إشاراتٌ في الرّسم القُرآني(4)

إشاراتٌ في الرّسم القُرآني الحلقة الرابعة

رسم كلمات بَاقٍ.. ٱلۡبَٰقِيَٰتُ….ٱلۡبَاقِینَ..بَاقِیَة

﴿بِسْم اللّه الرّحْمَن الرّحيم﴾﴿الحَمْدُ للّه ربّ العٰلمين ﴾حمد العارفين،و﴿لا إله إلا الله﴾توحيد المُقرّبين،والصّلاةُ والسّلامُ على نَبيّ الله صلاة الأحاديين. ونبرأ إليه تعالى من الحول والقوة ،فلا علم إلا ما علّمَنا،ولا عطاء إلا ما أعطانا،ونسأله تعالى أن يجعلنا ممن هَمُّه الصدق،وبُغيته الحقّ،وغرضه الصواب،ممن لايلتفِت إلى نفسه،ولايبحث عن الثناء،ولاعن التّطاول والإطراء،فإن أصاب فمن اللّه،وإن اخطأ فمن نفسه ورحم الله امرؤا عرف قدره فوقف عنده﴿ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾.

 اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد مدينة العلوم الإلهية،وعلى اله وصحبه أبواب الأسرار الربانية،وعلى العارفين ذوي الهمم العالية والمعارف اللدنية والفتوحات الكشفية،صلاة نلج بها دوائر الأولياء،وننال بها المقامات القعساء  

قال الحق تعالى :
﴿ ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلا﴾ الكهف 46

و قال سبحانه : ﴿ مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ﴾ النحل 96

وقال سبحانه (فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِی ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا بَعۡدُ ٱلۡبَاقِینَ ) [الشعراء 118-120]

وقال سبحانه ﴿وَلَقَدۡ نَادَيٰنَا نُوح فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِیبُونَ وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ  وَجَعَلۡنَا ذُرِّیَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِینَ) [ الصافات 75-76 -77 ]

و قال سبحانه ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِیَة فِی عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾[الزخرف 28]

ما سِرُّ حذف الألف و إثباته في الكلمات بَاقٍ.. ٱلۡبَٰقِيَٰتُ….ٱلۡبَاقِینَ..بَاقِیَة الواردة في الآيات الكريمة؟:

أولا-﴿مَاعِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ﴾العندية في الاية راجعة  على الاسماء الالهية : الرزاق،العاطي،الوهاب…..تجلياتها دائمة لا تنتهي وبالتالي نتائجها،وهي المقتضيات لا تنتهي

والباقي.. هو من الأسماء الحسنى ،ولهذا كان الألف فيه ثابتا .

وحساب جُمّل (مَا عِندَ ٱللَّهِ بَاق)يساوي العدد  334،.أي إسمه أحمد بسطا وكسرا    وهذه إشارة الى ان كان العطاءات القرءانية لاتخرج عن دائرة الأحمدية أي  القرءان. وكذلك ثبَتَ ألِفُ باقٍ لكونه راجعا على الله عزوجل إذا  وقفنا على ” الله باق” فالحق هو الباقي وما عنده باق.

ثم إن ﴿ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ ﴾ تشيركذلك لعندية الكرم و الجزاء و المنة الإلهية الثابتة التي لا حد لها  ولا نقص يعتريها فهي مطلقة﴿عِندَ ٱللَّهِ ﴾ فجاء الرسم بالف ثابتا موافقا  لتلك  المعاني.


ثانيا- ﴿وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ﴾ هي أعمالُ خيرٍ منسوبة للعِباد ،بسببها يتنعّمون في دار الجزاء كُلٌّ بحسب تباين هذه الأعمال نفسها كماً و كيفا،و لتباين و اختلاف كسب هؤلاء العاملين أنفسهم و تفاوت مقاماتهم. حُذْف الألف شامِلٌ لذلك و لغيره .وهو اختلاف ظاهر وباطن في الذكر عند الناس:  ف﴿ٱلۡبَٰقِيَٰتُ﴾ تشير إلى التسبيح و التهليل والحمد والتكبير (سبحن الله و الحمد لله والله أكبر و لا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه ) وتشير أيضا الى الصلاة على سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه وسلم ،فالاختلاف الظاهر كامنٌ في ما يَذكُرُ به كل شخص، فالذاكر العارف ليس كالذاكر العادي،والاختلاف الباطن تجد كُلاَّ وحاله عند الذكر، فتجد مَنْ يذكرُ وهو حاضرٌ عارفٌ وتجد مَنْ يذكرُ ويفكر في همّ الدنيا ، و تجد مَنْ يذكرُ ويفكر في نفسه و من يفكر في الجماعة بالدعاء .. هذا الإختلاف الحاصل في أعمال المُكلّفين سيترتّبُ عنه لا ريب إختلافٌ في الجزاء المترتب المخصوص لكل عامل ﴿لكل درجات مما عملوا﴾ ﴿ و ما كان ربك بظلام للعبيد﴾ فكان حذف الألف موافقا لتلك المعاني و لغيرها.

ثالثا- (فَأَنجَیۡنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِی ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا بَعۡدُ ٱلۡبَاقِینَ ) [الشعراء 118-120]..ٱلۡبَاقِینَ..ثبتت ألفها لأن الذين حق عليهم مقتضى الإغراق أشخاص محددون ،ثبت كفرهم  فثبت عليهم العقاب و تحقق (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰم لِّلۡعَبِیدِ﴾.

رابعا-﴿وَلَقَدۡ نَادَيٰنَا نُوح فَلَنِعۡمَ ٱلۡمُجِیبُونَ وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ  وَجَعَلۡنَا ذُرِّیَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِینَ) [ الصافات 75-76 -77 ] ..ٱلۡبَاقِینَ..ثبتت ألفها لأن الأمر يتعلق ببقاء و ثبات استمرارية حياة ذرية سيدنا نوح عليه السلام بما يحفظ استمرار الكائن البشري ،استمرارا لتعاقب الرسل و الانبياء من نسله قياما بالحجة (رُّسُلا مُّبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ لِئَلَّا یَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ) و استيفاءً لما تعيّن من نفاد الإرادة الإلهية من مقتضيات أسمائية التي تستلزم وجود استمرار حياة المكلّفين .

خامسا-﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِیَةفِی عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾[الزخرف 28]..بَاقِیَة ثابتة الألف لانها تشير لاستمرار كلمة الإسلام و التوحيد و الحق و الفطرة ،الكلمة الباقية الثابتة التي تنتقل بين الأصلاب في ذرية سيدنا ابراهيم عليه السلام (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِیمُ لِأَبِیهِ وَقَوۡمِهِۦۤ إِنَّنِی بَرَاۤء  مِّمَّا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱلَّذِی فَطَرَنِی فَإِنَّهُۥ سَیَهۡدِینِ)..

والله أعلم

الفقير الى عفو ربه :ابن الفاطمي

حصل المقال على : 1٬345 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد