إنا أعطيناك الكوثر

بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد لله رب العالمين.اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد المنزل عليه “انا اعطيناك الكوثر”عدد من حج واعتمر ،وطاف وسعى وقبل الحجر،وعلى اله وصحبه.

قال عكرمة فيما يرويه ابن جرير في تفسيره: الكوثر النبوة. وروى ابن المبارك في الزهد بسنده إلى عِكْرِمَةَ قَالَ:” الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ: النُّبُوَّةُ وَالْكِتَابُ “.                وقال غيره الكوثر نهر في الجنة.

قلت: وكل ذلك صائب والآية تستوعب أكثر.  فللقرءان ظاهر وباطن ولباطنه سبعة ابحر.(الحديث).

قال تعالى”قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ(35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40) (سورة ص)

انتبه الى انقلاب الضمير من الغائب “فسخرنا له الريح” …… ” الى المخاطب الحاضر” فامنن أو امسك بغير حساب ‘…ثم يعود الكلام على غائب ” وإن له عندنا لزلفى…” ولم يقل تعالى وان لــــــك عندنا لزلفى وحسن مآب ، فالخطاب للحاضر الشاهد على الكون الالهي (هذا عطاؤنا فامنن) : فامنن انت يامحمد او امسك بغير حساب،الخطاب لحقيقة نبوة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .                                                                                 الكوثر والله أعلم نهرالإمداد المحمدي للكون الالهي فالنهر له صفة الوسع ،و الجريان والإمداد. وكذلك النبوة هي الواسطة للكون،الممدة له، أوله وآخره ظاهره، وباطنه. فالآية تعني: إنا أعطيناك الإمداد للكون. فإن قيل لماذاعبرعن هذا الإمداد بالنهر وليس بالبحر،قلت:هذا رحمة بالكائنات. فعندما يريد القرآن إعجاز المخلوقات يعبر بالبحر،إذ البحر له صفة الجلال والقوة والوسع وغير متناه للناظر”والبحر يمده من بعده سبعة أبحر” والبحرثابت لا يتحرك من مكانه ،بخلاف النهر مجراه مغاير،يسلك يمينا كما يعرج يسارا يتبع المنحدرات لا يتقيد بمد ولا جزر،فهو يسلك الطرق ليوصل الماء العذب الفرات، إلى الاشجار والازهار ـو الى كل النباتات ،و الى الانسان والحيوان والطير،تحده العين ويكتنفه الأين…..ثم ينتهي الى البحر، وهذا التعبير بالصفة النهرية رحمة للكون،وتشمل الكون كله ، كل واحد على قدر إستعداده، ينال نصيبه من مدد النبوة (كل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ).  

أما الفرق بين العطاء والإتيان (منقول بالتصرف) :

”  اتى”   تستعمل كثيرا للأمور المعنوية ” يؤتي الحكمة من يشاء”” ولقد آتينا موسى تسع آيات” ” وآتينا إبراهيم رشده”” وآتيناهم ملكاً عظيماً”.                                وقد تستعمل للماديات كقوله تعالى “وآتى المال على حبه” .

الإيتاء مهدد بالنزع بمعنى انه ليس تمليكا (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء””  وآتيناه من الكنوز….ثم خسفنا به وبداره الأرض” 

                                                                                                                              
أما ” أعطى” فهي تستعمل في الأمور المادية فقط ” وأعطى قليلاً وأكدى” ،”فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى” فالعطاء تمليك، للشخص، فله حق التصرف
” هذاعطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب” هذا عطاؤنا، فلك حق التصرف فيه

” انا اعطيناك  الكوثر” عطاء وتمليكا ، ولك حق  التصرف فيه كيف تشاء.’فامنن او امسك بغير حساب”

و” إنا ” الضمير يعود على الجمع، أو على الشخص المعظم لنفسه.

فالجمع يعود على الاسماء الالهية 98 ، والتعظيم يعود على اسم الجلالة “الله رئيس الاسماء الالهية .كما يعود على الارادة الالهية وعلى القضاء والقدر إذ لا شئ في الوجود يخرج عنهم.

وإعطاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الكوثر يبين العجز عن عدم معرفة    هذا النبي الكريم (ما عرفني حقيقة غير ربي) فأحرى معرفة ربه . فمن يستطيع الاحاطة بهذا الكوثر ؟ ومعرفة كل مراتب النبوة المحمدية وحضراتها ،ووظائفها ،وتجلياتها ؟.

قال تعالى” إنا أعطيناك ” ولم يقل سنُعطيك وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على أنَّ هذا الأعطاء كان حاصلا في الماضي قبل القبل في بساط “كنت نبيا ودم بين الماء والطين” بل في البسائط الأولية كدائرة الألوهية ،دائرة الاصطحاب.

فكان الناتج عن هذا العطاء العظيم:” فصل لربك”.وهذه كذلك تدل على أقدمية النبوة. فالفاء تفيد الترتيب أي كما اعطيناك الكوثر قبل القبل فصل لربك وانحر    قبل القبل ،فكات النبوة تعبد خالقها وتصلي لربها ولا كون، ولازمان، ولا مكان فقامت بكل العبادات.

ما معنى النحر في الآية؟ 

ليس لنا إلا الرجوع إلى المعاجم فكما ان النحر يعني ذبح البعير كذلك لها معان أخرى: فيقال نحر الشهر أي أوله، قَالَ ابْنُ أَحمر الْبَاهِلِيُّ: ثُمَّ اسْتمرّ عَلَيْهِ واكِفٌ هَمِعٌ، فِي لَيْلَةٍ نَحَرَتْ شعبانَ أَو رَجَبَا

قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ أَنه يَستقبل أَوّل الشهر ويقال له ناحِرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه خَرَجَ وَقَدْ بَكَّروا بِصَلَاةِ الضُّحَى، فَقَالَ: نَحَرُوها نَحَرَهُمُ اللَّهُ

أَيْ صَلَّوْها فِي أَول وَقْتِهَا مِنْ نَحْرِ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَوله؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَوْلُهُ نَحْرَهَمُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ دُعَاءً لَهُمْ،أَي بكَّرهم اللَّهُ بِالْخَيْرِ كَمَا بكَّروا بِالصَّلَاةِ فِي أَول وَقْتِهَا.

فعلى هذا يكون معنى وانحر أي وتقدم وتصدر الوجود بنبوتك وامامتك

فعنونت الاية عن البزوغ الأولي لنورالنبوة من الصفة الأحدية ” أول ما خلق الله نور نبيك ياجابر” وتعبدها قبل القبل ،ثم ظهورها مستمدة من الخالق ،ممدة للخلائق.فعرَّفت الخلائق بالخالق، فأصبح الكل يسبح ،ويصلي، ويسجد لله.

يقول سيدي محمد الكتاني في كتاب الديوانية حاكيا عن خاطرة لاحت له في معنى الكوثر: واعلم أني فكرت يوما في دليل من الكتاب على أن للروح الأعظم إحاطة بجميع مراتب عوالم الإمكان، فألهمت من قولـه تعالى: {إنا أعـطيناك الكوثر}.    فكأن الحق يقول: إنا أعطيناك الإحاطة بجميع دوائب  كرة العالم؛علويها وسفليها، باطنها وظاهرها، كثيفها ولطيفها، جملة وتفصيلا، وعنه أفصح الكاف: ومع كونك هكذا، فليس فيضك إلا من الوجود المطلق، وعنه أعرب الواو. ثم إنك وإن حصل لك ما ذكر، فلا تخرج عن رق الحدوثية والحدَثان، فليس فيك  شائبة حرية بالنسبة لهذا المقام. لكن وإن كنت كذلك فالرب والمربوب مرتبطان ارتباط الألف واللام. وإليه الإشارة بالراء. كذا لاح.اهـ

وأما قوله تعالى: إن شانئك هو الأبتر. فهو فرع عن معنى ما قبلها. فمن أبغض هذا النبي العظيم فقد جهل أصله ، و أنكر مقامه ، وما عرف مدده ،وليس له إلا أن يكون حاله حال الأبتر الذي لا أصل له. فيقال عضو مبتور أي مقطوع عن أصله. فمن شنأ نبيه ،فقد شنأ أصل وجوده وجعل نفسه في مقام العضو المبتور.

والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه

الفقير الى عفو ربه :أبو أحمد

حصل المقال على : 1٬579 مشاهدة
هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

    يمكنكم الاشتراك في نشرتنا البريدية للتوصل بملخصات يومية

    الاشتراك في النشرة البريدية

    احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

    اترك تعليقا

    يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد