الحق المخلوق به

وليس المخلوق منه

يقول الشيخ الاكبر في الصفحة 396 – من الجزء الثاني:…الإنسان الكامل هو على الحقيقة الحق المخلوق به أي المخلوق بسببه العالم وذلك لأن الغاية هي المطلوبة بالخلق المتقدم عليها فما خلق ما تقدم عليها إلا لأجلها وظهور عينها ولو لا ما ظهر ما تقدمها فالغاية هو الأمر المخلوق بسببه ما تقدم من أسباب ظهوره وهو الإنسان الكامل وإنما قلنا الكامل لأن اسم الإنسان قد يطلق على المشبه به في الصورة كما تقول في زيد إنه إنسان وفي عمرو إنه إنسان وإن كان زيد قد ظهرت فيه الحقائق الإلهية وما ظهرت في عمرو فعمرو على الحقيقة حيوان في شكل إنسان ….

الحق المخلوق به…به..أي المخلوق بسببه…فمن يعتقد،انه فعلا المخلوق منه، فقد ألقى بنفسه في اوحال التوحيد. 

هذا الوصف للحقيقة المحمدية أول من أورده هو الشيخ ابن العارف الصنهاجي الاندلسي.

 المخلوق منه أي خلقه،وخلق منه،إذا كانت الاشياء مخلوقة منه،فهذا من باب تحصيل الحاصل،فالاشياء تخرج من العدم ،من وجود علمي الى وجود عيني، فلكل اسم من الأسماء الإلهية صورة في العلم الإلهي مسماة بالماهية أوالأعيان الثابتة في العدم…ولكل اسم منها ايضا صورة في الخارج مسماة بالمظاهر،والموجودات العينية . .

لولاك لولاك ما خلقت الافلاك..فهو صلى الله عليه وسلم طرف في التجليات الالهية،.فالوجود مخلوق لمخلوق ،واستغنى الخالق عن الخلائق. 

      قال تعالى(إناعرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) فالأمانة التي عرضت عليهم،هي الخلافة المحمدية (كلمة أمانة كتبت في هذه الاية بالألف الثابتة،في باقي القرءان كتبت بالحذف).(وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا)فالخلافة كانت من حق الإنسان الكامل، فكان ظالما لقدرها، جهولا بحقيقتها لأنه رام معرفتها،ومعرفتها مستحيلة،لأنها من عالم لاعلاقة له به.

قال الشيخ ابو العباس التجاني: “أما الحقيقة المحمدية فهي أول موجود أوجده الله تعالى من حضرة الغيب،وإن هذه الحقيقة لاتعرف بشيء،وقد تعسف البعض بالبحث في هذه الحقيقة …”

فمن قال”الحق المخلوق منه “فقد كان ظلوما جهولا بها،وتعسف عليها.فحذار.فكلام اهل التصوف ليس قرءانا وليس كل من جلس على كرسي المشيخة عارفا،وكلامه صائبا .

أوجد الحق تعالى من نور صفته الاحدية عبدا نورانيا،برزخا حقانيا حجابا حاجزا بين الذات الإلهية،والمخلوقات الوجودية،وألبسه حلل الأسماء الإلهية،و حلة الفيضة القرءانية،وأقام طاعته مقام طاعته فقال(من يطع الرسول فقد اطاع الله)و أقام مبابعته مقام مبايعته،(ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله) ومحبته تعالى مقام محبته (قلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) والاستجابة الى عبده صلى الله عليه وسلم ،مقام الاستجابة له، ورضى عبده النوراني مقام رضاه تعالى، لأن حقيقة العبودية تقتضي طاعة المعبود ومحبته والخلق لا يصلون الى كمال محبة الله وطاعته لضعفهم الذاتي وافتقارهم الصفاتي(وخلق الانسان ضعيفا) فأوجد الله لهم بشرا من جنسهم ،له وجهة حقية تنظر الى الالوهية، ووجهة خلقية بشرية.

 أما العلم بالذات الإلهية فمحجوب عن الخلائق، لا مناسة لهم مع الخالق ،يقول ابن عربي: العلم بذات الحق محال حصوله لغير الله،والإنسان المدرك لا يعرف إلا ما يشابهه ويشاكله،والباري تعالى لا يشبه شيئا،ولا هو في شئ مثله،فلا يعرف أبدا،فلا يعرفه أحد من نفسه وفكره… فاعلم أن الكون لا تعلق له بعلم الذات أصلاً،وإنما متعلقه العلم بالمرتبة وهو مسمى الله . الذات مجهولة العين والكيف،وعندنا لا خلاف في أنها لا تعلم بل يطلق عليها نعوت تنزيه( الفتوحات بتصرف).

نهاية السير  هي مرتبة الألوهية حيث  الأسماء الإلهية والحقيقة المحمدية 

ولا شك ان كل من تتبع ما يكتب بالمدونة عرف أسرار الحقيقة المحمدية،ودخل تحت مظلة العبودية ،التي تنزه الذات الالهية عن كل الصفات البشرية.ونشل نفسه من اوحال التوحيد.وأقر بالنبوة المحمدية واسطة بين حقائق الربوبية والمربوبين، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبد من عباد الله، والرب هو الله ،والعبد عبد الى ما لا نهاية ،والرب رب، الى ما لا نهاية ( كما يقول ابن عربي )                                                                    فالصدر الاعظم في الدولة العثمانية،هو اعلى منصب  تحت السلطان، له السلطة المطلقة ،يولي وعزل ،ويعطي ويمنع،يحرر ويسجن،له كل الصلاحيات،ولكن ليس بسلطان. فسيدنا محمد برزخ في التجليات الالهية،وواسطة في العطاءات الإلهية ،ولكن ليس الله، بل يسير وفق ماأراده الله(لتحكم بين الناس بما اراك الله) لا بمرادك.(فلا وربك لا يومنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)”مما قضيت” أنت يا محمد.هذا يدل على ان الايمان الحقيقي لا يحصل، الا لمن حكم الله ورسوله على نفسه، وعلى اقواله وعلى افعاله ،واحواله ظاهرا وباطنا ،أي الامتثال الى اوامر الله ورسوله ،والاستسلام بالكلية لحكم الله ورسوله 

واشكر الاخوان الذين يراسلونني ممتنين، بكل ما يكتب بالمدونة ومعترفين بفضلها في تنقية اعتقادهم من وحدة الوجود وأوحال التوحيد وتعسف بعض العارفين على الذات الالهية وعلى الحقيقة المحمدية.

هل أعجبك الموضوع؟ يمكنك مشاركته على منصتك المفضلة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد