إشاراتٌ في الرّسم القُرآني الحلقة السادسة
رسم كلمة
(أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَعۡرَافِ)
﴿بِسْم اللّه الرّحْمَن الرّحيم﴾﴿الحَمْدُ للّه ربّ العٰلمين ﴾حَمْدَ العارفين و﴿لا إله إلا الله﴾ توحيد المُقرّبين والصّلاةُ والسّلامُ على نَبيّ الله صلاة الأحاديين. ونبرأ إليه تعالى من الحول والقوة فلا علم إلا ما علّمَنا ولا عطاء إلا ما أعطانا ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن هَمُّه الصدق وبُغيته الحقّ وغرضه الصواب ممن لايلتفِت إلى نفسه ولايبحث عن الثناء ولا عن التّطاول والإطراء فإن أصاب فمن اللّه وإن أخطأ فمِن نفسه ورحِم اللهُ امرؤا عرف قدره فوقف عنده﴿ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد مدينة العلوم الإلهية وعلى آله وصحبه أبواب ا لأسرار الربانية وعلى العارفين ذوي الهمم العالية والمعارف اللدنية والفتوحات الكشفية صلاة نَلِجُ بها دوائر الأولياء وننال بها المقامات القعساء .
قال الحق تعالى في هاتين الآيتين من سورة الأعراف :
وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ ٤٦
وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٗا يَعۡرِفُونَهُم
بِسِيمَىٰهُمۡ قَالُواْ مَآ أَغۡنَىٰ عَنكُمۡ جَمۡعُكُمۡ وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَكۡبِرُونَ ٤٨
(أَصۡحَٰبُ ٱلۡأَعۡرَافِ)… كلمة (أَصۡحَٰبُ) جاءت مخالفة في رسمها للكتابة الإملائية الإعتيادية للغة فحُذِف الألفُ لأنّ أهْل هذا المقام الجليل متباينون زمانا و مكانا و أوصافا ظاهرةً و باطنةً و لأن الإرادة الإلهية شاءت سترَهُم غيرةً عليهم فَرُفِعَ ألفُ الإثباتِ رسمًا إشارةَ اختصاصٍ حتى لا يَعْرفَهُم المجرمون فَهُمْ مِن أجَلّ عرائس الأولياء ( ولا يرى العرائس المجرمون) كما يقول القوم.
بينما كلمة (ٱلۡأَعۡرَافِ) جاء رسْمُ ألِفِها ثابتا لأنها تُعَنْوِنُ عن مقامٍ معلومٍ ثابتٍ مُخَصَّصٍ لمن أكرمه الله به ..(ٱلۡأَعۡرَافِ) تكرّرتْ مرَّتيْن فقط في القرآن كله وفي كلتيهما ارتبطت بالرجولة و المعرفة كما وردت في الآيتين أعلاه..
( رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ ).. الوقف هنا يقودنا لفَهْمٍ رجال الأعراف باعتبارهم رجالا عارفين بالمعنى المعروف عند القوم أهل الله وهاته المعرفة جاءت بفعلٍ مضارع يفيد التجدد و الديمومة (يَعۡرِفُونَ)فلن يخل عصر و مصر من وجود هؤلاء الأكابر وهذا من سر حذف الالف في (أَصۡحَٰبُ) كما تقدم.. وفي إعراب (يَعۡرِفُونَ) لغةً نجدها جملةً في محل رفع صفة ل (رِجَالٞ) ..فانظر سبحان الله كيف صارت المعرفة صفة ثابتة لهؤلاء الأكابر بمعناها اللغوي تماما كما هي لهم صفة من حيث معناها الذوقي..
هاته المعرفةُ التي لا يؤتاها إلا الأكابر من القوم مجالها موصوف:
أولا – بالشمول و الكلية في الإستشراف بشاهد * يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ *..
ثانيا- بالدقة في الإطلاع على المنازل بشاهد اقترانها بعلامات و دلائل مُسَدّدة (بِسِيمَىٰهُمۡ)..
ومن عجائب اللطائف أنَّ كلمة (بِسِيمَىٰهُمۡ) اقترنت في القرآن كله بالمعرفة وجاء رسمها بألف محذوف إشارة أنّ السِّيَم و العلامات الخاصة بكل واحد تختلف من شخص لآخر بحسب منزلته وكسبه و ظرف زمنه ومكانه و جنسه ومظهر قالبه البشري..هذه العلامات كلها مختلفة متباينة يشملها حذف الألف في (بِسِيمَىٰهُمۡ) .. هذه المظاهر هي ما اصطَلح على تسميته بعض الأكابر خاصة الأمام أحمد السرهندي النقشبندي قدس الله سره في مكتوباته ب (قبة البشرية) قاصدين بذلك الصور و القوالب البشرية الظاهرة للأولياء التي أخفى الحق تعالى وراءها سِرَّه فعيون الرائي تنظر لأجساد هؤلاء الظاهرين بشرا كغيرهم فيما تراه العين من غالب الأحوال الإعتيادية لكنهم انفردوا عن عموم الناس بما أكنَّ الله ورسوله صلى الله عليه و سلم في قلوبهم من نور البصيرة و سر الفتوح و منح المعارف و الحقائق ومن إشارات ذلك ما نسمعه من أستاذنا المربي نفع الله به قائلا (المُعاصَرَةُ حِجاب)..
*وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنْ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ*.. *وَنَادَوۡا* فعل معطوف على *يعۡرِفُونَ* فالعطف متحقق على آخِر مذكور وهم رجال الأعراف : فيكون المعنى العرفاني أن هؤلاء الأكابر لهم من الحظوة و علو المكانة بين الأولياء ما يؤهلهم لمخاطبة أهل الجنة *أَن سَلَـٰمٌ عَلَيكُمۡۚ*..فجُمِع لأهل الأعراف استشرافهُم على المنازل و اطلاعهم عليها علاوة على مخاطبة أهل الجنة بتحية السلام..
ليس في القران الكريم وقف واجب حيثُما وقفتَ فاستلهم المعنى المراد دون إخلال بمعلوم من الدين بالضرورة كما هو معلوم عند أهل الله : سنقف عند قوله تعالى *وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٌ يعۡرِفُونَ*..هاته الآية بحساب أهل الأسرار عددها 1140 أي=( 114×10) و العدد 114 هو عدد سور القرآن الكريم وتلك إشارة لرسوخ مُكنة أهل الأعراف في العلم و الفهم للرسالة شريعة ً و شدة قربهم من صاحب الرسالة سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم و العشرة 10 إشارة إلى كمال المقام(تلك عشرة كاملة) ..فهؤلاء لهم من الدرجات مقام الأختام كما حققه استاذنا المربي مولاي محمد بن المبارك نفع الله به و حفظنا فيه..
هذا و الله ورسوله صلى الله عليه و سلم أعلم و آخر دعوانا أن الحَمْدُ للّه ربّ العٰلمين
– ابن الفاطمي –