شرح الستور: من الستر الاول الى العاشر

المشهد الثالث.. الشرح (2)

 الشرح الثاني للمشهد الثالث

ثم قال لي:ارفع الستور واحدا فواحدا فرفعت الأول:فرأيت العدم.ثم الثاني “:فرأيت الوجود.ثم الثالث :فرأيت الموجود.ثم الرابع :فرأيت العهود.ثم الخامس:فرأيت الرجوع،ثم السادس:فرأيت البحور.ثم السابع:فرأيت الظلمات.ثم الثامن:فرأيت الخضوع.ثم التاسع : فرأيت التعليم.ثم العاشر:فرأيت الاشتقاق .

هذه الستورعددها 70 فكل سترشرحه يطول،وقد ارتايت الاختصار

فرفعت الأول:فرأيت العدم،بدأ بستار العدم ،لأن العدم للممكن الوجود ذاتي،والوجود الحق هو لله تعالى،ورد في الحديث “كان الله ولاشيء معه“فالحق تعالى، لاتصحبُه الشّيئيّة،هو مع الأشياء، وليست الأشياء معه.لأن المَعيّة تابعة للعلم، فهو يعلمُنا،فهو معنا، ونحن لا نعلمُه فلسنا معه،فنحن العدم الظاهر فعدمنا متقدم على الوجود،وهوفي مقابلة وجودنا في حال وجودنا.

‏يقول ابن عربي :فلا بُدّ أن يَعقل العارف:ما الشيئيّة الثّابتة له في حال عَدمه في قوله(إنما قولنا لشيء)وما الشيئيّة المَنفيّة عنه في حال عَدمه،في قوله(ولم تك شيئاً)فالظلمة التي خَلق الله فيها الخَلق، نَفْي هذه الشيئيّة عنهم، والنّفي عَدم مَحْض،لاوجود فيه.

ثم الثاني “: فرأيت الوجود. الوجود تظهره تجليات الأسماء الإلهية.والتجليات هي التي تنقل الأشياء من العدم الى الوجود(إنما قولنا لشئ إذا اردناه أن نقول له كن فيكون)فالتجلي يظهر المقتضى،والمقتضى هو الموجود.

 اطلق الله تعالى نعت الوجودعلى ألوهيته في عدة آيات،ووجود الله هو العلم به، واستشعارمقتضى الاسم المتجلى به تعالى،والتعلق باسم اوصفة من صفاته.

قال الله تعالى(ولوأنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفرواالله واستغفرلهم الرسول لوجدواالله توابا رحيما)وكذلك قوله تعالى (ومن يعمل سوءا أويظلم نفسه ثم يستغفرالله يجدالله غفورا رحيما)الوجود في الايتين مقيد بالمثوبة،والرحمة والمغفرة ، وكذلك(ووجد الله عنده فوفاه حسابه)وهذا للكافرعند حسابه له على أعماله.

 ثم الثالث :فرأيت الموجود.بعد التجلي،ظهرت مراتب الوجود، وأصبح الموجود ظاهرا للعيان. تجلي الحق باسمه الظاهر،وباسمه الباطن،وبالاسم الأول،وباسمه الآخر(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ).والوجود والموجود الحقيقي هو الله تعالى.

ثم الرابع :فرأيت العهود.أول عهد مأخوذهو(ألست بربكم) وأخذ العهد من الانبياء بالإقرار برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،وأخذ العهد على ءادم،بعدم الاكل من الشجرة.ثم العهود كلها التي ذكرت في القرءان من بينها العهد على بني اسرائيل.هناك آيات تتطرق إلى أنواع مختلفة من العهود، منها العهد مع الله،والعهد بين الناس، والعهد الذي يربط الأنبياء بالله، العهد هو اتفاق  بين طرفين.

يقول الشيخ القاشاني”حفظ العهد : يعنى به الوقوف عند الحد الذي حده الله تعالى لعبيده، بحيث لا يفقدك حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك”. 

الخامس:فرأيت الرجوع:يقول ابن عربي في الباب 207 في العلة:..فإن المرض يسمى علة، وهو من أقوى المنبهات في الرجوع إلى الله،لما يتضمنه من الضعف…”انتهى.قال الله وتعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

فمن لايُرجع اموره الى الله،فهو في حجاب.فالأمور كلها صغيرها وكبيرها بيد الله(إليه يُرجع الأمر كله)فالحكم للأسماء الإلهية المتجلية على الشخص،وفي كل الأحوال الرجوع إليها من باب المعرفة، والادب مع الله.

ثم السادس:فرأيت البحور.فهي بحورالأسماء الإلهية،كل اسم بحر،ولكل بحر بحور من المقتضيات.. وهي كذلك بحر القرءان﴿قُل لَّوْكَانَ الْبَحْرُمِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُقَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْجِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدا﴾وللقرءان ظاهر وباطن، ولباطنه سبعة أبطن.ظاهره حُكْم،وباطنه حِكْمة،لاتنقضي عجائبه،فيه خبر ماقبلكم،ونبأ مابعدكم …”ولانفقه كل الفقه حتى نرى للقرءآن وجوها كثيرة”(كما قال أبو الدرداء). ولوكان القرءان كله ظاهرا واضحا،حتى يستوي فيه العالم والجاهل،لبطل التفاضل بين الناس،وماتت الهمم،ولما كنا مأمورين بتدبره.يقول ابن عربي ج1 ص 76: … فاغطس في بحرالقرآن العزيز إن كنت واسع النفس وإلا فاقتصر على مطالعة كتب المفسرين لظاهره ولا تغطس فتهلك فإنّ بحر القرآن عميق. انتهى.

البحرمن الرموزالعرفانية،هو عند الصوفية يشير الى صفة الاتساع، والشمول،والإحاطة. ومن الصوفية من يطلق مصطلح البحورعلى الاقطاب.

ثم السابع: فرأيت الظلمات.أي العلم الغير مسموح للعارف الكشف عنه،فهو من الستور. فكل عارف لمعرفته سقف يجب أن يقف عنده،ويتأدب ،ويعترف بالعجز عن إِدْرَاكِ حقيقة النبوة المحمدية﴿إِنَّاعَرَضنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱلجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلنَهَا وَأَشفَقنَ منهَاوَحَمَلَهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولا﴾فكان ظالما لقدرها،جهولا بحقيقتها لأنه رام معرفتها، ومعرفتها مستحيلة،لأنها من عالم لاعلاقة له به.                          قال الشيخ ابو العباس التجاني:“أما الحقيقة المحمدية فهي أول موجود أوجده الله تعالى من حضرة الغيب وإن هذه الحقيقة لاتعرف بشيء،وقد تعسف البعض بالبحث في هذه الحقيقة …انتهى”.

ثم الثامن :فرأيت الخضوع. يقول ابن عربي في الباب 110:. ولايكون الخشوع حيث كان إلاعن تجل إلهي على القلوب،في المؤمن عن تعظيم وإجلال ،وفي الكافر عن قهر وخوف وبطش‏…اه .فالخشوع في القلب،ينتجه التجلي.اما الخضوع ففي الجوارح،وقد يكون تكلفا ورياء، ولاعِبْرة بصورة الطاعة ولابصورة المعصية،وإنما العِبْرة بما يَنْتُج عنها.قال ابو مدين :إنكسار العاصي خير من صَوْلة المُطيع.وجاء في الحكم العطائية:(تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه وتحقق بِذُلك يُمدّك بعزته،وتحقق بعجزك ،يُمدك بقدرته،وتحقق بضعفك يمدك بحوله وقوته)لأن المقصود من الطاعة هو الخضوع والخشوع والإنقياد والتذلّل والإنكسار.

ثم التاسع :فرأيت التعليم.في الصفحة 584 من الجزء الاول :… فالمعرفة مال العارف وزكاة هذا المال التعليم وهي درجة إلهية، قال تعالى(واتَّقُوا الله ويُعَلِّمُكُمُ الله)فهو المعلم فلهذا قلنا إن التعليم درجة إلهية. انتهى .

قالت الملائكة(لاعِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا)فمن علمهم بالله،أضافوا التعليم إليه تعالى.

والتعليم هو كذلك صفة محمدية (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(البقرة).وفي سورة الجمعة﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾.قال تعالى في حقه عبده الخضر(وعَلَّمْناهُ من لَدُنَّا عِلْماً) وقال تعالى(عَلَّمَهُ الْبَيانَ).                                               عن ابي هريرة قال ،قال صلى الله عليه وسلم :”من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار”. لهذا اعتُبر من الستور.و ولزوم التعليم يختلف حكمه باختلاف حال المتعلم. والتعليم يكون بالحال والفعل والقول والهمة.

ثم العاشر:فرأيت الاشتقاق. الاشتقاق في هذا المشهد يخص الأسماء الإلهية.

يقول ابن عربي في (الباب 177 من الفتوحات بالتصرف) العلم الأول هو“علم الحقائق”،وهو العلم بالأسماء الإلهية…. وردت الأسماء الحسنى الإلهية،في القرآن،بطريق “الثناء”، نَعَت بها كلها ذاته عز وجل من طريق المعنى، وكلمة “الله” من طريق الوضع اللفظي. فالظاهر أن الإسم “الله” للذات كالعَلَم، ما أريد به الإشتقاق،وإن كانت فيه رائحة الإشتقاق. وأما “أسماء الضمائر” فإنها تدلّ على الذات بلا شكّ، وما هي مشتقّة،مثل: “هو” و”ذا” و”أنا” و”أنت” و”نحن”فهذه كلها أسماء ضمائر وإشارات وكنايات تعُمّ كلّ مُضمَر ومُخاطَب ومُشار إليه ومُكنّى عنه وأمثال هذه…. ولفظ “هو”جعلوها من ذكر خصوص الخصوص،لأنها أعْرَف من الإسم “الله”عندهم في أصل الوضع،لأنها لا تدلّ إلا على العين خاصة، المُضمرة من غير إشتقاق. ومع هذا فما أحد من أهل الله سَنّ الذّكر بها،كما فعلوا بلفظة “هو”.فلا أدري هَل مَنعهم من ذلك عدم الذّوق لهذا المعنى؟وهو الأقرب،فإنهم ما جعلوها ذِكراً. ونحن نقول بالذّكر بذلك كلّه،مع الحضور على طريق خاصّ. فلا بدّ من “الطهارة والحضور والأدب والعلم” بهذه الأمور،حتى تعرف من تذكُر وكيف تذكُر ومن يذكُر وبمن تذكُر. الذي يعتمد عليه أهل الله في أسمائه تعالى هي ما سَمّى به نفسه في كُتبه ،أو على ألسنة رسله. وأما إذا أخذناها من الإشتقاق أو على جهة المدح،فإنها لا تُحصى كَثرة،انتهى.

ففي اسم الجلالة الله قوة جميع الأسماء ،وكل اسم يحمل مقتضى الأسماء الاخرى ،ومن هنا رتب المختصون في علم الاسماء، أدعية خاصة لكل اسم اعتمدوا فيها على الاشتقاق،اشتقاق معنى أو سر اسم،واضافته الى دعاء ،أو قسم ،أوعزيمة،بغية سرعة الاجابة ،أو التسخير،أو الزجر،ومن هنا اضافوا اسماء سريانية في أدعيتهم ،ومنهم من أضاف اليه أوفاقا ،واعدادا تعتمد على حساب البسط والكسر  .

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عرض التعليقات (1)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد