.

يقول العارف بالله أحمد التجاني:…فأماحقيقة مقام روحه فلا يصل إليها إلا الأكابر من النبيئين والمرسلين والأقطاب،ومن ضاههم من الأفراد.ومن العارفين من يصل إلى مقام عقله  أو قلبه،أو نفسه فتكون معارفه،وعلومه بحسب ذلك،وهي دون المقام الذي قبله.وأما مقام سره ،فلامطمع لأحد في دركه،فهي الحقيقة المحمدية التي هي محض النور الإلهي …انتهى.

ونورك اللامع الذي ملأت به

 كونك الحائط بأمكنة المكاني  

المكاني هو الكعبة ،بيت الله الحرام،ولم يقل المكان،لأنه مكان ذو مكانة،مكان لا يشبه باقي الأمكنة، وأول بيت وضع للناس.طاف به مائة ألف نبي،وأربعة وعشرون ألف نبي.وهو قبلة للمسلمين،والدعاء يصعد من بقعته المباركة،كذا الإستجابة،وهو في واجهة البيت المعمور .لأنه مركز التجليات الإلهية ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًالِّلنَّاسِ﴾ ،قياما للناس ،وأول بيت وضع للناس ،كل الناس ،مومنهم وكافرهم.هومركز الكون،وأمكنته (أمكنةالمكاني)هي الأركان الأربعة، والملتزم،ومقام ابراهيم، وحجر اسماعيل، والمسجد الحرام، والصفا،والمروى،وبئر زمزم﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ﴾ هم المناسك المختارة بجوار الكعبة،ولوقال “بأمكنة المكان”(الأمكنة جمع مكان)لكانت مقارنة،ومساواة،بين الأمكنة وبيت الله الحرام فهم جزء،وهو الكل،هو الاصل وهم الفرع ،والأمكنة من وضع البشر،وهي منسوبة إليه. فهي أمكنة للبيت ذو المكانة والمكان.فهذا إعجاز علمي بأن الكعبة مركز الكون.قال تبارك وتعالى﴿لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾من حولها تقتضي أنها المركز،والكون كله من حولها، وسيدنا رسول لكل الخلائق﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ فهو أول من أسلم،و أول العابدين.كذلك البيت المنسوب إليه ،هو أول بيت وضع للناس،فهناك توافق وتناسق بين الظاهر والباطن.فالشريعة جزء من الحقيقة.ومن المعلوم أن سر البيت كله يكمن في الحجر الأسعد،فنحنا في واقع الأمر نطوف به،وهو يمين الله.قال رسول الله :يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس،له لسان وشفتان،يتكلم عن من استلمه بالنية.وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه )الطبراني(.وتتميز الكعبة بأنها مبنية بأضلاعها الأربعة في الإتجاهات الأربعة الأصلية تماما. فضلعها المطل على حجر اسماعيل،والذي يضم الركنين العراقي والشامي،في إتجاه الشمال الحقيقي. ويقابله في إتجاه الجنوب الضلع الذي يضم الحجر الأسود،والركن اليماني.وضلعها الذي فيه الباب، والملتزم والذي ضم الحجر الأسود والركن العراقي،يواجه الشرق تماما،ويقابله الضلع الغربي،الذي يضم الركنين الشامي واليماني.وأثبتت البحوث العلمية أن مكة تتمركز في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات التي تتكون منها اليابسة.فهذا النور اللامع ملأ الكون،والكون محيط بالأمكنة المقدسة،وملتف حولها وهي مركزه.فالحقيقة المحمدية اعظم الثوابت الكونية،و هي موجودة في كل الأزمنة،وعليها تستند كل الثوابت الاخرى.امرنا الحق تعالى بتدبر الكون،والتفكر فيه فمن تدبر في الكون بمعزل عن قائده(كالفلاسفة الغير مسلمين)لن يصل الى معرفة الله، فالله تعالى لايعرف الا بنور الايمان،ونور الايمان هو محمد صلى الله عليه وسلم. فاعرف قدر نبيك ولا تكن من الغافلين.

اللَّهُـمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَيْنِ الحَـقِّ

 التِي تَتَجَلَّى مِنْهَا عُرُوشُ الحَقَـائِـقِ.

عين الحق:الحق من اسماء الله،وهو صلى الله عليه وسلم متحقق بهذا الإسم،متصف به.قال تعالى﴿والَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَانُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍوَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾والضمير في اللغة يعود على أقرب مذكور،فمحمد  صلى الله عليه هو الحق ،وكذا قوله تعالى﴿وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ﴾وقوله تعالى﴿ فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَاأُوتِيَ مِثْلَ مَاأُوتِيَ مُوسَى﴾﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ﴾ ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ﴾وفي حديث التهجد.حيث قرن  اسمه الشريف بحقائق الكون،وحقائق الآخرة:عن طاووس عن ابن عباس قال:كان رسول الله ،إذا تهجد من الليل قال:اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن،ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن،ولك الحمد أنت مالك السموات والأرض ومن فيهن،ولك الحمد أنت الحق،ووعدك حق،وقولك حق،ولقاؤك حق،والجنة حق،والنار حق،والساعةحق،والنبيون حق،ومحمد حق)النسائي( .

قال عين الحق :وعين الشئ ذاته وحقيقته.ولكل حق حقيقة.قال :يا حارثة إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك…)الحديث(.ولكل حقيقة أصل،وأصل الوجود النور المحمدي،فحقيقته أصل والكل فرع عنها،ولولا وجود الأصل ما وجد الفرع.وبظهوره ظهر تفصيل ما كان مندرجا في حقيقته إندراج النخلة في النواة، ففي حقيقة النواة هناك نخلة.والحقائق جمع حقيقة،وهي في الأصل الشئ الثابت،وعند المناطقة هي الماهية،وهي ما به الشئ.وهكذا الحقيقة النورانية المحمدية،بالنسبة لسائر الكائنات،وعدم ظهور الشيء للعيان لايعني عدم وجوده،فالروح لاترى ولكنها موجودة قبل وجود الجسم،وبعد مفارقتها له.فالحقيقة النورانية المحمدية،ماء الوجود،وقد اشار القرءان إلى هذا﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِكُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾بالجعل وليس بالخلق(خلقنامن الماء كل شئ حي) .                                       

وسماه الله تعالى سراجا﴿وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾وقال في الشمس﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾فكما لاتصح الحياة بدون شمس كذلك حقيقته ،هي الممدة للوجود ويستمد منها كل موجود.ولو كان هناك شمسان لفسدت الأكوان،كذلك حقيقته فريدة في الكون الإلهي.فكل الحقائق عنه صدرت.وبه ظهرت والحق من مدارك العقول،والحقيقة من مدارك الكشف والإلهام.

وصفته الصلاة “بصاحب الحق”في أولها،و”بعين الحق”في وسطها،و”طلعة الحق” في آخرها.هذه مراتب للنبوة المحمدية ولتمييزها بعضها عن بعض،أعاد الصلاة “اللهم صل وسلم” ثلاثة مرات.إذا تتبعنا البعض من حقوقه الربانية التي أوردتهاسابقا يتبين أنه عين الحق،لذاصلى الله وملائكته عليه، وأمرنا بالصلاة عليه،وهذا يبين لنا أنه محل نظر الله من العالم،وأنه انسان عين الوجود ،المقصود المشهود، وأثبت له المرتبة في قوله تعالى﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾وهذا وحده كافٍ،على أن يبرهن على أنه عين الحق،وأضاف للذات المحمدية الغنى،والإستجابة،والإنعام،والقضاء،والرضى، وأظفى عليه صفة الحَكَم،والحاكم،والشاهد، والشافع …وجعله مرجعا كالقرءان،واندرجت فيه الأسماء الإلهية،فلبس حللها فكانت لباسًا،له،وهو لباس لها،وأعطي النيابة في الكلام. وبالتالي فهو عين الحق.وزيادة في مدحه  والثناء عليه،والرفع من قدره،قالعين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق.والعرش بصفة إجمالية،هو مركز الأوامر،والأوامر تتبع الإرادة الإلهية،والمقتضيات القرءانية، والأسمائية.لهذاقال عروش الحقائق،ولم يقل عرش الحقائق،فالأسماء الإلهية لاحصر لها،وهي المدبرة للدوائر الكونية والمتجلية في المظاهر الوجودية.فالمصور يجر لدائرته،والخالق كذلك،والمحيي والمميت، يعملان دون انقطاع أناء الليل،وأطراف النهار،والهادي يجر لدائرته والتواب. ..وهكذا..فالوجود إنماهو آثار الأسماء الإلهية .قال تعالى﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾فكل مايفتقر إليه يصب في بحور الأسماء الإلهية.فالآخذ بالنواصي هو الذي قدر الطاعات والمعاصي﴿إِنْ هِيَ إِلاَّفِتْنَتُكَ﴾فالكل بالإرادة الإلهية مقدر،في بساط الرحمانية مسطر.قدر المقادير ووزن الموازين، فمن سأل فما خرج من القضاء،ومن ترك السؤال فماخرج من القضاء” اعملوا فكل ميسر لما خلق له”. والتجلي هو ظهور مقتضى الإسم الإلهي،وكما قلت سابقا لابد للتجلي من حضور وجهته الحقية فكل العطاءات ظاهرة أو باطنة،حسية أو معنوية،إلا و واسطة فيها النبوة المحمدية، فلاحقيقة إلامنه برزت،ولامعرفة إلاعنه صدرت.فهو الأصل الذي تفرعت عنه ومنه الحقائق”الله المعطي وإنما أنا قاسم”والقاسم أحد المعطين.فما أدرك العارفون من حقيقته إلا على قدر تجليات عصرهم،فما ظهر لهم فهو فضل من الله ونعمة،وما خفي،فهو رحمة بهم،وينتظر إبان ظهوره﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾.

       دع ما ادعته النصارى في نبيهم* واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

    و انسب إلى ذاته ماشئت من شرف* وانسب إلى قدره ماشئت من عظم

فإن فضل رسول الله ليس له*حد فيعرب عنه ناطق بفم

عَيْــنِ المَـعَــارِفِ الأَقْــوَمِ صِـرَاطِـكَ التَّــامِّ الأَسْـقَـمِ

عين المعارف الأقوم : المعارف جمع معرفة، وهي الرصيد الواسع،والضخم من المعلومات والعلوم. سواء الظاهرة أو الباطنة، حسية أو معنوية،وهي مطلق الإدراك الحاصل لدى الإنسان عن طريق مصادر المعرفة الأربعة، وهي:الوحي،الإلهام،العقل،والحس.وهناك ترادف بين معنيي:العلم والمعرفة،من حيث أن كلا منهما،يعني إدراك الشيء على ماهو عليه.إلا أن المعرفة مسبوقة بجهل،والعلم ليس كذلك.ولهذا فالحق سبحانه وتعالى تسمى بالعالم، ولا يقال في حقه عارف.ضد المعرفة النكرة،وضد العلم الجهل.والعلم أعم وأوسع، المعرفة أخص.وحيثما تصل الرحمة يصل العلم﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا ﴾وهناك عدة الألفاظ يراد بها معاني قريبة من العلم والمعرفة،منها الشعور، والإدراك،والحكمة،والتصور، والفهم،و الفقه،والبديهة،و الكياسة،والخبرة،والرأي،والفراسة،والكشف الصُرَّاح أوالإعتصامي كما يسميه ابن عربي هو أتم المعارف،وهو الكشف المأخوذ عن طريق الوهب الإلهي.الذي يعضده الكتاب والسنة،فالوحي للانبياء والكشف للاولياء﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ وإذا كانت مهمة النبوة تبليغ الدستور الإلهي مباشرة إلى الناس،فمهمة الولاية بيان البلاغ وشرحه والنفوذ الى باطنه،                          يقول ابن عربي:”فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي،وما يكشف الحق عن أعين البصائر، والأبصار من الأغطية،فتدرك الأمور قديمها وحديثها،على ماهي عليه في حقائقها وأعيانها  ) فصوصالحكم (:

     وتيقنت أن المعارف إنـما *وهبت لأهل العلم والأسرار

فكيفما كانت هذه المعارف:إلهام ،عقل،فراسة…إلا ومصدرها محمد رسول الله،فهو عين المعارف ومصدرها،فلايصل شيء إلى الكون إلابواسطته.قال تعالى﴿وَعَلَّمَكَ مَالَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمَا﴾﴿يِاأَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُواْإَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَلْ لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾ولايخف على أحد أنه أول من عبد الله.وأعظم من إتقى الله.وهو الذي بيَّن لنا كيف نعبد الله.قال “أوتيت علوم الآولين والآخرين”ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه”(ابو داوود).قال تعالى ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌففوق كل ذي علم عليم،إلى أن ينتهي علمنا ومعرفتنا إلى القرءان العظيم كلام الله وسماء الجميع،و إلى سيدنا محمد الذي نَعْلُه فوق هرم الكائنات، وهو سدرة منتهى المقامات،كل على قدر قامته.قال أبوذر:لقد تركنا رسول الله،ومايحرك طائر جناحيه في السماء،إلاذكر لنا منه علما)رواه احمد) وبهذا يتبين أنه لا يخفى عليه شئ،في العوالم كلها،ظاهرا كان أوباطنا،حسيا أومعنويا،لأنه الحقيقة التي يستمدمنهاجميع الوجود كينونته.قال تعالى﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾فكل ما يطلق عليه اسم الشئ،هو في الكتاب.فالقرءان عين المعارف،والقرءان صفته،والصفة عين الموصوف بها.فهو عين المعارف الأقوم.قال تعالى﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾”الأقوم” اسم تفضيل أي الأشد إستقامة بلا اعوجاج .

صراطك التام :

التام أي الغير ناقص.والصراط المستقيم صراطان:صراط في الدنيا وصراط في الآخرة. وأما صراط الآخرة ،فهو جِسْر ممدود على متن جهنم أَحَدُّ من السيف،وأدقُّ من الشعر يمر عليه الخلائق.الصراط والسراط ،لهما دلالة واحدة،مشتقان من صرط وسرط بمعنى ابتلع.والصراط تعني الطريق الخاص بسماته وخصائصه، لا كسائر الطرق إنه الطريق الذي من شأنه أن يضم ،ويسترط السائرين، ويبتلعهم،فلا ينفك عنهم حتى يوصلهم إلى نهايته.وفي السرط و الإبتلاع،دلالة على التغييب والإخفاء.فهو يفنيهم فيه،ويصبغهم بلونيتة الخاصة.وفي القرءان هو الطريق الحق،الذي يوصل إلى رضا الله.واقترن بالإستقامة في 30 موضعا كما وصف بالسَّويّ في موضعين. وهاتان الصفتان تشيران إلى الإعتدال في السير،بلا إعوجاج بخلاف صراط أهل الباطل،الذي يُفضي بصاحبه إلى الجحيم  ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾.                                                                ورد الصراط المستقيم في القرءان إما معرفا،أو مضافا،وهذا يعني أنه صراط واحد،واضح،موصل إلى الله أما طرق أهل الضلال فسماها الحق سُبل﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾سبيل الرضى والسلامة.قال تعالى﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾:نور النبوة والقرءان،هما الصراط المستقيم الذي يوصل إلى رضا الله و إلى معرفة الله،ولننتبه أن هذه الصلاةلم تقل”صراط الله التام الأسقم” بل “صراطك” أي محمد (اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَيْنِ الْحَقِّ الَّتِي تَتَجَلَّى مِنْهَا عُرُوشُ الْحَقَائِقِ.عَيْنِ الْمِعَارِفِ الْأَقْوَمِ صِرَاطِكَ التَّامِّ الْأَسْقَمِ).هو صلى الله عليه عين المعارف الأقوم ،وقال صراطك التام الأسقم دون واو عاطفة) إذ الواو تقتضي المغايرة( فهما صفتان للصراط، فهو في عين تمامه أسقم .ولو كانت الأسقم في هذه الجوهرة تعني المريض لكان هناك تناقض،إذ كيف يكون تاما وأسقما.ولوكان هناك شبهة لقال التام الأكمل، وتجنب قول الأسقم.وهذه الصلاة أعطيت له من الحضرة المحمدية، فَبَـلَّغها كما سمعها (في صلاة القاسم والتي هي من نظمه،قال الشيخ محمد الكتاني:صراطك الأقدس الأقوم ( فمن حيث الشريعة، والتي هي تابعة للرسالة،ليس هناك إلا التمام والكمال.أما الحقيقة فهي غيب طلسمت بحجب الهوية،وبالإصطحاب مع الأسماء الإلهية المتضادة، فالعجز عن درك كنهها ملازم لها “ماعرفني حقيقة غير ربي”.

وما احتجبت إلا برفع حجابها  * ومن عجب أن الظهور تستر

﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾عن معرفتك﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ﴾عرفني وأحاط بجملي،وتفاصيلي،ولم يكلني إلى من تصعب عليه معرفتي فيصيبه السقم والعجز،وتختلف ءاراؤهم،ومفاهمهم في حقيقتي.فالرسالة مشتركة والنبوة تخصه.ولنضع نصب أعيننا أن هذه الصلاة هي من أحمديته على محمديته،فالصراط يتعلق أكثر بالسلوك العرفاني وبالعلوم والنفحات،وبالمشارب الصوفية والمقامات. فالصوفي هو الشارب بكأسين والناظر بعينين،يغرب في غربين،ويشرق في شرقين﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاًوَلَوْشَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ فللإختلاف خلقنا،والإختلاف سبب الإئتلاف ،والطرق إلى الخالق على عدد أنفاس الخلائق.فمراتب الناس في العلم بالله في الدنيا هي عين مراتبهم في الرؤيا يوم القيامة،كل يرى ربه على قدر معرفته به في الدنيا.لهذا تكون الرؤيا مغلفة يوم القيامة “أتضارون في رؤية الشمس.قالوا لا ، قال كذلك ترون ربكم “.الحديث.”

الـتـام الأسقم :إذا قلنا أن الأسقم من الإستقامة،فقواعد اللغة لاتوافق هذا الإستعمال،لأن مايدل عليه تمام الإستقامة هو الأقوم.والأسقم مصوغ من سقم،والسقيم المريض.ومن المجاز:قلب سقيم،وفهم سقيم،وقول سقيم،وهوسقيم الصدر على أخيه:أي حاقد عليه.سقيم الحجة.ايمان سقيم.وكان مع سعة علمه سقيم الحظ.سقيم الرواية،غير موثوق به،وهذا الحديث منكر الإسنادسقيم المتن.سقيم الدين.السقيم من الشعر.خط سقيم…وحديث المغيرة)سَقِيم النِّفاس(أي أسقَمَتْه المَنافسة،والمُغالبة على الشيء.والحديث الذي رواه احمد:…خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَدَّانَ قَالَ مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَكُمْ فَانْطَلَقَ ثُمَّ جَاءَنَا وَهُوَ سَقِيمٌ فَقَالَ إِنِّي أَتَيْتُ قَبْرَ أُمِّ مُحَمَّدٍ فَسَأَلْتُ رَبِّي الشَّفَاعَةَ، فَمَنَعَنِيهَا (رواه احمد).   

فمجازا كلمة “الأسقم”،تعني الضعف،والعجز،والنقص،والحزن…”الأسقم” راجعة في هذه الصلاة، على مقامات العارفين سواء أحياء كانوا أو انتقلوا إلى جوار ربهم،فكلما إزداد الزمان،ترقت التجليات، وظهرت حقائق نبوية،وعلوم لدنية،لم تسمح بها لهم تجليات عصرهم،وأدى ذلك الى سُقم،وضعف المعرفة التى حازوا عليها،في تنقيباتهم الأحمدية، وكشوفاتهم المحمدية﴿فَفَهَّمْنَاهَاسُلَيْمَانَ﴾(فَهْمٌ لم يكن عند السابق،سيدنا داوود)فالزمان الصوفي يختلف عن الزمان الشمسي الكوني،والصوفي يقف أمام زمان يمتد من سيدنا محمد إلى يوم القيامة،ويعيش في مجتمع يختلط فيه صلاح الأحياء،بصلاح المنتقلين إلى جوار الله،فابن عربي كان يجتمع بمن يريد من العارفين السابقين كالجنيد والحلاج. ..واجتمع ببعض الأنبياء والرسل.وقدصاحبنا،ولله الحمد في سفرنا الروحي،من كان هذا دأبه(جزاه الله عناخير جزاءورحمه الله تعالى ) وراثة محمدية،وبمقتضى”كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصربه “)الحديث(.وإلى إتحاد الأزمنة أشار صاحب الأبيات”توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر…”.والى هذا السقم اشار الحلاج بقوله”من زعم أنه يوحد الله فقد أشرك”)طاسين التوحيد(،ويعضده قوله تعالى ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّوَهُم مُّشْرِكُونَ﴾والحلاج لايقصد عامة الناس،بل أصحاب الحقائق، أصحاب مقام”أن تعبد الله كأنك تراه”و الرؤيا تختلف حسب التجليات،والتجليات تتغير حسب الأزمنة،وحسب مقام كل عارف.والأسقم تعود كذلك على كل سالك،يتربى بصلاة على النبوةلم تعد تساير التجليات الإلهية)صلوات القرون الماضية(هذا السالك يسير ببطئ شديد.والأسقم تعود على الصراط الذي ابتلعهم وسرطهم،وطبَّعهم بلونيته،فهم غير متساوون في معرفته ،وفي الأخذ عن برزخيته.فالذي عند هذا ليس عند الآخر،ولاياتي الزمن إلابمن هو أرقى،وأكبر،و أفيح،و أنمى، وأبرك. إلى الختم الأكبرعيسى عليه السلام، وسينسب السقم أي)الضعف،والعجز، والنقص، والحزن) للسابق.فالمشيشي،وابن عربي،والتجاني،والكتاني،وغيرهم، حازوا على الختمية،والختم الذي جاء بعدهم لا شك أنه أكبر منهم معرفة،وأشد قربا من مولانا رسول الله (ولكل زمن ختمه للوسع الإلهي) فعمهم السقم المذكور في هذه الصلاة المباركة.كما أن الحكم الأزلي له الهيمنة،والكل تحت سيطرته،و تحت سلطان التجليات الإلهية﴿أَلاَلَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾.

“صراطك التام الأسقم“،فالتمام ذاتي له،والسقم عرضي يتغير،بتغير التجليات الإلهية،والتجليات الإلهية في ترق دائم،والحقيقة المحمدية في ترق ذاتي دائم (تترقى في مراتبها وليس ترق عن نقص سابق انما ظهور مراتب اخرى يتطلبها الكون الذي يسير نحو الفناء)والصراط الذي سلك عليه العارف الفلاني،في الزمن الفلاني،بالتجليات الإلهية الفلانية، وحسب مرتبة نبوية ما،ومعرفةما،بالحقيقة المحمدية يصبح هذا الصراط وقتاً ما،متجاوزا، وسقما، وضعيفا، وعاجزا،عن مسايرة التجليات الحالية،وهذا الوصف هو غاية التحقيق والتعريف بمراتب السالكين،وببطون الحقيقة المحمدية.فالحكم للسابقين واللاحقين ،والحِكْمَةُ لمن يستحقها،وهي متسلسلة على مدى الدهر.

قال تعالى﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾وصدر الشئ مقدمته،ومقدمة الوجود نبوة سيدنامحمد، والشرح هو التبيان والتوضيح،والإظهاروكذا قوله تعالى﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَايُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾صدره أي نبوته فهو حريص على أن تظهر المقتضيات القرءانية،سواء نفحات ربانية وعلوم لدنية لعارفي أمته،أوعلوم دنيوية وابتكارات علمية لأصحابها حسب كل زمان،وهذا هو الضيق المشار إليه، لأنه”بعث والساعة كهاتين”،ولاتقوم القيامة حتى تظهر جميع المقتضيات القرءانية.نظيرها قوله تعالى ﴿لَاتُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾فالعجلة ظاهرة ،وتخص الهيكل المحمدي الشريف،وضائق باطنة، وتخص صفته،ومقتضى الآيات مازال ساريا في الوجود ،ومازال الإسم البديع يبدع في سر النبي الخاتم، ومازال الإسم المقدم يقدم أقواما،والمؤخر يؤخر آخرين﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْامِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾فتجد عارف القرون الماضية عاجز عن مسايرة فتوحات زماننا،وإذا عرفها يصيبه الحزن ،ويتمنى لوكان من أهل هذا الزمان،وكل من حام حول هذه الياقوتة المحمدية المتحققة بجميع الحقائق،ماوسعه إلا أن يشعر بالعجز،وهذا هو الذي عبر عنه الصديق الأكبر بقوله”العجز عن الإدراك إدراك”.قال تعالى﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِرَبِّي﴾أي الروح الكلية.قال تعالى ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾وظاهر هذه الآية واضح،لأن كل الناس تعرف أن مآلهم إلى الموت. الميِّت(بالتشديد)هوالحي الذي فيه روح وينتظر أجله،والميْت (بالسكون)هو الذي مات فعلا، ولفظ أنفاسه.وللقرءان ظاهر وباطن،ولباطنه سبعة أبطن،ومن معانيها الباطنة:أي أنت يامحمد تترقى في رحمة الله ومعرفته،ولاسبيل إلى الوصول الى كنهها،والكون يترقى في رحمتك ومعرفتك،وهم عاجزون عن الوصول إلى منتهها.لهذالم يقل (إنكم ميتون)ولم نجمع معه في ضمير واحد.فمجازا الموت هنا عدم الوصول،والعجز وهذه إشارة إلى الصراط الأسقم،وأتبعهاتعالى﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَرَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ﴾نختصم على المقامات،من جراء هذا العجز والسقم الذي يصيبنا،بجهلنا بحقيقته .فكم من شيخ سيجد مريديه يوم القيامة أكبرمنه مقاما،وأكثر منه معرفة فيجادل ،ويخاصم.وكم من شخص سيجد جاره الذي كان يسوء الظن به أعلا منه مقام في الجنة،ومنهم من لايجد بالنار اشخاص حَكم عليهم في الدنيا بالكفر﴿وَقَالُوا مَا لَنَالَانَرَىٰ رِجَالًاكُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ﴾.فالسقم، والضعف، والعجز،لاحق بنا في الإحاطة بحقيقته .

وقوله “صراطك التام الأسقم”كلام من عارف،ابتلعه الصراط وسرطه،فهو جزء والصراط الكل،فنطق بحاله،ونسب العجز للصراط،وهو في الحقيقة منسوب للسالك على الصراط،كالمتردي برداء مرتبة من مراتب الحقيقة المحمدية الناطق على لسانها،فقال

وروحيَ للأرواحِ روحٌ وكُلّ ما  *  ترى حَسَناً في الكونِ من فَيض طينتي

فالصراط الأسقم تابع للتجليات الإلهية،كتجليات الحق سبحانه يوم القيامة في صور المعتقدات،تجليه في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة،فينكرون ربوبيته،ويقولون لذلك المجلى نعوذ بالله منك،ها نحن لربنا منتظرون،فلا يقرون له بالربوبية حتى يتجلى عليهم في الصورة التي يعرفونها (رواه البخاري). 

فلا أحد ينكر هذا التجلي،ولا أحد من العارفين،إلا ويعترف بجهله حيال الحقيقة المحمدية،والعجز عن معرفة كنهها،قال المشيشي رضي الله عنه”فلم يدركها منا سابق ولا لاحق”فالصراط أسقم،ومن أنكره فلامعرفة له بتجليات الحق،وجمعه بين الأضداد(ولله في خلقه شؤون).  

 سئل أبا سعيد الخراز :بما عرفت الله،فقال:بجمعه بين الأضداد.

قال تعالى﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌلَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾وقال “مثل أمتي،مثل المطر لايدرى أوله خير أو آخره “. “ليدرك المسيح أقواما مثلكم أو خيرا منكم”.وقال رسول الله «يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه له أجر خمسين منكم،حتى أعادها ثلاث مرات.قال رسول الله  «المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجرخمسين شهيدا».قَالَ رَسُولُ اللَّهِ « وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ،قَالَ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» فطوبى لنا بهذه الأخوة،ولاشك أن ما تـمناه من لقاء إخوانه تحقق،ويابشراه،وياسعداه لمن لقيه، ولايكون اللقاء،لقاء حتى يكون يقظة ( إياك أعني فاسمعي يا جارة).  

فالايات السالفة الذكر والاحاديث النبوية،كقوله   “وددت أني لقيت إخواني”أحاديث تشير إلى ترقي التجليات الإلهية والى ترقي النبوة المحمدية في دوائرها.فهو  عين الرحمة الإلهية،وعين الحق، وعين المعارف،وهو الممد لكل الحضرات،له وجهتان:وجهة حقية﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِن قُرْآنٍ ﴾”تتلوا منه من قرءان”،ووجهة خلقية﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ﴾فاجتمعت فيه الأضداد،و لم يكن كهيئة أحد من العباد.

يقول الإمام الجيلي،في وصف الحيرة الطارئة على المحقق المحمدي :

هي الشمس نور هي الليل ظلمة  *   هي الحيرة العظمي التي تتلعثم

   مبرقعة من دونها كل حائل   *  ومسفرة كالبدر لا تتكتم

           فنور ولا عين وعين ولا ضيا   * وحسن ولا وجه ووجه ولا حسن

  شميم ولا عطر وعطر ولا شذى  *  وخمر ولا كأس وكأس مختم

فبعض العارفين(والامثلةكثيرة)جَزَّأ الأحدية وقال”بحارالأحدية”(بحار)،وهي أصل نور النبوة المحمدية، وهي صفة لاتُجزأ،والنور لا يجزأ ،فهذا صراط تام،لأنه وصل الى مقامات قعساء،وأسقم لأن التجليات الإلهية اللاحقة،بينت خلاف ذلك(انظر كذلك الخلاف الوارد بين ابن عربي والجيلي في شان الأحدية ،والجدال بينهما حول من السابق العلم أم المعلوم؟ ). وإذا ألقيت نظرة على مراتب الوجود للشيخين الكبيرين الجيلي والكتاني رحمهما الله تعالى تجد أنهما، أدرجا الواحدية قبل الألوهية في دوائرهما؟

فتجليات زمانهم طلسمت عليهم الأحدية،وأخفت عليهم البعض من مراتب النبوة المحمدية.لأن لكل زمان تجلياته وعلومه﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ فالعلم الحديث تتغير معطياته وتتقدم تباعا لتقدم البشرية.وكذلك المسائل الباطنة.فالاسماء الالهية تعمل في الظاهر كما تعمل في الباطن.  

ولو تتبعنا الكثير من العارفين لوجدناهم على صراط تام بالنسبة لتجليات عصرهم،أسقم بالنسبة لتجليات العصور التي تليهم.حتى فتوحات زمننا هذا سيأتي عليها زمان تتصف “بالسقم”والضعف، والعجز،والنقص بالنسبة لماسياتي من فتح بعدها”ماعرفني حقيقة غير ربي”وهذا ليس تنقيصا من العارفين لا ،لا،ولا تناقض في كلامهم،وإن ظهر للقارئ الغير متمرن لأنهم يشربون من عين واحدة اسمها:محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾ يشربون بها منها.اللهم قدس اسرارهم واسكنهم فسيح جناتك قرب سيد الاولين والاخرين ،وانفعنا بهم.

فكلمة”الأسقم” الواردة الذكر،تعبير عرفاني ذوقي صائب،واللغة العربية حجبت من انكره عن الوصول الى كنهه،و الذوق أوسع من اللغة،فلم يحيطوا به خُبرا (بضم الخاء).

وغالبا ماتنكر الشريعة ماورد على  لسان الحقيقة﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا﴾﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً﴾ ﴿لَوْشِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾فالشريعة تامة كاملة﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾وهي من جملة الحقائق.ومن الحقائق من ينتظرظهوره.فشريعتنا تامة كاملة،ونحن﴿خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾بظهور الخليفة الكلي صورة وحقيقة بين أظهرنا. الشريعة”لاإله إلاالله”والحقيقة”محمدرسول الله”.الشريعة تقول ﴿إِذَاجَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَيَسْتَقْدِ مُونَ﴾والحقيقة تقول«من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأله في أثره فليصل رحمه»(متفق عليه)،ينسأ معناه:يؤخر له في أجله ويزداد له في عمره.

هذه إشارات ذوقية للمعاني الباطنية لكلمة”الأسقم”.والشريعة بدورها لها ظاهر وباطن،محكم ومتشابه ،تنزيه وتشبيه،إطلاق وتقييد،ولايجب أن نفهم أحد الجانبين بمعزل عن الآخر،فالنظر إلى جانب واحد منهما،يؤدي إلى فهم سقيم للمعنى المقصود.فقوله رضي الله عنه،صراطك التام الأسقم كلام صائب من الناحية الذوقية.

أذواق وإشارات لاتحملها العبارات ,ورموز وأسرار لا تلحقها  الخواطر والأفكار.فسلم تسلم ولا تنكر تغنم.

اللَّهُـمَّ صَــلِّ وَسَلِّـمْ عَلَى طَلْعَةِ

الحَـقِّ بَالحَـقِّ الكَـنْزِ الأَعْـظَـــمِ 

 قال حسان بن ثابت رضي الله عنه  :   

 لما نظرت إلى أنواره سطعت   *وضعت من خيفتي كفي على بصري

               خوفا على بصري من حسن صورته* فلست أنظر إلى على قدر

                الأنوار من نوره في نوره غرفت  *  وطلعته أبهى من الشمس والقمر

                روح من النور في جسم من القمر* كحلية نسجت من الأنجم الزهر

ورد في لسان العرب من معاني طلع:طلَعت على القوم تطلع طلوعاً،إذا غبتَ عنهم حتى لايروك، وطلَعت عليهم إذا أقبلتَ عليهم حتى يَرَوْك‏.‏فتعني الظهور،والبطون، والإقبال، والبلوغ،والقصد ،والعلو، فهو من الأضداد.    وطلعة الحق هونور نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،الذي عرف الكون بخالقه.فلاشهود إلا فيه،ولا تجل إلا منه.”من رآني فقد رأى الحق”(البخاري)،فهو طلعة الحق من (يوم )“كنت نبيا وءادم بين الروح و الجسد”،فلا وصول إلا لأعتابه،ولا دخول إلا من بابه، ولا ترق إلا بإذنه .

فهو الدال على الله بالله،والدال على الله بنفسه،والدال على نفسه بالله،والدال على نفسه بنفسه. تقدم في الوجود،وتأخر في الشهود،فظاهره وباطنه طلعة الحق،في كلامه:﴿ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ،﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾وفي أفعاله ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾فالرامي الله والظاهر الصورة المحمدية﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾وصفاته:﴿إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾فمن بايعه فكأنما بايع الله ،وفي هديه ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ﴾﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ﴾وقال له تعالى :﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ ﴾عبادة امتنان وكيف لا،وهو صلى الله عليه وسلم مربينا،ومعرفنا بخالقنا.فكل صورة في الوجود لها وجه يرجع بها إلى اسم من الأسماء الإلهية، وبالتالي إلى الحقيقة المحمدية اذ لابد من اصطحاب الاسم الالهي مع النبوة﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾سواء في عالم الملك،أوفي عالم الملكوت﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.فكل مايفتقر إليه يصب في مقتضى اسم من الأسماء الإلـهية.فقر ذاتي للخلائق،لا اختيار لهم فيه،وما في الوجود شئ لا يفتقر إليه،إذ ليس في الوجود العبث.وما في الوجود إلا الأسماء الإلهية ومقتضياتها.وما في الوجود إلا الجمال ،وهي طلعة الحق التي ظهر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهو متحل ومتجل بجميع الأسماء والصفات الإلهية ،وهذه هي الوجهة الحقية التي أظهرت الحقيقة المحمدية بصورة لاهوتية” روح من النور في جسم من القمر” وفي مكافحة هذه الوجهة،زلت أقدام بعض الصوفية.وظن بعضهم أنه في مكافحة الذات الإلهية(تعالت عن ذلك علوا كبيرا) و أن الحق يخاطبه،وأنه في مشاهدة الحق،وأنه يتلقى منه مباشرة دون وساطة النبوة.وهذا كذلك صراط أسقم.     

فالحقيقة المحمدية نائبة عن الحق في الكون،وهي الظاهرة في المظاهر لأهل الكشف والشهود (لا الذات الالهية) وكما اتصف الحق بالظهور والبطون، كذلك الخليفة الكلي،”ولون الماء لون إنائه”،ومع شدة ظهوره وسريانه في جميع جزئيات العالم،فهو باطن لايدرك.فجميع ما في الكون إنما هو آثار الأسماء الإلهية،ظهرت في صور المخلوقات،على وفق مراد الحق تعالى،ما وافق طباعنا نقبله،ومالا نألفه نرفضه.تتنوع لكثرة مظاهرها،وإختلاف غايات مظاهرها﴿إنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾﴿قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ﴾.

واعلم أن طلعة الحق والذي محتده الاحدية الصرفة،عندما خرج الى عالم الملك،زيد مرتديا نبوته، وإلتحف بالرسالة عند تـمام الأربعين.أي كان نبيا رسولا قبل القبل، وزيد نبيا،وما زال نبيا بعد البعد.

طلعة الحق بالحق :الحق بالحق أي إن الله تعالى هو الذي أقامه في هذا المقام،وأنابه منابه ،وهو  عبد محض لا نُؤَلهه ولا يقبل من أحدنا أن يؤلهه.أرسل للخلق للتعريف بالحق ،لا للتعريف بنفسه.

تجلَّى فيه الحق فطلبه الخلق.فهو لِأصحاب الرقائق حقيقة الحقائق،حارت فيه العقول بِأفكارِها، والأَذواق بكشوفاتها، فما شهدت له عيناً،ولاعلمت له أَيْناً.هو الرحمة الإِلهية في صورة انسان.الموجود بحقيقته بكل زمان ومكان﴿فَٱرتَقِبهُم وَٱصطَبِر وَنَبِّئهُم أَنَّ ٱلمَاءَ قِسمَةُ بَينَهُم ﴾.

الكنـز الأعظم : الكنـز هو المال من فضة،أوذهب،أو كل ماهو ثمين عِلْمًا كان أوصحفا.

لما اصطحبت حقيقته  بالقرءان،ومع الأسماء الإلهية،أُودِعت فيها كل العلوم،والقرءان جمعت فيه كل المقتضيات الكونية.قال تعالى﴿مَّافَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾فالعثور على هذه الحقائق،والرقائق،والخبايا،والخفايا المحمدية الأحمدية،هو عثور على كنـز ثمين.ولا تَحَوُّل للحقيقة المحمدية،عن كنـزيتها وخفاءها أبدا. ليل داج،وبحر متلاطم الأمواج:

صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى *  ونور ولا نار وروح ولا جسم

إِفَـاضَتِـكَ مِنْـكَ إِلَيْـكَ

إِحَـاطَـةِ النُّـورِ المُطَــلْسَـمِ

هذه الصلاة،وصفت النبوة بنور الأكوان،وبالبرق الأسطع،وبنورك اللامع والنور المطلسم، ووصفتها بعين الرحمة،وهذه المراتب كلها أولية فهو﴿أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾والحقائق كذلك لها الأولية،ولها الآخرية،وهو عروش الحقائق،وتحلى،وتجلى،بالأسماء الإلهية”ولون الماء لون إنائه”﴿هُوَالْأَوَّلُ وَالْآخِرُوَ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾فهو عين المعارف،ولايغيب عنه شئ من مقتضى القرءان،عنده علوم الآولين والآخرين.

اعلم ان الوجود واحد،وله ظهور وهو العالم،وله بطون وهو الأسماء الإلهية،وله برزح فاصل بينهما هو الحقيقة المحمدية ليتميز الظهور عن البطون،والبطون عن الظهور.فالظهور مراة البطون والبطون مراة الظهور.ولما أراد الحقّ سبحانه من حيث أسمائه وصفاته التي لايبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها،وأن تنفعل في الكون الإلهي،وأن تظهر مقتضياتها، اي أن يرى مرتبة الألوهية(ولا أقول الذات الإلهية)في كَوْنٍ جامع،يظهر به سرها،أبرز برزخا نورانيا عظيما ألبسه حلل أسمائه وصفاته،فكان هو الفيض، وواسطة الفيض بين الله تعالى وعالم الإمكان، له وجهة حقية تنظر الى الالوهية ووجهة خلقية موالية للعبدية ،وحقيقة العبودية تقتضي طاعة المعبود ومحبته، والخلائق لا قدرة لهم على الوصول الى كمال محبته تعالى وطاعنه،لضعفهم الذاتي ولميلهم الى الشهوات الدنيوية فخلق لهم برزخا من جنسهم بشرا مثلهم واسطة بين حضرتين يتعذر تواصلهما،لانعدام المجانسة والمناسبة فبلغت الطرف الخلقي،أنباء وأوامر حضرة الالوهية، فَأَقَام طَاعَتَه مَقَامَ طاعَتِه﴿مَّن يُـطِعِ ٱلــرَّسُولَ فَـقَد أَطَــاعَ ٱللَّهَ﴾ومبايعته، مقام  مُبايَعَتِهِ، وَمَحَبَّتَه مقام مَحَبَّتِهِ﴿قُل إِنْ كُـنتُم تُـحِبُّـونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبـِعُـونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ﴾.

إفاضتك منك إليك،أي دون وساطة أحد،لوقال منك عليه،لأفادت أن هناك وساطة جبريل، وقوله “منك”لا يمكن أن تشير إلى الذات الإلهية،تعالت عن ذلك علوا كبيرا.فالذات خارجة عن دائرة الادراك،مجهولة للخلق لاتعقل ولانعرف عنهاشيئا،ولانستطيع أن نصفها بشئ ،سوى الوجود،لأنها  مجردة من كل اسم و وصف واضافة،و كل نعت،أو وصف يقيدها،ويشبهها بالمخلوقات،هو تعالى  ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئ ﴾فلا يمكن أن يدل عليهابلفظ،فالذات الإلهية لامشهودة ولامعبودة،لها الغنى المطلق حتى عن الأسماء والصفات ،ولا يطلق عليها لفظ حقيقة.فالحيرة في جناب الذات الإلهية أعظم الحيرات،لأنه خارج عن الوصف والحصر والتقييد.وما أحسن قول القائل:

لا عينٌ تبصره،لاحد يحصره=لاوصف يحضره،من ذا ينادمه

الأحدية:تكلم عنها العارفون،ولم يستوفوا،ولو القليل من حقائقها،فمنهم من قال أنها اسم،ومنهم من قال هي صفة،ومنهم من لم يشر إليها بتاتا في أذواقه،لأن حقيقتها لاتدرك.هي حضرة سحق ومحق.. هي مصدر النقطة النورانية النبوية،ومصدر الفيضة القرءانية،وليس لها مقتضى في الكون الإلهي إطلاقا، ولا تجل بها بإجماع جميع المحققين،ولا تعلق لها بالكائنات،ولا تقبل السِّوَى،فلوكانت”منك” تعنون عن الأحدية لبقي الوجود في طي البطون ولم يظهر له أثر.  

يقول  الشيخ احمد التجاني ما يرويه عليه تلميذه علي حرازم في كتاب جواهر المعاني: مرتبة الاحدية هي مرتبة كنه الذات وهي الذات الساذج التي لا مطمع لأحد في نيل الوصول إليهاوتسمى حضرة الطمس والعماء الذاتي …اهـ.

الألوهية: أي مرتبة اسم الجلالة” الله”هو بساط الإصطحاب بين الفيضة القرءانية،ونور النبوة،وفيه لبست المحمدية حلل الأسماء الإلهية،وهوبساط الترجمة عن الله،وهو خاص بالتوحيد، وهوبداية الظهور. وهو مرتبة وجودية تطلب المألوه ويطلبها وبالتالي فهي حقيقة (بخلاف الذات)فالإفاضة كانت من دائرة الألوهية.منها أفاضت نبوة سيدنا محمد،الرحمة على الوجود.فما أوجد الحق سبحانه الملك إلا لمعرفته.فأوجد النسبة وهو نور النبوة من نوره”وهي قوله “منك”أنامن نور الله والمومنون من نوري”)رواه الديلمي(ثم أوجد الموجودات بتلك النسبة و”إليك”راجعة على تجليات الأسماء الإلهية،وعلى المقتضيات القرءانية التي”تمر”عبر وساطة حقيقته،وسبق أن قلت،أن الصلاة على النبوة تظهر المقتضيات الكونية. فالوجودبنور النبوة ظهر،وعنها صدر،وإلى رحمتهاافتقر﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾وبمددها استمر،فكانت حاجزا بين الكون وبين حرارة التجليات الإلهية.هي الرحمة المهداة،والنعمة الكبرى المسداة”رحمتي سبقت غضبي”أفاض نور النبوة الرحمةعلى الكون الإلهي فأخرجه من البطون إلى الظهور أفاض عليه فأخرجه من وجود علمي إلى وجود عيني.أفاض عليه فأبرزه من”كنت كنـزا مخفيا”إلى” فأحببت أن أعرف”فجاد على الوجود بعبادة الله،ومعرفة الله،أفاض عليه”بإخماد”حرارة التجليات الإلهية.فالإبتداء منه والإنتهاء إليه.وبفيض خاص ارتشفت كل الدوائر التي حصرها العارفون في أربعين دائرة) هن الدوائر الأمهات,لأن تحت كل دائرة عدد لايحصى من الدوائر(عشرون منها تكفلت بها الأحمدية ،وعشرون تكفلت بها المحمدية.

يقول الجيلي رحمه الله في نونيته :

           ولكل وجه في العبارة والأدا   *    ذات وأوصاف وفعل وبيان

      ولئن ترى الذاتين قلت لكونه     *       عبدا وربا إنه  إثنان

         فهي المسمى أحمد من كون ذا     *      ومحمد لحقيقة  الأكوان

فرأى رحمه الله،حقيقتين،إحداهما متصفة بالعبودية،والأخرى بالربوبية وهو قوله “عبدا وربا إنه إثنان” وقال ولكل وجه فِعْل،أي كل وجه (أحمد – محمد)مختص بدوائره.

 إحاطة النور المطلسم: كلمة الطلسم تطلق عند العامة ،على كل أمر معجم،وسر مبهم،وتعني الخفي،وعند العارفين هو الإنسان الكامل،المتحقق بالأسماء الإلهية،وهو بطبيعة الحال:مــحـــــمــــد رسول الله.ليس إلا.

ورد في الخبر الوارد كشفاً، الغير ثابت نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،عن ربه عز وجل أنه قال:”كنتُ كنـزاً  مخفياً فأحببتُ أن أُعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني”.(ابن عربي ينسب هذا الحديث في عقلة المستوفز الى احد الانبياء) فهو  الكنز بعينه،لأن الحق سبحانه وتعالى،غني عن معرفة من يعرفه لتمام غناه.فإن قلت الكنز المخفي،هوية الحق صدقت،وإن قلت هو حقيقة محمد  صدقت. قال الشيخ محمد الكتاني:”فحين انطباعك فيك يكون هو هو لا أنت أنت،وحين انبساطك عليه تكون أنت أنت لاهوهو”.”خيركم من إذا رئي ذكر الله” اهـــ.

كل شئ في الوجود ما صح له الوجود،إلا بسريان الحقيقة المحمدية فيه،هي التي أفاضت عليه الوجود، وهي المسبحة فيه به،والمتقلبةبه فيه.ولوفقد الكون سريانها لصار محض عدم،فهي المفيضة نعمة الوجود على الوجود،وهي سرالوجود،وروح الوجود.ولولاها ماصمد أمام التجليات الإلهيةلانعدام المجانسة والنسبة ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾.

وصفه ب”النور المطلسم “والنور يلازمه الظهور ،وهنا إشارة أنه الظاهر في عين بطونه،والباطن في عين ظهوره ،فمن ظهور حقيقته تعجبوا،ومن بطونها استغربوا،ولعظيم شأنها شاهدوا،تاهوا في جمالها وكمالها وهاموا﴿ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَواْ فِيهِ وَإِذَا أَظلَمَ عَلَيهِم قَامُواْ﴾.”ومن عجب أن الظهور تستر”:

حجبوك عن مقل الأنام مخافة      *      من أن تخدش وجهك الأبصار

 فتوهموك ولم يروك فأصبحت     *          من وهمهم في خدك الآثار

فنورالنبوة هوبداية الوجود وفاتحته،به صح الوجود للوجود،وظهرت المقتضيات،فَطُلسم في القرءان عموما،وفي البسملة خصوصا،ففصلت بها السور بعضها عن بعض،بعدما كانت آيات،وطلسم في كل التجليات وبالتالي في كل المقتضيات الكونية.﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾أينما ذهبت لاتجد إلا حقيقة محمدصلى الله عليه وسلم. فما أدرك العارفون من حقيقته،إلا حسب تجليات عصرهم،كل واحد على قدر قامته المعرفية.ومقامه العرفاني .

هذاالنور المطلسم،والغيب المطمطم،لاتدرك حقيقته إلابصحبةشيخ،محقق،عارف،واصل،وكأني بالحقيقة المحمدية تقول: لا يعرفني إلا من عرف من عرفني .

صَلَّـى اللهُ عَلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـهِ، صَـلاَةً تُعَرِّفُنَـا بِـهَا إِيَّـــاهُ

الصلاة على النبي على أقسام:صلاة الله عز وجل على النبي،وهي مدح له،وتنزيه له،ورفع الحرج عنه،والرفع من عظيم قدره،بالنعوت الواردة بالقرءان الظاهرة والباطنة.

صلاة الملائكة بالشمائل المحمدية.

صلاة المؤمنين بالسيرة العطرة. 

قال أبو الفيض الكتاني،من صلى على المحمدية بالمحمدية(السيرة أو الشمائل)فقد مدحها،ومن صلى على المحمدية بالأحمدية فقد أثنى عليها،وشتان ما بين المدح والثناء.والصلاة بالنعوت تفوق غيرها، وتطوي المسافات.والنعوت كلها أوصاف باطنة او ظاهرة من القرءان.قال مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِــــــــهَــــــا عَشْراً.(رواه مسلم والترمذي) صلى الله عليه بــــهـــــا.

صَلَّـى اللهُ عَلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـهِ:

هذه الصلاة لم يذكر فيها اسم محمد، وذكر “الآل”والحقيقة المحمدية ليس لها “آل”هي يتيمة في الكون الإلهي،ولم يذكر الصحب (ءاله وصحبه) فربما قصد (بآله) مراتب الحقيقة المحمدية والتي ذكر منهم: الرحمة الربانية،مرتبة الفردانية،والنور الظاهر والمطلسم،ومرتبة الكنـزية،وصلى عليه في الدوائر الكونية، ومابقي من المراتب والتي لاحصر لها (لأن النبوة مطلقة)عبر عنها بلفظ “آل”.أي طلب من الله ان يصلي عليه في كل مراتبه العظيمة،وحضراته المنيرة،ولو قال”آله”وذكر معهم الصحب لعرفنا أن”الآل ” هنا هم مولاتنا فاطمة الزهراء،وسيدنا علي،والحسن ،والحسين رضي الله عنهم.

هذامن باب الإشارة.وإلا،ف”ءاله”تشير كذلك إلى آله عليهم الصلاة والسلام،مع الأخذ بعين الإعتبار الإصطحاب الذي وقع في المعراج بين الأحمدية والمحمدية،فرجع إلى أهله  أحمد- محمد. محمد – أحمد.الصفة عين الموصوف بها.وجهتان لعملةواحدة وهم “ال”الوجهة الخلقية خصوصا وأن الصلاة نعتته ب”الآدمي”.

صَـلاَةً تُعَرِّفُنَـا بِـهَا إِيَّـــاهُ:

كل صلاة من أحمديته على محمديته،هي بطاقة تعريف له وكل من أكثر من الصلاة عليه، بصلوات نعتية راقية،موافقة للتجليات الإلهية،ومأذون له فيها من شيخ عارف، غارف،واصل،و فنى في محبته فإنه لامحالة يصل إلى معرفته.

جوهرة الكمال

هذه الصلاة هي فعلا جوهرة الكمال،وكيف لا تكون وقد تلقاها القطب أحمد التجاني رحمه الله ،من سيد الوجود ولا شك في ذلك.فالمعاني التي في طيها تبرهن على أنها ليست من نظمه، وأخرصت ألسنـتنا عندما أشارت إلى إعجاز علمي،أن مكة مركز الكون)الشيء الذي لم يُعرف إلا في السنوات الأخيرة(.وهذه الصلاة عرَّفت به :فهو الرحمة الإلهية بعينها،الظاهر بها،والمقسم لها على الملك والملكوت،والملطف لجلال التجليات الإلهية،وبهذه الرحمة التي سبقت الغضب،يرحم الله العباد، ويتراحمون فيما بينهم.وليس له نظير في الكون الإلهي،فهو قرءان يمشي،اسمه محمد بن عبد الله، وهو أصل الوجود وهيولاه من حيث حقيقته،لامن حيث صورته،وهو عين الحق،فنبوته حق،ورسالته حق،وتحققه وتخلقه بالأسماء والصفات الإلهية،هو تتويج له بالمرتبة الحقية،ومع ذلك فهو آدمي.عبد من عباد الله.ألبسه الله تاج الخلافة،والله﴿لَايُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾فكان هو القاسم للإمدادات الإلهية،فرتبت الدوائر الكونية،وفق مقتضيات ميازب الذات العلية،فلايظهر في الكون إلا سر مقتضياتها بعدتجلي الحق فيها.وحقيقته ملأت الكون.والأمكنة المقدسة،هي أم القرى ومركزها، وهي مرتبطة بشريعته التي هي أم الشرائع.فهو قطب رحى الوجود،حقيقة وشريعة.ظاهرا وباطنا،حسا ومعنى،ملكاوملكوتا،أولا وآخرا.فلاظهور إلا لحقيقته ولاتجل إلافيه،ولاخطاب إلامعه،ولله الغنى المطلق. وهو سار بحقيقته في الوجود سريان الماء في الأشجار.وهوكنز لايعرف وسر مطمطم لايكشف،ونور مطلسم لايكسف.هو المفيض على الوجود كل العطايا،والمنح والنفحات فمن نسج صلوات على محمديته، فمن أحمديته استمد،ومن جمع الأحاديث وتكلم في الفقهيات فعلى مدده اعتمد.ومن صنع الطائرات،والسفن،والدبابات، والهواتف المحمولات،فمن قسمة التجليات أُعطى وأخذ.

فالله المعطي وهو القاسم .فكل شئ ظهر في الوجود إنما هوميراث محمدي،عرف ذلك من عرفه، وجهله من جهله.والكون أحقر من أن يختار،أوأن يدبر نفسه بنفسه،إذ لوكان الأمركذلك لاستغنى عن الله.

وهو الآدمي المولود من أم وأب،والآدمي صاحب الحق الرباني،والآدمي الذي دنا فتدلى،فكان قاب قوسين أوأدنى.فهو صلى الله عليه عبد محض،وقد مدحه الحق بقوله﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ فنعم العبد أنت صلى الله عليك بك.وقال له تعالى ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ ﴾اشارة الى الاصطحاب،ففهمنا الخطاب واستوعبنا السر الذي لا يدركه إلا أولوا الألباب، فلايصلنا أمر،أونهي إلا من برزخيته.وهو صاحب المقام المحمود،واللواء المعقود،والدين المشهود.وهو النور الجلي الخفي المقصودالموجود،وهو الكنـزالمطلوب المفقود،الآدمي المفيض الرحمة على الوجود، الداعي الخلق إلى الحق المعبود،الظل الممدود لأهل العناية،والجناح المنشور لأهل الولاية،والوجه المشهود لأصحاب مقام وحدة الشهود.فما عرف حقيقتك غير ربك،والعجز عن الإدراك وإدراك. والله غني عن العالمين .

وقوفا على الأقدام في حق سيدي يعظمه الرحمن والكون والأنس.

الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلَ العَابِدِينَ،يَا سِرَّ السَّاجِدِينَ، يَابَصِيرَةَ العَارِفِينَ،يَا أَحْمَدَ الحَامِدِينَ،يَا مَنْ نَبَّأَهُ اللَّهُ وَآدَمُ بَيْنَ المَاءِ وَالطِّينِ.الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا إِمَامَ أَهْلِ المُلْكِ وَالمَلَكُوتِ.الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاقُدْوَةَ كُلِّ سَالِكٍ وَمَجْذُوبٍ. الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامُفَرِّجَ الكُرُوبِ.الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ نُورِهِ،ثُمَّ خَلَقَ المَخْلُوقَاتِ، وَأَعْطَاهُمْ بِقِسْمَتِهِ جَمِيعَ الأَرْزَاقِ حِسِّيَّاتٍ وَمَعْنَوِيَّاتٍ. الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ فِي عَالَمِ المُلْكِ آثَارُهُ،وَفِي عَالَمِ المَلَكُوتِ أَسْرَارُهُ،وَفِي عَالَمِ الجَبَرُوتِ أَنْوَارُهُ. الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاآيَةَ الدَّهْرِ،يَالَيْلَةَ القَدْرِ.الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَامَنْ رُوحَانِيَّتَهُ مَلَأَتِ الأَكْوَانَ. الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَاقُرَّةَ الأَعْيُنِ لأَهْلِ المَعْرِفَةِ وَالعِرْفَانِ.السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَارُوحَ الأَرْوَاحِ.السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ العُيُونِ.السَّلاَمُ عَلَيْكَ بِلِسَانِ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ﴾،وَعَلَى آلِكَ وَصَحْبِكَ وَسَلِّمْ.

جزاك الله عنا ياسيدنا،ومولانا،وحبيبنا،ونبينا،ورسولنا خير جزاء .

 اللهم اغفر لأمة سيدنا محمد،اللهم ارحم أمة سيدنا محمد،اللهم اغفر لأمة سيدنا محمد،اللهم اجمع شمل أمة سيدنا محمد على محبته،وعلى الإكثار من الصلاة عليه ،اللهم شفع فينا سيدنا محمد. والله يقول الحق وهو يهدي  السبيل وصلى الله على سيدنا محمد . 

الفقير الى عفو ربه محمدبن المبارك العارف بالحقيقة المحمدية الاحمدية غفرالله له ولشيخه رحمه الله تعالى،ولوالديه ولجميع المومنين والمومنات المسلمين والمسلمات الاحياء منهم وأموات.

انتهيت من هذا الشرح يوم 29  يوليوز 2011 الموافق للجمعة 27 شعبان 1432

لم أنشره بذلك التاريخ لرؤيا رأيتها (تأويلي لها منعني من نشره) .تم ترميمه في شهر يوليوز 2020 الموافق لذي القعدة 1441هــ.

ملحوظة:هذه الصلاة المباركة لم أفكر بتاتا بشرحها،إنما كنت أتداول مع ابني عبر الشبكة العنكبوتية، مناقشة صلوات بعض العارفين،فأعددت هذه الصلاة بغية مناقشتها معه،وإذا بي أشرع في شرحها، فقررت إتمامها.ولا أنكر أنني وجدت صعوبة في فك ألغازها،ولكن بمساعدة دائرة الأنوار،وعين المعارف والأسرار ،فُك إبهامها،وفتحت أقفالها،واستُنبطت معانيها،واستُخرج السر المكنون في باطنها ،وقد أهديت الشيخ أحمد التجاني سلكة من القرءان،وعدة أذكار،وأعداد كثيرة من صلوات راقية، نعتية،طيلة مدة إشتغالي بها،وقمت بزيارته.فما أظنه إلا فرح بالهدايا،وبالشرح غاية الفرح.

وإذا كان الإيمان بضع وسبعون أوبضع وستون شعبة،كما قال رسول الله ،أفضلها قول لاإله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.فأرجو أن يكون هذا الشرح، إماطة الأذى عن هذه الصلاة العرفانية النعتية.وحسبي أن هذا جهدي،وإن لم يصبها وابل فطل.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه.

سؤال ورد اليوم 18 غشت يسأل صاحبه هل سيدي محمد التجاني ختم على جميع الاولياء السابقين واللاحقين ولا ختم بعده

الجواب

منطق الختمية يفترض نهاية أمرما،ومنطق الوراثة المحمدية يقوم على ابتداء امر ما، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيئين به انتهت النبوة، والوراث المحمديون لم ينقرضوا وبالتالي فلا وجود لولي ختم على كل الاولياء وعلى كل الازمنة حتى ينزل سيدنا عيسى عليه السلام فتثبت له الختمية المحمدية على كل الاولياء وعلى كل العصور.فمن ميزة الامة الاسلامية ان ختم الاولياء نبي ورسول من اولي العزم

لو جمع ختم هذا الزمان مع الاخنام الذين سبقوا لكان اماما لهم

قال تعالى ” وماكان عطاء ربك محظورا

=====

بعد سويعات يضيف صاحب السؤال استفسارا ثانيا

كيف نفسر قول سيدي احمد التجاني على انه ختم الاولياء الى اخر الدهر؟

الجواب ان كان فعلا قال هذا ،فهو كلام ورد على لسان الحقيقة المحمدية فنى فيها فنطق على لسانها

كقول ابن الفارض
وروحي للأرواح روح وكل ما = ترى حسنا من فيض طينتي
ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن = شهود ولم تعهد عهود بذمتي

========

كتبت هذا الشرح المبارك سنة 2011

واليوم 13 دسمبر 2023 أصحح ماقلت :قلت أن هذه الصلاة يوما ما لن تساير التجليات الالهية وسيصيبها السقم التي تحدثت عنه وهذا غلط مني فقد تبين لي بعد 12 سنة أنها بإذن الله لها الاستمرارية الى ماشاء الله

حصل المقال على : 4٬060 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (1)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد