تلبيس إبليس
عن كتاب الفتاوى الحديثية.
يقول الشيخ ابن حجر الهيثمي
: صنف ابن الجوزي كتاباً سمّاه “تلبيس إبليس” تكلّم فيه على شيوخ الصوفية وطريقهم،وزعم أن إبليس لَبّس عليهم.قال اليافعي: “ولم يدر أنه هو الذي لبّس عليه في كلامه هذا واعتقاده فيهم وهو لا يشعر“.
والعجب كل العجب منه إنكاره سادات،ما بَين أوتاد وأبدال وصدّيقين وعارفين بالله،قد ملؤوا الوجود كرامات وأنواراً ومعارف،أعرضوا في بدايتهم عما سوى الله فحصل لهم في نهايتهم من فضل الله ما لا يعلمه إلا الله.
فقول الصغير منهم: “وقفت على باب قلبي عشرين سنة ما جاذبه شيء لغير الله إلا رددته”. هذا وهو يطول كلامه بحكاياتهم ويُنفق بضاعته بمحاسن صفاتهم،فهَلاّ أخلى كُتبه من ذكرهم إخلاءً عاماً،ولا يكون ممّن يُحلّونه عاماً ويُحرّمونه عاماً.
فهو يحكي عنهم كلمات عظيمة عجيبة يُطرّز بها كلامه،ثمّ يُنكرها عليهم في موضع آخر.
أما عَلم أن علماء أعلام الأمة،من المجتهدين ومن بعدهم من الأئمة،لم يزالوا قديماً وحديثاً يعتقدون الصوفية ويتبرّكون بهم ويستمدون منهم. وقد وقع للتقي ابن دقيق العيد أنه قال في حقّ فقير كان يعتقده ويخضع له: “هو عندي خير من مائة فقيه أو من ألف فقيه”. وكذلك النووي كان يعتقد الشيخ ياسين المزيّن ويقبل إشاراته،حتى أنه أمره بالسفر ورَدّ ما عنده من الكتب المُستعارة قبل موته بقليل، ففَعل،وسافر من دمشق راجعاً لبلده نوى فتوفي بها بين أهله. وكذلك العز بن عبد السلام كان يُبالغ في تعظيم الصوفية. وفي حياة الخضر ما يردّ على ابن الجوزي في إنكاره حياته،على أنه ناقض نفسه،فإنه روى بإسناده المتصل أربع روايات تدلّ على حياته (ذكر الروايات).. انتهى النقل عن اليافعي ملخصاً..
الفتاوى الحديثية __ المؤلف: شيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر الهيثمي (909_974هـ).