مختارات ثمينة من كلام الشيخ عبد الوهاب الشعراني
كتاب الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية:
يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في كتابه الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية
■ …… خلق الكل من غير حاجة إليهم له،ولا موجب أوجب ذلك عليه،لكن علمه بذلك سبق، فلا بد أن يخلق ما خلق .فهو {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، أحاط بكل شئ علما، وأحصى كل شئ عدداً، يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور كيف لا يعلم شيئا خلقه؟، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
■ : …..علم الأشياء قبل وجودها ثم أوجدها على حد ما علمها، فلم يزل عالما بالأشياء لم يتجدد له علم عند تجدد الأشياء، أتقن الأشياء وأحكمها بعلمه،يعلم الكليات والجزئيات على الإطلاق،فهو عالم الغيب والشهادة فتعالي عما يشركون،فعال لما يريد فهو مريد للكائنات في عالم الأرض والسموات، لم تتعلق قدرته تعالى بإيجاد شئ حتى أراده، كما أنه سبحانه ما أوجده حتى علمه .
■ …..لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئاً لم يرد الله تعالى لهم أن يريدوه ما أرادوه، أوأن يفعلوا شيئاً لم يرد الله إيجاده وأرادوا ما فعلوه ولا استطاعوا ولا أقدرهم عليه، فالكفر والإيمان والطاعة والعصيان من إرادته ومشيئته وحكمته ، ولم يزل سبحانه وتعالى موصوفاً بهذه الإرادة أزلاً والعالم معدوم، ثم أوجد العالم من غير تفكر ولا تدبر، بل أوجده عن العلم السابق، وتعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان ومكان وأكوان وألوان فلا مريد في الوجود على الحقيقة سواه إذ هو القائل سبحانه : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
■ ……وأنه تعالى كما علم ما خلق، وأراد فخصص، وقدر فأوجد، كذلك سمع ورأى ما تحرك وسكن،ونطق في الورى، من العالم الأسفل والأعلى ولا يحجب سمعه البعد،فهو القريب، ولا يحد بصره القرب، فهو البعيد، يسمع كلام النفس في النفس، وصوت المماسة الخفية عند اللمس، يرى السواد في الظلماء والماء في الماء، لا يحجبه الامتزاج، ولا الظلمات، ولا النور وهو السميع البصير .
■ …….تكلم سبحانه، لا عن صمت متقدم ولا سكوت متوهم، بكلام قديم ازلي كسائر صفاته من علمه وإرادته وقدرته، كلم به موسى عليه الصلاة والسلام، سماه التنزيل والزبور والتوراة والإنجيل والقرآن، من غير تشبيه ولا تكييف، إذ كلامه تعالى بغير لهاة ولا لسان كما ان سمعه من غير أصمخة ولا آذان، كما أن بصره من غير أعين ولا أجفان، كما أن إرادته من غير قلب ولا جنان، كما أن علمه من غير أضطرار ولا نظر في برهان كما أن حياته من غير بخار تجويف قلب حدث عن امتزاج الاركان كما أن ذاته لا تقبل الزيادة ولا النقصان.
■ ……..فسبحانه سبحانه من بعيد دان، عظيم السلطان عميم الإحسان جسيم المتنان، كل ما سواه فهو عن وجود فائض، وفضله وعدله الباسط والقابض، أكمل صنع العالم وابدعه حين أوجده واخترعه، لا شريك له في ملكه ولا مدبر معه فيه إن أنعم فنعم العبد فذلك فضله، وإن أبلى فعذب فذلك عدله لم يتصرف في ملك غيره فينسب إلى الجور والحيف، ولا يتوجه عليه من سواه حكم فيتصف بالجبر لذلك والخوف، كل ما سواه فهو تحت سلطان قهره ومتصرف عن إرادته وامره، فهو الملهم نفوس المكلفين للتقوى والفجور ] أي لتعمل بالتقوى وتجتنب الفجور أو تقوم عليها الحجة بالعلم بما تفعل [ .فهو المتجاوز عن سيئات من شاء هنا وفي يوم النشور لايحكم عدله في فضله ولا فضله في عدله لقدم صفاته كلها،وتنزهها عن الحدوث . أخرج العالم قبضتين، وأوجد لهم منزلتين، فقال : هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصرف أسمائه، فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلائه، لو أراد سبحانه أن يكون العالم كله سعيداً لكان،أو شقياً لما كان في ذلك من شان لكنه سبحانه لم يرد ذلك فكان كما أراد فمنهم الشقي ومنهم السعيد، هنا وفي يوم الميعاد، فلا سبيل إلى تبدي ما حكم عليه القدم وقد قال تعالى في حديث فرض الصلاة :” هي خمس وهي خمسون ” قال تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}.
■ …….وذلك لحقيقة عميت عنها البصائر ولم تعبر عنها عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب إلهي ووجود رحماني، لمن أعتنى الله به من عباده، وسبق له ذلك في حضرة إشهاده، فعلم حين أعلم أن الألوهية أعطت هذا التقسيم، وإنها من دقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه، ولا موجود بذاته إلا إياه قال تعالى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ }. {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }. وكما شهدنا لله تعالى بالوحدانية وما يستحقه من الصفات العلية، كذلك نشهد لسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة إلى جميع الناس كافة بشيراً ونذيرا، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}. وأنه صلى الله عليه وسلم بلغ جميع ما أنزل إليه من ربه وأدى أمانته، ونصح للأمة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ، وقف في حجة الوداع على كل من حضره من الأتباع، فخطب وذكر وخوف وأنذر ووعد وأوعد،وأمطر وأرعد،وما خص بذلك التذكير أحداً دون أحد، عن إذن الواحد الصمد ثم قال : ألا هل بلغت؟ فقالوا جميعاً : قد بلغت يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم وآله : اللهم فاشهد
ونؤمن بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما علمنا ومما لم نعلم فمما علمنا وتحققنا مما جاء به وقرر، أن الموت عن أجل مسمى عند الله إذا جاء لا يؤخر، فنحن مؤمنون بهذا إيماناً لا ريب فيه ولا شك، كما آمننا وأقررنا وصدقنا أن سؤال منكر ونكير في القبر حق، وأن عذاب القبر حق، والبعث من القبور حق، والعرض على الله تعالى حق والحوض حق،والميزان حق،وتطاير الصحف حق، والصراط حق، والجنة والنار حق، وفريقاً فى الجنة وفريقاً في السعير حق، وأن كرب ذلك اليوم على طائفة حق وطائفة أخرى لا يحزنهم الفزع الأكبر حق، وأن شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم حق وأن شفاعة الأنبياء والملائكة وصالحي المؤمنين حق، وشفاعة أرحم الراحمين حق، فتشفع أسماؤه من الحنان والرحمة عند أسماء الجبروت والنقمة والعدل وكذلك نؤمن بأن إيمان أهل النار كفرعون وغيره غير مقبول ولا نافع، وأن جماعة من أهل الكبائر من الموحدين يدخلون جهنم ثم يخرجون بالشفاعة حق وأن كل ما جاءت به الكتب والرسل من عند الله تعالى حق . كذلك نؤمن بأن التأبيد للمؤمنين في النعيم المقيم حق، والتأبيد للكافرين والمشركين والمجرمين في النار حق، فهذه عقيدة القوم رضي الله عنهم أجمعين .وعقيدة عليها حيينا وعليها نموت .كما هو رجاؤنا في الله عز وجل فنسأل الله من فضله أن ينفعنا بهذا الإيمان ويثبتنا عليها عند الانتقال إلى الدار الحيوان.ويحلنا دار الكرامة والرضوان،ويحول بيننا وبين دار (سرابيل أهل القطران)، ويجعلنا من العصابة التي تأخذ كتبها بالإيمان، وممن ينقلب من الحوض وهو ريان ويرجح له الميزان بالإحسان، وثبت منه على السراط القدمان .إنه المنعم المنان آمين اللهم آمين، اللهم آمين (بفضل الله العظيم ورسول رحمته الكريم) {حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} ) اهـ .